[align=center]رزگار .. أيها القاضي المهذب .. شكرا لاستقالتك
أرض السواد : طاهر الخزاعي
[/align]

ardhalsawad@yahoo.com

لا يختلف اثنان ممن شاهد فصول محاكمة الطاغية وأعوانه حول جرائم الدجيل , من العراقيين وغيرهم على رقي أخلاق القاضي رزگار محمد أمين رئيس محكمة الطاغية . ومن دون ادنى شك أن الرجل لم يكن ممثلاً , فقد ينجح التمثيل في كثير من الأمور الا أنه لا ينجح في تقمص الأخلاق الحميدة والصفات المهذبة في مثل هذه المواقف وخاصة في مشاهد محاكمة الطاغية , سيما وإن تعامل الرجل مع المتهمين والشهود (الضحايا) والمحامين والإدعاء العام وحرس المحكمة واحد ولم يتغير طيلة الجلسات المتعددة . واذا كان المتابعون للمحاكمة اختلفوا في صفة الحسم عند القاضي أو صفة المرونة الزائدة والافراط في مجاراة الطاغية وأعوانه , فإنهم لم يختلفوا في رفعة أخلاق القاضي رزگار محمد أمين .. وهذه الصفة يجب أن نحسبها له ونغبطه عليها ونقدر له أخلاقه الرفيعة انطلاقاً من أمر الله تعالى ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) .

والآن وقد ثبت أن القاضي رزگار قدم استقالته واعتذر من الاستمرار لرئاسة هذه المحاكمة , وتضارب الآراء والتحليلات حول أسباب هذه الاستقالة .. فالبعض يرى ضغطا حكوميا على القاضي من أجل التعجيل والحسم في أمر الطاغية واعوانه , خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تُطلق سراح من تريد من المجرمين الطغاة ! . وهو تحليل لا أتفق معه لاستقلالية السلطة القضائية في العراق بشكل حقيقي .. لا أقصد ان الحكومة لا تضغط بل عليها أن تضغط لأنها تمثل الشعب والشارع العراقي برمته يطالب بالتعجيل لوضع حد لهذه المحكمة , ولكن المقصود ان القضاء كسلطة لا تتأثر بالضغط الحكومي .. ورأي آخر يقول بأن الضغط الشعبي المنتقد بشدة لاسلوب القاضي رزگار مع الطاغية وأعوانه وراء استقالة القاضي وهو نُقل عن القاضي نفسه وأنه لا يتحمل هذا الضغط لاسباب خاصة به .. وهذا رأي معقول ينطبق تماماً وأخلاق القاضي الرفيعة . وهناك رآي آخر معقول أيضا مفاده أن الضغط من الجانب الأمريكي على القاضي رزگار , خاصة اذا أخذنا بنظر الاعتبار أن ملف هذه المحاكمة بيد الأمريكان ولهم فيها مآرب كثيرة ! . ومقبولية هذا الرأي تتأتى من الجانب السلبي في مرونة السيد القاضي الذي أدى بصدام الى استغلال هذه المرونة الى أبعد حد بدءً من القاء الخطب والتشدق بالمقاومة والتمجيد بحزب البعث وآخرها لما وصل الحال بالطاغية صدام أن يشرح ما تعرض له ورفاقه من تعذيب وضرب في السجن الأمريكي .. الأمر الذي جعل من البيت الابيض أن يتصدى لنفي ذلك رسميا .. ومن التحليلات أيضا هو الضغط النفسي المتأتي من الخطر المحيط بالقاضي رزگار , فالتصدي لهذه المهمة أمر في غاية الخطورة وبالتالي فالقاضي وعائلته يحفهم الخطر في أي لحظة من خلايا البعث المجرمة .. والتحليل الأخير يذهب الى أبعد من ذلك كله ويرى أن ملف قضية الدجيل لم يكن محبكاً بالشكل الذي يدين الطاغية وأعوانه ويذهب بهم الى حبل المشنقة , فالأدلة غير كافية بمعنى أن الثغرات الموجودة يمكن استغلالها من قبل الدفاع والمتهمين وردها بشكل أو بآخر , وبالتالي فالقاضي رزگار علم بذلك بعد وصول المحاكمة في هذه القضية الى شوطها الأخير فآثر القاضي التنحي من أجل أن لا يتحمل السخط الشعبي الذي سيكون قاسيا جدا فيما لو خرج صدام وأعوانه من هذه القضية وهم غير مدانين ! .

على كل حال , هذه كل الاحتمالات الواردة التي قد تقف وراء تقديم القاضي استقالته والاعتذار من استكمال الشوط في هذه المحاكمة .. وكل الاحتمالات واردة خاصة اذا ما عرفنا أن المحاكمة طابعها العام سياسي . ومن المرجح أن تكون مجموعة هذه العوامل اجتمعت لتضغط على قاضينا المهذب مما أدى به لتقديم الاستقالة , فلا شك في الضغط الشعبي ومن كافة الشرائح , والحكومة باعتبارها ممثلة لهذا الشعب وباعتبارها قائمة على أنقاض حكومة صدام وأعوانه فهي تضغط أيضا . كما أن الخطورة التي يواجهها القاضي لها مصداقية في الموضوع , إضافة الى دخول الأمريكان على الخط الضاغط بعدما تمادى صدام في استغلال مرونة القاضي وبدأ يلامس ما لا تريده أمريكا من التحدث حول التعذيب والضرب وهو ما يخيف من أن يتجرأ صدام ليتحدث في ملفات أكثر خطورة فيما لو تم فتح ملفات ذبح حلبجة بالكيمياوي وقمع الانتفاضة .

ليس المهم أن نبحث في أسباب استقالة القاضي , لكن الاهم أن قاضينا المحترم أدرك الضغط والرأي الشعبي وأدرك معاناة العراقيين مما جرى في هذه المحاكمة .. وهذا الأمر مهم جداً لمن يخلفه في رئاسة المحكمة عسى أن يضعه في الحسبان ويستفيد من تجربة القاضي رزگار .. وأهم ما في هذه التجربة أن يكون القاضي حاسما مع الطاغية وأعوانه وأن لا يسمح لهم بالتهجم والاساءة للشعب العراقي والضحايا (الشهود) بل وحتى الشهداء !! .. الأهم - وهذه من علامات آخر الزمان - أن يساوي القاضي بين الضحية والجلاد !!! نعم نريد المساواة بين المجرمين وبين ضحايا الدجيل فكلنا شهدنا أن القاضي لم يسمح قط للشهود (الضحايا) أن يخرجوا خارج الموضوع بينما صدام وبرزان وطه ياسين رمضان وعواد البندر وحتى محامي الدفاع يشرقون ويغربون , يشتمون ويبصقون , ويتمادون في توجيه الاهانات للضحايا والشعب والشهداء ! .. وهذا ما لا نريد أن نشاهده في المحكمة بعد استقالة قاضينا المهدب رزگار محمد أمين .. ولعلي لا أبالغ اذا ما قلت أن استقالة السيد القاضي جاءت في محلها , بل جاءت لرغبة شعبية عراقية أقل ما تطالب به هو المساواة بين الطاغية وضحاياه ! وقد لمسنا أن هذه لا يقدر عليه السيد رزگار المحترم , فقدم استقالته , وله منا الشكر الموصول على هذه الاستقالة .