 |
-
د: مضاوي الرشيد >> هل يقلد الحكام العرب لاعب كرة القدم ام العكس؟
[align=center]هل يقلد الحكام العرب لاعب كرة القدم ام العكس؟[/align]
[align=center]د : مضاوي الرشيد[/align]
مقال نشر في القدس العربي بتاريخ 22-12-2006
[align=justify]شاءت الأقدار ان نضغط خطأ علي زر الريموت كنترول فتحولنا الي قناة فضائية سعودية ليس من عادتنا متابعتها ولو من باب الحشرية فاذا بنا نطل علي حوار ساخن اقرب ما يكون لمشاجرة بين مذيع شاب ورجل يكبره بالسن. علا الصراخ وارتفعت الاصوات واكفهرت الوجوه وكأنهما في حلقة مصارعة. امام اتهامات الشاب المذيع بدا الحوار صريحا وجريئا. عرفنا بعد لحظات ان الموضوع المناقش هو ضرب الحكام ودور الاعلام في تغطيته وفضح خفاياه ونوايا الضارب والمضروب وموقف المتفرجين او المشاركين في عملية الضرب وردة فعل الاجهزة الامنية والقوانين العالمية والمحاكم الشرعية وتأثير عملية الضرب علي مستقبل الأمة وسمعتها وخاصة الفرقاء المتصارعين. جرأة المذيع في توجيه الاتهامات جاءت متسلحة بقصاصات ورقية فيها الدليل الثابت والقطعي الذي يدين المستنطق وهو جالس علي كرسي كبير ومريح امام عدسة الكاميرا كاد ان يفيض من علي الكرسي لولا ثقل جسده والجاذبية لهذه الكتلة التي اقعدتها وشلت حراكها. بدا المتهم متلعثما مبررا لعملية الضرب التي يشهدها الحكام والذين يستفزون الجمهور بغبائهم ساعة وانحيازهم ساعة اخري وعرج المدافع عن الحكام علي جهل هؤلاء بالقوانين الدولية والاتفاقات العالمية.
تساءلنا عند هذه اللحظة عن قدرتنا علي تتبع أخبار العالم العربي هذا العالم الذي اصبح جريئا لدرجة ضرب الحكام وهاهو اليوم يفاجئ العالم ويضرب حكامه متجاوزا حدود اللياقة والأدب وطاعة أولي الامر.
ظننا ان الريح قد هبت علي الحروف الساكنة واقتلعت الاشجار اليابسة شطحنا في مخيلتنا الي اقصي الحدود وانتابنا شعور غريب عجيب. ضرب حكام وعلي الهواء مباشرة وعلي قناة سعودية؟ لا بد ان هناك سياسة اصلاحية جديدة تجاوزت الحوار الوطني الي الضرب المباشر والصريح؟ ربما انه انفتاح اعلامي سيستقبل علي اثره اكبر رئيس اعلامي ليس لأسباب عائلية او شخصية بل لتجاوز الحدود والتطاول علي الحكام وربما انهم يضربون يوميا ولكنها المرة الاولي التي يتم فيها مناقشة الموضوع بجرأة وانفعال. في هذه اللحظة الحاسمة انتقلت عدسة المصور الي الحلبة نفسها حيث يتم ضرب الحكام واختفي وجه المذيع وضيفه وانتقلنا الي ملعب الكرة حيث ضرب الحاكم عندها انقشعت الغمامة وتبدد الضباب عدنا الي الوعي بعد غيبوبة قصيرة في متاهات اللاوعي وخفايا النفس لنواجه الواقع علي ارض الملعب فاذا برجال تهرول بعضهم بالزي العسكري وبعضهم استل العقال كسيف يلوحه في وجه الحاكم وآخر شمر ثوبه حتي ظـهرت السيقان وبانت العورات. اختلط الصراخ والعواء بالعرق المتصبب من الجثث الضخام حتي كدنا نصاب بالغثيان من النتن وهو يفوح من شاشة التلفاز والمنقول بتقنية عالية من مراكز الاحتقان. ارتفعت صفارات الانذار ودخل العسكر حلبة الصراع بعصي ثخينة لتأديب القطيع الشارد عن الاجماع. لاحقوا الحاكم لنهش قطع من جسده الراكض فتفاعل العسكر مع الجمهور الغاضب لم نعد نفرق بين الحاكم والمحكوم وجهاز الأمن المحتار. اختلطت الصور في الاذهان وعدنا الي غرفة الحوار الساخن، تلعثم الضيف وقدم الاعذار ولكن كلها ذهبت في لهيب الحوار واتهامات المذيع المغوار.
انتهت حلقة الحوار الجريء وعدنا لنطرح السؤال. نعترف بجهلنا وعدم متابعتنا لحلبات الصراع في ملاعب كرة القدم. لم نطلع يوما ما علي شريعة الفيفا ولا كيفية تعريبها في عالمنا العربي او تطبيقها علي الارض ولكن من مبدأ محلية المعولم لا نشك انها كغيرها من الشرائع والمعاهدات الدولية لا بد ان تغطي عليها الممارسات العربية الاصيلة تماما كما يتم فرنستها في فرنسا وانكلزتها في بريطانيا وبطريقتنا وما يسمي خصوصيتنا لا بد لهذه الشرائع ان تطبع وتطعم بدمائنا الحارة وعنفوان الرجولة وكبرياء الجمهور المشاهد لغزوات كرة القدم ذات الشعبية الضخمة.
نحن هنا بصدد حالة منتشرة وظاهرة متفشية حسب برنامج الصدفة الذي شاهدناه وتابعناه متنقلين بين الواقع وشطحات الخيال.
تخيلوا ضرب الحكام في ملاعب الوطن الكبيرة ـ السبب جهلهم بالقوانين. سبب وجيه، او تجاوزهم للأعراف المتفق عليها بين الامم. سبب آخر وجيه. بالطبع سترتفع احصاءات المشاهدين لمثل هذه البرامج المتلفزة وتزيد شركات الاعلانات دخلها بشكل واضح وكبير. ربما حكام كرة القدم يشتركون مع حكام الاوطان في بعض الامور منها التحيز لفئة علي حساب اخري ومنها الاستهتار بالشرائع الدولية والمعاهدات التي وقعوا عليها. ومنها تجاوز الخطوط الحمراء علي مرأي ومسمع الجمهور الكبير. من يقلد من في هذه المعركة يا تري؟ حاكم الكرة ام حاكم الوطن. أليس الواحد نسخة مستنسخة من الآخر. لا اعتقد ان حكام العرب يقلدون لاعب كرة القدم ولكن ربما العكس صحيح. الحاكم هو القدوة اذ انه يعمم نمطه علي الجميع ويستفز الجمهور كل يوم في المدرسة وعلي مقاعد الدراسة وفي الجامعة حيث تقفل الابواب الحديدية علي من بداخلها حتي لا يخرج هؤلاء ويمارسوا الضرب الصريح في شوارع المدينة. يستفزهم بدوائره الرسمية وبيروقراطيته المستشرية بتغطرس حكام صغار ليس لهم من سلطان سوي اختام يطبعونها علي الاوراق الرسمية يستفزونهم بقيود تكمم افواههم وسجون كبيرة يقبع فيها السجين والسجان. يستفزونهم بخطب جمعة وصلوات جماعية تندد وتستنكر وتدعو للسلطان بالرفاه والعزة والاباء. فيحتقن الجمهور ويتشنج المصلون ومن ثم يخرجون لينقضوا علي الحاكم فيضربونه في ملعب الكرة ويفرغون احتقانهم في اطباق مليئة بالرز واللحم او امام شاشات التلفاز حيث يتتبعون تذبذبات السوق يحتسون الشاي وينفخون الدخان، يراقبون المؤشر باصبع علي الريموت وآخر يداعب مسبحة علقت علي المعصم وتدلت بين الركبتين والسيقان.
يلعنون الحاكم في المنام ويضربونه بالعصي كل يوم عند ارتفاع المؤشرات وانخفاضها، يصحون من المنام ويتزينون بالعقال ومن ثم يخرجون للتسبيح بحمد الحاكم والسلطان. ينبهرون بميزانيات لم توضع بعد في الميزان ويتجاوزون قصص الرشاوي والسرقة والاختلاس ويتساءلون اين تذهب الاموال وتعالج البطالة في مستشفيات المدن الصناعية وبريق المراكز التجارية. يحجون الي الملاعب الرياضية ويحاصرون الحاكم المستهتر بالفيفا ويضربون العسكر والفريق المنافس.
تفعل الرياضة فعلها في الامم. هي تنفس الاحتقان بعد شحن النفوس بمعاناة الايام، تمتص التشنج وتجييش اكثر الجيوش بلادة، تصرف عليها الاموال الطائلة خاصة في بلاد تعرف خطر الشباب وهي سياسة مدروسة لامتصاص الغضب الذي يساق الي الحلبة بدل ان ينفجر في الشوارع فلا يكتفي بأعمال الشغب والاستهتار بأرواح البشر بل قد يطال الحاكم ذاته. بعد القنوات الراقصة تأتي الرياضة المدروسة كبديل للانفجار وكتمييع لنضارة الشباب الفكرية حيث يكون المطلوب تعطيل الفكر وتفعيل العضلات. ورغم ان العقل السليم هو في الجسم السليم الا ان المعادلة انقلبت واصبحت الرياضة هدفا لا وسيلة. وبدلا من التحزب للافكار تظهر التحزبات الرياضية فلكل فريق اتباعه وانصاره والكل يستميت للدفاع عن فريقه حتي لو اضطر الي ضرب الحاكم.
لا يمكن لاحد ان يتهمنا اننا تخلفنا في مجال اللحاق بأهل الفيفا وقبائلها المنتشرة في ارض المعمورة واليوم نحن السباقون وهم اللاحقون. ولربما تقلب معادلات العولمة لصالحنا في هذا المجال والذي ابدعنا في فنه وتفننا في ابداعه. ولم لا ونحن اصحاب الميزانيات الخيالية والارقام السحرية. قليل في هذا الملعب او ذاك ونحقق تأجيل الانفجار وترشيد غضب الجمهور وندعي الاخاء في ملعب الكرة حيث نصارع الاخرين بروح رياضية قد تنتهي بضرب الحكام. نعلق قمصان الفريق علي صدورنا ونلوح بعلم البلاد ونطبع بابرة الوشم رمزنا علي الجباه وبذلك نشجع علي تنمية روح الوطن والمواطنة. نخرج من هوياتنا الضيقة البدائية كما يخرج المارد من القمقم نهتف الشعار ونحن ضحية الشعار. اصبح الوطن كرة يتقاذفها اللاعبون من اليمين الي اليسار عل احدهم يصيب الهدف ويصل الي الشبكة المحصورة في زاوية الملعب. ورغم ان بالشبكة ثقوبا كبيرة الا ان من يصل يبقي ويستمر في اللعب ونسج الخيوط العنكبوتية.
سيضرب حكام الملعب وستتلفز حلقات الضرب لانها انعكاس لحالة الجهل بالقوانين والاستهتار بها وتجاوزها. نأمل ان لا تفوتنا مثل هذه البرامج لان فيها من التسلية والحكمة ما لا نجده في برامج اخري. ولكل غزوة كروية حادث وحديث.[/align]
http://www.madawi.info/index.php/arabic/more/88/
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |