يوم الغدير
الاعياد ظاهرة اجتماعية ودينية تتميز بها الامم على مر العصور فهي تحمل معاني كبيرة في وجدان الشعوب بغض النظر عن الانتماء الثقافي والموروث الديني , فنرى الشعوب والاديان تقدس اعيادها بشكل يفوق الحد والوصف.
اذا ماهو السبب في تقديس هذه الاعياد من قبل الشعوب والاديان؟ لابد ان يكون هناك سببا قويا يحملونه في قلوبهم وعقولهم واعتقد انه احترام المبداء والشخصيات التي جاءت باسمائها هذه الاعياد.
فجميع الاديان السماوية وغير السماوية لها اعياد ولها طقوس عبادية ومن ضمن هذه الاديان الدين الاسلامي, فنحن المسلمون لنا اعياد نجلها ونحترمها ونقدسها لا لذاتها وانما لمصدرها الالهي, فهي اعياد امر الله سبحانه وتعالى بتقديسها واحترامها والتقرب اليه سبحانه وتعالى من خلال الدعاء والسعي في الخيرات.
فاعياد المسلمين رغم قلتها الا انها تمتاز باهميتها المقدسة لدى المسلمين عامة امثال عيد الفطر وعيد الاضحى وعيد الغدير ويوم الجمعة والمروي عن أهل البيت عليهم السلام الاعياد اربعة( الفطر والاضحى والغدير والجمعة), ومن هذه الاعياد عيد الغدير الذي يصادف في كل عام في الثامن عشر من ذي الحجة وسمية بهذا الاسم اقترانا بغدير خم المكان الذي حدثت فيه المناسبة التي نحتفل بها في كل عام(تنصيب الولاية), وغدير خم هو بئر ماء يقع بالقرب من منطقة الجحفة التي تبعد بعض الكيلومترات من المدينة المنورة وحدثت هذه المناسبة بعد عودت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) من حجة الوداع ولهذه المناسبة التي حصلت في ذلك اليوم من الاهمية اذ انزل الله سبحانه وتعالى نصا يامر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم ) بتبليغها اذ قال الله سبحانه وتعالى( ياايها الرسول بلغ ماانزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته) .......(1) فان الله سبحانه وتعالى قد قرن الرسالة السماوية جميعها بالامر المهم الذي يجب على الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم )تبليغه للمسلمين في ذلك اليوم وما للامر من اهمية وعظمة قد يسبب ردة فعل من قبل بعض المسلمين لانهم حديثي عهد بالاسلام وعصبية الجاهلية لم تغادر عقولهم بعد فقال الله سبحانه وتعالى للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) ( والله يعصمك من الناس)......(2) .
وبعد خطبة عظيمة خطبها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم ) بالمسلمين الذي كان عددهم يتجاوز مئة وعشرون الف, فقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم )خطيبا بعد ان حمد الله واثنى عليه فقال( ايها الناس اسمعوا مني ابين لكم فاني لاادري لعلي لاالقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا( الخطبة)....ثم اخذ بيد علي (عليه السلام) ورفعها حتى بان بياض ابطيهما وعرفه الناس اجمعون فقال (صلى الله عليه وآله وسلم ) ايها الناس من اولى الناس بالمؤمنين من انفسهم قالوا الله ورسوله اعلم قال (صلى الله عليه وآله وسلم ) ان الله مولاي وانا مولى المؤمنين وانا اولى الناس بهم من انفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه يقولها ثلاث مرات ( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه واحب من احبه وابغض من ابغضه وانصر من نصره واخذل من خذله وادر الحق معه حيث دار الا فليبلغ الشاهد الغائب.
فقام المسلمون يهنئون الامام علي (عليه السلام) بامرة المؤمنين ومن ضمنهم الخليفة الاول والثاني الذي قال قولته المشهورة بالمناسبة ( بخ بخ لك ياعلي اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة) وكانوا المسلمون يهنؤن الامام علي (عليه السلام) بكل جوارحهم امتثالا لامر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) وحبا في امير المؤمنين(عليه السلام)(ياعلي لايحبك الا مؤمن ولايبغضك الا منافق)واعتبروه مكمل لمسيرة الانبياء والرسل(عليهم السلام), وقد اثبتت المصادر الاسلامية نزول هذه الاية في ولاية علي(عليه السلام)في غدير خم وقد بلغ رواة حديث الولاية من الصحابة عشرة ومائة صحابي, ومن التابعين اربعة وثمانين راو ولم يقف رواة حديث الغدير عند هذا الحد بل نقل بالتواتر في كل طبقاته فقد بلغ مجموع الرواة من القرن الثاني الى القرن الرابع عشر للهجرة 360 راو هذا غير الاف الكتب من جميع المذاهب الاسلامية التي ذكرت الحديث , وقد صحح هذا الحديث جمهرة من ثقاة علماء المذاهب الاسلامية مثل ابن حجر العسقلاني شارح صحيح البخاري يقول( واما حديث , من كنت مولاه فعلي مولاه , اخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق وقد استوعبها بن عقد في كتاب مفرد وكثير من اسانيدها صحاح حسان ) .......(3) وابن المغازي الشافعي بعدما يذكر حديث الغدير يسنده يقول( هذا حديث صحيح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )وقد روي حديث الغدير عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم ) نحو مائة نفس منهم العشرة , وهو حديث ثابت لا اعرف له علة تفرد علي (عليه السلام) بهذه الفضيلة لم يشركه احد .......(4) كما كتب ابو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ كتابا اخرج منه احاديث الغدير بخمسة وسبعين طريقا وافرد له كتابا سماه الولاية , واخرج الحافظ ابو سعيد مسعود السجستاني حديث الغدير في كتاب ( الدراية في حديث الولاية) في 17 جزءا جمع فيه طرق حديث الغدير ورواه عن 120 صحابيا , وقد ذكر العلامة الاميني في كتاب الغدير 26 عالما من فطاحل علماء اهل السنة افردوا كتبا في تخريج روايات حديث الغدير , فضلا عن الكتب التي ذكرت الرواية , هذا غير المصادر التي اثبتت نزول هذه الاية في علي (عليه السلام) مثل السيوطي في الدر المنثور ج2 ص298 والوادي في اسباب النزول والحافظ ابو بكر الفارسي في كتاب ما نزل في القران في امير المؤمنين والحافظ ابو نعيم الاصبهاني والحافظ بن عساكر الشافعي وغيرهم كثير.
ان عيد الغدير عيد كبير يحمله المؤمن في قلبه , لو يعرف المسلمون اهمية هذا العيد لجعلوه من اعظم اعياد المسلمين قاطبة لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )( يوم غدير خم افضل اعياد امتي وهو اليوم الذي امرني الله تعالى ذكره بنصب اخي علي ابن ابي طالب علما لامتي يهتدون به من بعدي وهو اليوم الذي اكمل الله فيه الدين واتم على امتي فيه النعمة ورضي لهم الاسلام دينا ) ولكن للاسف هناك الايدي الخبيثة والاقلام المؤجورة التي تحاول جاهدة بكل مااوتيت من قوة طمس فضائل هذا اليوم العظيم الذي لم ياتي رغبة من احد من البشر انما جاء امرا الهي لينفذه الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم ) ومن معه من المسلمين حتى يكمل الدين وتتم النعمة على الناس ولكي لايكون هناك حجة من بعد ذلك اذ قال الله سبحانه بعد هذه المناسبة مباشرة ( اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ).......(5).
ان الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم ) تحمل المشاق لكي يبلغ رسالة ربه كاملة من غير نقصان لانه خاتم الانبياء والرسل وحامل شريعة القران فلابد ان تكون هذه الرسالة شاملة وكاملة وتمثل الدستور الاسلامي وكل مايحتاج اليه البشر ولكن لن يكتمل هذا الدين وهذا الدستور وهذه الشريعة التي تحمل من خلالها الرسول (ص) اقسى المحن لكي يوصلها للناس جميعا الا بولاية علي ابن ابي طالب (ع) .
ان هذا اليوم المبارك وهذا العيد الاغر يتقرب فيه العبد لربه بالطاعات وعمل الخيرات وشكره على هذه النعمة التي من الله بها عليه ان اكمل الدين واتم النعمة في هذا اليوم وهو عيد الغدير فيجب على المسلم ان يعيش ثمرات وعطاءات هذا اليوم المبارك وهذا العيد عيد الاعياد وعيد الولاية بكل ابعاده ويستغرق في شكر النعم التي انعم الله بها عليه فلولا هذا اليوم المبارك لما عرف المرء طريقه في ظلمات التيه والجاهلية العمياء, وقد سجل لنا شاعر رسول الله (ص) لحظات ذلك اليوم السعيد ورسم صورة واضحة عما جرى في غدير خم يوم 18 من ذي الحجة وهذه هي ابيات شاعر رسول الله (ص) حسان ابن ثابت التي قالها في ذلك اليوم:
يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم واسمع بالرسول مناديا
يقول فمن مولاكم ووليكم فقالوا ولم يبدوا هنك التعاميا
الهك مولانا وانت ولينا ولم تر منا في الولاية عاصيا
فقال له قم يا علي فانني رضيتك من بعدي اماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له انصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم وال وليه وكن للذي عادى عليا معاديا
المصادر: 1- سورة المائدة اية 67
2- سورة المائدة اية 67
3- فتح الباري في شرح صحيح البخاري ج7ص61
4- منهاج السنة ج4 ص86
5- سورة المائدة اية 3
خضير العواد