 |
-
الشرطه"بدريون" استفزوا الصدريين بقطع رآس البهادلي:العمارة كمجرّد عيّنة...!!!
العمارة كمجرّد عيّنة...
حازم صاغيّة الحياة - 24/10/06//
يُفترض، بقياس الدول والأوطان وحركات التحرّر، ان يكون العراقيّون في عيد وطنيّ. فـ «الأجنبيّ» بدأ يعترف بهزيمته ويشكّل لجنة لتدبّرها. لا بل ها هو جورج بوش، المتفائل أبداً، يوافق على مقارنة العراق بفيتنام. وإذ يشبّه المعلّق توماس فريدمان ما يحصل الآن في بلاد الرافدين بسنة التيت الفيتناميّة، لا يلقى التشبيه استهجاناً، دع عنك الاستنكار.
لكنّ سنة التيت (1968) التي فتحت الباب للانسحاب الأميركيّ فتحت الباب لانتصار فيتناميّ ضُمّ بنتيجته الجنوب الى الشمال في بلد واحد. وهذه ليست الحال في العراق حيث نكبة أحد الطرفين نكبة أكبر للطرف الآخر: فإلى الارقام الفلكيّة للقتلى، والى الحقد الذي يمضي باحثاً عن قنوات تصريف، هناك 1.6 مليون عراقيّ غادروا البلد منذ الحرب، ومثلهم هُجّروا في عمليّات تطهير مذهبيّ أو إثنيّ. والواقع ان الارقام السوداء كلّها في تصاعد كما لو أننا عشيّة وداع العراق الذي يودّع نفسه.
وما حدث في مدينة العمارة الجنوبيّة يعلّم الكثير. فالجنود البريطانيّون انسحبوا منها الصيف الماضي وحلّت محلّهم قوّات الأمن العراقيّة، ما يُفترض ان يكون موضع ترحيب الداعين الى خروج الاحتلال وقيام سلطة عراقيّة فوق أرض العراق.
مع هذا لم يمض غير شهرين ونيّف حتى انقضّت قوّات «جيش المهديّ» على قوّات الأمن فقُتل ثلاثون شخصاً وجُرح مئة، وتبيّن كم ان العبث أقدر من الأمن على الإمساك بالعمارة. وهي معركة بين شيعة وشيعة، وعرب وعرب، إلا انّهم، مع هذا، يعكسون انقسامات تشقّ العشائر والعائلات، بقدر ما تحفّ بها عصابات مختصّة في تهريب السلاح أو المخدّرات أو الصنفين معاً. ويغدو واضحاً، والحال هذه، ان الفوضى المفتوحة هي التي ستحكم العمارة، خصوصاً ان «جيش المهديّ» هو نفسه غير مجمع على موقف موحّد في ما خصّ السلطة وطبيعتها هناك.
والعمارة، بهذا، تلخّص الكثير من التجارب العربيّة مع الاحتلالات والاستعمارات. ذاك ان الغالبيّة الساحقة من أعمال نزع الاستعمار التي شهدتها العقود الماضية لم يرثها إلا الفوضى والعجز عن الحاكميّة، أتجسّد ذلك في انقلاب عسكريّ (مصر، سوريّة، العراق، ليبيا) أم في احتراب أهليّ (لبنان) أم في الاثنين معاً (السودان، الجزائر، اليمن). ويسعنا اليوم ان نرى العمارة في غزّة، وغزّة في العمارة، وعسانا لا نرى المشهد يتكرّر في لبنان وسوريّة وغيرهما.
وهنا بيت القصيد في السياسة العربيّة المعاصرة، أو بالأحرى في استحالاتها. ذاك ان العجز عن مأسسة التغيّرات التي تطرأ في الواقع، وعن ملء الفراغ الذي يُحدثه انسحاب أجنبيّ بسلطة وطنيّة، يجعل العبث أفقاً وحيداً للمستقبل. وهو عجز لن يتمّ تلافيه بالهروب الى «انتصارات إلهيّة»، بل بمواجهة مسألة المسائل في الفكر السياسيّ العربيّ: كيف نولّد نظريّة للشرعيّة السياسيّة لا يكون مصدرها في القرابة أو الدين أو المذهب، وكيف نطبق هذه النظريّة على بلد بعينه يرتبط أبناؤه بإجماعات وحدة وطنيّة؟
من دون ذلك، نمضي على هذا النحو الرهيب: يخسر العدوّ معركة، ونخسر بلداً. ولأن العالم وإعلامه أكثر اهتماماً بالعدوّ، تحتل خسارة المعركة قدراً من التركيز لا تحظى بمثله خسارة البلد. فغداً، ولأسباب مفهومة، سوف تلتقي «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست» و «سي ان ان» على أن الولايات المتّحدة انهزمت في العراق الذي تُنحّى مأساته هامشاً على طرف الحدث الأميركيّ الكبير. أما نحن فنروح، في تلقّفنا رواية ذاك الإعلام (الذي لا نكفّ عن تعهيره)، نتقافز مثل القرود: انتصرنا، انتصرنا.
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |