رجاءا اقرأوا وليرفع المتعصبون الذين لا يريدون أن يسمعوا اسم المدرسي أن يرفعوا عن قلوبهم غشاء الحقد والحسيكة..
نص البيان:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه أجمعين المصطفى محمد وآله الهداة المعصومين.
وبعد:
أيها الشعب العراقي الممتحن.. السلام عليكم ورحمة الله.
(1)
إن الفتن التي أصابتكم ولا تزال خلال العقود الثلاث الماضية إنما هي مصهرة السنن الإلهية التي تُستخرج بها معادن الخير من الرجال الاطائب والنساء الصالحات، وليتخذ الله سبحانه وتعالى منكم شهداء على الناس لتحقيق العدالة في الأرض، وقد قال ربنا سبحانه: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ اْلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَآءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُـمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ( (آل عمران140-141)
وقد أثبت الشعب العراقي أنه بالتوكل على الله، والاستلهام من قيم الوحي، والانطلاق من ركائز الأمجاد التاريخية، ومن أجل التطلع إلى المستقبل الواعد.. بلى أثبت هذا الشعب المتميز قدرته الفائقة على تجاوز المحن، بل وعلى تحويلها إلى وقود مسيرته الصاعدة. وانتم يا ِربِّيوا القرآن والإسلام، يا أبناء محمد وعلي والأئمة الأطهار (عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه) أنتم اليوم على ميعاد النصر الإلهي المؤزر، لأن أبناءكم المجاهدين والشهداء كانوا مثلاً لقوله سبحانه : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا((الاحزاب23) ولقوله سبحانه: (يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ( (محمد7)، وهكذا لقوله تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَويٌ عَزِيزٌ( (الحج40).
(2)
ولنعلم: إن مسؤولياتنا القادمة هي أكبر شهادة وأعز نصراً، لأنها من نمط الجهاد الأكبر: الجهاد مع النفس، الجهاد ضد ما بثه طغيان النظام الجاهلي من خلق رذيل ومن شقاق داخلي ومن قنوط وسلبية ومن فواحش باطنة أخرى.
ومن هنا فإننا بحاجة إلى نزع جلباب الطاغوت الأسود، واعتمار رداء الحب والحكمة والحيوية، فبالحب ننظر إلى أنفسنا بإيجابية بعيداً عن التفرقة والتمييز بكل إشكالهما وعن الحقد والبغضاء بكل صورهما، وعن جميع عوامل الشقاق وأسباب الاختلاف.
إن الفضائل هي قاعدة الانطلاق في رحاب التقدم بعد التحرر من إصر الدكتاتورية المقيتة، أما الحكمة فإنها ميراث كتاب ربنا، ذلك لأن في القرآن الكريم وبصائره المثلى أنجع الحلول لمشاكلنا العالقة التي لم تحلها كافة النظريات البشرية التي جربها شعبنا، فلم يكن في يمينها أي يُمْن ولا في يسارها أي يُسْر.. فهذه ثمانية عقود من عمر عراقنا الحديث لم تزدد بتلك النظريات إلا بؤساً وخنوعاً، وأشدها علينا تجربة العقود الثلاث الأخيرة والتي خلفت ملايين الشهداء، ودماراً وفساداً كما أورثتنا ضياع عشرات الفرص الذهبية لنجاة شعبنا من التخلف والتبعية ومن الفقر والمرض وعوادي الزمن.
إن حكمة الوحي هي حياتنا حقاً، فهي تحررنا من الإصر والأغلال، كما أنها شفاء من الشرك والنفاق، وهي إلى ذلك فرقان بين الخير والشر، وضياء على درب التقدم والتسامي .
