 |
-
الدين..بين التسامح والخشونة
بسبب حذف العقلانية في فهمنا للدين والاعتماد على اخبار الآحاد فاننا نشاهد في باب الحدود والديات احكاماً مشهورة تخدش من وجاهة الدين وتعرضه للناس بشكل عبوس وخشن، وأهمها اعدام المرتد، قطع يدالسارق، رجم وجلد الزاني. فلا يمر يومُ الاّ والمحافل الدولية تدين المسلمين بسبب هذه الاحكام الفقهية، وطبعاً لوكانت هذه الاحكام مستنبطة من الكتاب والسنة فلانهتم بكلمات التوبيخ والذم من المخالفين، ولكن مع الأسف أن الاسلام والمسلمين يتعرضون للسخرية والاستهزاء بسبب احكام تخالف الكتاب والسنة، نحن نعتقد أننا اذا تدبرنا قليلاً في آيات القرآن الكريم ولم نعتمد على اخبار الآحاد، فسوف نخرج بنتائج مخالفة لما هو السائد من هذه الاحكام الفقهية، وكنموذج لذلك نذكر بعض هذه الاحكام باختصار:
اعدام المرتد
المشهور لدى العقلاء أن اعدام المرتد لايتلائم مع روح الاحكام الاسلامية فكيف يمكن لدينٍ يرفع شعار«لا اكراه في الدين» مرّات عديدة ويقرر أن الله أمر نبّيه الكريمr أن لايستخدم وسائل الجبر والإكراه في دعوته السماوية، ومع ذلك فانه من أجل ابقاء اتباعه على دينه يستخدم ادوات العنف والجبر. وببيانٍ آخر: كيف يمكن أن يكون الدخول الى الدين اختيارياً ولكن البقاء فيه اجباريٌ؟
كيف يمكن لدينٍ يدّعي أنه دين الرحمة ولكنه مع ذلك يحكم بقتل ابناء المسلمين الذين شككوا في بعض مبادئه لا من موقع العناد بل من موقع الاطلاع على الافكار والاديان الأخرى؟ ثم إن الله تعالى يصرّح في سورة المائدة باستحقاق الانسان للاعدام في موردين فقط: القاتل والمفسد، «ومن قتل نفساً بغير نفس أو افساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً» فلا يمكن اجراء حكم الاعدام في غير هاتين الصورتين كالحكم باعدام المرتد الذي لا ينطبق عليه عنوان القاتل ولا المفسد في الأرض.
وبشكل عام يمكن القول إن المسلم اذا أنكر الدين من خلال المطالعة والتحقيق فانه لايعد مرتداً، لانه لم يقبل الاسلام ابتداءً من موقع التحقيق والاختيار الحر حتى يخرج منه كذلك.
ولهذا السبب فارتداده لايؤثر في اعتقاد الناس بالاسلام، بل على العكس من ذلك فانّ اعدامه قد يؤثر تأثيراً سلبياً على اعتقاد الناس بالدين حيث يتصورون أن الاسلام يجبر الناس على اعتناقه.
إنّ حكم المرتد يجب أن ننظر اليه على أنه حكمٌ مختص بالمراحل الأولى من بدايات الدعوة السماوية ولم يستقر الدين في قلوب الناس بحيث إن خروج نفر واحد من الدين يعتبر خسارة وهزيمة للدين، ولكن بعد استقرار النظام الاسلامي والتحاق اقوام كثيرة بالاسلام فانّ اعتناق بعض الاشخاص لهذا الدين أو خروجهم منه لايؤثر في قوّة وضعف هذا الدين. وفي الحال الحاضر يبلغ عدد نفوس المسلمين اكثر من مليار نسمة فلو أن بعض الافراد اعلنوا خروجهم من الدين فانّ ذلك لايؤثر شيئاً في ثبات هذا الدين لدى المجتمعات البشرية.
ومضافاً الى ذلك فلو ارتدّ الشخص بسبب فوضى فكرية أصابت المجتمع وتعرضت الاذهان للاضطراب والتشويش فانّ هذا الحكم سيرتفع ولا يكون فعلياً، بمعنى أن الناس لو تعرضوا في أحد الاوقات الى شبهات كثيرة ولم يتمكنوا من الثبات على الدين والعقيدة فانّ هذا الحكم غير قابل للاجراء، لأنّ قتل المرتد يختص بمرحلة الاعتدال والاستقرار الذهني والفكري لدى المسلمين لا في زماننا الذي نعيش فيه انتشار المعلومات وثورة الاتصالات حيث تسود العالم ظاهرة الاضطراب الفكري والتشويش الذهني.
وقد تقدم قوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو ... الاّّ الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم) (المائدة/33-34).
فكيف يعقل أن تقبل توبة المحارب والمفسد ولا تقبل توبة المرتد الذي لم يكن يقصد توجيه اساءة للاسلام ولا للنظام الحاكم ولا يهدف الى زلزلة عقائد الناس بل ارتد بسبب زيادة مطالعاته عن المذاهب والاديان الأخرى؟ وأعلى من المفسد في الارض، الشخص الذي يكتم حقائق الدين ويعمل على تحريفها حيث لعن الله تعالى مثل هؤلاء الاشخاص لعناً شديداً، ومع ذلك فان الآية اللاحقة تقرر أن مثل هذا الشخص اذا تاب فان توبته مقبولة «البقرة 159 و160»
الملاحظة الأخرى، اذا كان المرتد يستحق الاعدام فاللازم أن يذكر هذا الحكم في القرآن الكريم بالتفصيل، في الآيات التي تتحدث عن هذا الموضوع من قبيل الآية 217 من سورة البقرة، والآية 137 سورة النساء، والآية 54 سورة المائدة، والآية 74 سورة التوبة، والآية 106 سورة النحل، والآية 25 من سورة محمد. حيث يتضح من هذه الآيات أن توبة المرتد مقبولة ولكن اذا لم يتب ومات في حال الكفر فان اعماله ستحبط ويكون من أهل النار.
وفي الآية 74 سورة التوبة يقول (فان يتوبوا يك خيراً لهم)
أي أنهم لوتابوا فسوف ينجون من العذاب في الدنيا والآخرة. اذن فاعدام المرتد التائب على خلاف نص القرآن الكريم.
إنّ الاقوام السالفة الذين هدّدوا أنبياءهم بالقتل بسبب عدولهم عن الدين السائد في تلك الاقوام ذكرهم القرآن الكريم من موقع التقبيح والذم وأنّ الله تعالى لا يؤيد هذا المسلك المنحط أبداً.
(لنخرجنّك يا شعيب من قريتنا او لتعودن في ملتنا قال او لو كنا كارهين)(اعراف/89).
(والسماء ذات البروج واليوم الوعود وشاهد ومشهود قتل اصحاب الاخدود النار ذات الوقود اذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم الا ان يؤمنوا بالله العزيز الحميد) (البروج 10-2).
(انهم ان يظهروا عليكم يرجموكم او يعيدوكم في ملتهم) (الكهف/20).
(قال راغب انت عن آلهتي لئن لم تنته لارجمنك واهجرني ملياً) (مريم/46).
(اقتلوا ابناء الذين آمنوا معه واستحيوا نسائهم)(غافر/25).
ويمكن أن يقال: كيف يفهم الحصر من هذه الآيات الشريفة؟ نقول: اذا قال القرآن: اقتلوا القاتل والمفسد. فهذا لايعني تحديد عقوبة الاعدام بالقاتل والمفسد، ولكن الله تعالى يقول في هذه الآية بأنه لا ينبغي قتل غير القاتل والمفسد (من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً).
وعلى هذا الأساس فلو ورد في رواية الحكم بقتل شخصٍ ثالث أو أنه مهدور الدم فانّ هذه الرواية تتعارض مع القرآن الكريم وبالتالي لا اعتبار لها.
وخلاصة الكلام إن حكم المرتد يجب أن يتحدد بكون الارتداد وسيلة لتوهين وزلزلة عقائد الناس وأنّ هذا الشخص يقصد في واقع الحال التصدي للنظام الاسلامي (وقال الذين كفروا آمنوا بالذي انزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون), وكما أشرنا آنفاً إلى أن المرتد كان في الماضي يعتبر عدواً، بخلاف ما هو السائد في العالم المعاصر حيث لم يكن للدين دورٌمهم في العلاقات الاجتماعية، فنرى اتباع الاديان المختلفة يعيشون فيما بينهم حالة سلمية. وعلى فرض أننا اعلنا أن كل مسلم يرجع عن دينه ويصير مسيحياً مثلاً فحكمه القتل، وفي اليوم التالي قرر المسيحيون تشريع مثل هذ القانون في حقّ اتباع الديانة المسيحية فقالوا بأنّ كلّ مسيحي يصير مسلماً فانّ حكمه القتل، وهكذا اتباع اليهودية والأديان الأخرى أيضاً، فماذا ستكون النتيجة على مستوى الرابطة الاجتماعية والنفسية بين اتباع الديانات المختلفة؟
وكيف يمكننا تشخيص هذه الحقيقة، وهي أن اتباع الاسلام قد اعتنقوا الدين الاسلامي عن وعيٍ واختيار تام لاعن خوف من القتل أو تقليدٍ أعمى للآباء والاجداء؟ هل أن هذه الحالة أفضل أم أن نترك اختيار الدين للناس؟ وهل يمكن سلوك طريق الكمال من خلال أدوات الجبر والاكراه؟ فاذا كان كذلك فلماذا نرى أن الله تعالى لم يقبل بنفسه هذا المنهج وقال: (ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).
-
القوانين الدولية ليست شرطا ان تتطابق مع المفاهيم الاسلامية او الشرعية
الاسلام يحمي حقوق حتى غير المسلمين عموما
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |