 |
-
تقرير: احتلال منابع البترول مخطط قديم
* بقلم : د. حسين عبدالله خبير الشئون البترولية_الاهرام
و
قعت أول أزمة بترولية في المنطقة العربية عندما فوجيء العالم باغلاق قناة السويس في اثناء حرب السويس الأولي عام1956, حيث كانت أوروبا الغربية قبل اغلاق قناة السويس تعتمد علي الاستيراد لمواجهة نحو90% من احتياجاتها البترولية, وكان نحو75% من وارداتها البترولية يأتيها من الشرق الأوسط شرقي قناة السويس. فلما نشبت الأزمة تمثلت المشكلة الرئيسية في عجز امكانيات النقل الي أوروبا. فالناقلة التي كانت تعمل بين الخليج العربي وأوروبا مارة بقناة السويس لم تكن تستطيع نقل أكثر من60% مما تنقله سنويا باستخدام طريق رأس الرجاء الصالح والدوران حول افريقيا. كذلك ادي توقف الضخ بالأنابيب الموصلة بموانيء شرق البحر المتوسط الي نقص طاقة الناقلات العاملة بينها وبين باقي موانيء البحر المتوسط.
وكان الاسطول العالمي للناقلات موزعا خلال عام1956 بحيث يخدم ربعه موانيء الساحل الشرقي للولايات المتحدة ونصفه موانيء أوروبا والباقي لخدمة الباقي من الحركة العالمية للبترول. كذلك كان هذا الاسطول عند نشوب الأزمة في حالة تشغيل كامل علي أساس استخدام قناة السويس, ومن ثم فإن اية زيادة في متوسط طول الرحلة لابد أن يهدد الامدادات بالنقص.
وقد اهتز اقتصاد أوروبا اهتزازا شديدا نتيجة لغلق القناة مما دعا مجموعة الدول الصناعية الغربية الي تنشيط أجهزتها المحلية والمشتركة لامتصاص اثر الصدمة وتوزيعها فيما بينها بحيث لا يقع عبؤها الأكبر علي الدول ذات الموقف البترولي الاضعف. وقد ساعد علي وضع وتنفيذ الخطة الشاملة المنسقة أن شركات البترول العالمية كانت تسيطر علي مصادر البترول وعلي اسطول الناقلات, وان هذه الشركات بحكم جنسيتها او ملكيتها كانت تابعة لدولة أو أكثر من الدول الصناعية الغربية.
كذلك تفرع عن الموقف انشاء العديد من الأجهزة التي تضم الحكومات والشركات. ففي الولايات المتحدة أنشئت لجنة باشراف الحكومة الأمريكية وتشترك فيها شركات البترول الأمريكية التي تمتلك مصالح بترولية في الخارج, كما انشئت لجنة مقابلة في أوروبا باشراف حكومات بريطانيا وفرنسا وهولندا واشترك فيها اهم الشركات الأوروبية وذلك بالاضافة الي مندوبي الشركات الأمريكية. ومما يجدر ذكره أن الولايات المتحدة قامت في ذلك الوقت باعفاء شركاتها البترولية من الخضوع لقوانين مكافحة الاحتكار التي تمنعها من المشاركة في خطط مشتركة مستندة في ذلك الي قانون الانتاج لاغراض الدفاع الصادر عام1950.
وبغير الدخول في التفاصيل, فقد تحققت الدول الغربية المستهلكة للبترول من ان نجاح الخطة المنسقة بين الحكومات والشركات قد فتح افاقا جديدة لمواجهة المشاكل مستقبلا حتي لو نشأت خلال فترات السلم.
ولذلك قررت عدم حل هياكل اللجان المحلية, بل وكلفتها بوضع التوصيات المناسبة لمواجهة المشاكل اذا تكررت ولتدعيم القوة التفاوضية للدول المستهلكة للبترول. وكان من أهم القرارات الاستراتيجية التي تبنتها تلك الدول في ذلك الوقت:(1) تكوين ارصدة كبيرة للمخزون من البترول داخل أوروبا.
(2) توفير أكبر قدر من المرونة لوسائل نقل البترول عبر الطرق البديلة ولعمليات تكرير البترول, ومن ثم اتسعت سعة وحجم الناقلات كما توطنت صناعة التكرير في الدول المستهلكة وحرمت من ثمارها الدول المصدرة للبترول.
(3) تنويع مصادر الامدادات البترولية ومن ثم أهتمت الشركات بتنمية حقول شمال وغرب افريقيا وبحر الشمال والاسكا وغيرها.
(4) التشاور المتبادل والتخطيط المناسب عن طريق الحكومات والشركات الغربية.
وفي عام1972 عصف بالعوائد البترولية تيار التضخم العارم وانهيار قيمة الدولار بعد تعويمه, وهو العملة التي تتخذ اساسا لتسعير البترول, فأخذت الدول المصدرة للبترول اعضاء أوبك, وأغلبها عربية, تطالب الشركات الغربية العاملة في اراضيها بتصحيح الوضع عن طريق زيادة الأسعار الاسمية.
ومع ان مطالب دول أوبك كانت تنحصر في اطار العلاقات التجارية القائمة بينها وبين الشركات المتعاملة معها, الا أن نيكسون رئيس الولايات المتحدة آنذاك لم يتردد في تحذير القادة العرب بصورة علنية في المؤتمر الصحفي الذي عقد في البيت الأبيض يوم5 سبتمبر1973 بأنهم سيخسرون اسواقهم اذا استمروا في المطالبة بزيادة الأسعار ومذكرا اياهم بمصير دكتور مصدق عندما قام بتأميم البترول الإيراني.
لم يدم تحذير نيكسون للقادة العرب أكثر من شهر, إذ تحطم تحت وطأة الصدمة التي أصابت العالم نتيجة لعبور القوات المصرية قناة السويس وانهيار الغطرسة الأمريكية التي كانت مقتنعة بأن شوكة العرب قد انكسرت إلي الأبد, وأن الدول الصناعية الغربية سوف تستمر في الحصول علي البترول العربي بالكميات وبالأسعار التي تناسبها إجحافا بحقوق المنتجين.
وعلي قدر ما قلبت هذه الأزمة موازين العلاقات القديمة, جاءت ردود الفعل من جانب الدول الغربية عنيفة وغاضبة, ففي مستهل عام1974 وجه نيكسون رئيس الولايات المتحدة, الدعوة إلي حكومات الدول الصناعية الكبري المستوردة للبترول لحضور اجتماع في واشنطن1974/2/11 حيث عهد إلي وزراء خارجية تلك الدول بوضع خطة وبرنامج عمل يستهدف الاقتصاد في استخدام الطاقة, تقاسم البترول في حالات الطواريء والعجز الكبير, وتنويع مصادر الطاقة وتنميتها, ثم إنشاء وكالة الطاقة الدولية للإشراف علي تنفيذ تلك الخطة.
وعلي طريق المواجهة التي بدأته الدول الصناعية الغربية بقيادة الولايات المتحدة, ضد أوبك, لم يقتصر الأمر علي تدعيم قوتها التفاوضية في أسواق البترول بالوسائل السليمة, بل عمدت الولايات المتحدة إلي إطلاق التحذيرات والتهديد باستخدام القوة العسكرية, ففي أواخر سبتمبر1974 ألقي الرئيس الأمريكي فورد كلمة في مؤتمر الطاقة في ديترويت المح فيه إلي احتمال التدخل المسلح لاحتلال منابع البترول, وقبل ذلك بأيام ألقي وزير الخارجية الأمريكية كيسنجر كلمة تحذير مماثلة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة, وإذا كان كيسنجر قد أشار بعد ذلك إلي إمكانية مناقشة أسعارالبترول في اجتماع يضم الدول المصدرة والمستوردة له, إلا أنه علق ذلك علي شرط أن تكون الدول المستهلكة للبترول قد سارت شوطا كافيا في طريق تدعيم مركزها التفاوضي باستخدام الاستراتيجية التي اقترحها في خطابه بجامعة شيكاجو يوم14 نوفمبر1974.
وقد عادت نغمة التهديد باستخدام القوة العسكرية تتردد مرة ثانية في أعقاب الحركة الثانية لتصحيح أسعارالبترول إثر قيام الثورة الإيرانية عام1979 كما نشطت أجهزة الدول الصناعية الغربية لمواجهة الموقف المتأزم.
وقد استطاعت الدول الصناعية الغربية, بقيادة الولايات المتحدة السيطرة علي أسعار البترول ونجحت في انهيارها عام1986 إلي نصف ما كانت عليه( من28 دولارا للبرميل إلي13 دولارا) كما استمر تآكل الأسعار من حيث قيمتها الحقيقية بحيث لم تتجاوز خلال عقد التسعينيات4,80 دولار للبرميل بدولارات عام1973 الذي ارتفعت خلاله الأسعار إلي12 دولارا بفضل حرب أكتوبر.
إلا أن مستقبل السوق العالمية للبترول صار ينذر باحتمالات قوية لعجز العرض العالمي للبترول عن الوفاء بالطلب العالمي المتزايد عليه, إذ تشير توقعات وكالة الطاقة الدولية التي أنشأتها الدول الصناعية الغربية إلي احتمال وجود عجز في الإمدادات البترولية العالمية يقرب من20 مليون برميل يوميا بحلول عام2020, وهو مايهدد احتياجات الدول الصناعية, وخاصة أمريكا التي يتوقع أن ترتفع وارداتها البترولية من12 مليون برميل يوميا إلي17 مليون برميل يوميا عام2020, وبذلك ترتفع فاتورة وارداتها البترولية من نحو120 مليار دولار سنويا في الوقت الحاضر إلي مايقرب من نصف تريليون دولار إذا تركت السوق البترولية الحرة تحكمها المنافسة.
في ظل التوقعات, لاتكتفي الولايات المتحدة بدعم قواها التفاوضية للحصول علي البترول بأسعار مناسبة كما تفعل أوروبا في إطار العلاقات التجارية المشروعة, كذلك لاتكتفي الولايات المتحدة بممارسة الضغط السياسي علي منتجي البترول لزيادة الإنتاج وخفض الأسعار كما تفعل دائما, بل تجاوزت تلك الأساليب السلمية إلي التخطيط لاحتلال منابع البترول والسيطرة عليها بقوة السلاح, بداية بالتهديد كما فعل نيكسون وفورد وكيسنجر, خلال السبعينيات, ثم بالعمل العسكري المباشر كما فعل بوش الأب, ثم اكتمل المخطط علي أيدي بوش الابن باحتلال العراق علي غير سند من الشرعية الدولية, وأخيرا حصوله علي سند شرعي تحت مظلة مجلس الأمن لتمكين الولايات المتحدة من السيطرة الكاملة علي بترول العراق.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |