السنّة العرب في العراق بين مغانم البعث والمستقبل السياسي
السنّة العرب في العراق بين مغانم البعث والمستقبل السياسي
صلاح عبد الرزاق
يتضمن المقال العناوين التالية:
1- المقدمة
2- الخزان البشري للحزب والسلطة
3- الثراء عبر التجارة والمقاولات
4- الأوقاف والمساجد والتعليم الديني
5- الموقف الشرعي من الحرب
6- الموقف من الاحتلال الأمريكي
7- السجون والمقابر الجماعية
8- مستقبل السنة العرب في العراق
1- مقدمة
يعتبر الكثيرون أن الخوض في المسألة الطائفية في العراق تعني تأجيج الفتن وإثارة الأحقاد بين المذاهب والطوائف المتعددة التي تكون المجتمع العراقي. وتعتمد صحة هذا الاستنتاج على كيفية عرض القضايا الطائفية وموقف كل طائفة منها. فمن الطبيعي أن الطائفة أو الطوائف التي كانت دوماً ضحية لنظام صدام وعانت الكثير من سياسة التمييز الطائفي التي مارسها ، يختلف عن موقف الطائفة التي استفادت كثيراً من وجود حزب البعث في السلطة. فالطائفة الضحية لا ترى في بحث قضية التمييز الطائفي أي بأس أو إثارة بل على العكس ترى في تناول هذه المسألة يسلط الضوء على مظلوميتها ، ويكشف حجم معاناتها لأسباب ليس لها دخل فيها. وأما الطائفة المستفيدة فهي التي تعتقد أن تناول هذه المسألة يثير الفتن والمشاكل ويفرّق الصفوف. كما أنها لا تريد الكشف عن المغانم والامتيازات التي حصل عليها أبناؤها ليس بسبب الكفاءة بل بسبب الانتماء للطائفة.
إن تعريف أبناء الشعب العراقي بالظلم الذي وقع على الأكثرية الشيعية يجب أن يصب في زيادة وعي العراقيين بأن ما حدث لم يكن قليلاً ، وليس من السهل تجاوزه، بل يجب السعي من أجل عدم تكراره سواء ضد الشيعة أو غير الشيعة. كما أن رفع شعارات "عفا الله عما سلف" لن يكفكف دموع الأرامل واليتامى طالما أن الجناة ينعمون بالحرية وآمنون من المساءلة القانونية. كما يجب ملاحقة واسترداد جميع الأموال المنقولة وغير المنقولة التي اغتصبها أعوان النظام سواء التي كانت تعود للدولة أو لأبناء الشعب العراقي. إن عدم معاقبة المجرمين لن يرسي معالم العدالة والمساواة في العراق. كما أن التباطؤ في محاكمة البعثيين وخاصة المجرمين منهم يزيد من حماسة ذوي الضحايا لأخذ الثأر بأنفسهم وإيقاع القصاص على أيديهم. وهذه قضية خطرة تؤدي إلى الصراع الاجتماعي والمذهبي الحاد ، كما تؤجج العداوات بين فئات المجتمع العراقي. لطالما تحدث ويتحدث أبناء الطوائف المظلومة كالأكراد السنة والشيعة والآثوريين والتركمان وغيرهم عن معاناتهم والقسوة والبطش والقمع الذي تحملوه من النظام ، ومن الحرمان والإضطهاد والتمييز ضدهم ، فهم يعكسون جانباً من معاناة فئات من الشعب العراقي ، ويرسمون صورة من صور المجتمع العراقي. أما الجانب الذي بقي مظلماً والذي لا يريد أبناؤه الحديث عنه أي وضع السنة العرب في ظل حزب البعث، فيجب أن يسلط الضوء عليه. فمن حق كل عراقي الاطلاع الكافي عن أوضاع بقية مكونات شعبه خلال هذه الحقبة التاريخية. ويجب أن يعرف مثلاً هل أن السنة العرب تعرضوا للإضطهاد والظلم أيضاً؟ أم كانوا فئة متميزة تحظى بالسلطة والثروة فقط؟
إن الحديث عن الفئة المستفيدة من استمرار حزب البعث في السلطة يكشف لنا عن جزء من التاريخ الاجتماعي للشعب العراقي، وطبيعة العلاقات بين فئات الشعب. كما يمكن من خلاله تحديد مسار وتوقع مواقف وردود أفعال كل فئة من مكونات المجتمع العراقي ومن خلالها يمكن رسم مستقبل نظام العراق السياسي والاجتماعي والثقافي والذي يجب أن يخلو من هيمنة فئة قومية أو مذهبية على السلطة والدولة والثروة العراقية.
هذا المقال يصف جوانب من الوضع الاجتماعي والسياسي للأقلية السنية العربية، ولا يستهدف الإساءة إليها لأن الإساءة ليست منهجنا. كما لا نريد التحريض ضد أبناء وطننا مهما كانت الطائفة أو المذهب اللذين ينتمون إليها. ولكن قد يرتاح البعض للمعلومات الواردة فيها أو يعتقد أنها خطأ، فنرجو منه تصحيحها ولا يتوانى عن ذكرها بكل موضوعية. ولذلك أود ذكر بعض الأمور اللازمة :
1- ندعو دائماً إلى الابتعاد عن التعميم والتضخيم، لذلك لا يعني المقال كل أهل السنة رجالاً ونساءً، شيوخاً وشباباً وأطفالاً ، كلا ، بل يقصد كل من تعاون مع النظام بوعي أنه يمثل السنة، ويجب الدفاع عنه. كما لا يعني أن كل سني هو تاجر أو صاحب سلطة بل يوجد بينهم الفقراء والموظفون الصغار أو أصحاب المهن البسيطة.
2- أن انخراط أهل السنة في أجهزة الحكومة ليس خطأ أو سبة عليهم بل يتحمل النظام وحده سياسة التمييز الطائفي التي أقصى فيها بقية مكونات المجتمع العراقي وفتح الأبواب على مصراعيها لفئة معينة. ولا يمكننا مطالبتهم بالامتناع عن إشغال الوظائف العالية في الدولة أو عدم الانخراط في الأعمال التجارية أو عدم استغلال قراباتهم في الحكومة والحزب لتسيير أمورهم ومقاولاتهم وتجارتهم.
3- إذا كانت طبقة السنة العرب المستفيد الأول من السلطة وحزب البعث فلا يعني ذلك عدم وجود أفراد وجماعات أخرى مستفيدة من خارج هذه الفئة كبعض البعثيين الشيعة أمثال نعيم حداد وسعدون حمادي ومحمد سعيد الصحاف، والمسيحيين مثل طارق عزيز والأكراد أمثال عبيد الله البارزاني وطه محي الدين معروف والصابئة والتركمان؛ أو ممن يقدمون له خدمات جليلة كجلادي دوائر لأمن أمثال ناظم كزار وفاضل الزركاني وغيرهم. كما ساهم شعراء وكتاب وصحفيون ومغنون من الشيعة في الدعاية للنظام.
4- ما ورد ذكره من معلومات وأرقام هو المتداول بين العراقيين ومما ورد في كتابات بعض العراقيين ممن تناولوا هذه القضية الحساسة. ومع ذلك تبقى هناك حاجة لتعزيز هذه المعلومات بأرقام مأخوذة من إحصائيات رسمية ربما ستظهر للوجود بعد فترة من الوقت.
5- لقد سعى النظام الصدامي إلى إدماج السنة في أجهزته ليكونوا سداً بشرياً واجتماعياً وطائفياً يحتمي به من سخط واستياء وعداء الشعب العراقي. وإذا كان كثير من أهل السنة قد انساقوا وراء هذا الطرح بوعي أو دون وعي لكن التيار الإسلامي السني أمثال حزب التحرير والأخوان المسلمين وحالياً الحزب الإسلامي العراقي عارضوا هذا التوجه، ولم يعتبروا صداماً ونظامه وحزبه مسلماً ولا حتى سنياً يمكن أن يدعي تمثيل السنة العرب. وقد عارض الإسلاميون السنة العرب حزب البعث منذ وصوله إلى السلطة، فتعرض بعضهم للإعتقال والسجن ، واضطر آخرون إلى الهرب والعيش في دول أخرى أمثال الشيح محمود الصواف وعبد الكريم زيدان وطه العلواني ومحمود شين خطاب . كما قام النظام بإعدام بعض رموز هذا التيار أمثال الشيخ عبد العزيز البدري والشيخ ناظم العاصي.
6- إن هيمنة السنة العرب في السلطة في العراق لا تعود إلى فترة حزب البعث (1968-2003) فحسب، بل تعود إلى قرون خلت منذ كانت الدولة العثمانية تحكم العراق. فقد اعتمد العثمانيون سياسة طائفية مقيتة ضد الشيعة في العراق حتى أن قاضي النجف كان سنياً في الوقت الذي يوجد فيه عشرات المراجع الشيعة. وعندما جاء البريطانيون استمروا بنفس السياسة حيث تم استدعاء ملك سني (فيصل بن الحسين) تعيين رئيس وزراء سني (عبد الرحمن الكيلاني النقيب)، إضافة إلى أن غالبية الوزراء من السنة.
7- لم نسمع من كتاب ومفكري ومثقفي ومشايخ السنة العرب استنكارهم سياسة التمييز الطائفي ، وعدم منح بقية فئات المجتمع العراقي نفس الفرص أو أقل منها قليلاً كي لا يكون تنعمهم بالسلطة والثروة على حساب بقية مكونات الشعب العراقي. وأرجو من يعرف من استنكر ذلك أن يرسل لي النص والمصدر.
8- أبدى أئمة المساجد السنية في بغداد تعاطفاً من الشهيد السيد محمد صادق الصدر. وكان لبعض علمائهم وخطبائهم علاقات واتصالات مع الصدر الثاني ولقاءات مع أئمة المساجد الشيعية. وبعد استشهاد الصدر الثاني استقبلت المساجد السنية جماهير المصلين الشيعة للمشاركة في صلاة الجمعة، بعدما أغلق النظام المساجد الشيعية ومنع الشيعة من إقامة صلاة الجمعة.
9- مثل بقية الطوائف العراقية ، يتوزع السنة العرب على عدة تيارات سياسية وفكرية وأيديولوجية، كالقومية والماركسية والليبرالية والإسلامية. ولكن استطاع حزب البعث العراقي أن يستوعب قسماً كبيراً منهم نظراً لما يمتلكه من سلطة وقوة وأموال ، إضافة إلى استمراره في الحكم 35 عاماً ، وهي فترة كافية لتجنيد الكثيرين في صفوفه. إن بعض المناطق في العراق تعتبر بؤرة لحزب البعث مثل منطقة الأعظمية السنية في بغداد والتي تعتبر مقفلة على سكنى السنة فقط. إذ لا يجوز السكن فيها من أشخاص غير السنة إلا بإذن من صدام .
10- بقي النظام ومن سبقه من أنظمة الحكم يمنع نشر أية أرقام أو إحصائيات عن واقع التركيب القومي والمذهبي في العراق لأنه يعتبر ذلك من أسرار الدولة. ويرفض الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط نشر أية معلومات تتعلق بالواقع المذهبي. ويعود ذلك إلى أن غالبية العرب هم شيعة (80% من عرب العراق هم شيعة) ، وغالبية السنة هم أكراد . في حين يشكل السنة العرب أقلية لا تتجاوز 15% والأكراد السنة 20% والشيعة العرب 60% . ويشكل التركمان والمسيحيون والصابئة حوالي 5%. وهذه إحصائيات عراقية قديمة أو غربية معاصرة.
اللهم انصر العراق والعراقيين ودمر اعدائهم اجمعين دولا كانوا ام افرادا