 |
-
الخيارات المحدودة مع إيران
الخيارات المحدودة مع إيران
الياس حرفوش الحياة - 06/10/06//
قد يبدو الأمر مصادفة سيئة العواقب بالنسبة الى الموقف الغربي. لكن اعلان خافيير سولانا، ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي عن وصول محادثاته مع الايرانيين الى طريق مسدود، يأتي في وقت بالغ الايجابية بالنسبة الى طهران. لقد ظهر وكأن الحكم الايراني استطاع تأجيل هذا الاستحقاق الى الوقت الذي اصبحت فيه ايدي خصومه الغربيين مشلولة وعاجزة عن أي تحرك فاعل، تحت ضغط ظروف داخلية وخارجية لا يستهان بها.
فالخيارات المتاحة امام الغرب بعد انهيار المفاوضات مع ايران الذي كان متوقعا، تبدو خيارات محدودة، وهو ما كانت رئاسة احمدي نجاد تراهن عليه وتدركه منذ البداية، عندما رفعت سقف موقفها الى اقصى مستوى تستطيعه، مما لم يترك أي فرصة امام الغربيين سوى التراجع المستمر عن مواعيدهم «النهائية» وتحذيراتهم «الجدية» ضد التخصيب.
ماذا يستطيع الغرب أن يفعل انطلاقاً من هذه النقطة؟ هناك استمرار المفاوضات، كما يريد الايرانيون، وهو ما اصبح يطلق عليه استهزاء: التفاوض من اجل التفاوض. هذا خيار لم يعد الغربيون قادرين على القبول به، خصوصا تحت الضغط الاميركي، مع أن هناك اصواتا ضمن مجموعة (الخمسة زائد واحد)، خصوصاً روسيا والصين، لا تمانع في مثل هذا الخيار لأنه يجنبها «حرج» أي قرار تصعيدي على طريق العقوبات على سبيل المثال. ثم هناك التهديد بالعقوبات، وهي خطوة تم تجريبها سابقا، مع انظمة تعرضت للحصار الخارجي على أمل أن يغير ذلك سلوكها الداخلي واسلوب تعاملها مع العالم. من هذه التجارب ما نجح، كما حصل في حال النظام العنصري في جنوب افريقيا، ومنها ما فشل وانتهى بالغرب الى «مستنقع» العمل العسكري، كما نتذكر من التجربة الحديثة العمر في العراق.
العقوبات ليست حلاً سحرياً، حتى لو حصل اجماع دولي على تطبيقها، وهو أمر بعيد المنال في الحالة الايرانية. في الحال العراقية تحولت العقوبات مأزقا للذين يديرونها، كما حصل مع برنامج «النفط مقابل الغذاء»، انتهت الى تجويع الشعب وانتعاش النظام. وهو الامر القابل للتكرار بنجاح مع ايران، التي يعاني فيها المواطن العادي من ظروف اقتصادية بائسة، فيما الاجنحة النافذة في المؤسسة الحاكمة والمستفيدة منها تنعم بموارد النفط وتغدقها على كسب الدعم في الداخل وعلى توزيع المغانم الخارجية في الاقليم، حيث اصبح العمل الدعائي للثورة الاسلامية والتمويل السخي لأذرعها العسكرية قاعدتين مهمتين للنشاط الخارجي في زمن يستمر فيه «تصدير الثورة» تحت عناوين وشعارات متجددة.
اما البحث في احتمالات العمل العسكري ضد ايران فهو الاكثر استبعادا، تحت ضغط التطورات الحاصلة على الجبهة العراقية. فكيف يمكن لقيادة عسكرية أن تصدر أوامر لضباطها بالقيام بعمل عسكري، فيما يشكك هؤلاء القادة بصورة معلنة في النتائج التي انتهت اليها تجربة مماثلة في العراق، ويرون أن «التورط» وسع رقعة خطر الارهاب، رغم ان اميركا ذهبت اصلاً الى حربيها في افغانستان والعراق بهدف اجتثاثه؟
خيار وحيد لا يبدو، علناً على الاقل، ان السياسة الغربية مهتمة بالانتباه الى انعكاساته على القرار الايراني، سواء المتعلق بالملف النووي أو بعلاقة الحكم (خامنئي - احمدي نجاد) مع خصومه. لقد اظهرت جملة من التطورات الاخيرة، وعلى مستويات عليا في ايران، ان المواجهة التي يسعى اليها المرشد والرئيس مع الغرب، لإبعاد الأنظار عن المشاكل الداخلية بالدرجة الاولى، لا تحظى بالاجماع. في هذا السياق تأتي الرسالة التي اعلن عنها الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني وقال ان الامام الخميني كتبها سنة 1988 قبل اعلانه قرار وقف اطلاق النار مع العراق، الذي وصفه بـ «تجرع السم»، وفيها أن ايران «لا تستطيع تحقيق انتصار لخمس سنوات على الاقل الا اذا حصلت على كمية متطورة من الدبابات والطائرات المقاتلة، اضافة الى عدد لا بأس به من اسلحة الليزر والأسلحة النووية». وجاء نشر الرسالة عبر احدى الوكالات المحلية قبل أن تتعرض لضغوط لحذف عبارة «اسلحة نووية» من النص الاصلي، وفي وقت يؤكد المسؤولون الايرانيون على كل المستويات ان انتاج اسلحة نووية هو خارج نطاق اهتمامهم. ومع ان نشر الرسالة يأتي في ظل تبادل الاتهامات بين قيادات الجيش (التي تكسب رصيدا معنويا في هذه الفترة) وبين رجال الدين (خاتمي ورفسنجاني وقواعدهما) حول المسؤولية عن الحرب مع العراق، فان تسريب نص من قبل رفسنجاني في هذا الظرف يؤكد موافقة الخميني على الخيار النووي له اكثر من دلالة لا بد من الانتباه اليها من جانب اصحاب القرار الغربي، مع نضوب الخيارات الاخرى المتاحة امامهم.
<h1>الخيارات المحدودة مع إيران</h1>
<h4>الياس حرفوش الحياة - 06/10/06//</h4>
<p>
<p>قد يبدو الأمر مصادفة سيئة العواقب بالنسبة الى الموقف الغربي. لكن اعلان خافيير سولانا، ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي عن وصول محادثاته مع الايرانيين الى طريق مسدود، يأتي في وقت بالغ الايجابية بالنسبة الى طهران. لقد ظهر وكأن الحكم الايراني استطاع تأجيل هذا الاستحقاق الى الوقت الذي اصبحت فيه ايدي خصومه الغربيين مشلولة وعاجزة عن أي تحرك فاعل، تحت ضغط ظروف داخلية وخارجية لا يستهان بها.</p>
<p>فالخيارات المتاحة امام الغرب بعد انهيار المفاوضات مع ايران الذي كان متوقعا، تبدو خيارات محدودة، وهو ما كانت رئاسة احمدي نجاد تراهن عليه وتدركه منذ البداية، عندما رفعت سقف موقفها الى اقصى مستوى تستطيعه، مما لم يترك أي فرصة امام الغربيين سوى التراجع المستمر عن مواعيدهم «النهائية» وتحذيراتهم «الجدية» ضد التخصيب.</p>
<p>ماذا يستطيع الغرب أن يفعل انطلاقاً من هذه النقطة؟ هناك استمرار المفاوضات، كما يريد الايرانيون، وهو ما اصبح يطلق عليه استهزاء: التفاوض من اجل التفاوض. هذا خيار لم يعد الغربيون قادرين على القبول به، خصوصا تحت الضغط الاميركي، مع أن هناك اصواتا ضمن مجموعة (الخمسة زائد واحد)، خصوصاً روسيا والصين، لا تمانع في مثل هذا الخيار لأنه يجنبها «حرج» أي قرار تصعيدي على طريق العقوبات على سبيل المثال. ثم هناك التهديد بالعقوبات، وهي خطوة تم تجريبها سابقا، مع انظمة تعرضت للحصار الخارجي على أمل أن يغير ذلك سلوكها الداخلي واسلوب تعاملها مع العالم. من هذه التجارب ما نجح، كما حصل في حال النظام العنصري في جنوب افريقيا، ومنها ما فشل وانتهى بالغرب الى «مستنقع» العمل العسكري، كما نتذكر من التجربة الحديثة العمر في العراق.</p>
<p>العقوبات ليست حلاً سحرياً، حتى لو حصل اجماع دولي على تطبيقها، وهو أمر بعيد المنال في الحالة الايرانية. في الحال العراقية تحولت العقوبات مأزقا للذين يديرونها، كما حصل مع برنامج «النفط مقابل الغذاء»، انتهت الى تجويع الشعب وانتعاش النظام. وهو الامر القابل للتكرار بنجاح مع ايران، التي يعاني فيها المواطن العادي من ظروف اقتصادية بائسة، فيما الاجنحة النافذة في المؤسسة الحاكمة والمستفيدة منها تنعم بموارد النفط وتغدقها على كسب الدعم في الداخل وعلى توزيع المغانم الخارجية في الاقليم، حيث اصبح العمل الدعائي للثورة الاسلامية والتمويل السخي لأذرعها العسكرية قاعدتين مهمتين للنشاط الخارجي في زمن يستمر فيه «تصدير الثورة» تحت عناوين وشعارات متجددة.</p>
<p>اما البحث في احتمالات العمل العسكري ضد ايران فهو الاكثر استبعادا، تحت ضغط التطورات الحاصلة على الجبهة العراقية. فكيف يمكن لقيادة عسكرية أن تصدر أوامر لضباطها بالقيام بعمل عسكري، فيما يشكك هؤلاء القادة بصورة معلنة في النتائج التي انتهت اليها تجربة مماثلة في العراق، ويرون أن «التورط» وسع رقعة خطر الارهاب، رغم ان اميركا ذهبت اصلاً الى حربيها في افغانستان والعراق بهدف اجتثاثه؟</p>
<p>خيار وحيد لا يبدو، علناً على الاقل، ان السياسة الغربية مهتمة بالانتباه الى انعكاساته على القرار الايراني، سواء المتعلق بالملف النووي أو بعلاقة الحكم (خامنئي - احمدي نجاد) مع خصومه. لقد اظهرت جملة من التطورات الاخيرة، وعلى مستويات عليا في ايران، ان المواجهة التي يسعى اليها المرشد والرئيس مع الغرب، لإبعاد الأنظار عن المشاكل الداخلية بالدرجة الاولى، لا تحظى بالاجماع. في هذا السياق تأتي الرسالة التي اعلن عنها الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني وقال ان الامام الخميني كتبها سنة 1988 قبل اعلانه قرار وقف اطلاق النار مع العراق، الذي وصفه بـ «تجرع السم»، وفيها أن ايران «لا تستطيع تحقيق انتصار لخمس سنوات على الاقل الا اذا حصلت على كمية متطورة من الدبابات والطائرات المقاتلة، اضافة الى عدد لا بأس به من اسلحة الليزر والأسلحة النووية». وجاء نشر الرسالة عبر احدى الوكالات المحلية قبل أن تتعرض لضغوط لحذف عبارة «اسلحة نووية» من النص الاصلي، وفي وقت يؤكد المسؤولون الايرانيون على كل المستويات ان انتاج اسلحة نووية هو خارج نطاق اهتمامهم. ومع ان نشر الرسالة يأتي في ظل تبادل الاتهامات بين قيادات الجيش (التي تكسب رصيدا معنويا في هذه الفترة) وبين رجال الدين (خاتمي ورفسنجاني وقواعدهما) حول المسؤولية عن الحرب مع العراق، فان تسريب نص من قبل رفسنجاني في هذا الظرف يؤكد موافقة الخميني على الخيار النووي له اكثر من دلالة لا بد من الانتباه اليها من جانب اصحاب القرار الغربي، مع نضوب الخيارات الاخرى المتاحة امامهم.</p>
</p>
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |