يا سادة يا كرام ... قد أعدم صدام - 5
مصاب آل العوجــــــــــة
كتابات - أيــــّوب
وقبر في العوجة لنفس شريرة ... حشرها الله بالدفراتِ
ثم لحد لجثة بلا راس ... قطعوها الغوغاء بالكركاتِ
قبور آل المجيد تكاثرت ... تكاثرت عليهم اللعناتِ
وحريمهم في البلاد مشردة ... كأنهن بقايا التـنكاتِ
تركن زرق الشفاه بالسليكون ... صبغن الوجوه بقير الطرقات
لبسنَ سواد الخام لحزنهن ... وكن قبل اليوم راقصاتِ
ولولن الليل بطوله ... تركن أكل الموز والكيت كاتِ
حتى وصل الشاعر الى ...
أصَبحَـة ُ لو خلتِ الرئيس في حبله ... يترنح الهُوينا كبندول الساعاتِ
إذا ً لكفخت الخد صبحة ... وصحتي به ........... { بياض في الأصل }
...
في العوجة ... ظلمة ، سماء قريبة من الأرض ، غيوم تحمل مطر سوء .
في العوجة ... بُـني قبر غريب ، لنفس غريبة .
في العوجة ... بين بيوت الطين والحارات العتيقة ، وبعدما يحل ّ الظلام ، تسمع عواء النساء وولولتهن ، تسمع طبول الحزن ، وشق الجيوب ، تسمع ضرب الصدور وخدش الخدود ، وبين فينة وأخرى تسمع صوتا ً لامرأة تصرخ بهم ...
: { استمروا ... فيستمر الطبل ... طم طك طك ... طم طك طك } .
في العوجة ... رجال حيارى حزانى ، فيالله والزمن الذي جعلهم حيارى حزانى ، رجال يأتون ويروحون على قبر الرئيس ...
: أيْ وامصيبتاه ... هل تحت هذا القبر السيد الرئيس ؟ ... فيأتي النداء من بطنان القبر { بَـلا ... مَن تحت هذا القبر هو السيد الرئيس } و ... و ...
كـَومي العبي وسليـّـني ( يسجودة )
وصدر بوجه لا كـَيني
فرحان لـَـتأذيني
وخايب يا بختج خايب
ظلـّي اتحملي مصايب
...
مالي أرى الرفاق يذهبون فلا يرجعون ؟ أرضوا بالمقام فأقاموا ؟ أم ( قـُـتلوا ) هناك فناموا .
...
وقفتُ على أطلال العوجة ، رأيت جمهرة ً وسرادقات حزن ، أناسا ً يبكون ، وآخرون يهيلون التراب على الرؤوس ، يندبون حظهم الذي أنزل سيادته في قبر مظلم ... التفتُ يمنة يسرة ولم أجد بُدّا ً من الدخول اليهم ... فصحت بهم ...
يوم إلة يومين ما مَرْ عليّه
ومنين أجيبه امنين ... يصعب عليّه
يمكن عدموه هَلــه ... يمكن علسوه هَلـه
ولو رحت يَمـّه وأهلهَ شافوني
شنو العذر مو ذوله عدواني
ويمكن سمطوه هلــه ... يمكن رفسوه هلــه
ويحيّـه يم راسين خـُـشـّي بجدرهم { وإذا أكو مجال خـُـشـّي بغير مكان ! }
سمّي لي أهل البيت حتــّه بنتهم
يمكن نكــَروه هلـــه ... يمكن زرفوه هلـــه
يللي وكـَعت بالبير ناوشني اصبعك
لوما حجايا الناس لأنزل وارفسك
يمكن طكـَوه هلــه ... يمكن دفنوه هلـــه
...
حلّ في العوجة حزن رهيب ، لقد قتلوا السيد الرئيس ، ثم قطعوا رأس أخيه ، ثم أعدموا الدفتردار الذي كان يحكم الغوغاء والكرد بحكم الرئيس ... مصارع ٌ لا تقبلها عقولهم ، وجثث لم يتصورا يوما ً أن يستلموها على بيكبات دبل قمارة ، إنهم مصدومون الى حد الجنون ... فذرية الرئيس تبخرت ، وهو تبخر ، والآخر طار رأسه ، ويدفنونهم في عتمة الليل ... ويا ليل يا بو الحزن ... عجل صدكك هذا الحزن ؟ إيْ وربي حق هذا الحزن .
...
برقية تعزية
تلقيتم يا آل العوجة ببالغ الأسى والحزن نبأ إعدام الرئيس ، رغم أننا تلقينا نفس الخبر ببالغ الفرح والسرور ، والفرق بينا وبينهم يا سادة يا كرام { هو أننا أمـــّـة ... وهم إمّـعـة }
يا آل العوجة : لقد أنزلنا القصاص بمن تسموه السيد الرئيس وبمن نسميه بن راعية الكلاب ، وفي الحقيقة أن هذه التسمية لم تأتي من فراغ ، لأن امرأة تربي مثل هذا النسل الخطير وترضعهم ، وتقويهم ، ثم تتركهم ينهشون جسد هذا البلد الذي فقد خواصّه مؤخرا ً ، حريّ بها أن تكون راعية للكلاب ، لا راعية للبشر ، كما هو ديدن البشر .
يا آل العوجة ... مات رئيسكم ، مات تاج راسكم ، عضيدكم ، خويكم ، أخو هذلة ، اللي فات بيهه وما عرف تاليهه . هي حقيقة عليكم تقبلها ، رغم الأسى والحزن الذي انتابكم ...
ففراقه كان لكم فجيعة ، ورجوعه على ظهر بيكب كان رجعة مريعة ، وهتاف الغوغاء لحظة شنقه شر صنيعة ، ثم قتل أخيه وإرجاعه ( قطعتين لا غير ) كان بلوة فظيعة ، ودفنهم جوف الليل دون تشيع كان شنيعة ... { وسيدي ماذا يهيجك إن صبرت لوقعة الشنق الفظيعة ... أترى تجيء فجيعة بأمض من تلك الفجيعة } وهلهولة للبعث الصامد هلهولة ...
يا آل العوجة ... ندائي لكم بالحزن أبد الدهر على رجالاتكم ، ندائي أن حق عليكم أن تغصّوا بشربة الماء ، ولا تهنئوا بلذيذ العيش وبرد الهواء ، فهذا أبو عدي لا غيره قد عانق السماء ، وهذه عصابته قد استعدت للبلاء .
نحن نكره سيادته ، كرها ً لن تتصوروه ، لأننا نحن أبناء المحنة وأخوه الحزن وآباء اليتامى وأحبة الأرامل والثكالى ، نحن من صبّ علينا صاحبكم قدور غضبه بلا وجهة حق أو خطيئة ارتكبناها .
{ فما ذنبنا إن جاش دهرٌ بحورنا ... وبحركم ساج لا يواري الداعمصا }
وما ذنبنا إن كانت أقدارنا جعلتنا في أرض اسمها العراق ؟ ما جريمتنا أننا فتح عيوننا وكراديس الموت لرعيانكم تطاردنا ؟ أم أيّ حقيقة هي تلك التي تعطيكم الحق في سبينا وسلب آدميتنا ؟
هل أنتم شعب الله المختار ؟ ونحن شعب الله السشوار ؟
هل لكم عند الله كرامة ؟ وليس لنا عنده حق أو ظلامة ؟
يا آل العوجة : لقد ولولت نساءنا سنين عجاف أيام حكمه ، وقتل خيرة شبابنا { ممن شسع نعله أشرف من عشائركم } ، لا ، وبعد ، فلقد هتكت أعراض حرائر عندنا ، أشرف ألف مرة من راقصات القصر المرتميات الآن في أحضان الملوك والأمراء .
لقد حكمَ جورا ً وظلمَ دهرا ... فعاشَ سعيدا ً وعشنا قهرا ... كنـّا حسينا ً وكان شمرا ... حتى دارت الدنيا ، فمات شنقا ً وكتبنا سطرا .
بات أطفالنا في عهده يتامى ، على قارعات الطرق وأطراف الأنهار ، فالرئيس الذي تبكون رحيله جعل جيلا ً بأسره يعيش اليتم ويتحسر للحظة حياة صادقة ، لقد أفقد المقبور عندكم معنى الحياة عندنا ، فذوات العز والدلال وبنات البيوت العامرات ، صرن ذليلات ، يبعن الخضرة في سوق الخضار ، وأطفالنا مشردين ، يبيعون الحلوى عند وقوف السيارات .
ثم هام شعب بأسره على وجهه في بلدان الله البعيدة ، لقد وصلت أفواج النازحين من ظلمهِ ، الى التبت وجبال الهمالايا ، الى طوكيو ونيكاراغوا ، ووصل آخرون الى جزر الموت وآكلي لحوم البشر ، ومات الكثير منهم في طريق الوصول الى الحرية ، وصارت بطون الحيتان مراقد لأبنائنا ، وجثث ممزقة ، وأخرى طائفة على المحيط ، نعم ، فلقد لاحق جرم صاحبكم ضحايانا الى حدود العالم المفقود .
حتى جاء الغضب الساطع ، وحل في البلاد الموت الواقع ، وهرب رئيسكم القندرة ، واختفى في حفرة ، كأنه خرقة ، وخانه ربعه بدراهم معدودة ، ورأيتموه ورأيناه ، كأنه من نسل الحوافر المنقرضة والدواب المنتفضة ، أهذا رئيسكم القذر القميء ؟
ثم حاكمناه واستمعنا له ، رأيتموه ورأيناه ، في أيام وليالي طوال ، نجرع الغصّـة بعد الغصّـة ، ننتظر بفارغ الصبر آخر القصّـة ، وآخر القصة كانت قتله { كـَصّة بكـَصّة } . نعم قتلنا رئيسكم انتقاما ً ، والله أجاز لنا ذلك في محكم كتابه ، قتلناه من أجل مصائبنا ، وكوارثنا ، وما حلّ علينا ، قتلناه بجرمه ، والرب يقول { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ؟ } نعم كان لصاحبكم فيل كبير داس على كل آمالنا في أن نحيا كبشر في وطن اسمه العراق ، فيلٌ هدّم كعبة الحب بين أضلعنا...
فجرم بجرم ، وقتل بقتل ، وفيل بفيل ... و ... و ...
وكـَصري زبونج كـَصري زبونج ( يسجودة )
خلي الحجل يـبان ... كـَصري زبونج
ولطمي خدودج ... لطمي خدودج
خلي الحزن يـبان ... لطمي خدودج
ومن يسألونج ... من يسألونج
كـَولي مات الريّس ... بالكاظمية
...
وليالي الحُـكم راحت فلا تعود ... ليالي البعث راحت فلا تعود ... وليالي الفجل راحت فلا تعود ...
وأنـة الشامت مادامَ الله موجود
ويسجودة البَخت من بعده مسدود
دوريلج فحل يشبه المكـَرود
وليحفكم ... يحفني
روحي متعلكـَه بلحفكـم !
أحفكم ... أحفكم
و مراد النفوس أصغر من أن تتعـــــادى فيه و أن تتفــــانى