ظواهر أصولية تبعث على القلق يجب تطويقها حالا

ضياء الشكرجي


البعض يأبى أن يتعلم من التأريخ.
البعض ينقاد لانفلاتات غليان العاطفة ويعطل العقل.
البعض بل الكثيرون ينقادون لصخب العقل الجمعي ولا يقومون مثنى وفرادا ليتفكروا بصلاحية هذا أو ذاك الشعار.
وكثيرون يشخصون الخلل ويضربون كفا على كف ولكن لا حول ولا قوة لهم أما كل هذا الصخب.
البعض يـُخدَع ويـُستغفـَل بسهولة وينجر إلى المجزرة ليتم ذبحه وهو يهتف للذي يقوده إلى المجزرة.

جميلة شعارات الوحدة الإسلامية التي أطلقها الشيخ الكبيسي النائية عن الطائفية المقيتة.
ولكن خطيرة شعاراته تلك التي تحث الشيعة على مواجهة الأمريكان، أو التي تمتدح الشيعة بدعوى أنهم هم الذين قاوموا الأمريكان في الحرب الأخيرة.

البعض يعجبه أن يشاهد الفلم الذي عـُرض لمدة ثمانين عاما مرة ثانية ولكن بإخراج حديث.
وأقول حتى لو أعيد إخراج الفلم .. سيكون إعادة عرضه مملا .. مقرفا .. مؤذيا .. مدمرا.

هل نريد أن تنبعث أصولية جديدة يقودها فضيلة الشيخ الكبيسي تؤدي إلى محرقة حطبها شيعة العراق؟

ليس صحيحا أن نعلن الولاء للأمريكان بشكل مبتذل كما فعل ذلك الشيخ المعمم الذي قبـَّـل الجندي الأمريكي على وجنتيه وجبينه (موضع السجود) أو على أنفه – لا أدري - ثم كتفه الأيمن وكاد أن يتبرك بتراب قدميه لولا بعض ما تبقى من حياء أمام عدسة الكاميرا.

وليس صحيحا أيضا أن نهتف بطرد الأمريكان ونشتمهم بسبة «المحتلين» و«الغزاة».

نعم نريد عراقا حرا ذا سيادة وطنية كاملة.
نريد عراقا خاليا من جيوش أجنبية.
نريد الاستقلال والحرية والديمقراطية والسلام.
لكن .. واحدة بعد واحدة .. السلام أولا .. والاستقرار .. والإخاء الوطني .. فالرجوع ما أمكن إلى الحياة الطبيعية .. ثم البدء بالخطوات الأولى للتحول الديمقراطي .. ثم استكمال أشواط التحول واستكمال أشواط استعادة السيادة الوطنية.

ما يضيرنا لو استبدلنا مفردة «الاحتلال» بمفردة «الوجود العسكري الأجنبي» ولو استبدلنا عبارة «طرد ...» أو «مقاومة المحتلين» أو «... الغزاة» بعبارة «السعي لتحقيق السيادة الوطنية» أو «... لإنهاء الوجود العسكري الأجنبي».

أيها المعنيون .. يا حزب الدعوة الإسلامية .. يا ناس .. يا معممون .. يا شيعة .. يا عقلاء القوم .. أيها المسؤولون والمؤثرون من مريدي الصدر الثاني .. أيتها المرجعية .. طوقوا الفتنة أو المؤامرة في أسرع وقت .. لا يجب أن تحضر الجمعة القادمة إلا وقد تم تطويق الفتنة قبلها.

ليست القضية أما أن تكون حليفا وصديقا حميما للأمريكان أو تكون عدوا مـُـفرِطا في العداوة متطرفا في التعبير عنها .. دعونا نبحث عن المساحة الرمادية في العلاقة.

الأمريكان أصبحوا أمرا واقعا .. ولا ننس أنهم هم الذين أسقطوا النظام الذي كان يمكن أن يبقى لعدة عقود أخرى من الزمن .. كان يمكن أن يمتد عمر النظام ما امتد عمر الطاغية صدام ثم عمر ابن الطاغية قصي ثم ابنه ثم ....

صحيح أن الأمريكان كانوا هم المسؤولين عن مجيئ الطغمة البعثية الدموية. صحيح أنهم كانوا المسؤولين عن سحق انتفاضة 1991، لكن دعونا نجرب السياسية الأمريكية الجديدة فيما يتعلق بملف العراق.

دول وأحزاب الجوار لم تخدم القضية العراقية .. إيران لم تخدمنا .. سوريا لم تخدمنا .. حزب الله لم يخدمنا .. الأحزاب الإسلامية السنية السلفية الأصولية لم تخدمنا .. المسلمون غير العراقيين من الشيعة والسنة على حد سواء، من الحكومات والأحزاب على حد سواء – باستثناء الحالات القليلة جدا التي شذت عن القاعدة – لم يخدمونا، ربما لأنهم أو لأن الكثيرين منهم لم يفهمونا .. دعون نخدم إذن نحن قضيتنا .. نحتاج إلى عقلانية واعتدال وضبط أعصاب، وإلى مزيد من تجسيد الوحدة الوطنية، مع إصرار على النضال من أجل الأهداف الوطنية بالسبل السلمية والأساليب الحضارية.