دور المنظمات الطائفية الإرهابية في إخراج الناس من دين الله أفواجاً
عراقيون يتحولون الى المسيحية في الأردن، والظواهري يدعو الأميركيين لاعتناق الإسلام
دور المنظمات الطائفية الإرهابية في إخراج الناس من دين الله أفواجاً
يحكى أنه في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي وبينما هو ينظر من إحدى شرفات قصره إذ رأى غلاما لا يتجاوز العاشرة من عمره فدعا به إليه ...
وعندما مَثُل الغلام بين يديه قال له الحجاج : إلى أين يا غلام ؟
قال الغلام : إلى مدرسة حفظ القرآن ؟
فقال له الحجاج : أحفظت القرآن ؟
قال الغلام : لا تقل حفظت لأن الحافظ هو الله . " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".
فقال له الحجاج : يا غلام أجمعت القرآن ؟
قال الغلام : لا تقل جمعت القرآن ، لأن الذي جمع القرآن هو أبو بكر الصديق خليفة رسول الله ..
فقال له الحجاج : إذا يا غلام استظهرت القرآن ( أي حفظته عن ظهر قلب ) ؟
قال الغلام : معاذ الله أن أستظهر القرآن وأجعله وراء ظهري ..
فقال الحجاج وقد عجز : حيرتني يا غلام فماذا أقول لك ؟؟
قال الغلام : يا حجاج !! هلاّ قلت أوعيت القرآن ؟؟
فقال له الحجاج : أوعيت القرآن ؟
قال الغلام : نعم ..
فقال الحجاج : اقرأ عليّ مما تعي ؟
فقرأ الغلام قوله تعالى : " أتبنون بكل ريع آية تعبثون ، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ، وإذا بطشتم بطشتم جبارين ، فاتقوا الله وأطيعون " .
فحنق الحجاج وقال له : أتهددني يا غلام ؟؟ اقرأ آية فيها تبشير !!
فقال الغلام بسم الله الرحمن الرحيم :" إذا جاء نصر الله والفتح ، ورأيت الناس يخرجون من دين الله أفواجا " ..
فقال له الحجاج : قـــــــــــــف !! يدخلون أم يخرجون ؟؟
فقال الغلام للحجاج وقد أراد أن يلقنه درساً : كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلون في دين الله ، أما في عهدك فهم يخرجون من دين الله ...
لا أعرف مدى صحة هذه الرواية، ولا اسم ذلك الغلام النبيه،ولكني تذكرت هذه القصة بعد قراءتي لخبر تحول بعض العراقيين الى مسيحيين، بعد أن هربوا من جحيم العنف والإرهاب في العراق الى المنافي وإيواء بعض الكنائس لهم، واحتضانهم بالعطف والحب والسلام.
وليس ذلك مقتصرا على العراقيين، فقد شهدت خلال السنوات الماضية تحول بعض المسلمين اللاجئين في أوربا الى مسيحيين، وسمعت عن تحول بعض المسلمين في الجزائر الى المسيحية ردا على موجة العنف التي ضربت ذلك البلد في التسعينات. وبما ان معظم المسلمين، كبقية أتباع الأديان المختلفة، يصبحون مسلمين بالوراثة، فان من المرجح أن يتركوا دينهم لدى اصطدامهم بقضية عاطفية أو مرورهم بظروف صعبة. وأساسا فان الإسلام، لم ينتشر في مبدئه بالفكر فقط، وانما بالعاطفة أيضا، وتأثرا بأخلاق الرسول العالية وحلمه وعفوه وكرمه. وهذا واضح في عملية إسلام كفار قريش يوم الفتح بصورة جماعية، بعد أن عفا عنهم الرسول ولم ينتقم منهم.
وبغض النظر عن تحول بعض الأفراد عن الإسلام، هنا وهناك، فقد شهد القرن العشرين موجة عارمة من الردة عن الإسلام في أكثر من بلد مسلم، والتحول الى العلمانية الملحدة والتخلي عن الإسلام، أو الشعور بأن الإسلام لا يصلح لهذا العصر والإيمان بضرورة تقليد الحضارة الغربية في كل شيء.
وقد ابتدأت الموجة في تركيا وانتقلت الى إيران ثم امتدت الى بعض البلاد العربية، وخصوصا العراق والشام، ولكنها عادت فانحسرت أمام تقدم الحركة الإسلامية التي سيطرت على تلك البلاد في العقود الأخيرة. أما سبب الردة عن الإسلام فقد كان يكمن في الصورة السلبية التي قدمها بعض رجال الدين عن الإسلام، وكأنه يعادي العلم والعدالة والحرية والديموقراطية والحداثة.
ومع أنني أحمد الله على انحسار تلك الموجة، بل انقلابها الى موجة إسلامية منذ السبعينات من القرن الماضي، إلا أنني أخشى تعرض الحركة الإسلامية الى تراجع وانكفاء بسبب بعض الأخطاء التي ترتكب اليوم باسم الإسلام.
ان العنف الطائفي البشع الذي يمارس اليوم في العراق، قد يدفع فريقا من الناس الى التعصب الطائفي، ولكنه يدفع بالتأكيد شرائح واسعة من الشباب الى الكفر بالطائفية والإسلام، رغم عدم مسئولية الإسلام عن ذلك العنف الأعمى. وذلك لأن كثيرا من الناس لا يفكرون بعلم وعقل ونضج كاف للتمييز بين الأمور، وانما يفكرون بعواطفهم وبناء على معلوماتهم القاصرة والخاطئة. وكنا نسمع ونشاهد بعض الناس الذين يغضبون لأمور شخصية كيف "يكفرون" ويسبون الله العظيم والدين والمقدسات، بدون أي رابط بين تلك الأمور والإسلام، فكيف إذا كان ثمة رابط "واضح" بين العنف والإرهاب والإسلام.
ومع الأسف الشديد ان كثيرا ممن يمارس العنف الطائفي لا يلتزم بالدين، ولا ينطلق من منطلقات إسلامية، وانما من مصالح شخصية وفئوية وسياسية، ما عدا الإرهابيين الذين يقتلون الناس وهم يصرخون "الله أكبر" أو يتبنون خطابا إعلاميا "دينيا". ولا يهمهم كم سيتجه الناس نحو الدين أو كم ستتأثر الحركة الإسلامية في المستقبل.
وفي الحقيقة ان العنف الطائفي الأعمى لا يتسبب فقط في هز إيمان العامة من الناس، وانما يترك آثارا سلبية على حركة الإسلام في العالم. وبالرغم من أن الإسلام لا يزال هو أكثر الأديان انتشارا في العالم، وقد ذكرت الصحف مؤخرا إسلام حوالي سبعين شخصا يهوديا في إسرائيل خلال الشهور الماضية من عام 2006، إلا أن نسبة التحول الى الإسلام لا تزال بطيئة بالنسبة الى ذاته، وبالنسبة الى تطور وسائل الإعلام في العقود الأخيرة، حيث كان يفترض أن يشهد الإسلام قفزة كبيرة في الداخلين اليه بالملايين لا بالأفراد أو المئات والألوف. وهذا ما يكشف عن وجود عقبات من صنع المسلمين ، وخصوصا من صنع الإرهابيين الذين يلطخون صورة الإسلام بعنفهم الأعمى وبعمليات القتل البشعة التي يقومون بها تحت يافطة الإسلام أو بعض الآيات القرآنية الكريمة.
وهذا ما يعيدنا الى قصة الغلام الذي أخبر الحجاج بأن الناس يخرجون من دين الله أفواجاً بسبب ظلمه ومجازره. فهل تقوم الحركات الإسلامية المعاصرة، وخاصة المتطرفة والعنيفة، بتغيير أساليبها في العمل، وتعتمد اللين والحلم والرأفة والرحمة في تعاملها مع الناس حتى يدخلوا في دين الله أفواجا، أو يحافظوا على إيمانهم ويكفوا عن الخروج من الإسلام؟.
ahmad@alkatib.co.uk
أحب في الله من يبغضني في الله