بلى؛ علينا أن ننظر بعين الوحي، ونستمع بأذن الوحي، ونفكر بالاستعانة بمناهجه، فلا يكن القرآن بيننا مجرد تعويذ نعلقه على أعناق أبنائنا أو زينة على جدران جوامعنا. إن على أصحاب البصائر منا أن يفسروا آيات الذكر بما يفسر واقعنا، ويستنطقوا كلماته بما يعالج مشاكلنا. إن على كل واحد واحد منا أن يتدبر في آيات القرآن، فيعمل بمحكماته، ويسأل أهل الذكر عن متشابهه، فلا تبقى آية من آياته مهجورةً من دون عمل بل نجعل القرآن صبغة حياتنا كلها.
إن الحماس الذي كنا نحتاجه في عهد الطاغوت لمحاربته قد يتحول - ولا سمح الله - إلى وقود يستغله الأعداء لنشر الخلافات والصراعات ، وإنما يُضْبَطُ هذا الحماس بحكمة الوحي وحدود الشرع وفتاوى الفقهاء وضوابط القوانين وقواعد العرف الرشيد.
ولابد من توجيه هذا الحماس صوب البناء، ذلك لأن ماكنة الهدم الجاهلية قد أفسدت بلادنا تماماً، وإنما بالحيوية الحكيمة تبلغ بلادنا مصاف الدول الراقية. إن على كل واحد منا أن يبالغ في النشاط وأن ينصح في الخدمة طلباً لمرضاة ربه ومن أجل إسعاد هذا الشعب الممتحن.
(3)
أيها الاخوة المؤمنون..
هذا العراق سفينتنا الواحدة التي إن غرقت - لا سمح الله - فلا أحد منا ينجو من الطوفان، وإذا هي رست في شاطئ الأمن فإن النعمة تشملنا جميعاً، فعلينا أن نتحسس عميقاً بانتمائنا إلى هذا الوطن العزيز ونجتهد من أجل خيره وصلاحه، قال الله سبحانه :(إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لاَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا( (الاسراء7)
وإن دعوتنا إلى الإسلام والقرآن ليست بالتأكيد دعوة إلى حزب أو عنصر أو طبقة، بل إلى منظومة من القيم المثلى التي تنظم علاقتنا ببعضنا وتحافظ على وحدتنا وتصهر مختلف قومياتنا وطوائفنا واتجاهاتنا في بوتقة الوحدة المباركة .إننا جميعا أمام الله وكلماته وأحكام شرعه سواء، ولنا جميعاً ذات الحرمات والحقوق، ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى التي تعني الايمان والعمل الصالح، ذلك لأن السمة البارزة لدين الله رب السموات والأرض هي الرحمة التي تشمل البشرية جميعاً ولا تميز أحداً على غيره، أو لم يقل ربنا سبحانه: (يَآ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَاُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ( (الحجرات13)
وقال الله سبحانه: (قُلْ يَآ أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ اَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَيَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّواْ فَقُولُوا اشْهَدُواْ بِاَنَّا مُسْلِمُونَ( (آل عمران64)
وقال الله سبحانه: (يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِن نِسَآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ( (الحجرات11)
ألا ترون كيف أن القرآن الكريم ينادي بالوحدة أمام الله وقيم الحق سواءً بين المؤمنين أو في إطار أهل الكتاب أو في رحاب البشرية جميعاً؟
وإنما يُعرف دين الله وهداه بهذه السمة، فمن دعا الناس إلى نفسه باسم دين الله فإنه ليس من الله في شيء قال الله سبحانه: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ( (آل عمران79)
وهكذا تتمثل الدعوة الحق في العراق إلى الله ودينه وكتابه في إطلاق كافة الطاقات وتوفير فرص التنافس للجميع، واحترام الآراء وتوقير كل القوميات لكي نكون في العراق مثلاً سامياً لدولة التعددية في إطار الوحدة الوطنية، ودولة التقدم في إطار القيم، ودولة العلم في إطار الإيمان، ودولة الحرية في إطار القانون.
(4)
وقضية بناء الدولة قضية حساسة للغاية، ومن دون التعامل معها بحكمة بالغة قد تدخل البلاد في نفق مظلم، وأمامنا مَثَل الحروب الأهلية في لبنان وأفغانستان والصومال وغيرها ، وإن القوى السياسية في البلاد والتجمعات الدينية وكل الفاعليات المؤثرة لمدعوة اليوم إلى المزيد من التشاور والتعاون للخروج من أزمة البلاد التي لا تقتصر على وجود قوات التحالف على أرضنا، ولا على بقايا النظام البائد الذي يريد نشر الفوضى انتقاماً من الشعب الذي رفضه، ولا على إنهيار المؤسسات الوطنية، بل هي جميعاً، بالإضافة إلى الحاجة إلى عقل جمعي للتعامل مع الأزمة بحكمة بالغة .
إنني وبكل تواضع أدعو أبناء هذا الشعب الممتحَن إلى أن يتحمل كل واحد واحد منهم مسؤوليته الكبرى امام الله ونفسه والتاريخ وذلك بالتفكر وإبداء الرأي الذي يراه صائباً، والمساهمة في بلورة رؤية وطنية حكيمة للخروج بالبلاد من أزماتها الصعبة ومن دون دفع ثمن مضاعف. إننا نتحرق شوقاً إلى خروج قوات التحالف ولكن دون أن تفرض على البلاد حرباً جديدة لا تُبقي ولا تذر.. كفانا حرباً.. كفانا دماراً.. دعونا نجنب البلاد عنتريات صدام الخائن وقراراته السخيفة.
إننا نريد بناء دولة عصرية ولكن ليس بثمن فقد استقلالنا وعزتنا ومستقبل أجيالنا.
إننا نريد إعادة المؤسسات ولكن من دون تسلط فئة على أخرى.. إننا نريد التعددية، ولكن دون فوضى، ونريد الوحدة ، ولكن من دون قهر وقسر بالغين.
إن الشعب العراقي الرشيد، بتاريخه الأصيل، وقيمه السماوية، وقواه السياسية المخلصة قادر بإذن الله سبحانه على الخروج من هذه الأزمات، وإنما على الجميع تحمل مسؤولياتهم بكل إخلاص وثقة ونشاط.. من هنا فإني أدعو إلى المزيد من التشاور على مستوى الوطن، فلتكثر المؤتمرات ولتزدد الاجتماعات السياسية، وليكن كل اجتماع مناسبة لبحث مستقبل البلاد، وليبلور كل عراقي رأيه الحصيف ويطرحه من خلال القنوات المتاحة له، ولا يعتمد أحدنا على غيره ولا يحسب أن غيره أولى منه بخدمة البلاد بنظرياته وجهوده، فكلنا في هذا البلد راعٍ وكل راعٍ مسؤول ، وليس من الصحيح أبداً أن تكون لدينا أكثرية صامتة وأقلية فاعلة، فإن ذلك هو أرضية الديكتاتورية. ومن خلال الصحف والنشرات ومن خلال الانتماء إلى مختلف المؤسسات ومن خلال كل المنابر المتاحة دعونا نتحدث عن مصالحنا ومستقبل بلادنا.
(5)
وإن هذا يقتضي تفعيل قنوات الانتماء، فعلى كل عراقي أن يكون عضواً في هيئة دينية، أو مؤسسة أهلية، أو تجمع عشائري فاعل، أو نقابة معينة، أو اتحاد طلابي، أو تجمع سياسي أو ما أشبه.
وليكن انتماؤه انتماءً فعالاً ليس فقط في بذل المزيد من الجهد المادي، بل وفي تكوين الرأي السليم وانتخاب أفضل الأفراد لتمثيله في تلك المؤسسات..
بذلك - إن شاء الله - سيكون هناك عقل جمعي فعال في إدارة البلاد، ولا يسمح للدخلاء وأصحاب الأهواء أن يفرضوا الآراء الخاطئة على بلادنا.. أقول هذا واستعين بالله سبحانه في العمل به وأسأله أن يوفق شعبنا الممتحن للخروج من أزماته بفضله وجوده وكرمه، إنه سميع الدعاء.
محمد تقي المدرسي
7 جمادى الاولى 1424