قراءة في خطابات ملتبسة


بقلم: فهمي هويدي

أدعو إلى بعض التأني والحذر في قراءة نصوص التصريحات والبيانات السياسية التي تلاحقت مؤخرا، بالشأن الفلسطيني. ذلك ان البعض تسرع في الحفاوة بها ووصفها بأنها "تاريخية". وهو وصف اعده محايداً ونسبياً، لأن ما يشغلني عندما أجده يطلق على أي حدث هو الاجابة على السؤال: من أي باب دخل إلى التاريخ؟

(1) قبل عقد مؤتمر العقبة وفي ختامه أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي ثلاث من "بالونات" الاختبار أشاعت قدرا ملحوظا من التفاؤل في العالم العربي، على الرغم من أن اسم صاحبها وسجله يغلقان أبواب التفاؤل بغير تفكير. تعلقت الأولى بإعلانه الموافقة على خريطة الطريق. الثانية تمثلت في إشارته لأول مرة إلى الاحتلال الإسرائيلي للضفة والقطاع، وقوله: ان ذلك الاحتلال لا يمكن له أن يستمر إلى الأبد. أما الثالثة فهي إعلانه التعهد بإزالة المستوطنات غير المرخصة. هذا التفاؤل ذاته من تجليات العجلة والقراءة المسطحة التي نحذر منها لأن الوقوف على خلفية الموافقة على الخريطة وتحري ما وراء استخدام مصطلح الاحتلال، أو الإشارة إلى إزالة المستوطنات، من شأنه أن يلغي تماما فكرة التفاؤل، ويجعلنا نتعامل مع المقولات والمصطلحات المستخدمة باعتبارها ألغاما وفخاخا وكمائن، وليست إضاءات ولا بشارات. وبالرغم مما نعده جوانب كارثية في خريطة الطريق، فليس صحيحاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وافق عليها كما صاغتها اللجنة الرباعية وتبناها الأمريكيون، ولكن موافقته جاءت مشروطة ومقترنة بأربعة عشر تحفظا بالغة الأهمية. كما انه ليس صحيحا أن مجلس وزرائه وافق على الخطة، ولكن أغلبية أعضائه وافقت فقط على بيان رئيس الوزراء بصددها. وفرق بين الحالتين كبير، لأن الموافقة على البيان تعني مباشرة أنها مشروطة بدورها. الشروط والتحفظات التي وضعها الإسرائيليون عددها 14، أهم ما فيها أربعة هي:

