الزرقاوي والنائحون عليه

الدكتور توفيق السيف * - 13 / 6 / 2006م - 8:42 م
هويتنـــا؟ = هوية العدو مقلوبة

المناحة التي اقامها ايتام صدام حسين وحلفاؤهم التكفيريون على جثة الزرقاوي، تكشف عن علة ثقافية ذات اثر بعيد في الاداء السياسي وتصور المستقبل، اعني بها مشكلة تعريف الذات او تحديد الهوية. النواح على الزرقاوي لم ينطلق من محبته او الشعور بالفجيعة لموته، السر في ذلك يكمن ببساطة في الطلقة الامريكية التي اودت بحياته. ولو قتل الزرقاوي على يد احد معاونيه، فالمرجح ان المناحة ستكون اصغر وربما تجد من يشير الى «اسباب معقولة» وراء قتله.

ونعرف ذلك من حقيقة ان اكثر النائحين كانوا قد ادانوا في اوقات سابقة تفجير الفنادق في الاردن والعمليات الارهابية التي نفذها رجال الزرقاوي وحلفاؤه في السعودية ومصر واليمن وغيرها. ادانوا هذه العمليات الاجرامية لانها قبيحة بذاتها وقبيحة باهدافها ومبرراتها، واقبح منها ما فعله الزرقاوي في العراق من قتل عشوائي لالاف المدنيين رجالا ونساء واطفالا.

ترى هل يمكن فصل شخص الزرقاوي عن نهج الاجرام الذي اختطه وسعى في نشره في كل مكان؟. وهل يمكن ان نعتبر الرجل مجاهدا بعدما دمر حياة الالاف من الناس؟.

هؤلاء النائحين - ومنهم للاسف سياسيون ورجال دين فضلا عن الهمج الرعاع المهرولين وراء كل ناعق- تناسوا جرائم الزرقاوي لسبب وحيد وهو ان قاتله كان امريكيا. بتعبير اخر فان تقييمهم للحدث لم ينظر الى الموضوع «اي كون القتيل مجرما» بل نظر فقط وفقط الى صفة القاتل «اي كونه امريكيا».

وهذه تشبه التفسير المقلوب للحديث «انصر اخاك ظالما كان او مظلوما» ليس بمنعه عن الظلم كما هو مفهوم الحديث، بل بتناسي موضوع الظلم والتركيز على صفة الظالم «اي كونه اخا»، وبالتالي تمجيد ظلمه بل واعانته على المزيد من الظلم.

يرجع هذا الفهم الاعوج الى مفهوم ملتبس للهوية عند شريحة كبيرة من العرب والمسلمين. كثير منا يحدد ذاته «اي هويته كعربي او مسلم» من خلال التناقض مع هوية العدو الحقيقي او المفترض، وليس من خلال تحليل مكوناتها الخاصة او مقارنتها موضوعيا بهوية الغير.

بعبارة اخرى لو سألك احد: ماذا يعني ان تكون عربيا او مسلما؟ فقد تجيب بان العربي او المسلم هو الشخص الذي يحمل قيم العروبة او الاسلام مثل السلام والشهامة وحماية الغير واحترام حرمات الناس الخ..، وقد تجيب بان العربي او المسلم هو الشخص النقيض للامريكي او الاوربي. في الحالة الاولى انت تعرف نفسك كما هي وكما ترغب ان تكون، وفي الثانية انت تعرف نفسك كهوية سلبية لغيرك، اي مجرد اطار فارغ تملؤه العناصر السلبية او النقيضة لهوية الاخر. وهذه تشبه تماما قولنا - على سبيل المثال-: هوية الامريكي تتكون من: قوي، متعلم، غني، وبناء على التكوين التناقضي للهوية فان هويتي تتكون من ضعيف، جاهل، فقير.

الامور طبعا ليست بهذه الحدة، والمقصود هو تقريب المعنى فقط. لكن لو تاملنا في المناحات التي تقام للزرقاوي لوجدنا الدافع وراءها قريبا من هذا المعنى او انها تصل اليه في نهاية المطاف، فالذين عقدوا المناحات على الزرقاوي يعرفون جرائمه، ولا شك انهم ضد ان يظهر زرقاوي اخر في بلدانهم «كما فعل المصريون والسعوديون والاردنيون واليمنيون حين فجر الزرقاوي او حلفاءه قنابلهم وقتلوا الناس في كل من هذه البلدان».

لكن هؤلاء جميعا تناسوا هوية الزرقاوي الحقيقية كموضوع قائم بذاته، اي كونه سفاحا كريها لا يريده احد، ونظروا الى الفاعل اي الامريكي ذي الهوية النقيضة. بتعبير اخر فان عملية الفهم التي قام بها هؤلاء تشكلت على النحو الاتي: هويتي تساوي نقيض هوية عدوي «اي الامريكي» وعلى اساس هذا فموقفي يساوي نقيض موقف عدوي، ولان موقف الزرقاوي هو نقيض الامريكي، فموقف الزرقاوي هو موقفي.

هذا هو المعنى الواقعي للنياحة على الزرقاوي وتمجيده، لكن هل تساءل هؤلاء النائحون عن موضوع الهوية نفسه وهل فكروا في المكونات الذاتية للهوية «اي التي تتحدد طبقا لاختيار وارادة وتطلعات صاحبها»؟. الزرقاوي كان سفاحا وقاتلا للنفس المحترمة، فهل يقبل هؤلاء ان تضاف الى هويتهم هذه الاوصاف؟.

هل يمكن لنا كاناس عاديين نتطلع للسلام والتقدم والحرية ان نثق بدعاوى شخص ينادي بهذه القيم ثم يمجد سفاحا عدوا للحرية؟ الناس العاديون في العراق الذين لهم مشاعر وعواطف وامال في الحياة، الذين فرحوا لقتل الزرقاوي واحتفلوا بالخلاص منه، هل سيصدقون داعية يتشدق بالعروبة والديمقراطية وهو يقف ضد مشاعرهم ورايهم؟. هل الديمقراطية شيء اخر غير احترام ارادة الجمهور وتطلعاته؟.

وهل سيصدف العالم دعوى ان الاسلام دين السلام بينما يتبارى من يدعون تمثيله في النياحة على عدو السلام وقاتل الانسان؟.

السؤال الاخير والاكثر حرجا: هل نريد ان نعرف انفسنا من خلال تطلعنا الى افضل وانبل ما ورثناه وما نريد ان نكون عليه، ام ان هويتنا تساوي - بكل بساطة - هوية العدو مقلوبة؟.