النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    افتراضي بكائية الزمن الطويل

    مهدي الحسناوي

    بكائية الزمن الطويل


    (1)
    كانت تقرا آيات الكتاب القدسي بخفوت, عندما ناداها أخوها وأخبرها بالتهيؤ للرحيل فوقفت صامتة لهذا الشيء, لأنها سوف تفارق مدينتها الجميلة, ولكنها طأطأت رأسها بالقبول لهذا الأمر رغم مآسي وألام الغربة التي سوف تواجهها في طريقها, وبدأت ته مستلزمات السفر السريع, استجابة وطاعة لأوامر أخيها الأكبر, الأطفال لا يفهمون عما يجري لرحلتهم هذه ويتساءلون بهمس:
    ــ هل هي رحلة لزيارة قبر جدنا هناك, أم الانتقال إلى وطن آخر؟!.
    آذان المدينة يدوي في أصقاعها, مما يقطع حركتها فتقف عند باحة الدار خاشعة مستسلمة لأداء فريضتي العبادة بين يدي الخالق, بعدما توضأت بقطرات ماء من الكوز الفخاري الصغير, وقد انسابت القطرات كهالات قدسية فوق وجهها الملائكي, الذي يفوح بالعفة والإيمان, لحظات منقطعة النظير بالتسبيح والدعاء تذهل الأخريات في بيتها المتواضع, الركوع والسجود فوق سجادة بسيطة ورثتها عن أبيها, طرقات الباب تتوإلى كل يوم في الصباح والمساء, فقراء, متسولون يقصدون بيتها البسيط فتنهض مسرعة برحابة صدر تقدم ما لديها من مال وكميات من التمر, إلى الأيادي التي تقف وراء بابها الخشبي, الحقيقة والكبرياء, والعظمة والنقاء, مفردات النور امتزجت في صفات شخصيتها, زمن مبهم ينتظرها, ينتظر مجيئها, يراود ذاكرتها, يرسم فوق وجنتيها, بكائية التاريخ الطويل.


    (2)
    القافلة تتهيأ برجالها وخيولها ونسائها, أما هي فتتلفت إلى الوراء تلقي نظرة تأملية على بيتها ومدينتها وتذرف دمعة وداع ساخنة فوق وجنتيها, صياح البط يتعإلى, حينما تحركت القافلة, وكأنه ينبئ الراحلين بأمر ما, الصحراء القاحلة العواصف الرملية, حرارة الصيف, أشياء تقف كحواجز على جانبي طريقها الوعر, ولا بد من اجتيازها للوصول إلى نقطة البداية, الأيام تتوإلى بساعاتها, والنهار يشهد لحظات المسير الطويل, أما الليل فهو الرقاد فوق الرمال الجرداء, بعدما تودع الشمس قرصها الأخير, والجميع يغمضون الجفون من متاعب السفر, والصمت يلف الصحراء إلا أنها يقظة لا تنام إلا بعد أن تتفقد الأطفال جميعهم, وبعدها تقوم بين يدي المعبود لكي تصلي ركعتين ثم تستلقي بجسدها المنهك وتحدق في السماء, النجوم المتناثرة تحيط بالقمر المضيء, وكأنها لوحة فنية ساحرة, تذهلها حد البكاء.


    (3)
    يوم تودعه القافلة وآخر تستقبله متجه صوب أرض ما بين نهرين سماويين كأنهما سيفان فضيان, يحملان في قرارة قاعهما حضارة هذه البلاد وبكائية الزمن الطويل, الظلام والنور, الصمت والثورة, الفناء والخلود, مفردات الصراع الأبدي ترتسم في كل خطوة من خطواتها ومسيرتها اللامتناهية, فتبدو الصحراء بحر كبير متلاطم بأمواجه الرملية, وسفائنه الغريبة, وصمته المبهم, الليل والنهار يتعاقبان عليها, ومقصدها يقترب شيئاً فشيئاً, بيارق القافلة الملونة تلوح من بعيد وكأنها لافتات الغد المجهول, وصهيل الخيل يشق صدر الصحراء القاحلة, وسيدة القافلة لا زالت تراودها بوابات البلاد البعيدة, والتي بدأت معالمها في الأفق القريب.


    (4)
    تصل القافلة بعد ليال إلى مقصدها الأخير, مدينة غريبة بنخيلها وبيوتها وفراتها..يطوقها آلاف الجند من جميع الجهات, قلق يراودها عما يجري لهذ1 الأمر, جعلتها في حيرة أمام أسئلة الأطفال والنساء, ولكنها تشكو أمرها لأخيها الأكبر..
    ــ أخي لماذا يطوق هذا العسكر مخيمنا, وأين هو سفيرنا لهذه البلاد..
    ــ إنها ارض كر بلاء يا زينب كما وعدنا جدنا, فاصبري يا أختاه وكل شيء سوف ينتهي غداً, إلا صداك فأنه سوف يجوب البلدان ويهز أركان الطواغيت!!.
    هنا طأطأت رأسها باكية لهذا اليوم الموعود, وبدأت تهيئ نفسها لبكائية الزمن الطويل.
    :Iraq:من بريد شبكة العراق الثقافية:Iraq:

  2. #2

    افتراضي

    مهدي الحسناوي

    هي وحدها
    [poem=font="Simplified Arabic,6,blue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=3 line=0 align=center use=ex num="0,black"]

    كانوا يسيرون بصمتٍ
    ويزرعون الرفض
    في زمن الضياع
    كانوا يسيرون بصمتٍ
    وينثرون الورد
    في كل البقاع
    كانوا يسيرون,
    وخلفهم كانت تطأطئي رأسها
    من بلاد إلى بلاد
    ما بين المدينة وكربلاء
    الى ضواحي الشام
    هي وحدها حملت جراح الطف
    وسارت بقافلة الحسين
    كانت رؤوس الطف مشاهد لافتات
    فوق الرماح
    وقناديل
    تضئ الدرب
    في زمن الجياع
    زمن خؤون بنت فاطمة تسير
    الى قصور الشام
    وتنحني تمسح دموع الطفل
    وتنفض من عباءتها
    الرمال
    هي وحدها,
    هزت قصور البغي
    وانتفض الزمان
    هي شهقة الطفل الرضيع
    وحسرة العباس
    وصدى سكينة من بعيد
    هي لم تزل ترسم جراح الطف
    في كل العيون
    هي لم تزل تقرأ,
    قصيدتها الأخيرة:
    كنت صرخة تهز هذا الكون,
    أو لا تكون
    أو لا تكون[/poem]شباط 2001
    :Iraq:من بريد شبكة العراق الثقافية:Iraq:

  3. #3

    افتراضي

    مهدي الحسناوي
    هيروشيما:
    [align=center]
    وغداً أسافر الى هيروشيما
    أقرأ فاتحة القبور
    وأعد أسماء المكفوفين بين شوارعها
    وأسير بين الزاب الأكبر
    وبقايا رائحة الخردل
    وأرى شلالات الجبل الأخضر
    في زمن الموت القسري
    تودع قافلة الشهداء
    وأرى دجلة
    تخبئ رايات الفجر
    أنات الأنفال
    وآهات القصب الثوري
    واسير بين الوادي وبيوتات الأكراد
    الملم بقايا ألمي
    وأبكي لصدى طفل مفجوع
    يوقظه,
    عويل الفقر
    وحرب ليالي الرفض
    وأسير الى هيروشيما
    بلا تذكرةٍ
    أفتش بين صخور الامس
    عن عمري
    عن دمعة بغداد
    [/align]
    شباط 2000
    :Iraq:من بريد شبكة العراق الثقافية:Iraq:

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني