ماذا بعد انتصار حزب الله وهزيمة اسرائيل؟
هل انتصر حزب الله؟ أم انتصرت إسرائيل؟
قال الرئيس الأمريكي بوش: ان حزب الله هو من هزم في هذه الأزمة.
وأعلن قائد الجبهة الشمالية الجنرال آدم: ان إسرائيل هي التي انتصرت في المواجهة.
ولكنه لم يقنع أحدا حتى ضباطه وجنوده العائدين من جبهة القتال، الذين رد أحدهم عليه بشكل قاس قائلا: "أيها الجنرال لقد وجه إلينا حزب الله ضربات موجعة، فعن أي انتصار تتحدث؟!".
وكدليل على حقيقة "النصر" الإسرائيلي نقلت صحيفة يديعوت احرنوت عن مستوطني متولا الحدودية قولهم إنهم مفزوعون من رؤيتهم لأعلام حزب الله ترفرف على منازل بلدة كفركلا المقابلة لهم داخل الحدود اللبنانية، حتى أن البعض منهم أعلن انه رأى بأم العين مسلحين من حزب الله في البلدة اللبنانية، فكيف والحالة كهذه يمكن لجفونهم أن تعرف طعم النوم؟
وبث التلفزيون الإسرائيلي حوارا جرى بين أحد المسنين اليهود الذين يقطنون مستوطنة "معالوت" القريبة من الحدود، وحفيده الذي يبلغ من العمر 12 عامًا، حيث إن الاثنين متواجدان في مدينة تل أبيب بعد أن فرا من المنطقة إثر اندلاع المعارك.
الجد وجه حديثه لحفيده قائلاً: "هيا سنعود إلى شقتنا في معالوت، عليك أن تُعِدّ حقيبتك"، فما كان من هذا الطفل إلا أن رد بعفوية على جده قائلاً: "ما دام حسن نصر الله حيا، فلن أعود إلى معالوت، سأبقى هنا، عد وحدك يا جدي".
إذا نظرنا الى مقياس الدمار والقتل ، فان إسرائيل استطاعت أن تلحق بلبنان عشرة أضعاف ما صنع حزب الله بها من قتل في المدنيين ، وأما تدمير البيوت والبنى التحتية فلا يوجد قياس. ولكن هل نستطيع أن نعتبر كل ذلك مقياسا للنصر والهزيمة؟ أم يجب أن ننظر الى الأهداف والنتائج؟
لقد أعلن السيد حسن نصر الله بعد اختطاف الجنديين أنه لن يسلمهما الا بالتفاوض على الأسرى اللبنانيين، وشنت إسرائيل الحرب لكي تستردهما، فكيف كانت النهاية؟ عادت إسرائيل للتفاوض وهي خائبة.
ومن طرفه لم يعلن نصر الله انه يريد تدمير حكومة إسرائيل، أو إبعاد الجيش الإسرائيلي عن الحدود، وقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت أعلن انه سوف يدمر حزب الله ويبعده عن الحدود الى ما وراء الليطاني ويخرس صواريخه. وبعد شهر من العدوان لم يحقق أيا من هذه الأهداف، حيث ظل حزب الله يطلق الصواريخ بوتائر متصاعدة، وظل رابضا على الحدود، ومع انه قبل بدخول الجيش اللبناني الى الحدود الا انه لم يتراجع عن مواقعه، ولم يتضمن حتى قرار مجلس الأمن نصا على تجريده من السلاح، وخرج حزب الله من المعركة أقوى مما كان عليه من قبل لبنانيا وعربيا وإسلاميا.
وربما كان أهم بعد في نصر حزب الله هو تحطيم سمعة الجيش الإسرائيلي "الذي لا يقهر" وصموده ثلاثا وثلاثين يوما أمامه.
وهذا ما يعترف به الإسرائيليون قبل غيرهم.
ولا أعتقد أننا بحاجة لمناقشة هذا الأمر، إذ أن الذين ينكرون انتصار المقاومة يدفنون رؤوسهم في الرمال ويرفضون الاعتراف بالحقيقة لأهداف خاصة. ولسنا بحاجة لإقناعهم بالأمر، ولكنهم يحاولون إقناعنا بضرورة "الاعتراف بالهزيمة" من أجل التقدم خطوة الى الأمام في طريق الاستسلام، والإقرار بعدم القدرة على تحدي أمريكا، وضرورة توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل.
يقول أحد الكتاب العرب: إن توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل ولبنان كخلاص وحيد للبنان من مأزقه الداخلي والخارجي الآن، هي ضرورة ، كضرورة اتفاقية السلام بين الفيل والفراشة.
وربما كان استسلام الفراشة للفيل ضرورة لو كان حزب الله خرج فعلا من المعركة مهزوما ومحطما، كما خرج يوما رئيس أنور السادات بعد حرب تشرين ليعلن أنه لا قبل له بمحاربة أمريكا التي كانت تمد إسرائيل بالأسلحة في أيام الحرب. ومع انه لم يكن في الحقيقة كذلك ، الا انه أوحى لجيشه وشعبه بأنه غير قادر على منازلة دولة عظمة وانه لذلك سوف يسلك طريق السلام الذي انتهى الى الاستسلام وخروج مصر من المعركة.
وبالرغم من تكرار المشهد الأمريكي الداعم لإسرائيل بمختلف الأسلحة والقنابل الذكية خلال الحرب، الا ان حزب الله الذي كان يعرف انه يقاتل أمريكا التي تريد صياغة شرق أوسط جديد، لم يرفع الراية البيضاء، وأصر على الصمود حتى النصر. ولذلك ليس متوقعا أن يسمح بتوقيع أية اتفاقية سلام أو استسلام مع العدو الصهيوني.
والسؤال الآن هو : هل ستكتفي إسرائيل بجر أذيال الخيبة وراءها؟ أم تحاول الكرة لتصفية حزب الله؟ وهل ستكون هذه الحرب الأخيرة هي آخر حرب لها ضد لبنان؟ خاصة وانها قد خرجت من الحرب وقد فقدت هيبتها وسمعتها التي تشكل أهم أسلحتها السايكيولوجية؟
ان الجواب على هذا السؤال يكمن في معرفة المخطط الحقيقي لهذه الحرب والمستفيد الأول منها، هل هي إسرائيل ؟ أم أمريكا التي تريد الهيمنة على الشرق الأوسط؟
وإذا كانت وزيرة الخارجية الأمريكية قد أعلنت في الأسبوع الأول من الحرب بأن الهدف من الحرب هي إقامة الشرق الأوسط الجديد، مما يؤكد ان واشنطن هي المخطط الأكبر والمستفيد الأول من الحرب، وان هذه الحرب لم تكن الا حلقة من سلسلة هجماتها على البلاد العربية والإسلامية ابتداء من أفغانستان مرورا بالعراق وانتهاء بلبنان، فان الجواب هو أن هذه الحرب لن تكون الأخيرة. ولا بد أن ننتظر خلال الشهور أو السنوات القادمة حربا جديدة في المنطقة. وإذا لم تكن موجهة ضد حزب الله فربما ستتوجه ضد شبيه حزب الله في العراق أو في أي بلد آخر يحاول التصدي لمخطط الشرق الأوسط الجديد (الأمريكي)
وليس سرا ان حزب الله يرتبط بعلاقة عضوية مع إيران، التي تخوض معركة باردة مع أمريكا وإسرائيل حول برنامجها النووي، وان حزب الله كان يشكل تهديدا لإسرائيل فيما إذا قامت واشنطن بضرب إيران. ولذلك فقد حاولت إسرائيل مع أمريكا التخلص من حزب الله قبل أن يوجه لإسرائيل أية ضربة، وتسقط هذه الورقة من يد إيران. ولكن هذه الورقة لم تسقط تماما فلا يزال حزب الله يحتفظ بقدر كبير من صواريخه رغم صعوبة المبادرة الى استعمالها في المستقبل القريب.
نفس الشيء يتكرر في العراق، أمريكا تهدد إيران، وإيران تحتفظ بأصدقاء في العراق قادرين على تهديد القوات الأمريكية، وقد بدءوا بالفعل بتسديد ضربات موجعة لتلك القوات.وأعلن السفير الأمريكي في بغداد خليل زلماي زاد بأن جناحا منشقا من جيش المهدي يقوم بعمليات عسكرية في العراق. و لذلك لا بد أن نتوقع مبادرة أمريكا لتصفية أية منظمات مؤيدة لإيران، ولكن هذه الخطوة قد تقلب الطاولة على رأس أمريكا باستعداء عموم الشيعة الذين تحاول تهدئتهم بالمشروع الديموقراطي، وتخويفهم بتسليم السلطة الى السنة.
وإذا ما حدثت هذه المعركة، وإذا ما ثار الشيعة في العراق فان المشروع الأمريكي في الشرق الأوسط كله يتعرض الى التهديد الجدي، وعندها ستقرر واشنطن فيما إذا سوف تستمر في مشاريعها العدوانية؟ أو تنكفئ الى داخل أسوارها؟
وتلك ستكون المعركة الكبرى الفاصلة التي ستغير مسار الأحداث.