شريط أطوار المزيف
اعتذرت صحيفة الـ«صنداي تايمز» عن خبر نشرته سابقا قالت فيه ان بحوزتها شريطا يظهر ذبح الزميلة المراسلة اطوار بهجت، وانها لم تقتل بالرصاص كما ذكر في البداية. ثبت للصحيفة اخيرا ان الشريط مزور، وان نهاية الراحلة كانت كما روي حينها في احداث سامراء. اما الشريط فكان بالفعل لرهينة نيبالية قتلها خاطفوها في العراق قبل سنتين.
تصحيح الرواية لا يخفف من الألم وحقيقة ان القتل العمد، مهما كان نوعه، عمل بشع. الصحيفة اخطأت عندما اعتمدت رواية تفصيلية وشريطا مزورا لكنها لم تخطئ في الحديث عن العنف الذي يطارد الصحافيين في العراق وتسليط الضوء عليه.
كشف الشريط المزور ان هناك سوقا كبيرة للأكاذيب لا تكتفي بجرائم القتل في العراق والمنطقة بشكل عام بل تريد استمرار الحرب عبر كل الوسائل بالتخويف والتشهير والتلفيق، وشريط الراحلة أطوار واحد منها. وليس جديدا ان ننصح الزملاء في المهنة ألا يصدقوا كل ما يردهم عبر المواقع الإلكترونية نظرا لأن الغالب عليها الكذب، المحترف في بعض الأحيان. وفي كثير من الاحايين تصمم القصص والاخبار والافلام بالصوت والصورة لتناسب حاجات دور الصحف ومحطات التلفزيون. فمعظم عمليات التزوير هدفها الوصول الى وسائل الاعلام الشعبية والكثير منها يذاع اليوم عن «بطولات» فيلمية ملفقة.
اليوم لم تعد الصورة هي الوثيقة والدليل الدامغ لأن التزوير الفني صار شائعا وسهلا ويستخدم عمدا. وقد يسأل ما الدافع وراء فبركة شريط ذبح مراسلة محايدة الى درجة الاتقان وارسال الشريط الى صحيفة كبرى؟ هو جزء من عملية تضليل يومية تمارسها جماعات العنف في المنطقة، لا العراق وحده. ومعظم جماعات الدعاية هذه يعملون خارج العراق في منظومة تساند الفكرة الكبيرة، وهي هنا ابقاء الحرب مستمرة نفسيا ودعائيا. رأينا كثيرا من البيانات المزورة والصور الملفقة. رأينا لقطات لاحداث قديمة كرر عرضها.. سيارات مفجرة، او مخطوفون راحوا ضحية الجرائم منذ زمن، اعيد ترتيبها واحيانا ارسلت واذيعت بدون تغيير حيث تكاثرت الافلام على دور الاعلام فلم تعد تميز بين القديم والجديد وفي أي مكان. اختلطت صور حرب افغانستان الأولى والحالية والعراق وصور منقولة عن مواقع اباحية كلها تدعي انها احداث اليوم. وبعضها تبنى صورا ملفقة لمخطوفين ثبت لاحقا انها صور دمى بلاستيكية.
وحادثة القتيلة في الشريط الذي نشرته الـ«صنداي تايمز» هي صور مروعة حقيقية ذبحت فيها رهينة نيبالية في العراق. وقد اثارت الصور حينها غضب الشعب النيبالي الذي تظاهر في الشوارع ورمى السفارات العربية بالحجارة. وقعت الحادثة في نفس الوقت الذي كانت تفاخر فيه صحف ومحطات عربية ببطولات المقاومة العراقية الكاذبة. وجريمة قتل المرأة النيبالية لا تقل بشاعة عن جريمة قتل زميلتنا وتعبر فقط عن عقل إجرامي لا يميز بين مدني وعسكري، وصحافي ومقاتل.