{ تشديد إسرائيل على أن قيام كل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل بتطبيق التزاماتهما في المرحلة الأولى من الخطة هي عملية "غير متوازنة"، بمعنى انه يجب على الجانب الفلسطيني أن يقوم أولا بالوفاء باستحقاقاته في الملف الأمني، في حين تشرع الدولة العبرية في تنفيذ ما يخصها فقط بعدما يفرغ الجانب الفلسطيني من أداء استحقاقاته، ومن المفارقة أن عددا من وزراء الحكومة الذين أيدوا الخطة أعلنوا صراحة انهم وافقوا عليها لأنهم متأكدون من أن الجانب الفلسطيني لن ينجح في القيام باستحقاقاته، مثل وزير الدفاع شاؤول موفاز ووزير العلوم موتي زيمبرغ. والأخير ينتمي إلى حزب "شينوي"، الذي يمثل الجناح "الحمائمي" في ائتلاف شارون، وقد قا: إنه ومعظم الذين صوتوا لصالح الخطة يعون أن رئيس الوزراء الفلسطيني أبو مازن لن ينجح في تنفيذ الاستحقاقات الأمنية على السلطة، والتي تضم وقف عمليات المقاومة الفلسطينية ومحاربة ما يسمى بـ "التحريض" ضد إسرائيل في مناطق السلطة، إلى جانب تفكيك الحركات الفلسطينية التي تمارس المقاومة المسحلة. وقد عبر الوزير الليكودي داني نافيه عن تفسير تعجيزي لمصطلح وقف "التحريض" عندما صرح إلى شبكة الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية انه: "بمجرد أن نعلم أن خطيب أحد المساجد في قرية فلسطينية نائية يحرض على اليهود في خطبه، فإن عدم اتخاذ حكومة أبو مازن إجراء فوريا ضد ذلك الخطيب يعد تقصيرا فلسطينيا في تنفيذ التزامات السلطة كما نفهمها". وساق نافيه أمثلة عديدة في مجال محاربة التحريض، وعلى رأسها إعادة صياغة مناهج التدريس في مناطق السلطة الفلسطينية، بحيث تحذف من الكتب المدرسية أي خريطة تظهر فيها خريطة فلسطين، إلا إذا وضع عليها اسم "اسرائيل". أما فيما يتعلق بتنفيذ الاستحقاقات الإسرائيلية مثل تجميد الاستيطان فتأتي بعد أن تفي السلطة بتنفيذ الاستحقاقات الأمنية التي عليها. { اشترطت إسرائيل أن يعلن الجانب الفلسطيني مسبقا تنازله عن حق العودة للاجئين الى الأراضي التي شردوا منها، ليس هذا فحسب، بل انه في جلسة الحكومة التي أقرت "خريطة الطريق" صادقت حكومة شارون على قرار مستقل يقضي بأن الحكومة لن توافق على عودة اللاجئين إلى إسرائيل لا قبل المفاوضات ولا بعدها. { أصرت إسرائيل على تغيير نص الخطة المتعلق بالاصلاحات داخل السلطة، ولاسيما العبارة التي تشير الى وجوب ايجاد قيادة فلسطينية "مختلفة"، وتمسكت بأن تشير الخطة إلى قيادة فلسطينية "جديدة"، والهدف من التعديل هو القضاء ليس فقط على أي دور للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في قيادة الشعب الفلسطيني، بل تجريده من أي صلاحيات كانت.وواضح تماما أن الإصرار على هذا المطلب سيكون "وصفة" لإحباط تنفيذ الخطة، حيث انه إلى جانب أن الطلب غير محق، لأن عرفات تبوأ هرم قيادة السلطة نتيجة انتخابات، فإنه تبين سريعا منذ تشكيل حكومة أبو مازن انه لا يمكن تجاهل دور عرفات، حيث ان قوة عرفات تعززت عما كانت عليه قبيل تعيين أبو مازن.

{ أصرت إسرائيل على رفضها أن تكون المبادرة السعودية إحدى المرجعيات التي تعتمد عليها الخطة، وهذا يلقي بظلال من الشك حول تصور إسرائيل للحل النهائي الذي تضعه للصراع، حيث ان المبادرة السعودية تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية في حدود العام سبع وستين، مقابل تطبيع كامل مع الدول العربية. فضلا عما سبق، فينبغي ملاحظة أن الذين أيدوا الخطة 12 وزيرا، في حين عارضها سبعة وامتنع أربعة وزراء عن التصويت. وقالت الصحف الإسرائيلية: ان خمسة من الذين أيدوا الخطة فعلوا ذلك لثقتهم بأنها لن تنفذ. أحدهم وزير العدل يوسف ليبيد الذي يرأس حزب "شينوي" قال صراحة: انه فعل ذلك ليس اقتناعا بالخطة، وانما لإدراكه انه يجب على إسرائيل ألا تبدو أمام الأمريكيين رافضة للتسوية السياسية، وان الأمر في عينه لا يعدو كونه جزءا من لعبة العلاقات العامة، التي يتعين على الحكومة الإسرائيلية أن تمارسها بشكل حاذق.

(2) بعد الموافقة المشروطة لشارون وحكومته على خطة الطريق، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي أول مرة عن مساوىء الاحتلال لثلاثة ملايين ونصف مليون فلسطيني، وهو ما عد تطورا مثيرا أثار لغطا كثيرا داخل اسرائيل فضلا عن خارجها. لكن شارون سارع إلى التراجع وتبديد الالتباس في اليوم التالي مباشرة أمام المجموعة البرلمانية لحزب الليكود في "الكنيست" حيث قال: انه لم يقصد احتلال الأرض، التي يعدها أرض اسرائيل، ولكنه قصد احتلال السكان. واضاف انه كان يعني انه من مصلحة اسرائيل التخلص من الثقل السكاني الذي يمثله الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث انه يتطلع الى تسوية تؤدي الى تخليص الدولة العبرية من ذلك العبء السكاني الثقيل. وقبل أن يقدم شارون على ذلك التفسير الذي أفرغ موقفه من أي مضمون ايجابي أو جدي، فإن الصحفي الإسرائيلي اوري دان صديقه الشخصي وأمين سره، ومستشاره الإعلامي لأكثر من خمسة وعشرين عاما، حذر المعلقين من مغبة سوء فهم قاموس المصطلحات السياسية التي يستخدمها شارون، وهو يعرض تحذيره أورد ما قاله له شارون عام 1971، حين كان قائدا للمنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، ومسئولا عن قمع الحركة الفدائية في غزة ــ آنذاك ــ وحسب رواية اوري دان ــ كان شارون يعد اطلاق كلمة احتلال أو "كيبوش" بالعبرية أمرا طبيعيا. وحين استفسر صديقه الصحفي منه عن مرجعه في ذلك، فإن شارون أحاله إلى أحد الإصحاحات في التلمود، الذي نقل على ألسنة أنبياء وملوك اسرائيل انهم لم يستخدموا إلا كلمة "كيبوش" في وصف العمليات الميدانية التي سبقت إقامة مملكة بني إسرائيل. الأمر الذي خلص منه إلى أن للمصطلح أصلا يكسبه شرعية تلمودية. وإذ حدثت وقائع القصة في عام 71، فإن شارون عاد بعد ثلاثين عاما تقريبا ــ في عام 2003 ــ لكي يشرح لممثلي حزبه دوافعه في استخدام مصطلح الاحتلال، التي لا علاقة لها بالمفهوم الذي تلقاه العالم العربي بمشاعر ايجابية.

أما الكلام عن إزالة المستوطنات غير المرخصة، التي أعلن شارون في أعقاب مؤتمر العقبة أن حكومته ستعمل على إزالتها "على الفور"، فهو ليس أكثر من فرقعة إعلامية ــ لماذا؟ لأن شارون تحدث عن نقاط استيطانية لا عن مستوطنات، وهذه النقاط التي أقيمت خلال العامين الأخيرين عددها 116ردا على الانتفاضة، وبتحريض من شارون بطبيعة الحال. وأغلبها شبه مهجور، ولا يتجاوز عدد السكان في بعضها خمسة أشخاص. والرجل لم يعد بتفكيك كل تلك المستوطنات، ولكنه يعني 17 نقطة منها فقط. وهو ما أكده رئيس الكنيست روبي ريفلين في حديث نشرته له صحيفة "هاآرتس" (في 4/6)! وإذا ما قبلت حكومة أبومازن بهذه الإزالة الرمزية أو الهزلية، فذلك يضفي شرعية على النقاط الاستيطانية والمستوطنات الأخرى. ليس ذلك فحسب، وانما حين برر شارون فكرة إزالتها لمجرد أنها أقيمت دون إذن سلطات الاحتلال (وليس لأن ذلك من متطلبات التسوية السياسية) فذلك يعني أنه بالامكان إقامة مزيد من المستوطنات في حالة الحصول على الاذن من تلك السلطات. من المفارقات الدالة في هذا الصدد انه في الساعة الثالثة من بعد ظهيرة يوم الأحد الذي شهد موافقة الحكومة الإسرائيلية على "خريطة الطريق"، كان النائب الليكودي عومري شارون يتصبب عرقا وهو يقوم بالمساعدة في تسوية الأرض في مستوطنة "الون مريه" استعدادا لاقامة حي سكني جديد في المستوطنة المتاخمة لمدينة "نابلس"، في خطوة قصد منها التعبير عن تضامنه مع المشروع الاستيطاني، هذا في الوقت الذي فرغ أبوه، رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون للتو من تلاوة قرار الحكومة الإسرائيلية القاضي بالموافقة المشروطة على خطة "خريط الطريق". وليست هذه المفارقة وحدها التي تعبر عن الدلالات الحقيقية لقرار الحكومة الإسرائيلية الذي وصف بـ "التاريخي"، بل انه بعد لحظات من إعلانه قرار حكومته، خرج شارون عن طوره وهو يتغنى أمام وزرائه بأبيات شاعر اليمين الشهير "اوري تسفي غرينبرغ" التي امتدح فيها الاستيطان اليهودي على اعتبار انه "شريان الحياة" للمشروع الصهيوني!

(3) إذا كان شارون قد باع للجميع أوهاما، وكان الادعاء والمكر فيه أكثر مما فيه من الجد، من وجهة النظر العربية على الأقل، فإن خطاب أبومازن كان أكثر إثارة واخطر بكثير، لأنه تضمن تراجعات فاجأت الإسرائيليين وصدمت الشارع الفلسطيني. عبر الوزير في وزارة المالية الإسرائيلية مئير شطريت عن تلك المفاجأة بقوله: "لقد كنا نتوقع أن يقدم تنازلات لنا في حضور الرئيس الأمريكي، لكننا لم نكن نتوقع أن يذهب إلى هذا الحد في تقديم هذه التنازلات، انه ببساطة خرج عن طوره لكي يظهر أمامنا بمظهر الولد الجيد". أخطر ما قاله أبومازن في ختام قمة العقبة كان إعلانه نهاية الانتفاضة، أي المقاومة المسلحة بكل أشكالها وفي أي مكان، سواء داخل الضفة الغربية وقطاع غزة أو داخل فلسطين المحتلة منذ عام ثمانية وأربعين. فقد قال بالحرف الواحد: "سنبذل كافة الجهود وسنستخدم كل امكاناتنا لتنتهي الانتفاضة المسلحة وعلينا أن نستخدم الوسائل السلمية في سعينا لإنهاء الاحتلال ومعاناة الفلسطينيين والإسرائيليين وبناء الدولة الفلسطينية". بكلمات أخرى فإن محمود عباس تعهد باستخدام "كافة الوسائل" ــ بما فيها القمع ــ من أجل إنهاء المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال. وهذا تناقض مع تعهدات أبومازن لحركة حماس وبقية المنظمات، بأنه لن يسمح بالاقتتال الداخلي مهما كان الأمر. وعلى الأقل هذا ما فهمه منه الإسرائيليون، فقد علق وزير الحرب الإسرائيلي شاؤول موفاز على هذه الفقرة قائلا إن: "أبومازن يدرك أن وقف الانتفاضة يتطلب أن يقوم بتدمير حركات الإرهاب الفلسطينية، بعد الاحتفالات". ثم أضاف: "لقد قلنا له: ان أهم رجل في العالم "بوش" يتوقع منه أن يقضي قضاء مبرما على حركات حماس والجهاد وكتائب شهداء الأقصى وغيرها".

لا يقل خطورة عما سبق وصف أبومازن المقاومة الفلسطينية الشرعية ضد الاحتلال بأنها "إرهاب"، عندما قال بالحرف الواحد:"لكي أكون صريحا وواضحا، لا يوجد حل عسكري لصراعنا، ونكرر إدانتنا ورفضنا للإرهاب والعنف ضد الإسرائيليين أينما كانوا". وقد اعتبر ايتان هابر الذي شغل في السابق منصب مدير مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق رابين كلمات ابومازن هذه بأنها "أكبر انتصار للدولة العبرية"، أما الجنرال متان فلنائي، أحد قادة حزب العمل، فقد اعتبر كلمات أبومازن هذه أنها أقوى ضربة للمقاومة الفلسطينية، حيث أضاف قائلا: "بعد هذه التصريحات، فمما لا شك فيه انه لا يمكن لأحد أن يدافع عن شرعية المقاومة الفلسطينية". لم يكتف أبومازن بذلك، ولكنه تعهد بشكل غير مباشر أمام العالم ــ أيضا بخلاف ما التزم به أمام منظمات المقاومة ووسائل الإعلام العربية ــ بتفكيك المقاومة وجمع سلاحها، حيث أعلن انه لن يكون هناك سلاح إلا سلاح السلطة الفلسطينية، الذي ستكون مهمته محصورة في "الحفاظ على القانون والنظام العام والتعددية السياسية". أيضا ذهب أبومازن بعيدا بتعهده بمحاربة ما سماه "التحريض". فقد قال بالحرف الواحد: "كما سنعمل ضد التحريض على العنف والكراهية مهما كان شكله وأيا كانت وسائله وسنقوم بإجراءات من جانبنا لضمان ألا يصدر أي تحريض عن المؤسسات الفلسطينية كما يجب ان نعيد تفعيل وتنشيط اللجنة الامريكية الاسرائيلية الفلسطينية لمكافحة التحريض". وسرعان ما انتبه الوزير الصهيوني داني نافيه الى ما صرح به أبومازن، فقال: "حسنا سنرى إن كان سيصدر تعليماته إلى أئمة المساجد بعدم الإشارة إلى اليهود من قريب أو بعيد، وإخراج خريطة فلسطين من مناهج التدريس الفلسطينية التي يجب أن تعاد صياغتها بشكل آخر بحيث لا تحرض على الدولة العبرية، إلى جانب تشديد الرقابة على وسائل الإعلام الفلسطينية". أما وزير الدولة عوزي لانداو، فقد اعتبر أن تعهد أبومازن يفرض عليه أن يمرر قوانين في المجلس التشريعي الفلسطيني ضد أي شكل من أشكال التحريض ضد الدولة العبرية. هذا في الوقت الذي رفض فيه الرجل ذاته عندما كان وزيراً للأمن الداخلي حتى استجواب الحاخام عفوديا يوسيف الذي حرض صراحة على قتل العرب، فضلا عن وصفهم بأقذع النعوت. على صعيد آخر فإن رئيس الوزراء الفلسطيني تطوع بالحديث عما اعتبره "عذابات اليهود على مر التاريخ"، وقال: انه آن الأوان لإنهاء هذه العذابات.وكأن سبب هذه العذابات ــ غير الموجودة ــ هو الشعب الفلسطيني. وقد علق الوزير الصهيوني طومي لبيد على أقوال عباس هذه بالقول: "لقد تملقنا بشكل لم يكن لأحد أن يتوقعه".

(4) كلمة الرئيس الأمريكي جورج بوش أطلقت رسالة مهمة للغاية في فقرة واحدة، ظلت الحكومة الإسرائيلية تراهن وتلح عليها منذ زمن، فقد تعهد بشكل غير مباشر أمام العالم بأنه لن يكون هناك مجال أمام اللاجئين الفلسطينيين لممارسة حق العودة إلى ديارهم التي هجروا منها، وذلك عندما أشار إلى "إسرائيل" بوصفها "دولة يهودية تنبض بالحياة". وقد أجمع الصهاينة على أن ذلك يعني تأييدا أمريكيا للموقف الصهيوني الرافض لحق العودة للاجئين وتبين ان وزير الخارجية الصهيوني عكف على مدى عشرين يوما على إجراء اتصالات مع إدارة بوش من أجل أن يتضمن خطابه هذه العبارة، لأن "دولة يهودية"، تعني أن يظل اليهود في هذه الدولة أغلبية، وهذا يعني عدم شرعية عودة أربعة ملايين لاجىء فلسطيني إلى هذه الدولة حيث سيغيرون الواقع الديموغرافي بشكل جارف. لقد أشرت قبل قليل إلى الجوانب الكارثية في خطة الطريق، ومحورها إنهاء المقاومة ووقف الانتفاضة، التي عجز عنها شارون بقضه وقضيضه وجيشه وأسلحته الفتاكة. وهو الإنهاء الذي تعهد به أبومازن، الأمر الذي يخشى معه أن تشهد الأرض المحتلة حربا أهلية بين طرفي الانصياع والمقاومة. مع ذلك فمن الإنصاف أن نسجل أن الخطة سجلت عن غير قصد نقطة ايجابية من المنظور التاريخي الفلسطيني، إذ رغم عدم جدية حكومة شارون في كل ما أعلنته، فإنها المرة الأولى التي تقر فيها حكومة لليمين الإسرائيلي بوجوب الانسحاب من الضفة الغربية وإقامة الدولة الفلسطينية. وهو ما يمثل تراجعا عن أيديولوجية الليكود وناظم أفكاره "زئيف جابوتنسكي"، الذي علق حفيده واسمه أيضا "زئيف جابوتنسكي" على قرار الحكومة قائلا: "إن مقاومة الفلسطينيين أثبتت حتى الآن أنها أقوى أيديولوجياتنا التي ترفدها قوة كبيرة".