الديمقراطية بين الجعفري وخصومه

كتابات - المعري البغدادي

لا احب السياسين سواء كانوا عراقيين او غير عراقيين .لكني لست على خصام معهم. يعني انني انظر إلى اعمالهم لا إلى اشخاصهم.انظر إلى مايقدمونه لا إلى مايقولونه.والجعفري بالنسبة لي لايشذ عنهم. لكن هو مرشح كتلة برلمانية لرئاسة الوزراء. وهذه الكتلة فازت باعلى الاصوات والمقاعد. ولها حق تشكيل الحكومة. وهي اختارت مرشحها بفارق صوت واحد. والديمقراطية هي 50+1 كما نعرف. لكن الجعفري ووجه بحملة لاجباره على التنحية فهل هذه الحملة على حق؟وهل هي ديمقراطية؟
الجعفري قاد الحكومة العراقية الانتقالية لمدة تسعة اشهر قبل الانتخابات الثانية. ويحتج خصومه بان اداءه كان غير مقنع.
الحقيقة ان اداء أي شخص اخر كان في مكان الجفعري غير مقنع لان العراقيل التي وضعت لتعجيز الحكومة كثيرة. وضعت من الامريكان في سياق اجندتهم ووضعت من ايران والسعودية وسوريا والبعث المنهار والاردن وفق اجندة كل طرف. فالهدف المشترك للجميع مع تفاوت المستويات هو استمرار عدم الاستقرار في العراق.وليس غريبا ان تتعرض وزارة الداخلية حتى في عهد الحكومة المؤقتة التي راسها علاوي ووزيرها سني هو فلاح النقيب إلى نقدالقيادات الدينية السنية (وليس السنة)التي وجدت في هذه القضية قميص عثمان. فلا تستطيع وزارة تعنى بحفظ حياة المواطنين ان تعتقل ارهابيا او مسلحا او متهما بالقتل في العراق الذي يراد له ان يبقى تحت رحمة الارهاب والعنف وعدم الاستقرار لخدمة اهداف سياسية لم تعد تخفى على احد.وكانت الانتخابات الاولى ضربة لمشروعية العنف واداء فلول البعث عدم مشروعية الحكومة. وهذا السبب جعل عدم المشاركين الذين يحنون إلى عودة النظام السابق بتركيبته يصعدون حملاتهم السياسية والاعلامية مدعومين من دول الجوار كالسعودية التي تملك 99 بالمائة من الاعلام العربي وتساهم في تاجيج حملة التوتير الطائفي بين الوهابية والشيعة باستخدام بعض قيادات السنة العراقيين الموالية للوهابية والممولة منها.
من مكان اخر هبت رياح المعارضة ضد الجعفري من الاكراد بسبب امتناعه عن اداء القسم كاملا لكي لايكون مضطرا للايمان بالفدرالية. واذا كان الجعفري قد تجاوز على قسم اقر دستوريا وباغلبية وليس له الحق في ذلك , فان القيادات الكردية في التحالف اضافت قضية اخرى لم تكن اصلا من اختصاص الجعفري كرئيس للحكومة الانتقالية وهي قضية كركوك التي ينص قانون ادارة الدولة على تهيئة ظروف محددة للشروع بتطبيع الاوضاع وليس اقرار حق الاكراد بها. يضاف إلى ذلك ان الرئيس جلال الطالباني وسع من اطماعه الشخصية والسياسية على خلاف الدستور (وهي قضية لايشير اليها الكتاب الذين اعتادوا عدم احترام الدستور وتملق القيادات الكردية وهباتها المالية(فما معنى مثلا ان تؤسس جماعة من السياسيين الذين عفا عليهم الدهر ما يسمى: اللجنة العربية لدعم الاكراد في هذا الوقت سوى كونها وسيلة ارتزاق وتملق سياسي) ودعمها للسياسيين بعد فشلهم الانتخابي).وقد اصطدمت مطامح الطالباني غير الدستورية مع الدستور الذي ينص على ان السلطة التنفيذية هي بيد رئيس الوزراء فراح يفسر القانون بتعريف الحكومة وليس صلاحياتها.وكان الطالباني صرح انه لن يقبل بولاية رئاسية ثانية اذا لم تعدل صلاخياته نحو الاعلى. أي ان يعود العراق ليفصل الدستور وفق مقاسات الرئيس حتى لو كان بدينا مثل السيد الرئيس الحالي؟
جاءت هذه الاختلافات منسجمة مع التراجع الامريكي عن دعم العملية السياسية بناء على الدستور والانتخابات.فقد قادت الانتخابات إلى صعود القوى الاسلامية الشيعية وهو امر لم يكن متوقعا بهذا الشكل, خاصة وان النفوذ الواسع الذي يمارسه المرجع الديني أية الله السيستاني على الشارع العراقي قد اوقف الاجندة الامريكية في منتصف الطريق. فالسيستاني اصبح مقنعا لقوى علمانية وقوى شيعية وسنية تجد في مواقفه صدى لحسها السلمي اللاعنفي وتعبيرا عن ضرورة وجود رادع بهذا الحجم لانفلات الوضع.
نعود الان إلى الجعفري.فهو ليس شخصا في هذه القضية وانما انتاج الممارسة الانتخابية شئنا ام ابينا. احببناه ام كرهناه.وسيكون اجباره على التنحي طعنة نجلاء للديمقراطية برمح احزاب اعتادت على عدم الديمقراطية حتى في صفوفها وبين اعضائها.
لانشك في ان السياسة في عراق اليوم تقوم على ثلاثة اسس:
الاساس الاول: ديني. فالدين له نفوذ في الشارع العراقي يفوق الشعور السياسي
الاساس الثاني: مذهبي, فالمذهب اصبح انتماء سياسيا يفوق الشعور الديني
الاساس الثالث:شخصي-عائلي –قبلي يعبر عن تفوق القادة السياسيين على احزابهم وعلى وطنهم بحيث انهم يضعون ابنائهم واقاربهم في مناصب سياسية باسم الحزب دون اعتراض من اعضاء الاحزاب وهذا يشمل الجميع بما فيها الاحزاب غير الدينية والاحزاب الكبيرة والصغيرة.
في ظل هذه الاسس لايمكن الاعتراض على الجعفري الذي ان لم يختلف قليلا عن هذه الاسس فهو منها.وهذه الاسس خلقت فجوة هائلة بين العملية السياسية وبين ممارسيها في الانتخابات ومعطيها حياتها ومستقبلها. (1)كما ان هذه الفجوة جعلت العملية السياسية تدور في كواليس الاحزاب ولذلك تعيد اسطوانة التوافق والمحاصصة وتقسيم الدولة على مصالحها على حساب مصالح الشعب العليا وتسعى إلى الغاء نتائج الانتخابات والعودة إلى احتكار السلطة حتى لو ذهب الحال باخدهم إلى شراء موقع له في البرلمان عن طريق عشر ملايين دفعتها له دولة خليجية ليشتري موقعه في قائمة وصلت إلى البرلمان.ان الاحزاب المعترضة تريد مع الاسف ان ترث العراق من نظام صدام ولاتريد للشعب العراقي ان يرث العراق ويستعيده من نظام القمع والارهاب البعثي.
ان الصورة الحالية في العراق كمايلي:
مع انهيار الامن والخدمات تستفحل ظاهرة الفساد الاداري ويتم تهددي النزاهة والقضاء على علم من بعض الاحزاب التي ستصبح احزابا برلمانية وتطالب بالاشتراك الفعلي في الحكم لتوسيع فسادها والاستيلاء على ماتبقى من اموال الدولة.ومع استمرار الازمة السياسية المفتعلة تخترق المجموعات الارهابية من كل صنف اجهزة الدولة وتلبس ملابسها وتذهب صفقة بالاف المسدسات إلى القاعدة مع ان استيرادها تم باسم جهاز من اجهوة الدولة واكثر من ذلك يتضح انها فاسدة ولاتعمل. فاي عراق يريد المعترضون ان يكرسوه لنا نحن العراقيين الذين انتظرنا عشرات السنين نحلم بالقانون والدستور والديمقراطية ليعود قتلة القانون والحرية والدستور باعذار شتى؟
لقد اصبح الجعفري رغما عنه يمثل حالة الديمقراطية دون ان يدري. فالمطالبون بتنحيته ليسوا ديمقراطيين وهو انتخب مرتين. المرة الاولى انتخاب القائمة التي يينتمي اليها وفوزها باغلب المقاعد(128 مقعدا). وهذا الانتخاب اتاح له ترشيح نفسه ضمن ارادة القائمة الفائزة وخيارها ففاظ بنسبة 51% وهي النسبة الكافية لاقرار ديمقراطية باغلبية ضعيفة.
ليست القضية اذن قضية الجعفري وانما قميص عثمان جديد يرفعه الخاسرون ودول الجوار وقادة دينيون اعتادوا على رفع القمصان ضد الحرية والديمقراطية ولكنهم لم يرفعوه يوما ضد الدكتاتورية فلماذا لم يرفعو قميص الشيخ عبد العزيز البدري الذي اعدمه صدام على سبيل المثال؟
لقد حاول رافضو الجعفري الاستعانة بمرجعية السيستاني لتوريطها او جعلها طرفا متناسين قدرة هذه المرجعية عن ان تنأى بنفسها عن تفاصيل مثل هذه فصدموا حين كان موقف السيستاني عدم التدخل في خيار داخلي للقائمة الفائزة, وتفضيله مصالح العراق عبر احترامه لجميع القوائم الفائزة.
ان المؤشرات تشير إلى امكانية دفع الجعفري إلى التنحي او تشير إلى عدم منحه الثقة البرلمانية اللازمة.وربما سيخسر جولة شخصية ولكني اعتبرها خسارة جولة وطنية ديمقراطية, وهذه الخسارة تعيد البلاد إلى قبضة من حديدوتخلق الفراغ الدستوري والسياسي الذي تسعى اليه الاحزاب والقوى المؤمنة بالعنف والانقلاب وتقاسم السلطة من قبل ثعالب وذئاب السياسة التي لم تستطع اسقاط صدام بسبب انانيتها وعدم تضامنها وانتهازيتها حتى جاءت امريكا وجعلتهم تحت قبضتها واسقطت النظام البعثي ليتسلموه لولا الانتخابات التي كشفت حجومهم التاريخية والواقعية.
ربما سيعمد البعض إلى الهجوم باعتباري من انصار الجعفري خاصة وان الاف الاشخاص تحولوا إلى كتاب وابواق في حملات محمومة لتناهب مستقبل العراق دون رادع من ضمير او معيار مهني(2). نعم انا من انصار الديمقراطية التي جاءت بالجعفري إلى الحكم ولست من انصار الجعفري. ومن انصارها يوم تجئ بخصوم الجعفري إلى الحكم بالاسلوب الانتخابي الديمقراطي نفسه وليس بالعنف او بجبهة مرام التي جمعت لينين وابن تيمية وميشيل عفلق والمعجبين بفرانكو وميلوسوفيتش وبينو شيه وكل التناقضات من السدارة إلى العمامة إلى الغترة والعقال إلى ربطة العنق الحريرية إلى ممثلي دول الجوار الدافعة للاموال المعنين بمصالح تلك الدول أكثر من وطنهم.
لعل هذه الكلمة كلمة حق لايراد بها باطل ولايراد بها مصلحة شخصية ونصيحتي لكل من يدعي الديمقراطية ان يلتزم بها حتى لو جاءت بخصمه إلى الحكم .

*1* قرات مقالة لاحد الكتبة العراقيين الذين لايدعون صحيفة لم يعملوا بها رغم عدم قناعتهم فكريا وسياسيا من البعثيين إلى الشيوعيين إلى الملكيين إلى المؤتمر الوطني إلى الزمان إلى الصباح إلى الاتحاد إلى .. إلى. وهذه ليست سجية صحفي وانما عرضحالجي, يقول ان نقطة نظام على الجعفري هي انه انتخب عضو إلى البرلمان وهذا صحيح لكنه يقول ومن حق أي عضو برلماني ان يكون مرشحا لرئاسة الوزارة وهذه ديمقراطية عرضحالجية روج لها هذا الكويتب لاتوجد الا في افكاره التي يبيعها للمواقع والجرايد لكي يقبض عليها. فاين الحزب الفائز الذي تعتمده الديمقراطيات لتشكيل الحكومة وترشيح رئيس وزراء منه. ان هؤلاء الكتبة الحزبيين المتقلبين في الواقع ينتمون إلى انظمة فكرية وسياسية شكمولية ذات طابع دكتاتوري يكره الانتخابات والديمقراطية.وهذا نموذج ضار وليس نافعا خاصة في هذه المرحلة.

*2* ان مراجعة المواقع الالكترونية تشهد على ان استخدام العراقيين للانترنيت تفوق استخدامات بقية الدول العربية مضافا اليها الانقسامات الحزبية التي لاترحم