 |
-
ما بين أستور والدليمي ....
ما بين أستور والدليمي
GMT 22 00 2006 الجمعة 12 مايو
الزمان اللندنية
--------------------------------------------------------------------------------
السبت: 2006.05.13
كرم نعمة
أستعدت جملة نانسي أستور أول أمراة تصبح عضوة في البرلمان البريطاني عام 1919: (يجب أن لا يحتكر عرق واحد الحكم في العالم،فإحدي المصائب الكبري في الحضارة، هي سيادة وسيطرة عنصر واحد) بينما أنصت لكلمات نزيهة الدليمي التي انطلقت ضئيلة، باردة، فرحة ملامحها الاسي! في الفيلم الوثائقي الذي أخرجته الزميلة إنعام كجه جي عن اول وزيرة عراقية وعربية وتسني لي مشاهدته.
لاتبدو الفترة شاسعة جداً بين عام 1919 عندما أعلنت الصحف البريطانية عن اللحظة التاريخية بارتقاء أول أمرأة منصة البرلمان، وبين دعوة عبد الكريم قاسم لنزيهة الدليمي عام 1959 لمنحها حقيبة وزيرة البلديات.
الزمن هنا، إذ ماقيس بين حضارتي العراق وبريطانيا المعاصرتين يصبح غير ذي تأثير، فبعد أربعين عاماً من اتخاذ السيدة أستور مقعدها في أعرق البرلمانات ديمقراطية في العالم، ترتقي طبيبة عراقية شابة حافلة حمراء من أحدي ضواحي بغداد كي توصلها الي مبني وزارة الدفاع في الباب المعظم للقاء الزعيم وقبول دعوته لتسلم حقيبة وزارية.
لم ينته الامر عند شكلياته بتقلد أول أمراة عراقية وعربية منصب وزاري، بل بما أثمر عن جهد جماعي في اصدار القانون المتطور للاحوال الشخصية في العراق عام 1959. وهو القانون الذي جرت محاولات لالغائه من حلقات ضيقة مسكونة بالتاريخ القادم من القرون الغامضة، قوبلت باستنكار واعتراضات من عموم العراقيين المتنورين بينما كانت دماء بغداد تسيل والحشرات الفضية البراقة تجرّح سماءها.
بدت هذه المرأة الثمانينية في الفيلم أشبه بابتسامة خمسينية لم تفقد بريقها، الكهولة خصّبت ذاكرتها بالطرافة، لم تتآس أو تتذمر مع انها تعيش الوحدة بامتياز موذ في مغترب بارد بمدينة بوتسدام الالمانية، لاتمس من أيامها المتشابهة غير الذكريات القديمة، تزورها ممرضة المانية كل يوم توفر احتياجاتها وتدعها بعد ذلك لتكرار سرد الذكريات.
كانت حركة العدسة في زوايا الشقة الصغيرة مسحورة وهي تلتقط كتاب الله جوار كتاب فلاديمير لينين علي نفس الطاولة الصغيرة، بينما علقت السيدة الثمانينية بانها تلجأ لقراءة قصارالصور في القرآن الكريم لبث شيئاً من الاطمئنان في نفسها،وانبرت تدافع عن أفكار لينين كما لو انها تود الايظلمه احد فتري أن الرجل كان مدافعاً عن الناس.
قد توحي الصورة الحزينة لحال هذه الرائدة نزيهة الدليمي معادلاً موضوعياً للموت الاجتماعي الذي تواجهه المراة العراقية اليوم تحت وطأة مليشيا أحزاب التحجيب والتكميم والمصادرة والالغاء باسم الدين... الا ان من يشاهد هذا الفيلم يكتشف الامل العميق الكامن في ابتسامة نزيهة الدليمي وهي باخر عربة من قطار العمر.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |