النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي دورالتحالف السعودي امريكي فى حرمان الحجازيين من رعايةالمقدسات وأنصبة الثروة البترولية

    [align=center]دور التحالف السعودى الأمريكى فى حرمان الحجازيين من رعاية المقدسات ومن أنصبة الثروة البترولية *[/align]

    كتابات - فكرى عبد المطلب

    لم يكن التغلغل الأمريكى المُبكر ، فى المنطقة العربية ، إلا عبر تلك المملكة الكائنة فى قلبها، باسم المملكة السعودية ، حين منحت الأخيرة امتيازات التنقيب عن النفط لواحدة من أضخم الشركات الأمريكية ، العاملة فى هذا المجال ، والتى عُرفت – عالمياً – فيما بعد ، باسم (أرامكو) ، وهو ما كان يتوافق مع طبائع الاستعمار الجديد ، فى شتى أرجاء الكوكب ، والتى تتخذ من الهيمنة الاقتصادية مدخلاً للهيمنة السياسية والثقافية ، بديلاً عن الهيمنة العسكرية المباشرة ، لبلوغ غايات الهيمنة المتعددة ، وهو ما عبرت عنه الولايات المتحدة الأمريكية ، بجلاء ، فى عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى ، بحثاً عن دور عالمى ، ظلت تملأ فاعلية مساحاته قوى الاستعمار الأوربية الغربية ، ولاسيما البريطانية ، التى شكل وجودها السياسى والاقتصادى والعسكرى المؤثر فى المنطقة العربية ، وخاصة فى الجزيرة العربية ، من جهة عقبة كأداء أمام الطموح الأمريكى لوضع قدم ثابتة فيها ، ومن جهة ثانية مجالاً حيوياً لتنشيط رأس المال الأمريكى ، العامل – أساساً – فى مجالات التنقيب والاستخراج والتكرير والنقل والتسويق للنفط . وهو ما حدا بالشركات الأمريكية ، المختصة بهذه الشئون ، للعمل فى الأراضى (السعودية) ، من خلال الشركات البريطانية المحتكرة للامتيازات النفطية فى هذه الأراضى .

    واستناداً إلى ذلك ، فإن مدار هذا البحث سينصب على شرح وتحليل الدور السياسى لشركات النفط الأمريكية ، ولاسيما آرامكو ، فى مملكة آل سعود ، خلال العقود السبعة الأخيرة ، من القرن المنصرم ، بوصفه الأساس الذى تشكلت ، من خلاله ، عرى التحالف السعودى -الأمريكى ، مع بدايات الصعود العالمى للقوة الأمريكية الجبارة ، والتى وفرت لمملكة آل سعود غطاء سميكاً من الحماية السياسية والعسكرية ، بعد عقود من الحماية البريطانية الغابرة لتلك المملكة .

    1 – الذراع الاقتصادية الأمريكية فى جزيرة العرب :

    ارتبط عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة السعودية – كما هو معلوم – بعلاقات سياسية وعسكرية خاصة مع بريطانيا ، منذ زمن بعيد ، ولاسيما فى الفترة الواقعة بين عامى 1915و1924 ، حيث كانت إمارة ابن سعود فى بادية نجد بمنزلة محمية بريطانية خالصة ، وجدت فيها شركات النفط البريطانية مبتغاها الاحتكارى ، وخاصة (ايسترن بتروليوم كومبانى) و(إينك) ، اللتين بلغت أسهم الحكومة البريطانية فيهما ما بين 23.75 و40 بالمئة ، مما سهل لشركة اينك الحصول على امتياز خاص لأنشطتها فى منطقة الأحساء ، أفصح فيلبى، وهو المستشار البريطانى لابن سعود ، عن شروطه ، فى الآتى :

    1 – حق احتكار الشركة للبترول ، ولاحتياطى المعادن الأخرى ، وكذلك حق وامتياز استخراج هذه المعادن الذى يشمل إقامة المنشآت ونصب المعدات .

    2 – حق احتكار استخدام منطقة الامتياز ، كما يتراءى لها ، بما فى ذلك الحق فى حفر الآبار وتوصيل أنابيب البترول ، وإنشاء خطوط السكك الحديدية والمبانى ، ومد خطوط البرق والتليفزيونات إلى آخره ، وذلك مع حق احتكار إنشاء مصانع تكرير النفط ، واستخدام المياه المكتشفة فى منطقة الامتياز (وإن كان يمكن للحكومة استخدام كل هذه الخطوط – فقط – فى حالة وقوع الحرب) .

    3 – حرية استخدام جميع موانىء البلاد ، بما فى ذلك توسيعها ، مع احتفاظ الدولة (السعودية) بالرقابة عليها .

    4 – حرية بيع وتصدير النفط والثروات الطبيعية الأخرى المستخرجة ، وفى الوقت ، ذاته ، لا تملك الحكومة الحق فى التدخل فى أعمال توجيه الامتيازات ، وإنما تلتزم – فقط – بأن يدفعوا لها الرسوم الجمركية المستحقة على ما يقومون باستيراده من مواد غذائية وملابس وبضائع أخرى .

    5 – الإعفاء من رسوم الضرائب وإيجار الأراضى .

    6 – حق الشركة فى التنازل عن (أو بيع) الحق والامتيازات الممنوحة لها سواء على أجزاء (أو كلية) لواحدة أو لعدد من الشركات الإنجليزية .

    7 – حق الحصانة ، فى العربية السعودية ، لممثلى الامتياز ، الذين يعدون مسئولين أمام الحكومة البريطانية ، فقط .

    وبذلك فقدت إمارة ابن سعود – من خلال أول اتفاقية امتياز نفطية – كل حق لها فى مناطق الامتياز ، وفى الثروات الطبيعية ، الكامنة فى أعماق تربتها ، بل وحتى فى مخزون مياهها، فى حين خلت الاتفاقية من أى نص يمنح الإمارة أدنى حق فى استخدام المنشآت والمعدات والمرافق التابعة للشركة ، فى أوقات السلم ، إلى جانب تمتع الشركة بحصانة ضد قوانين الإمارة ، وحريتها المطلقة فى نقل كل أو جزء من حقوق امتيازاتها لأية شركة بريطانية ، دون التعهد بدفع التعويضات الملائمة لحكومة الإمارة ! وذلك مقابل حصول ابن سعود على عشرين بالمئة من أسهم هذه الشركة ، أو أية شركة أخرى ، قائمة ، إلى جانب إيجار مقابل فترة التنقيب ، يبلغ ثلاثة آلاف جنيه إسترلينى ذهباً .

    بيد أن النتائج السلبية لسنوات التنقيب ، التى كانت تطول لأكثر من ثلاث سنوات حملت الشركة البريطانية على نقض اتفاقها مع ابن سعود ، بعد أن دفعت له أربعة آلاف جنيه إسترلينى ، فقط ! .

    وأمام تراجع شركات النفط البريطانية ، المعزز بالتقديرات السلبية للمصارف البريطانية فى مجالات الاستثمار النفطية ، وجدت الشركات الأمريكية ، العاملة فى هذه الأنشطة - وبدعم من حكومتها – فرصتها السانحة فى السوق السعودية ، التى صارت آنذاك نهباً لمختلف رؤوس الأموال الأوربية .

    لذا ، يمثل مطلع الثلاثينيات ، من القرن المنصرم ، التاريخ الذهبى للشركات الأمريكية ، من خلال الزيارة التى بدأها مسئول حكومى أمريكى (!) فى شتاء العام 1931 إلى مدينة جدة ، هو (ش.كرين) ، حيث تمخضت مباحثاته مع ابن سعود عن موافقة الأخير على استقبال بعثة جيولوجية أمريكية محدودة ، برئاسة (ك.تويتشل) ، التى وجدت – بعد بدء أعمالها – أن التركيب الجيولوجى للأراضى (السعودية) يبشر بالكثير من الامكانات النفطية ، ما حمل الأمريكيين على إغراء ابن سعود بمبالغ مالية سخية ، مقابل منحهم امتيازاً للبحث عن النفط ، وذلك على الرغم من عدم حاجة السوق العالمية لمصادر طاقة جديدة آنذاك ! .

    إلا أن السياسة الأمريكية – رغم برجماتيتها – لم تكن معنية ، كثيراً ، بالتقديرات البحتة ، فيما يتصل بهذا النشاط الاقتصادى ، بوصفه – كما أسلفنا – بوابتها إلى التغلغل السياسى فى قلب المنطقة العربية ، وذلك فى ضوء حساباتها الاستراتيجية ، بعيدة المدى .

    واللافت ، أن قبول ابن سعود للعرض الأمريكى – ومن قبل للعرض البريطانى – كان تعبيراً عن تدهور الوضع الاقتصادى لسلطنة ابن سعود ، فى نهاية العشرينيات وأواثل الثلاثينيات ، إذ تقلصت حركة التصدير ، وانخفض العائد من الحجيج ، بعد تراجع أعدادهم من مائة وخمسين ألفاً عام 1926 إلى عشرين ألفاً ، فقط ، فى العام 1933 ، الى جانب تدنى المحصول الزراعى ، وخفض بريطانيا مساعداتها المالية لابن سعود ، والتى كانت تشكل نحو أربعين بالمئة من دخل سلطنته ، ففرغت خزانتها ، وتوقف دفع رواتب الموظفين ، وكذا المبالغ الخاصة بالقبائل الموالية ، فاشتدت وطأة المضاربات ، وامتنعت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا عن منح ابن سعود قروضاً جديدة ، فى الوقت الذى كان ملزماً فيه بسداد مستحقات تقدر بمائتين وتسعة عشر ألف جنيه استرلينى ، مما حدا بأعداء ابن سعود ، فى الداخل والخارج، لتأليب القبائل البدوية ضده ، ما هدد وجود مُلك ابن سعود ، الذى وجد فى رأس المال الغربى الاحتكارى وسيلته لجلب الأموال التى تعزز من تماسك سلطنته ، ولم يكن مصدر هذا التمويل سوى شركات النفط الأمريكية ، بعد تراجع الشركات البريطانية .

    وقد كتب الانجليزيان : ك.تيوهيندهيت وأ. هاميلتون ، عن أوضاع السوق العالمية للنفط ، يقولان : " فى عام 1930 قل الطلب على البترول فى الولايات المتحدة ، وقد انهارت السوق تماماً بعد اكتشاف البترول فى شرق تكساس فى اكتوبر من العام نفسه إذ إن سعر البرميل قد هبط من 1.3 دولار إلى 5 سنتات " .

    وأضاف أنه بعد " عدة سنوات (كانت قد) حققت فيها شركات البترول أرباحاً ضخمة اصطدمت فجأة بواقع أن عليها أن تحقق حتماً خسائر فادحة " وهو ما أدى إلى أن " تتخلى العديد من الشركات الأمريكية ، وخاصة الشركات الصغيرة ، عن عملياتها بالخارج ، فى الوقت الذى استمرت فيه بعض شركات البترول الضخمة فى العمل فى الشرقين الأوسط والأدنى (...) مع أنها فقدت الثقة بمستقبل البترول فى الجزيرة العربية (!) وهو ما حمل "شركتى : (تكساس أويل) و(جلف كوربوريشن) على رفض " عرض تويتشل بشأن الحصول على امتياز فى المملكة السعودية " .

    ويشرح الكاتبان كيف أن الشركتين لم تكتفيا " بمجرد الشك فى تقديرات الجيولوجى الأمريكى بل إنهما لم تشاءا أن يخرقا اتفاقية " الخط الأحمر " (وأن) الشركة الوحيدة التى جازفت (بالعمل مع تويتشل) كانت " ستاندارد أويل كومبانى أوف كاليفورنيا " ، والمعروفة ، اختصاراً ، باسم (سوكال) .

    وهكذا ، وصل تويتشل إلى الحجاز فى أبريل 1931 ، مركزاً ، فى البداية ، على الأبحاث المتصلة بوجود الماء (...) فى تربة وادى فاطمة ، على طريق مكة المكرمة ، تبعها برحلة أبعد إلى الشمال ، بحثاً عن مناجم ذهب مهجورة ، وصفها بأنها أقرب إلى مناجم الملك سليمان الأسطورية (!) .

    ولكنه ، فى شتاء 32 – 1933 اتجه شرقاً إلى الأحساء ، ثم توجه إلى الرياض لمقابلة ابن سعود ، حيث بادره تويتشل قائلاً : " أن هناك فارقاً بسيطاً بين جيولوجية البحرين وجيولوجية البر ، ولذا فإن تم العثور على البترول فى البحرين فمن المرجح أن بلدكم أيضاً تحتوى على البترول " .

    وبحسب تقرير أحد المسئولين البريطانيين فى منطقة الخليج ، وهو السير لاسى فإن المستشار البريطانى لابن سعود ، المدعو جون فيلبى هو الذى بدأ قصة البترول السعودى فى خريف عام 1930 ، حينما بادر ابن سعود بالقول أنه " مثل الرجل النائم فوق كنز مدفون " ، وذلك تمهيداً لزيارة المسئول الأمريكى تشارلز كرين إلى الرياض ، وهو ما شجع القنصل الأمريكى العام فى لندن ، (أبرت هالستيد) على لتوجيه رسالة ودية إلى فيلبى ، يحثه فيها على لقاء مسئول أمريكى ، سيكون له دوره المؤثر فى قصة النفاذ الأمريكى إلى البترول السعودى ، وجاء فيها : " اسمح لى أن اعرفك بالسيد (فرانسيس ب. لوميس) المحترم نائب وزير الخارجية الأمريكى السابق ، والرجل الشهم الذى عرفته وحاز على رضائى بالفعل منذ سنين عديدة (...) ، لقد أعجب السيد لوميس بعملك فى الصحراء كثيراً (!) ويرغب فى مقابلتك " .

    ويشير لاسى إلى أن اللقاء بين الاثنين قد تم بالفعل فى يوليه 1932 ، حيث أوضح فيلبى للوميس مدى حاجة ابن سعود للموارد المالية السريعة ، مقابل منح الأمريكيين امتياز التنقيب عن النفط فى أراضى مملكته وذلك بقوله : " إن الملك سيكون مهتماً أكثر بحجم المبلغ الذى سيدفع مقدماً ، و(أنه) من المفضل (أن يكون) بالجنيهات الذهبية ، و(ذلك) من (ضمن) تفاصيل الاتفاقية الدقيقة " .

    بيد أن فيلبى سارع – أيضاً – إلى إبلاغ زملائه البريطانيين ، العاملين فى ميدان البترول بفحوى الخطة الأمريكية لاقتناص امتياز بترول مملكة ابن سعود ، ليجد ممثلو الشركة الأمريكية (سوكال) أنفسهم فى منافسة مع الشركة البريطانية (آى بى سى) .

    والمدهش أن فيلبى لم يجد حرجاً فى الاعتراف بقبوله ألف دولار شهرياً مقابل تعزيز مساعى الشركة الأمريكية ، وكذلك فى قبول دفعات مالية سرية من البريطانيين ، ولا فى تحديد أسعار لدفعات أخرى ، بالتفاهم مع ابن سعود ووزير ماليته عبد الله سليمان ، بلغت قيمتها مائة ألف جنيه ذهبى ، كى يدفعها الأمريكيون لهم (!) .

    ويذكر لاسى أن البريطانيين منحوا فرصة ثانية لضمان سيطرتهم على البترول السعودى ، لكنهم اتبعوا نفس التكتيك ، الذى لجأوا إليه قبل عشر سنوات ضد الرائد هولمز : أى عرقلة الأمور دون أى محاولة جادة للتعهد بشىء ، فقد قال لهم ماسحوهم أنه لا وجود للبترول فى بلاد العرب ، وحتى لو كان هناك بترول فى باطن قبة الدمام ، فقد كانت الشركة (البريطانية) تملك بترولاً فى العراق أكثر من احتياجاتها لأن السوق العالمية اتسمت حينئذ بفرط الانتاج وتدهور الأسعار .

    ومع ذلك ، فقد اعترف مسئول بريطانى ، هو (ستيفن لونجرج) أنه توجه إلى جدة ، فى ربيع 1933 ، فى محاولة لإبقاء الأمريكيين خارج المنطقة ، وهو أمر كان صعباً فى ظل حديث لونجرج المتذمر عن دفع مائتي جنيه شهرياً ، فقط ، لابن سعود ، بينما كان الأمريكيون على أتم الاستعداد لدفع نصف المبلغ الذى كان ابن سعود يطالب به ، وهو خمسون ألف جنيه ، على الأقل ، شهرياً .

    ذلك أن أحداً لم يدرك أثناء المساومات قيمة الثروة المعدنية ، المفترض أنها ستؤدى إلى ربط مملكة ابن سعود ربطاً وثيقاً بالدولة التى لم يكن لها حتى عام 1933 ممثل دبلوماسى فى جدة ، أى الولايات المتحدة ، وذلك على الرغم من أن ابن سعود حاول حتى آخر لحظة ترجيح كفة البريطانيين ، ولم يتخل عن هذا – كما يقول لاسى – إلا عندما قال له الدبلوماسى البريطانى أندرو ريان بهدوء أن يقبل العرض الأمريكى (مال مقابل لاشىء) والذى لم يكن سوى أوهام الاكتشافات البترولية ، كما حاول أندر وريان تضليل ابن سعود .

    وعلى الرغم من دخول الشركة البريطانية (إيسترن بتروليوم كومبانى) المنافسة مع الشركة الأمريكية (سوكال) للتنقيب عن الثروات الطبيعية فى مملكة ابن سعود ، فإن الأخير فضّل الشركة الأمريكية : أولاً لأنها كانت على استعداد لتقديم القروض دون إبطاء ، وثانياً لأن ابن سعود كان يخشى ، وفى ذهنه الصراع الطويل مع إنجلترا ، تغلغل الشركة البريطانية فى مملكته فى ظروف سيطرة إنجلترا على الشرق الأوسط بأكمله .

    ومن ثم ، رأى ابن سعود أن نشاط (سوكال) يمكن أن يوازن (...) – بدرجة ما – تأثير إنجلترا فى المنطقة بحسب ما ذهب المؤرخ الروسى ألكسندر ياكوفليف .

    بيد أن العامل المؤثر فى اتجاه ابن سعود إلى (سوكال) هو عرضها المالى المُغرى ، والقاضى بمنح ابن سعود خمسة وثلاثين ألف جنيه استرلينى ذهباً ، وذلك على الرغم من قرار الرئيس الأمريكى روزفلت بحظر تصدير الذهب فى 20 أبريل 1933 .

    وكانت المباحثات بين الحكومة السعودية وممثلى شركة سوكال - وهم : رئيسها لورد هاميلتون ، والنائب السابق لوزير الخارجية الأمريكى ف.لوميس ، ووساطة القنصل الأمريكى فى لندن أ.هالستيد – قد بدأت فى ديسمبر ، من العام 1932 ، والتى حاول الجانب السعودى أن يصل من خلالها إلى شروط أقل إجحافاً فى اتفاقيته الجديدة ، مستفيداً من خبرته فى الاتفاق السابق ، مع البريطانيين ، وتضمنت هذه الشروط :

    1 – تقوم الحكومة السعودية بتأجير المنطقة اللازمة للشركة مقابل أن تدفع (الشركة) لها مقدماً ما مقداره 5 آلاف جنيه ذهباً .

    2 – تحصل الحكومة على 30% من صافى أرباح التنقيب وبيع البترول .

    3 – تقدم الشركة للحكومة قرضاً فى حدود مائة ألف جنيه إسترلينى ذهباً .


    وفى التاسع والعشرين من مايو عام 1933 وقع لورد هاميلتون مع وزير المالية السعودى عبد الله سليمان اتفاقاً يمنح شركة (سوكال) امتيازاً بالبحث والتنقيب عن البترول ، فى مساحة قدرها 932 ألف كيلو متر مربع ، لمدة 66 عاماً ، وفى السابع من يوليه ، من نفس السنة ، وقع ابن سعود مرسوماً برقم 1135 ، يعطى لهذا الامتياز ضماناته .

    إلا إن شروط الاتفاق كانت تعطى أرباحاً أقل ، مما فى فى دولة العراق المجاورة ، نظراً للاهتمام الضعيف بالبترول المتوقع فى السعودية ، إلى جانب عامل آخر أهم ، هو حاجة ابن سعود الماسة للموارد المالية ، وهو ما أوضحه فيلبى ، نقلاً عن ابن سعود : " لو أن أى شخص عرض مليونا من الجنيهات لأعطيته كل الامتيازات التى يطلبها " .

    ولهذا لم تتعدل ، كثيراً ، شروط امتياز سوكال عن شروط الامتياز البريطانى عام 1923، التى اتسمت بالطابع الاستعمارى ، نفسه ، وذلك على النحو التالى :

    1 – للشركة الحق فى التنقيب واستخراج وتصدير النفط ومنتجاته سواء كان فى حالته الخام أو مكرراً فى منطقة الامتياز .

    2 – للشركة الحق فى إنشاء وسائل الاتصال اللازمة لعملياتها بما فى ذلك اللاسلكى والبرق وأنظمة التليفونات والسكك الحديدية ووسائل النقل البحرى والبرى .

    3 – تقبل الحكومة توفير الظروف الملائمة من أجل حصول الشركة على الأراضى اللازمة لإقامة عملياتها ، وللشركة الحق فى استخدام الأراضى المملوكة بأسعار مخفضة ، وفى حالة أن تكون هذه الأراضى ملكاً لجهات خاصة تدفع فيها متوسط الأسعار السائدة فى تلك المنطقة. وليس للشركة أى حق فى امتلاك أو استخدام أى أرض فى الأماكن المقدسة أو تلك التى لها قيمة تاريخية أو أثرية ..


    أما البند العاشر : فقد نص على إعفاء الشركة " من فرض ضرائب مباشرة أو غير مباشرة عليها ، و(كذا) من الضرائب المعتادة على المعدات الضرورية والمواد الغذائية وغيرها (وكذلك) المستوردة لصالحها " .

    أما الجديد فى هذه الاتفاقية فكان التزام الشركة فى المادة التاسعة بـ : " بأن تعيد للحكومة المناطق التى لم تستخدمها والتى رأت الشركة أنها لن تستخدمها فى المستقبل (!) وذلك فى غضون 90 يوماً من حفر الآبار " كما تشترط المادة 23 " الاستخدام الواسع بقدر الإمكان للمواطنين السعوديين للعمل فى مؤسسات الشركة " ، ناهيك عما يسمى التزام الشركة ، وفقاً للمادة 36 " بعدم التدخل فى الشئون الإدارية والسياسية للعربية السعودية " وأن تقوم " بإنشاء مصنع لتكرير البترول " .

    أما الشروط المالية للامتياز فتحددت فى الآتى :

    - تدفع الشركة 4 شلنات ذهبية عن كل طن بترول (!) .

    - أول قرض يحين موعده عام 1933 سيكون فى حدود 30 ألف جنيه استرلينى ذهبى ، يمثل نصف حساب حصة الحكومة مقابل حق الانتفاع بالأرض .

    - يقدم القرض الثانى عام 1935 ، وهو فى حدود 20 ألف جنيه استرلينى .

    - تُدفع رسوم إيجار سنوياً بدءاً من عام 1933 وحتى اكتشاف البترول بكميات تجارية .


    وفى العام 1939 أبرمت الشركة مع حكومة ابن سعود اتفاقاً تكميلياً ، حصلت بموجبه على امتياز العمل فى مساحة قدرها 207.2 آلاف كيلو متر مربع ، لمدة ستين سنة ، وكذلك على الحق فى استخراج الثروات الطبيعية الأخرى فى البلاد ، على مساحة قدرها 153 ألف كيلو متر مربع ، بعد أن دفعت 140 ألف جنيه استرلينى .

    وطبقاً لهذا الاتفاق ، تعهدت الشركة بدفع إيجار سنوى ، فى حدود 20 ألف جنيه استرلينى حتى يتم اكتشاف البترول فى المناطق الإضافية ، التى أستأجرتها بالسعر التجارى ، أو أن تعيد هذه المناطق .

    كما تدفع الشركة 100 ألف جنيه استرلينى ، دفعة واحدة ، فى حالة اكتشاف البترول ، وتقدم للحكومة السعودية 230 ألف جالون بنزين و100 ألف جالون كيروسين مجاناً ، سنوياً .

    وكانت سوكال قد نقلت امتيازها إلى شركتها الفرعية (كاليفورنيا آرابيان ستاندرد أويل) ، فى العام 1933 ، التى تنازلت ، بدورها ، وبعد ثلاث سنوات عن نصف أسهمها لشركة (تكساس أويل) المعروفة اختصاراً بـ (تكساكو) ، وذلك مقابل ثلاثة ملايين دولار ، دفعت نقداً ، كما تعهدت بدفع 18 مليون دولار أخرى ، من نصيبها من الدخل ، بعد بدء استخراج البترول بكميات تجارية .

    ولكن ، بداية من الحادى والثلاثين من يناير 1944 أصبحت شركة البترول المتحدة تسمى (آرابيان أمريكان أويل كومبانى) أى شركة البترول الأمريكية - العربية ، التى باتت تعرف اختصاراً بـ (أرامكو) .

    وفى الثانى عشر من مارس ، من العام 1947 تم إبرام اتفاقية بين أرامكو والمساهمين الجدد، وهما شركتان أخريان امتنعتا عن أخذ ما استحق لهما من أرباح أرامكو لعدة سنوات ، ما كلف مساهميها نحو 496.2 مليون دولار ! .

    وقد ذكر رئيس إحدى الشركتين ، فى معرض حديثه عن سبب جذب " شركات أمريكية جديدة" أن ابن سعود كان مهتماً بزيادة المدفوع ، " بينما لم تكن إمكانات " سوكال " و" تكساكو " تسمح بتسويق كميات البترول التى استطاعوا استخراجها " ، مشيراً إلى أن شركتى (إيكسون) و(موبيل) استطاعتا " فتح أسواق جديدة للبيع ، بالإضافة إلى أنه كانت لديهما إمكانات مد خطوط البترول إلى البحر المتوسط " .

    لكن السبب الرئيسى – كما يقول ياكوفليف – هو أن " مجموعة روكفلر " ، التى كانت ترأس كلاً من (سوكال) و(إيكسون) و(موبيل) كانت تتعجل زيادة وجودها فى الجزيرة العربية ، حيث تم اكتشاف كميات هائلة من النفط الرخيص ! .

    إلا إن رخص ما وصف بالذهب الأسود فى مملكة ابن سعود لم يكن – كذلك – لدى ابن سعود. إذ يقال " أنه عندما تسلم وزير مالية عبد العزيز (ابن سعود) أول دفعة من ثمن امتياز البترول – 350000 جنيه ذهبى – قام بوضعها فوراً تحت سريره (!) " .

    ولكن أبناء الوزير عبد الله السليمان – كما يقول لاسى " ينكرون ذلك اليوم . إنهم يتذكرون (فقط) وصول الصناديق الثقيلة إلى بيتهم فى جدة فى صيف عام 1933 ، إلا إن نقلها حال دون حملها إلى الطابق الأعلى حيث كانت العائلة تنام " .

    ويضيف : " إن ظهور 35000 جنيه ذهبى فى السعودية عام 1933 كان حدثاً كبيراً (فقد) كانت المملكة تفتقر إلى بنية إدارية : وكان التجار فى الخارج يصدرون التأشيرات ، وكان وزير المالية يحتفظ بالخزينة فى بيته (!) " ، بعيداً عن أعين الحجازيين الذين كان ابن سعود قد استنزف مواردهم ، من قبل .

    ويتابع لاسى قائلاً : " لم يكن هناك تمييز بين ما هو عام وما هو خاص ، لقد اعتبر عبد العزيز (ابن سعود) المال الذى دفعته ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا بمثابة ملكه الخاص ، وليس ملكاً للدولة التى كانت مفهوماً لا يعنى الكثير بالنسبة إليه " .

    .





  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    2 – حكومة أرامكو العالمية فى الرياض وواشنطن :

    لقد صارت أرامكو – بفعل البترول السعودى – واحدة من أضخم الاحتكارات الرأسمالية البترولية ، فى العالم ، إذ تمثلت القوة الهائلة للشركات الأربع المكونة لأرامكو فى امتلاكها التام لكل مراحل صناعة البترول : أى التنقيب والاستخراج والتكرير والنقل والتسويق إلى جانب دخولها مع ثلاثة احتكارات بريطانية أخرى فى أضخم اتحاد منتجين للبترول (كارتل) كانت له السيطرة على استخراج وتسويق البترول فى العالم الرأسمالى بأسره ، بحيث حددت "الاخوات السبع" – فيما بعد – مستوى استخراج وأسعار النفط ، فى السوق العالمية .

    وقد بلغ صافى دخل المساهمين فى أرامكو ، من البرميل الواحد عام 1948 ، نحو 0.091% من الدولار ، وفى عام 1950 وصل إلى 0.85 من الدولار ، بينما بلغ صافى دخل الشركة فى الأعوام من 1952 إلى 1963 2.8 بليون دولار ، أو ما نسبته 57.6% ، فى المتوسط ، من رأس المال ، والتى كانت قد بلغت 81.5% ، عام 1961 ، فى الوقت الذى لم يتجاوز فيه صافى دخل الولايات المتحدة ، من صناعة البترول ، من 10 إلى 12% ، من رأس المال .

    ذلك أن أرامكو كانت تملك – دون رقابة من منطقة الامتياز – الحق فى تسويق مختلف المنتجات البترولية فى السعودية – إذ باعت فروع الشركة – من خلال 81 مركزاً للبيع بالتجزئة ، تابعة لها – ما يزيد على 300 ألف طن من منتجات البترول ، ونحو 20 ألف من الأسفلت .

    ولم يكن توسع أرامكو على هذا النحو إلا مقدمة للصعود السياسى الأمريكى فى الجزيرة العربية .

    وكما كتب إ.بيليايف فقد " أسرعت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ، بعد حصول شركة (ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا) على امتيازات فى العربية السعودية إلى مد المساعدة لهذا الاحتكار ، وبدأت مبادرتها فى لندن بالمباحثات بين السفيرين الأمريكى والسعودى هناك ، والتى انتهت فى نوفمبر عام 1933 بتوقيع (الاتفاقية المؤقتة) بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية بشأن التمثيل السياسى والقنصلى والدفاع القضائى والتجارة والملاحة البحرية ، وقد تساوى ، بموجب هذه الاتفاقية ، مواطنو الولايات المتحدة الأمريكية وأملاكهم على أراضى العربية السعودية فى الحقوق مع مواطنى الدول الأجنبية الأخرى ، وتم حصولهم على إمكانية توسيع نشاطهم " .

    وبذلك ، انتزع الأمريكيون امتيازات سياسية مماثلة لامتيازات الأوربيين فى مملكة ابن سعود ، وفقاً لاتفاق حكومى ، قبيل عشر سنوات من اعلان العلاقات الدبلوماسية ، أى عام 1943 ، والتى ظلت دون مستوى السفير حتى يناير 1949 (!) .

    بيد أن التداخل بين أنشطة أرامكو والمطامح السياسية للحكومة الأمريكية ظل قائماً ، حيث حاولت الشركة الحصول على مساعدات حكومية أمريكية لابن سعود ، بمقتضى قانون الإعارة والتأجير ، وهو ما تم بالفعل ، إلى حد أن الرئيس روزفلت وجه إلى الكونجرس رسالة ذكر فيها أن " الدفاع عن العربية السعودية أمر بالغ الأهمية للدفاع عن الولايات المتحدة (!) " .

    وبهذا التصريح ، صارت مملكة ابن سعود جزءاً من الأراضى الأمريكية ، التى ينبغى حمايتها عسكرياً ، من قبل الجيش الأمريكى ! .

    وفى إطار ذلك ، يقول المؤرخ الأمريكى ج.زين " لقد أتاحت الحرب (العالمية الثانية) أن تسيطر فى الواقع على ثروات البترول الضخمة فى الشرق الأدنى التى كانت تمتلكها إنجلترا قبل ذلك " .

    ومنذ ذلك الحين بدأت الاحتكارات البترولية الأمريكية تؤدى دوراً أكبر ، فى صياغة وتوجيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة ، فى الشرق الأوسط .

    ويذكر روزفلت ، فى مذكراته أنه قال للملك ابن سعود ، عند لقائه به فى ربيع 1945 " إن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية هو أولاً وقبل كل شىء رجل أعمال ... وإنه يولى اهتمامه، بصفته رجل أعمال ، لشبه الجزيرة العربية " .

    واستناداً إلى ذلك ، أعلن فى العام 1944 عن اتفاق بين أرامكو والحكومة الأمريكية تحصل فيه الأولى على قرض لمد أنابيب البترول من العربية السعودية إلى البحر المتوسط ، مع التزام الشركة برد دينها للحكومة ، خلال خمسة وعشرين عاماً ، وذلك عبر تصدير النفط إليها بأسعار مخفضة ، إلى جانب توفير الاحتياطات الضخمة من البترول ، التى تحتاجها الحكومة .

    إلا أن الاحتجاجات العنيفة التى قوبل بها هذا الاتفاق من جانب شركات النفط الأمريكية الأخرى أدت إلى إلغائه ، وأصبح المجلس القومى للبترول – الذى أنشىء عام 1946 ، وضم رؤساء المصالح الحكومية وشركات البترول – هو الهيئة المخولة بالتنسيق بين أنشطة شركات البترول والحكومة الأمريكية .

    وبحسب ياكو فليف ، فإن تعاظم رقابة الأمريكيين على مصادر البترول ، فى الشرق الأوسط، وما تلقاه من دعم واشنطن الرسمى لم يكن منزهاً عن الغرض ، إذ كان مواطنو الحكومة يتلقون أموالاً من أرامكو ، إلى جانب رواتبهم الحكومية ، كما كتب الباحث الأمريكى ج.ستورك فإن ر.دافيس - وهو المدير المسئول ، حكومياً ، عن تصدير النفط ، إبان الحرب- قد تسلم 47 ألف دولار من أرامكو ، إلى جانب راتبه الحكومى ، البالغ عشرة آلاف دولار ، فى حين تسلم مستشار وزارة الدولة لشئون البترول م.توربنورج 29 ألفاً من أرامكو ، مقابل راتب حكومى بلغ ثمانية آلاف دولار ، ومن ثم فلم يكن مستهجناً أن يرأس المدير السابق لإمداد القوات البحرية الأمريكية المسلحة ، الأدميرال كارتر ، فيما بعد ، منصب رئاسة أرامكو لشئون البترول بالحاويات . وذلك فى الوقت الذى عمل فيه أربعة من أعضاء الكونجرس لحساب لوبى أرامكو ، فى الأعوام من 1946 إلى 1949 ، كما دفعت شركات البترول المساهمة فى أرامكو بممثليها لشغل مناصب حكومية حساسة ، مثل جون فوستر دالاس ، الذى وصل إلى منصب وزير الخارجية ، بعد أن ترك مقعده كرئيس لمجلس الوصاية الخاص بصندوق روكفلر ، التابع لأرامكو ، والذى شغل عضويته – أيضاً – هارى ترومان ، (الرئيس الأمريكى فيما بعد) ، ورجل البنوك الشهير ر. لوفيت .

    ولهذا ، كان من البديهى قيام علاقات متينة بين الشركات المساهمة فى أرامكو وبين البيت الأبيض أو البنتاجون أو الكونجرس ، وهى جهات ظلت تدعم – بشكل جوهرى – موقف الشركة داخل البلاد ، وتضمن لها التأييد الحكومى فى الخارج ، ما جعل من هذه العلاقات بمثابة الأساس لتغلغل مؤسسات رأسمالية الدولة الاحتكارية الأمريكية فى البلدان الأخرى ، ومن بينها العربية السعودية ، على حد تعبير ياكوفليف ، الذى يشير إلى أن الحكومة الأمريكية وصلت إلى حد التصادم العسكرى مع البريطانيين ، أثناء الحرب العالمية الثانية ، على خلفية الصراع بين الاحتكارات البترولية الأمريكية ونظيرتها الإنجليزية ، فى منطقة واحة البريمى، الغنية بالنفط ، على حدود السعودية ، ومشيختى أبو ظبى ومسقط ، اللتين كانتا ، آنذاك ، محميتين انجليزيتين ، حيث بذل الدبلوماسيون الأمريكيون ، فى كل من جنيف والقاهرة وواشنطن ولندن جل جهودهم لحسم هذا الصراع – بقدر المستطاع – لصالح شروط أرامكو.

    وفى عام 1948 أعلنت لجنة من الكونجرس أن أرامكو شجعت الحكومة الأمريكية على ضمان قرض للسعودية ، فى حدود 99 مليوناً من الدولارات ، وفى مقابل ذلك وعدت أرامكو أن تبيع للقوات البحرية الأمريكية المسلحة مازوتاً بسعر 0.4 دولار للبرميل ، بينما كان سعر البرميل قد وصل فى السوق العالمية إلى 1.05 دولار للبرميل ! .

    وعلى الرغم من تنفيذ الحكومة التزامها بمساعدة ابن سعود ، فإن القوات البحرية ظلت تدفع القيمة العالمية لبرميل المازوت ، كما كان سارياً ، من قبل الاتفاق الحكومى لأرامكو ، وبذلك حصلت الأخيرة على نحو 38.5 دولار ، دون سند ، أو مبرر رسمى ! .

    ذلك أن مجموعة روكفلر البترولية المالية الاحتكارية – والتى تتحكم فعلياً فى أرامكو ، وتضع تحت تصرفها أضخم مخزون لخام استراتيجى – ساعدت على احتفاظ الولايات المتحدة بنفوذها – بل وفتح مناطق نفوذ – فى المناطق المهمة فى العالم ، ما جعل لاند بيرج يكتب : "لم يعد هذا ببساطة مجرد (بيزنس) وإنما هو سوبر بيزنس ، بحيث أصبح الخط الفاصل بين الحكومة الداخلية (الأمريكية) والسوبر بيزنس (الأمريكى) باهتاً إلى حد استحالة تمييزه " ؟

    وكان ر.كاتلر ، وهو المساعد الخاص للرئيس الأمريكى ، فى بداية الخمسينيات ، قد وجه رسالة إلى وزير الخارجية دالاس ، بشأن بحث خرق أرامكو للقانون الأمريكى ، ذكر فيها أن " تطبيق قوانين الولايات المتحدة الأمريكية الخاصة بالتروستات ضد شركات البترول الغربية العاملة فى الشرق الأوسط يمكن اعتباره أمراً ثانوياً (!) إذا ما قيس بمصالح الأمن القومى (..) التى توفرها هذه الشركات عن طريق : (1) ضمان وصول العالم الحر بصفة دائمة لمصادر البترول فى الشرق الأوسط . (2) الاحتفاظ بعلاقات الصداقة بين الدول المنتجة للبترول فى الشرق الأوسط ودول العالم الحر " .

    وفى مقطع آخر ، من مذكرة سرية أعدتها وزارة الدولة فى سبتمبر 1950 ، بشأن المباحثات مع ممثلى شركات النفط الأمريكية ، جاء التأكيد ، على مدى الأهمية التى يتمتع بها بترول الشرق الأوسط لدى الولايات المتحدة ، حيث أن استخدامه (أو بالأحرى السيطرة عليه) "يحافظ على مصادر البترول فى نصف الكرة الغربى ، وهى ضرورية بشدة للأمم المتحدة فى حالات الطوارىء " ، وبعد أن تشير المذكرة إلى أن " بترول الشرق الأوسط يكفل للشركات الأمريكية التجارية والمستثمرين الأمريكيين مشروعات رابحة " ، تقدر نسبة سيطرة الشركات الأمريكية بـ " ما يقرب من 45% من إنتاج الشرق الأسط " ، مشددة على أن " السيطرة على هذا المصدر للطاقة أمر مهم فى السلم والحرب " وأنه " هدف مطلوب لذاته (..) " ولهذا فإن "شركات البترول تتعاون أكثر من أجل تحقيق سياسة الولايات المتحدة الأمريكية فى هذه المنطقة " .

    هذا هو – إذاً – بيت القصيد فى طبيعة دور شركات النفط الأمريكية فى الشرق الأوسط ، ولاسيما السعودية ، أو " مملكة البترول " ، بحسب التسمية التى راجت بين المراقبين الغربيين، فيما بعد .

    ولهذا استخدمت الحكومة الأمريكية كل إمكاناتها لتوسيع نشاطها فى تلك المملكة البترولية ، وذلك بدءاً من العام 1944 ، الذى شهد دور اللجنة العسكرية الأمريكية فى تقديم التجهيزات التكنيكية ، والإعداد الحربى للجيش والحرس الوطنى السعوديين ، فيما شهد العام 1946 بناء قاعدة جوية أمريكية فى الظهران .

    وفى يناير 1949 أعلن الرئيس ترومان برنامجاً عُرف باسمه ، وشاع باسم " النقطة الرابعة " الذى وجه خصيصاً للشرق الأوسط ، ولاسيما الدول الحليف للولايات المتحدة ، وفى مقدمتها السعودية ، والذى استهدف " دعم تبعية مصادر الخام الأجنبية للاقتصاد الأمريكى " أو على حد تعبير ترومان ، توفير " سوق جديدة لانتاجنا الضخم وفتح مجالات لتشغيل رأس المال الأمريكى " ، وهى ذات الأهداف التى تبناها مشروع " دالاس – إيزنهاور " ، فى العام 1957 والذى يخول الرئيس الأمريكى الحق فى إرسال القوات المسلحة إلى منطقة الشرق الأوسط " لصد أى عدوان مسلح من جانب أى دولة تقع تحت سيطرة الشيوعية الدولية " ، بما يهدد وضع الاحتكارات البترولية الأمريكية .

    واللافت ، أن الشعب السعودى لم يجن الكثير من مداخيل البترول ، التى حصلت عليها أرامكو ، مثله مثل حكومة آل سعود ، وكما كتب فيلبى " لم يجلب التدفق الفجائى للثروات الخيالية سوى القليل من الربح الحقيقى لسكان الصحراء (متجاهلاً سكان الحجاز) الذى أصبح يباع إنتاجهم الآن بأسعار أعلى كثيراً مما كانت تباع به فى الماضى ، ولكن احتياجاتهم الآن أصبحت تكلفهم أكثر بكثير مما كان فى زمن عائد (الحضارة) يصل فيه بالكاد لأطراف هذه الصحراء ، حتى إن العلاج والتعليم ، على سبيل المثال ، صارا بعيدين عن متناول البدوى ".

    فعلى مدى سنوات الأربعينيات كان بإمكان أرامكو أن تتدخل – بوقاحة – فى مختلف القضايا الاقتصادية والسياسية الداخلية فى مملكة آل سعود ، فى ظل اعتمادها الاقتصادى ، شبه الكلى على مدخولاتها الواردة من أرامكو .

    بيد أن العجز السنوى لميزانية المملكة – والذى تراوح ، فى نهاية الأربعينيات ، بين عشرة ملايين وخمسة عشر مليوناً من الدولارات – حمل الحكومة السعودية على طلب إعادة النظر فى شروط امتياز أرامكو ، استناداً إلى السعر الهزيل الذى تدفعه أرامكو والبالغ 21 سنتاً لكل برميل ، بينما يصل سعر البرميل السعودى فى السوق العالمية إلى 2.22 دولار .

    ويبدو أن موافقة أرامكو على تعديل اتفاقية الامتياز فى العام 1950 ، بما يسمح بزيادة حصة الحكومة السعودية فى الأرباح المتولدة عن استخراج البترول من أراضيها ، كان جزءاً من التطورات التى طرأت فى المنطقة ، وخاصة بعد إقدام رئيس الوزراء الإيرانى مصدق على تأميم صناعة البترول فى بلاده ، ما حمل الحكومة الأمريكية على إعادة رسم سياستها ، بحسب المذكرة الحكومية السرية ، التى أوردها ج.ستورك ، فى كتابه (بترول الشرق الأوسط وأزمة الطاقة ، نيويورك ، لندن 1975) ، إذ جاء على لسان مساعد وزير الخارجية الأمريكى ماكجى ، ما نصه : "إن التهديد الذى يواجه الشرق الأوسط فى الوقت الحالى يكمن فى إمكانية تقريب الزعماء القوميين (..) بين أنظمتهم ، من أجل تقويض أنظمة هؤلاء الحمقى الفاسدين البعيدين عن العالم الحديث (يقصد القادة التحررين ، من أمثال مصدق) " ، مشيراً إلى أن " من الخير لمصالحنا القومية أن نقدم مساعدات أكبر للحكومات المحافظة فى العالم العربى" .

    وأضاف : " أعتقد أن أرامكو والحكومة الأمريكية قد توصلتا لهذا القرار فى وقت واحد (!) تقودهما إليه الدوافع نفسها (...) ودون لجوء إحداهما للأخرى (!) " .. " وقد قرر قادة أرامكو ووزارة الدولة أن من الضرورى أن نعطيهم (أى السعوديين) شيئاً ما (!) " .

    ذلك أن الإدارة الأمريكية كانت تعى أن عدم منح السعوديين حصة أكبر من أرباح أرامكو معناه أن التهديد الذى يواجه النظام الملكى السعودى سيتصاعد ، وهو ما يعرض وجود أرامكو ، ذاته ، للخطر .

    إذ ظل النظام الملكى المطلق لآل سعود هو الركيزة الفعلية لأرامكو فى هذه الأراضى ، وكما كتب ج. ستورك أن مستقبل الشركة " مرهون بالأسرة المالكة المرهونة بدورها بالأموال التى يستطيع عبد العزيز بن سعود بفضلها أن يشترى دعم زعماء القبائل المعادين له بشدة " .

    ومن ثم ،لم تعد أرامكو الركيزة الاقتصادية – فقط – للنظام الملكى السعودى ، وإنما – أيضاً- الركيزة السياسية ، بينما نصبّت الحكومة الأمريكية ، من نفسها ، حامية لكليهما .

    وبالطبع ، فإن حكومة أرامكو داخل مملكة آل سعود ، وفى داخل إدارة واشنطن ، لم يطرف لها جفن تجاه الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان فى هذه المملكة ، والتى كشف عن جانب منها طبيب غربى ، عمل بمستشفى الملك سعود منذ العام 1952 ، هو د.بيير جرونفيل ، الذى يقول فى تقرير له : " لن تجد فى أية بقعة فى العالم من الوحشية والمذابح والأوجاع مثل ما تجده فى " السعودية " اليوم ، التى أصبحت تفوق قصص ألف ليلة وليلة الخرافية (!) " ، مشيراً إلى " أن الزيت الموجود فى باطن الأرض قد جذب الشركات الأمريكية ، كما أن موقع " السعودية " الجغرافى جعلها حليفاً مرتبطة أشد الارتباط بالولايات المتحدة الأمريكية ، التى أنشأت المطارات العسكرية ، وتكلفت الكثير فى بناء القواعد والمؤسسات الحربية .. والثروة (الناتجة عن استخراج البترول) التى تنفق فى سبيل الفساد والإفساد والترف وبناء القصور المجهزة بتكييف الهواء ، ووسائل اللهو والعبث ، المليئة بالرقيق والحريم التابع للملك سعود وعائلته ، لم يكن ولو تأثير بسيط على مستوى الحياة العامة للشعب ، التى تشبه حياة الحيوان، والتى لا يمكن للمرء أن يصدقها أبداً ، ولم تتحسن هذه الحياة منذ عدة قرون " .

    ويصنف جرونفيل شخصية خليفة ابن سعود ، فى الحكم وهو ابنه سعود بأنه " لا يمكنه أن يفهم أو يحاول أن يفهم المشاكل المعاصرة فى بلاده " وذلك استناداً إلى مشاهدات جرونفيل لمسلك سعود فى مواجهة تظاهرة ن العمال العرب فى أرامكو ، وذلك بقوله : " عندما دعى سعود إلى زيارة رسمية لشركة أرامكو حيث يعمل بها 15000 عامل من العرب هناك ، وكانت هناك مظاهرة بقيادة .000 من العمال لمقابلة الموكب الملكى قبل وصوله بقليل ، وكنت فى الشركة فى ذلك الوقت ، وعلى ذلك فإننى شاهد عيان لما حدث .. عندما وصل سعود وحاشيته إلى بوابة الشركة بدأ العمال بالصياح : " فليسقط الظلم .. فليسقط المستعمرون الأمريكان " ، وهنا التفت سعود إلى رئيس الحرس وأعطاه أمراً : على الفور نزل الحراس الخصوصيون بين العمال ، وبدأوا بضرب المتظاهرين حتى أماتوا الكثير منهم" وذلك لكون أرامكو هى " الشريان الحيوى للعرش السعودى ، وبدون هذه الشركة لا يمكنهم أن يستحوذوا على قطرة من الزيت من باطن الأرض ، كما أنه لا يمكنهم أن يديروا هذه الشركة ، بما فيها من الآلات المعقدة ، لأنهم لا يعلمون أبناء الشعب ولا يعتمدون عليهم ، لسبب واحد هو أنهم يخشونهم " ، وهو أمر لم يتبدل كثيراً ، طوال سنوات الخمسينيات والستينيات ، من القرن المنصرم .

    وتذكر وثيقة أمريكية ، ضمن مواد لجنة مجلس الشيوخ الأمريكى الخاص بتقصى أنشطة الشركات متعددة الجنسيات ، ومؤرخة فى سبتمبر 1950 ، ونشرت عام 1974 ، أن القائمين على إعدادها أعربوا عن الدور الإيجابى الذى تؤديه هذه الشركات فى المنطقة " منذ أن أصبح اقتصاد دول الخليج العربى قائماً على البترول ، والتقدم الاقتصادى (فيها) (...) مرتبطاً بعمليات البترول ، فإن الاستقرار السياسى فى هذه البلاد (..) هو نتيجة مباشرة لعمليات البترول " (!) .

    وبحسب الوثيقة نفسها ، فإن اللجنة بحثت دور الحكومة الأمريكية كمدافع عن مصالح شركات البترول الأمريكية ، فى الدول المنتجة للبترول ، وأنها ستواصل " التصدى لأى أفعال من جانب حكومات البترول فى الشرق الأوسط تهدف إلى تكوين اتحاد للمنتجين (كارتل) لزيادة حصصها فى المنطقة أو للرقابة على المنتجات "،كما ستتصدى" بكل الوسائل لحكومات الشرق الأوسط إذا فكرت فى التدخل فى نشاط البترول..أو فى أية تأميمات أو فى تصدير ما تملكه من بترول (!) ".

    وبالفعل فقد استخدمت هذه التوجهات فى كل أوجه معاملات الحكومة الأمريكية مع السعودية فى سنوات الخمسينيات والستينيات ، حتى النصف الأول من السبعينيات .

    بيد أن الاعلام الأمريكى لم يتوان عن تأكيد الأهمية التى يشكلها حكماً سعود فى السعودية، ونورى السعيد فى العراق ، للولايات المتحدة ، حيث وصفتهما مجلة فورتشون بـ "صديقى أمريكا المخلصين " فى الشرقين الأدنى والأوسط ، فهما – كما تقول المجلة " يقفان إلى جانب كل ما تسعى إليه سياستنا الخاصة فى الشرق الأدنى ، ولهذا فإن كل ما يهددهما يهددنا .. ويجب أن نساعد أولئك الذين تتفق أهدافهم ومصالحنا (!) ونقف ضد من تتعارض أهدافهم مع مصالحنا " .

    ولهذا كونت الاحتكارات الغربية ، ولاسيما الأمريكية – بدعم من حكوماتها – نظاماً مركباً هو " المستعمر – المستعمرة " ، الذى صارت فيه السعودية شبه مستعمرة .

    وكما هو معلوم ، فقد تدخلت رأسمالية الدولة الاحتكارية الغربية فى السعودية ، فى عصر الاستعمار ، عندما أصبح للمستعمرات أهمية خاصة فى التنافس بين الدول الاستعمارية بعضها وبعض ، وهو ما يتضح فى ذلك التوسع الاقتصادى الجامح للدولة المستعمِرة فى مملكة البترول .

    وقد بدا من حجم التعاون بين جزئى منظومة " المستعمر – المستعمرة " – إلى جانب النمو النسبى للمستعمرة ، واستنفاد المستعمر كل إمكانياتها مُقدماً ، كقاعدة ، كل الأشكال المتخلفة للمشروعات الرأسمالية ، وتجسيداً لأكثر العناصر المحافظة فى النظام الاجتماعى للمستعمر – أن هذه المنظومة تسير فى تطورها نحو الأزمة .

    ذلك أن التجربة السعودية ، فى هذا الصدد ، كانت تختلف ، جوهرياً ، عن الأنموذج الذى اقترحته ن. سيمونيا ، إذ أن المستعمِر لم يكن رأسمالياً استعمارياً خالصاً ، فحسب ، وإنما كان الكتيبة الأمامية لرأسمالية الدولة الاحتكارية الغربية .

    فخلف أرامكو بدأت مجموعة روكفلر الصناعية الجبارة تفقد طابعها التخصصى لأجل طابع أكثر شمولاً ، حيث انتقلت المجموعة إلى إنشاء اتحادات احتكارية عملاقة ، وإلى التطوير الواسع لملكية الأسهم والسندات ، موسعة من تأثيرها على الشركات ، التى تعمل فى مختلف أوجه الانتاج ، وهو ما يفسر ما أصبحت عليه الدولة المستعمرة من مرونة فى مملكة آل سعود ، عبر استخدام منجزات العلم الحديث والتكنولوجيا ، مع إزالة القشرة الاستعمارية لتركيبة " المستعمر – المستعمرة " ، دون أن يغير ذلك من جوهرها الاستعمارى .

    ذلك أن الاحتكارات الغربية ، ولاسيما الأمريكية ، ممثلة فى أرامكو ، لم تكتف بمجرد استغلال مملكة آل سعود ، باعتبارها محض غُدة لاستخراج المواد الخام وسوقاً لبضائعها ، بل أصبح هدفها هو " التكامل " ، والذى تحدث عنه الباحث الأمريكى أ.ماير ، فى كتابه : " رأس المال فى الشرق الأوسط " الصادر عام 1959 ، والذى حرص على إبراز وضع المملكة السعودية فى منظومة ذلك التكامل ، بقوله إنه " فى خلال عقدين من الزمن كانت صناعة البترول قد أصبحت مستقلة عن الدولة " ، مع دعم نمو الاستثمارات المحلية ، عبر استخدام متعهدين محليين ، والمساعدة على ترويج البضائع المنتجة محلياً ، مع العمل – فى ذات الآن- على كبح هذا النمو ، أو بالأحرى التحكم بمعدلاته .

    .





  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    ويخلص ماير إلى أن هذا التكامل " لم يؤد دوراً ملموساً فى اقتصاد الشرق الأوسط " ، بوصف أن الهدف الرئيسى من ذلك التكامل انحصر فى إنشاء سوق حديثة كبيرة أمام البضائع الغربية، فحسب . أى فى تحويل اقتصاد الشرق الأوسط ، ولاسيما الاقتصاد البترولى ، فيها ، إلى جزء سلبى من النظام الاقتصادى الرأسمالى العالمى .

    لذا ، سعت أرامكو إلى توسيع مجال التعاون بين " المستعمر والمستعمرة " إلى ما هو أكبر من مجرد الأرباح ، إذ كان ما يسمى بالتكامل هو " أحد مفاهيم الاستعمار الجديد الأساسية التى اقترحها الغرب على العربية السعودية " لإدراجها فى " تكامل النظام الرأسمالى العالمى".

    وطبقاً لمذكرة ر.فونكهاوزر ، التى حددت الخطط الأمريكية الجديدة لسياستها مع السعودية خلال سنى الستينيات والسبعينيات ، فقد جاءت هذه الخطط متفقة مع مصالح رأسمالية الدولة الاحتكارية الأمريكية ، ككل ، تماشياً مع تطور نظام " المستعمر – المستعمرة " ، الذى استتبعه نمو فى اقتصاد المستعمرة السعودية ، لتتضاءل إمكانية المُستعمِر فى إعاقة عمليات نمو البناء الانتاجى الاجتماعى السعودى ، فى سنوات السبعينيات ، إلى حد معين .

    غير أن الأطر ، شبه الاستعمارية ، لذلك النظام ، توقفت – كذلك – عن الوفاء بحاجات الجانب السعودى ، ما حمل الغرب على أن يسارع بتوسيع هذه الأطر ، فسمح بنمو أكبر مادام محتفظاً ، فى النهاية ، بالسيطرة عليه ، واضعاً فى اعتباره امكانية إزالة التغيير الثورى لكل علاقات النظام السعودى بالغرب ، فى تلك المرحلة ، ومن ثم أصبحت مشاركة الحكومة السعودية فى أرامكو هى الخطوة الأولى نحو تعاون أوثق بين النظام السعودى ورأس المال الاحتكارى الغربى ، على خلاف ما حاول البعض أن يظهره .

    فمع اكتشاف آبار جديدة منتجة للبترول ، وازدياد الكميات المستخرجة منه ، وتنامى حجم العمليات المرتبطة باستخراجه ، بدا عدم الرضا السعودى عن المستوى المتدنى لنمو قوى الإنتاج المحلية وللبناء الاقتصادى الاستعمارى الخاص ، الذى سيطر عليه قطاع التصدير .

    إذ كان نمو قوى الانتاج مرهوناً ، بالدرجة الأولى ، بزيادة دخول الدولة ، الأمر الذى كان مرهوناً ، بدوره ، بقطاع البترول ، مما استلزم تغيير علاقة الدولة القديمة بقطاع اقتصاد البترول والتصدير ، أى بالشركة الكبرى (أرامكو) ، ما أتاح لفكرة تأميم الأخيرة أن تداعب وزير البترول السعودى عبد الله الطريقى ، إلا أن الملك سعود سارع إلى إقالته من منصبه – تحت ضغط أرامكو – عام 1962 ، بل إلى إسقاط الجنسية السعودية عنه ، بقرار من الملك التالى ، فيصل ، فى مارس 1964 ، الذى سبق أن أقال – أيضاً – وزير الخارجية أحمد الشقيرى لدعوته إلى إعادة " البترول العربى إلى العرب " .

    إذ شكل مفهوم التأميم السريع لأرامكو تهديداً شديداً على وجود تركيبة " المستعمر – المستعمرة" بالشروط السابقة ، وكذلك مصالح النظام السعودى ، وإن سعى لزيادة مطالبه المالية من رأس المال الاحتكارى ، ممثلاً فى أرامكو. وذلك بعد أن بلغت أرباح شركات البترول ما بين 600و700 بليون دولار ، مقابل 95 بليون دولار ، فقط ، لدول المنتجة للبترول (أوبك) ، ما بين عامى 1960و1973 ما دعا النظام السعودى لمطالبة أرامكو ببعض التنازلات المالية ، فضلاً عن تنازلات أخرى ، بدت مبدئية ، وذلك عبر الاعتراف بمبدأ "المشاركة " ، والتى فهمت على أنها شراء الدولة لجزء محدود من أسهم الشركات المنتجة للبترول ، والاشتراك بمقدار هذه الأسهم فى العمليات ، وفى أرباح الشركة، بغية إحلال هذا المفهوم محل مفهوم التأميم ، والذى تجسد فى إبرام الاتفاقية العامة بين الحكومة السعودية وأرامكو فى العشرين من ديسمبر 1972 ، الذى حصلت بموجبه السعودية على 25 بالمئة من أسهم أرامكو ، مع تعويض الأخيرة بمبلغ فى حدود 510 ملايين دولار ، على أن تؤول نسبة 51 بالمئة من أسهم الشركة للجانب السعودى ، بنهاية يناير 1972 ، وهى تنازلات اضطرت أرامكو إلى تقديمها ، فى ظل نشوب بوادر انقسام بين مساهميها ، واتجاه بعض شركاء الشركة ، إلى زيادة مشاركاتها فى مجالات الطاقة الأخرى ، ناهيك عن تزايد الارتباط الأوربى عامة ، والأمريكى خاصة ، ببترول الشرق الأوسط ، منذ مطالع السبعينيات ، من القرن المنصرم ، إلا أن كل ذلك لم يحل دون استمرار السيطرة الأمريكية على البترول السعودى ، وضمان ضخه إلى السوق الأوربية .

    إذ أن نسبة الـ 25% ، التى حصل عليها الجانب السعودى بموجب الاتفاقية المشار إليها أعلاه ، اقتصرت على " مجال استخراج البترول ، لا فى سلسلة العمليات كلها " ما جعل من نظام " المشاركة " غير فعال ، على الجانب السعودى ، بوصفها " مشاركة جزئية " ، كما سعت أرامكو .

    بيد أن أزمة الطاقة ، التى أطلت برأسها ، آنذاك ، والتى فاقم اندلاع حرب أكتوبر 1973 من حدتها ، أفضت إلى تحولات عديدة فى العلاقات السعودية بأرامكو ، وغيرها من شركات البترول الغربية ، فى ضوء امتلاك المملكة لنحو ربع احتياطات البترول العالمية ، ما زاد من أهمية السعودية داخل النظام الرأسمالى العالمى ، والتى عبرت عن نفسها فى الموقف السعودى المتخاذل من المطالب العربية لاستخدام البترول كسلاح سياسى تجاه الدول الغربية المؤيدة لإسرائيل ، وذلك قبل أشهر من اندلاع حرب أكتوبر ، حيث أعلن وزير البترول السعودى أحمد زكى يمانى فى نوفمبر 1972 " إننا لا نؤمن باستخدام البترول سلاحاً سياسياً لأهداف عدوانية (!) " .. " إننا نؤمن بأن أفضل السبل أمام العرب هو أن يستخدموا ثرواتهم البترولية من أجل تعاون حقيقى (...) مع الغرب وخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية " ، معتبراً هذه الطريقة هى الأمثل ، التى من خلالها " سوف تقوم هذه الروابط الاقتصادية المتينة ، والتى ستنعكس على العلاقات السياسية (...) " .

    إلا أن تأزم الموقف العسكرى على الجبهتين المصرية والسورية دفع الملك فيصلاً لإظهار تعديلاً فى مواقف حكومته ، السابقة الذكر ، وإن لم يتراجع عن سياسته الخارجية الموالية للولايات المتحدة ! بحسب ما عبر عنه فيصل ، صراحة ، مع قادة أرامكو ، خلال لقائه بهم فى مدينة جنيف السويسرية ، فى نهاية مايو 1973 ، مشيراً إلى أن حكومته لم تمانع فى استخراج بترول أكثر من اللازم بكثير ، احتراماً لمصالح الغرب ، ولسد احتياجاتها ، فى ذات الآن ، ومن ثم حاول فيصل – خلال ذلك اللقاء – تسويغ اضطرار حكومته للسير فى ركاب الموقف العربى الداعى لاستخدام البترول سلاحاً سياسياً ، كيلا تتعرض دولته لخطر العزلة فى العالم العربى ، وحينذاك أدرك القائمون على أرامكو أن وليدهم فى خطر ، تزيد منه السياسة الأمريكية الموالية لإسرائيل ، ما حدا بالاحتكارات البترولية لتعبئة آلياتها فى مجال الاتصال بالجهاز الحكومى الأمريكى ، والتى اقترنت بحملة اعلامية موجهة إلى الأمريكيين والسعوديين ، فى آن .

    وفى السادس والعشرين من يوليه وجه رئيس شركة سوكال و.ميلر – وهى أحد مكونات أرامكو – خطاباً إلى المساهمين فى شركته يظهر فيه استياءه من الشعور المتصاعد فى العالم العربى إزاء تخلى الولايات المتحدة عن الشعب العربى ، وذلك فى الوقت الذى أصبحت فيه الدول العربية (الخليجية بالطبع) – كما يقول – تمثل أهمية لمستقبل العالم الغربى كله ، نتيجة امتلاك هذه الدول لاحتياطات هائلة من البترول ، مستنفراً شعور المساهمين ، بقوله : " أيها المواطنون الأمريكيون ، إنه لمن صالحنا جميعاً أن نحث حكومتنا على أن تحقق حالة من السلام والاستقرار (...) ، يجب أن نعترف بالحقوق الشرعية لكل شعوب الشرق الأوسط (!) وأن نساعدها على تحقيق الأمن والمستقبل الاقتصادى الآمن " .

    ويبدو أن تلك الصفقة الاعلامية المغشوشة بين أرامكو وحكومة فيصل لم تأت أكلها ، فسرعان ما أدى نشر الخطاب المذكور ، أعلاه ، على نطاق واسع ، فى الولايات المتحدة ، إلى ردود فعل عنيفة من جانب الدوائر اليهودية الأمريكية ، بلغت حد مقاطعة محطات البنزين وإصلاح السيارات التابعة للشركة ، متهمين إياها " بتلويث البيئة " (!) ما حدا برئاسة الشركة لتوجيه "مذكرة تفسيرية " (...) إلى زعماء المجتمع اليهودى فى ولاية كاليفورنيا ، أكدت فيها عدم مناوئة الشركة لمصالح إسرائيل .

    بيد أن الصحف العربية ، ولاسيما السعودية ، لم تأت على ذكر هذا ، مكتفية بإبراز خطاب ميلر السابق ، على صدر صفحاتها ، معتبرة إياه نقطة التحول ، التى طال انتظارها (!) فى السياسة الخارجية الأمريكية ، فى حين ذكر قادة أرامكو – ضمن مراسلاتهم السرية – أن خطاب ميلر ترك " تأثيراً كبيراً على الملك فيصل (باعتباره) خطوة حقيقية (...) تجاه السعوديين والعرب الآخرين " .

    غير أن لقاءات ميلر بالرئيس الأمريكى نيكسون وبوزير الخارجية روجرز ومساعد الرئيس لشئون الأمن القومى كيسنجر – وغيرها من محاولات لوبى أرامكو – لم تفلح فى تعديل السياسة الأمريكية ، المرتبطة بإسرائيل ، وذلك على الرغم من ثقل الاحتكارات البترولية فى السياسية الأمريكية ، عموماً ! وهو ما حمل أرامكو على اعادة النظر فى مستويات انتاجها من النفط السعودى ، والبالغ حينئذ ثمانية ملايين برميل يومياً ، وهو ما يعادل 85% من اجمالى النفط المستخرج فى الولايات المتحدة ، حيث بادرت أرامكو بتوجيه مذكرة لرؤساء الشركات المساهمة فيها ، تتضمن تحليلاً للأوضاع المحتملة لتدفق البترول السعودى ، والعربى عموماً، فى حالة استخدامه ، كسلاح سياسى ، وهو ما حصل مع اندلاع حرب أكتوبر .

    بيد أن هذا الأمر لم يكن بعيداً عن التفاهمات التى جرت بين السعوديين ومسئولى أرامكو ، فى الحادى والعشرين من أكتوبر – أى بعد وقف اطلاق النار على الجبهتين المصرية والسورية- والتى تضمنت الآتى :

    1 – تخفيض مستوى انتاج الشركة من البترول إلى 10% ، بحساب متوسط الاستخراج فى سبتمبر (8291 ألف برميل) .

    2 – تستثنى الكمية المرسلة مباشرة أو بطرق غير مباشرة إلى الولايات المتحدة ، من إجمالى المستخرج ، بما فى ذلك الكميات المستخدمة فى الأغراض العسكرية (!) .

    3 – تخفيض منتجات البترول بمليون برميل يومياً .


    وتعليقاً على ذلك أعلن رئيس أرامكو ج. كيلر ، فيما بعد أنه " لم يكن أمامى خيار سوى تخفيض تصدير البترول إلى تلك المناطق من العالم الحر ، التى كنا نواصل امدادها " .

    وأضاف : " لاشك فى أن إرسال 5 أو 6 أو 7 ملايين برميل يومياً (بدلاً من ثمانية وأحياناً عشرة) إلى أصدقائنا فى العالم كله كان لصالح الولايات المتحدة (...) وهذا أفضل من الحرمان التام من هذه الصفقات " .

    بيد أن سلسلة المقالات المثيرة ، للصحافى الأمريكى ج. أندرسون ، فى صحيفة واشنطن بوست ، خلال يناير وفبراير 1974 ألقت مزيداً من الأضواء على تفاهمات السعوديين مع أرامكو ، حيث اتهم أندرسون الاحتكارات البترولية ، عموماً ، بالتواطؤ مع الحكومة السعودية، فيما يتصل باستخراج النفط ورفع أسعاره ، مشيراً إلى أن رفع مستوى الإنتاج كان يتطلب من أرامكو استثمارات اضافية ، قدرت ببليون دولار ، ما جعل من تخفيض الانتاج وتصدير البترول (بكميات تصل إلى 7 بلايين برميل يومياً فى يناير 1974) يصب فى صالح أرامكو ، لا ضدها ، وهو ما اعترف به الرئيس الفنى البارز للشركة أ. ميسيك ، عند بحث نشاط شركته فى اجتماعات اللجنة الفرعية لمجلس الشيوخ ، حين قال بأن " ضربة المقاطعة " لم تكن قاسية جداً (!) موضحاً أن ارامكو كانت ستضطر إلى تخفيض انتاجها ، أو المخاطرة باستمرار الحوادث فى حقول البترول ، بينما كان لرفع أسعار البترول فى الفترة من أول أكتوبر إلى ديسمبر 1973 (من 5.1 دولار إلى 11.6 دولار) أهمية تفوق أهمية المقاطعة ، سواء بالنسبة للغرب أم للدول المنتجة للبترول .

    وبحسب الصحافى ج. أندرسون فان رؤساء أرامكو ، أنفسهم ، طالبوا فى لقائهم بوزير النفط السعودى زكى اليمانى رفع أسعار البترول إلى ستة دولارات للبرميل ، مما ساعد الشركة على تحسين أوضاعها المالية فى الولايات المتحدة ، وهو ما قفز بأرباحها ، فى الأشهر الثلاثة الأخيرة ، من العام 1973 ، قفزة حادة ، مقارنة بأرباحها ، فى الفترة نفسها ، من العام الذى سبقه ،بينما صدمت الأسعار المرتفعة ذلك الأمريكى البسيط فى أنحاء الولايات المتحدة .

    وقد عزا قادة أرامكو – إبان جلسات الاستماع فى مجلس الشيوخ – هذه التطورات إلى أن نفقات استخراج برميل البترول عام 1973 بلغت ما بين 0.12 و0.17 من الدولار ، مقابل سعر البرميل فى السوق العالمية البالغ 3.3 دولار ، فقط ، بحيث لم يتعد الربح الصافى للشركة 1.23 دولار ، عن كل برميل ، بينما بلغ إجمالى أرباحها ، بعد رفع أسعار البترول ، فى نهاية 1973 ، نحو 3.2 بليون دولار ، أى بزيادة قدرها 350 بالمئة ، مقارنة بعام 1969 ، وهو ما حدا بالسناتور أ.ماسكى للتساؤل عما إذا كان يمكن الزعم بأن " إجبار (...) الدول العربية على رفع الأسعار كان لصالحنا ولصالح أرامكو ؟ " .

    خلاصة القول ! إن تأثير ما سمى المقاطعة العربية البترولية للدول المؤيدة لإسرائيل ، خلال حرب أكتوبر ، لم يكن بهذه الضخامة التى أشاعتها الصحافة الغربية ، وذلك بحسب ما أشار إليه الإنجليزيان ك. تيوجيندوخت ، وأ.هاميلتون ، اللذان أكدا أن نقص إمدادات البترول فى السوق العالمية بنحو 17 بالمئة لم يكن له ثمة تأثير جوهرى على توازن الطاقة فى الغرب ، كما اتخذت شركات البترول اجراءات فعالة كافية (لتوزيع النقص) بصورة متوازنة على المستهلكين " .. " كما أدت الإجراءات الحكومية للحد من الطلب على البترول – إلى جانب الهبوط الملحوظ فى شرائه ، بسبب الارتفاع الباهظ فى أسعاره – إلى انخفاض الاستهلاك بالنسبة إلى مستوى العرض تقريباً ، إذ أن الاحتياطات الكبيرة للغاية الموجودة فى دول كثيرة وفرت وجود كميات كافية من البترول لتعويض الفارق بين العرض والطلب " .

    والحاصل ، أن تلك الأزمة الظاهرة لم تتفاعل طويلاً ، إذ سرعان ما خففت بعض الدول العربية المنتجة للنفط من قيود المقاطعة (أو بالأحرى التخفيض) ، فى حين ألغتها دول أخرى، فى نهايات العام 1973 ، وهو ما تم إقراره بعد أشهر قليلة ، فى اجتماع منظمة الدول العربية المصدرة للنفط (أوابك) ولاسيما تجاه الولايات المتحدة بضغط سعودى صريح ، حيث أظهر النظام السعودى ولاءه للولايات المتحدة ، بصورة لا لبس فيها ، حتى وهو مشترك فى تلك المقاطعة المزعومة .

    لذا ، فقد رفض السعوديون ، بشدة ، الاقتراح العراقى بتأميم ممتلكات الشركات البترولية فى الدول العربية ، وسحب رؤوس الأموال العربية فى المصارف الغربية ، حيث حذر الملك فيصل الدول العربية من سحب هذه الأرصدة ، بينما كان من الممكن أن تتخذ الضغوط العربية أشكالاً أكثر راديكالية كى يكون لها أثر أكثر فاعلية على الولايات المتحدة ، لولا الموقف السعودى ! .

    ولهذا ، لم تكن من المفارقات أن يصف الكاتب المجرى أ. كانيو المغزى الاستراتيجى للاهتمام الأمريكى بمملكة البترول السعودية ، بقوله : " لقد أعطى ارتفاع أسعار البترول أرباحاً صافية للولايات المتحدة ، وأوقف من تهديد أزمة الدولار ، كما أنه أفقد أوربا الغربية واليابان احتياطاتهما من العملة الصعبة ، ودفع باقتصادهما المتنامى إلى الوراء فى السنوات الأخيرة " ، مشيراً إلى أن " هذا الاقتصاد كان يمثل تهديداً للدور القيادى للولايات المتحدة ، وسمح للشركات الأمريكية بمواصلة أعمال التنقيب عن طبقات البترول (فى الولايات المتحدة) التى لم تكن اقتصادية عندما كانت أسعار البترول منخفصة " .

    وعلى هذا ، فإن تغير العلاقة السعودية بالرأسمالية الاحتكارية الأمريكية لم يؤثر فى متانة علاقتها بالحكومة الأمريكية ، وقد كتب ج. ستورك ، فى زمن لاحق على رفع المقاطعة البترولية ، يقول : " إن هذه العلاقات أصبحت أقوى من قبل ، بفضل الجهود الخاصة التى بذلت لجذب الشركات الأمريكية للعمل على تنمية (..) العربية السعودية ، وتوجيه الدخول السعودية من البترول إلى السوق الأمريكية والأوراق المالية " .

    وفى مطلع عام 1980 أعلن المراقب الأمريكى ج. كلاوز ، بكل رضا ، أن " العلاقات الخاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعربية السعودية قائمة " .

    وبحسب مراجع متعددة ، فإن الولايات المتحدة استطاعت ، خلال فترة قصيرة نسبياً ، من عام 1974 إلى عام 1980 ، ليس فقط أن تحتفظ بل أن تدعم مواقعها فى تلك المملكة ، حيث لعبت الحكومة الأمريكية الدور الحاسم فى تلك المرحلة ، بعد أن انعدم وجود دولة غربية مثلها هناك ، لها هذا الكم من الاتفاقيات المشتركة مع السعودية ، فى شتى المجالات بدءاً من تطوير التليفزيون والبث الإذاعى ، وانتهاء بمحطات تحلية البحر ، وما ارتبط بذلك من لجان ثنائية ، لاسيما فى مجال الأمن ، واعادة النظر فى برامج تطوير القوات المسلحة السعودية ، ما أدى فى نهاية المطاف إلى استحواذ البضائع الأمريكية على المكانة الأولى ، من حجم الواردات السعودية ، ناهيك عن قيام الشركات الأمريكية بمعظم المشروعات فى المجالات العسكرية والبتروكيماوية فى السعودية ، على الرغم من المزايا التى قدمتها الشركات اليابانية والكورية الجنوبية ، فى سعير تلك المنافسة ! .

    وفى إطار ذلك ، لعب فريق البحث الأمريكى ، التابع لمعهد ستانفورد ، منذ العام 1967 ، دور همزة الوصل بين المعهد وهيئة التخطيط المركزى بالمملكة ، وذلك على حد تعبير فؤاد الفارسى ، نائب وزير التخطيط السعودى ، آنذاك ، وذلك لما كان يتمتع به الفريق من مكانة خاصة داخل منظومة الهيئات الإدارية السعودية (!) ، ما رفع عدد الخبراء الأمريكيين العاملين فى تلك المملكة إلى 35 ألف خبير ، بمن فيهم الخبراء العسكريون .

    وفى ضوء التوجيه الأمريكى المباشر للاقتصاد السعودى واصلت حكومة المملكة سياستها بتفضيل تسوية الصفقات البترولية مع زبائنها بالدولار الأمريكى ، بل وفرض على الوزارات والمؤسسات الحكومية السعودية أن يكون الدولار هو عملة الدفع فى الصفقات التى تزيد قيمتها على 300 مليون ريال سعودى ، وذلك على الرغم من لجوء الحكومة الأمريكية لزيادة مصطنعة فى سعر الدولار ، عبر رفع سعر نسبة الفائدة على الايداعات الدولارية فى المصارف الأمريكية ، خلال النصف الثانى من سبعينيات القرن الفائت . ما جعل من الاندماج السعودى فى الاقتصاد الأمريكى يصل إلى حد التمويل السعودى لشركة (كوك ريوف سبان آند وايزر) فى مارس 1978 ، والتى استهدفت – كما ذكرت الصحف – آنذاك " إقامة فهم مشترك أفضل (..) بين العرب والأمريكيين " وكذلك إنشاء برامج طويلة الأجل " للتعاون الثقافى (...) والاجتماعى والاقتصادى بين العرب والولايات المتحدة الأمريكية " ، وذلك بوحى من السفير الأمريكى لدى السعودية ج. ويست ، وهى الشركة التى لعبت دوراً ملموساً فى تأييد مجلس الشيوخ لمشروع قانون بيع طائرات إف – 16 لكل من السعودية ومصر وإسرائيل ! .

    كما جاء انتقال التعاون بين السعودية ورأسمالية الدولة الأمريكية الاحتكارية إلى المجال المالى - أسهم وسندات - ظاهرة اقتصادية نوعية ، لا سابقة لها فى التاريخ ، حيث قدرت مجلة آراب ايكونوميست حجم البترودولارات العربية فى الولايات المتحدة بمائة بليون دولار ، فى العام 1980 ،فى حين ساهمت احتياطات الذهب الضخمة ، التابعة للسعودية ولبعض الدول الخليجية، فى استقرار النظام النقدى الغربى - الأمريكى ، نتيجة ايداعها فى المصارف الغربية ، ناهيك عن أرصدة الحكومة السعودية المودعة فى مصارف : تشيز مانهاتن ، ومورجان جارانتى ترست أوف نيويورك ، وأوف أمريكا . وذلك فى ظل ضيق السوق السعودية بالنسبة لحجم رؤوس أموال الدولة السعودية أو قطاعها الخاص،الذى كان -ولايزال- يستهدف أرباحاً سريعة وعالية ، وهو ما كان قد وجه مخرجاً له ، منذ سنوات ، عبر دعوة اليمانى رجال الأعمال الأمريكيين ، فى العام 1972 ، لمشاركة رأس المال السعودى فى الصناعة البترولية فى السعودية والغرب ، فى ذات الآن ، والتى وجدت لها صدى حسناً فى الأوساط الأمريكية بعد حرب 1973 ، بوصف أن تلك المشاركة سوف تعمل على تحسين ميزان المدفوعات الأمريكية ، أولاً ، وتقلل من احتمال توقف صفقات البترول ، ثانياً ، وخلق تكامل أكثر تماسكاً مع رأس المال السعودى فى الغرب ، ثالثاً ، ما أدى إلى ظهور سلسلة من المصارف فى الولايات المتحدة وأوروبة الغربية ، بمشاركة رأس المال السعودى الخاص ، فى نهاية السبعينيات .

    وأمام هذا الدور الجديد لمملكة آل سعود رأت الدول الغربية ، ولاسيما الولايات المتحدة ، فى زيادة القوة العسكرية السعودية وسيلة ، أولاً : لدعم وجود نظام حكم العائلة السعودية ، ثانياً : لضمان تصدير البترول بدرجة محددة ، ثالثاً : لتوسيع سوق بيع منتجاتها العسكرية ، رابعاً : تحويل النظام السعودى إلى حارس (على غرار إسرائيل) للمصالح الاقتصادية والعسكرية والسياسية الغربية ، لاسيما الأمريكية فى المنطقة ، ما أدى لارتفاع بند النفقات العسكرية ، بثبات ، فى خطط وميزانيات الحكومة السعودية ، حيث بلغت 23.1 بالمئة من اجمالى الميزانية البالغة قيمتها 41.3 بليون ريال ، فى الخطة الخمسية الأولى (1975-1980) ، ليصل نصيب الفرد السعودى من الانفاق العسكرى لنحو ألفى دولار سنوياً ، وهو أعلى معدل بين دول العالم ، والذى لا يزيد عن 520 دولاراً فى أكبرها ، أى الولايات المتحدة ، وبذلك تجاوزت المخصصات العسكرية السعودية الاحتياجات الفعلية للدفاع ، بل وإمكانيات قواتها المسلحة ، من ناحية القدرة على الاستيعاب والاستخدام المستقل للمعدات والأسلحة ، التى حصلت عليها .

    إلا أن الطلبات العسكرية المتدفقة ، بشكل أسطورى ، ظلت حافزاً لتوسيع أنشطة الصناعة العسكرية الغربية ، ولاسيما الأمريكية (7 بلايين دولار من 10 بلايين قيمة المشتريات السعودية ما بين عامى 1973و1976) .

    بيد أن اندلاع الثورة الإيرانية مثّل تحذيراً للحكام السعوديين وللدول الغربية من أن أحدث الأسلحة لا يمكنها أن تعوق الحركة الشعبية الشاملة ضد نظام مكروه ، ما أدى إلى زيادة الدعم الغربى لنظام الأمن السعودى ، فى السنوات التى تلت الثورة ، وذلك بغية خلق روافع "شبه امبريالية " تكون بمثابة نقاط ارتكاز فى مختلف مناطق العالم الثالث ، بحسب ما ذهب إليه ك.بروتينيتس .

    ووفقاً لذلك صارت الدولة السعودية دولة " شبه استعمارية " فى الشرق الأوسط ، تتولى التغطية الاستراتيجية الأمريكية للإقليم الشرقى من المنطقة البترولية ، وذلك بعد أن بدا للمسئولين الأمريكيين فى تلك السنوات ، ومنهم الدبلوماسى شن .بوست أن القومية ، والتحديث ، والاشتراكية الثورية ، والصحوة الإسلامية ، تمثل العناصر الرئيسية لعدم الاستقرار فى المنطقة ، ما حدا ببوست للتوصية بعدم تسريع ايقاع عملية التحديث ، بأكثر مما تستطيع الثقافية القومية استيعابه (!!) ، بينما أدى انهيار المعسكر الاشتراكى – فيما بعد – إلى إضعاف القوى الاشتراكية العربية ، وإلى احتواء عناصر الحركات الإسلامية السياسية عبر دفعهم إلى محاربة السوفيت فى أفغانستان ، بينما جاء إضعاف القومية ، من خلال جر العراق إلى حرب طويلة ومدمرة مع إيران .

    وختاماً ، فالحاصل أن التغيرات التى شهدتها السبعينيات ، وما بعدها ، فى نظام " المستعمر – المستعمرة " حدثت على حساب التوسع فى تطوير الاقتصاد القومى لـ " المستعمرة " السعودية ، بصورة مستقلة ، وكذلك على حساب توسيع دائرة شركائها وحجم صفقاتها التجارية الخارجية ، وإن استطاعت تلك المستعمرة – عبر الاحتياطات الضخمة للخامات النادرة – أن تتحول إلى شريك فى التعاون الاقتصادى مع " المستعمر " .

    ذلك أن مراكز الإنتاج " الطرفية " التى أقامها " المستعمر " فى " المستعمرة " تعتبر ، من جانب ، همزة وصل للإنتاج الصناعى العالمى ، وهى موجهة بشكل واضح ناحية السوق الخارجية ، الأمر الذى يخلق – برأى الخبراء – مشكلة ترويج الإنتاج ، والتى قد تصبح رافعة مهمة للضغط على " المستعمر " .

    ومع هذا ، فإن نظام " المستعمر – المستعمرة " ، غير المتكافىء اقتصادياً ، لايزال قائماً ، ولاتزال الدولة السعودية تنمو فى إطاره ، وذلك مع إيمان النظام السعودى بأن " النقود تكفى لتحقيق أى شىء ، ويمكن عن طريقها شراء كل شىء " ، من الصاروخ إلى الأعشاب المجففة.

    إلا أن النقود النفطية ظلت غير فعالة فى تطوير اقتصادى واجتماعى كفء لمناطق المملكة ، ولاسيما الحجاز ، وهو ما حدا بنائب وزير التخطيط السعودى فيصل بشير لوصف الخطة الخمسية الثالثة (80 – 1985) بأنها " ليست معنية بالاستمرارية لعملية التطور " . وقال : "إن الخطة الثالثة ستبتعد عن تطوير البنية التحتية فعلياً " ، مشيراً إلى أن هذه الخطة ستقلل من "التركيز على تطوير مدن المملكة الرئيسية " ، ما حدا بالسفارة الأمريكية فى جدة ، لوصف هذه الإجراءات فى تقريرها لوزارة الخارجية الأمريكية بأنها " مصممة لتقويم عدم التوازن الاقليمى فى مجال الثروة ، ونسب التطور ، وأيضاً لتأخير تدفق السكان نحو المدن الرئيسية" وهو أمر لم يتعدل ، كثيراً ، فيما يسمى خطط التنمية التالية ، فى ظل الاندماج السعودى فى نظام " المستعمر – المستعمرة " .



    المراجع العامة للبحث

    1 – على رحمى (ترجمة) : ملوك الجزيرة ، من النفط .. إلى العرش ، لندن ، دار عكاظ 1993 ،ط1 .

    2 – ألكسندر رياكوفليف : العربية السعودية والغرب ، ترجمة : د. أنور محمد إبراهيم ، مراجعة : هيئة تحرير الدار ، القاهرة ، دار العالم الجديد ، ط1 ، 1988.

    3 – أ. هاميلتون ، ك. تيوجيندخت : البترول أضخم تجارة فى العالم ، موسكو 1978 (بالإنجليزية) .

    4 – هـ . ج فيلبى : مضاربات البترول العربى ، واشنطن 1964 (بالإنجليزية) .

    5 - هـ . ج فيلبى : جبيل العربية ، لندن ، 1952 (بالإنجليزية) .

    6 – أ. أصاح : معجزة مملكة البترول ، لندن 1969 (بالإنجليزية) .

    7 – ج. و.ستوكنج : بترول الشرق الأوسط ، دراسة الخلافات السياسية والاقتصادية ، لندن 1971 (بالإنجليزية) .

    8 – ف. لاند بيرج : أغنياء وسوبر أغنياء ، موسكو 1971 ، (بالإنجليزية) .

    9 - من سلسلة وثائق وكر الجاسوسية (35) : حكام الجزيرة العربية دمى الشيطان الأكبر ، منشورات الوكالة العالمية ، بيروت 1990 – 1411هـ ، ط1 ، وهى السلسلة التى تضم وثائق السفارة الأمريكية فى طهران ، والتى استولى عليها الطلاب الايرانيون ، بعد احتلالهم لمقر السفارة فى 4 نوفمبر 1979



    * مركز المقدسات للدراسات والنشر - بيروت

    البرنامج البحثى الاعلامى

    دراسات متخصصة





ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني