عن ثنائية الديموقراطية والعولمة....
ثنائية العولمة والديموقراطية أو الفردانية جلبت الكثير من الجدال والنقاش حول ماهيتها وحول جدواها كأساس للنظام الدولي العالمي الجديد وهناك الكثير من الآراء والأفكار حول الصلة ما بين العولمة كنظام دولي واقتصادي والديموقراطية كتراث سياسي وحضاري لدى الغربيين. المفكر الكندي جون رالستون لديه بعض الأفكار الرائعة والدقيقة في تفكيك مفهوم العولمة وفي نقد الأسس المفاهيمية التي تستند عليها هذه الظاهرة الجديدة في تاريخ البشرية. ممكن استعراض الأفكار النقدية لجون رالستون بعدة نقاط مهمة تلخص جوهر الأزمة التي يمر بها النظام العالمي الجديد.
ــــ يبدأ جون رالستون بنقده للعولمة بذكره لحالة غريبة يمر بها العقل الغربي وهي الإحتفال بظاهرة العولمة وكأنها مجد جديد يضاف إلى أمجاد الحضارة الغربية. هذا الإحتفال يأتي على خلفية القول بأن تجليات مفهوم الدولة أو الحكومة السيادية قد أنتهى وبأن عصر الفرد هو القائم الآن في تسيير أموره بعيدا عن النظام المؤسساتي للدولة. هنا يسأل رالستون هذا السؤال البديهي والغائب وهو ما هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن للفرد في التعبير عن رأيه وفي تفعيل دوره؟ أليست الحكومة او الدولة الديموقراطية هي الوسيلة الوحيدة للفرد الغربي في التعبير عن نفسه وفي تقرير مصيره؟ العولمة تقع في خطأ كبير وهو القول بأن غياب الدولة هو نصر للفرد وهذا عين الخطأ لأن ليس هناك شكل بنيوي يتمكن من خلاله الفرد في تجسيد آماله غير الحكومة الديموقراطية.
ــــ يحلل رالستون هذا الخطأ الكبير على أنه يخضع أساسا لتفسير مغالط لمفهوم الفرد وهو التفسير القائل بأن الإنسان هو حب الذات وحب المصلحة فقط. هذا التفسير الذي قدمه توماس هوبز قديما هو التفسير المعتمد حاليا والذي تسير عليه العولمة لأنه بكل بساطة يؤمن بأن الإنسان عبارة عن كفاح لأجل المنافسة وللحصول على المكاسب الذاتية. رالستون يؤمن بأن هذا التعريف الضيق لمفهوم الفرد ينكر الأوجه الأخر لمفهوم الفرد وهو مفهوم الفرد المسؤول الذي يعيش ضمن مجتمع مدني وضمن مجتمع ديموقراطي يؤمن بالمسؤولية الأخلاقية والمسؤولية السياسية لدى الفرد.
ــــ المؤمنون بمفهوم العولمة دائما يركزون على نقطة مهمة ألا وهي أن العولمة هي ظاهرة حتمية وتطور حتمي في التاريخ البشري بسبب التطور الهائل في النظم الإقتصادية والتكنولوجية فلذلك يجب علينا حتميا القبول بهذه القفزة البشرية الهائلة. على ضوء هذا التفسير يسأل رالستون السؤال التالي وهو ما فائدة الديموقراطية أو الغختيار الشخصي ما دام كل شيء حتمي ومقرر مسبقا؟؟ ما فائدة كون الغربي مواطنا في مجتمع ديموقراطي إذن؟؟ هل هي ديموقراطية تختص بالتفاصيل فقط وديكتاتورية العوملة هي التي تقرر لنا الأسس المهمة للمجتمع " الديموقراطي"؟
ـــ ياتي رالستون على مفهوم الديموقراطية ليعرفه التعريف الصحيح والذي لا تعتمد عليه ظاهرة العولمة. الديموقراطية هي ببساطة البحث عن المصلحة العامة للأمم وهذا يتم خلال الإختيار الحر ومن خلال تطوير الحلول العملية في سبيل تذليل أي عائق يقيع حركة المجتمع وحركة الدولة في إتجاه الخير الأعم. كل هذا يجري بطريقة سلمية وبمنهج مريح للشعب وللمواطنين. هناك كان الكثير من السلبيات خلال مسيرة الغرب في تطوير الديموقراطية و في تطبيقها خصوصا خلال فترة الامة_الدولة ولكن الآن في الغرب تطور هائل في مفاهيم المجتمع المدني وميكانيزم الديموقراطية. لذلك لو حذفنا مصادر القوة للديموقراطية وهي مفهوم الدولة ووضعنا هذه القوة في يد النظام العالمي من دون ان نعوض الفرد لقوته المصادرة فنحن بذلك نضعف ماهية الديموقراطية بل نحن نلغي الاسس اللازمة لتشكيل ديموقراطية حقيقية.
هذا مختصر بسيط لنقد رالستون وتحليله لمفهوم الديموقراطية ومحاولة المزج ما بينها وبين التعولم العالمي.
قال الإمام علي عليه السلام " أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاِْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ."