[align=justify]كلما يتسعُ المشهدُ لا تضيقُ العبارة ُ وحسب ، بل تضيع تماما ، ولا يعودُ لها من قدرة على أنْ تنتشل نفسَها فضلا عن أنْ تنتشلَ الكاتبَ والقارئ على حدٍ سواء ..
عجز اللغة عن وصف المشهد
كلما يتسعُ المشهدُ لا تضيقُ العبارة ُ وحسب ، بل تضيع تماما ، ولا يعودُ لها من قدرة على أنْ تنتشل نفسَها فضلا عن أنْ تنتشلَ الكاتبَ والقارئ على حدٍ سواء ..
سأروي ما سمعته وما لم أستطع مشاهدته ... كيف أقدر على أن أشاهده وقد رواه لي طبيب جراح لم يقاوم مشهدا واحدا فخرّ مغشيا عليه ..
كان معي على الماسنجر .. صاحبي حين أخبرني بأنّ أفلامَ الذبح توزّع في مناطق كبيرة من بغداد وغربها .. وتلك ليست المصيبة ...
الكارثة التي لا يحتملها إنسانٌ ولا يمكن أنْ يردَ مثيلها في تاريخ الوحشية منذ خلق الله الوحشَ حتى اللحظة ..
وقبل أن أستطرد .. أسألُ القارئ لعله يجد لي معادلا لغويا لتلك البشاعة .. وهي دعوة لفتح كل قواميس لغات الدنيا كي نبحثَ معا عن أبشع الكلمات ، ولا أخالنا نجد كلمة واحدة تتوازى على الأقل مع فصل واحد من فصول الوحشية التي تضرب العراق ..
المشهد الأول ..
قال لي صاحبي .. الطبيب الجراح .. كانوا يذبحون الناس الأبرياء بسكين ذاتِ نصل ٍ حاد .. ربما تطبيقا لمذهب الذبح الإسلامي الذي يتوسل بالشفرة الحادة لأضفاء صفة الرحمة على المذبوح .. ورأيناها .. وتبادلوها فيما بينهم ، صورَ بقع ٍ للدم الحار على شاشات هواتفهم النقالة .. أما اليوم فلقد اكتشف الذبّاحونَ ( على الطريقة الإسلامية ) أنهم كانوا رحماءَ مع من لا يستحقّ الرحمة ، فالمذهب الإسلامي بالذبح ينطبق على النعجة والشاة والبعير وليس على الشيعة .. اكتشفوا أنهم استخدموا شفراتِهم الحادة مع من يستحق العذابَ حتى في قتله .. مخيلتهم العظيمة وموهبتهم البراقة اخترعت سلاحا آخر .. إنه التنكة .. نعم علبة الزيت المقطوعة عشوائيا تحز الرقبة بشكل تدريجي يقطع أوصالَ القلبِ ألما قبل أن يصل الذبحُ إلى نهايته .. النهايات المتعرجة للتنكة تضفي متعة كبيرة للذابح وهو يرى المذبوح يرفس أمامه .. الأكثر بشاعة ( حتى الآن أظن أن هذه اللفظة رقيقة جدا أمام هذا العمل ) أنهم يبعثون تلك اللقطات رسائل للموبايل ويتبادلونها كأجمل اكتشافات ..
المشهد الثاني ..
بعد ان طبق المشهد الأول بامتياز .. خـُذلَ الذباحون في مشارق الأرض ومغاربها .. فتنادوا مصبحين أنْ تلكم طريقة ( طريقة التنكة أم الشحافير ) مؤدبة ورقيقة مع أناس كتب عليهم الذبح والتنكيل واستخدام أكثر الوسائل إيلاما .. روى لي صاحبي أنهم أجلوا التدرج القديم بالذبح ( طريقة التنكة ) ، ذاك الذي لم يشفِ غليلهم ولا يقرّبهم قاب قوسين أو أدنى من العروة الوثقى المطلية بدمنا .. فاكتشفوا تقطيع الأوصال ، جزءا بعد آخر .. يصفـون الأطفالَ على حائط البيت .. ثم يكممون أفواههم .. ويهمون أمام أمهاتهم بالتقطيع .. يقطعون اليد اليمنى أو اليسرى .. اليمنى بالطبع فيها البركة .. ثم اليسرى ، ثم القدم اليمنى ، ثم اليسرى . ثم الأعضاء التناسلية .. وهكذا حتى الموت .. أمام أمهاتهم .. هل سمتعم بذلك ؟..
الآن ساترك لكم الحكم .. أسال جهابذة اللغة وعباقرتها والغائصين حد الذقن في بحورها ، هل يمكن لأحدهم أن يصف فيقنع القارئ بالمشهدين السالفين ، أو السافلين لا فرق ؟؟
أما عن رأيي .. فلست بظان أن عجزا ما أصاب اللغة .. كل ما في الأمر أن المشاهد التي نراها تحدث في العراق بخصوص الأبرياء من الشيعة لم يشهد تاريخ اللغة لها مثيلا .. فمن أين يأتي الاشتقاق أو النحت أو أي وسيلة أخرى للولادة اللغوية ما دام التاريخ لا يمتلك شواهد ولو قريبة مما نرى الآن .. بالتالي فنحن بحاجة ، لكي نخفف من سحب الدخان التي تغطي صدورنا ، إلى نوافذ لغوية ( على الأقل ) لكي نأخذ نفسا واحدا يمكن أن يريحنا ..
مشهدان صغيران .. والمجاهدون الشرفاء ليسوا بضنينين علينا بصور أخرى ومشاهدَ أخرى واكتشافاتٍ أو اختراعاتٍ عظيمة جديدة للذبح .. ربما ستؤسس للثورة الدموية الجديدة التي ستغير وجه الدين المتحجر إلى وجه أكثر إشراقا وألقا .. أم أن الثورات تقتصر على الفرنسيين وحسب ؟؟
وصمة عار عظيمة في جبيننا إذا ما استمر الأمر لشهر آخر .. يا ألله .. هو الإنقراض إذن ..[/align]