النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2005
    الدولة
    AUSTRALIA
    المشاركات
    552

    افتراضي وقفات فكرية مع بعض مضامين "عاشوراء" العلامة السيد فضل الله

    وقفات فكرية مع بعض مضامين "عاشوراء"

    العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله

    في عاشوراء تختلط المأساة بالجهاد، وتلتقي القضية بالذات، ويتجمد فيها الرمز أمام الشخص، فإذا بها في امتداد الذكرى أنهار من الدموع، بدلاً من أن تكون عواصف في الثورة، وإذا بالتصور التاريخي العاطفي يقدّمها إلينا كخصوصية في الذات لتكون القضية المنفتحة فيها من شؤون الذات، بعيداً عن أن تكون حركة الذات من نتاج القضية وملامحها الأصيلة.. ثم.. كانت المسألة أنها تعيش، في وعي الكثيرين من الناس، معنىً يتجمد في الشخص ليغلق عليه أبواب التاريخ، لا رمزاً ينطلق من الماضي ليدفع كل حركة الحاضر في اتجاه خطّه الطويل.. وهكذا لم تعد عاشوراء في الوعي الفكري والروحي في آفاق الذهنية الإسلامية شيئاً للحركة، بل تحولت إلى شيء للذكرى لإثارة الإحساس، وتجييش الانفعال، واستنزاف الدموع، وتأكيد الولاء في معنى المحبة.

    وقد استطاع هذا الجوّ أن يدفع بالذكرى إلى أن تبني بعض التقاليد في الواقع الشعبي التاريخي، بحيث أصبحت مجرد عادة شعبية فيما هو الانفعال بالمأساة وفيما هو الزهو بالبطولات، وفيما هو الاستغراق في عناصر الإثارة، حتى تتغذى العاطفة في كل مرحلةٍ بشيء جديد من الأخبار والتحليلات، مما جعل الحقيقة تضيع في غمار الأكاذيب، وأطلق للخيال الكثير من الآفاق في حركة المشاعر في معنى المأساة، وأدخل في المضمون الفكري بعض المفاهيم التي لا تلتقي بالمفهوم الإسلامي الأصيل، ولا تمتد إلى العنوان الكبير للقضية.

    ونحن لا نريد ـ في هذا الحديث ـ أن نفيض في ذلك كله، ولكننا نريد أن نطل على بعض العناصر الحية للقضية في معنى الذكرى، وحركتها في الفكر والشعور، من أجل الانفتاح على الجذور العميقة للمضمون الإسلامي في داخلها وفي امتدادها، انطلاقاً من حاجتنا إلى إغناء التجربة الإسلامية في الحاضر من خلال حيوية التجربة في الماضي، في الساحة التي تحمل إلينا الامتداد الشرعي في خط الحقيقة الإسلامية، وحركة الإمامة في حركة الإمام بعيداً عن معنى الخصوصية في الذات، هذا، بالإضافة إلى تصحيح بعض المفاهيم التي تمثلها الناس في الذكرى، فيما لا يتناسب مع المفهوم الإسلامي في المعنى الإنساني في ساحة الصراع.

    في حدود الشرعية الإسلامية في عاشوراء

    هناك سؤال يتردد: هل كان الإمام الحسين(ع) يعلم بما يصيبه في نهاية المطاف عندما بدأ مسيرته إلى كربلاء؟ وإذا كان يعلم ذلك فكيف جاز له أن ينطلق في مسيرته التي تؤدي به إلى القتل وذلك من خلال النهي القرآني عن إلقاء النفس في التهلكة؟

    والجواب عنه، أن السيرة الحسينية تحتوي عدّة إشارات تفيد أنه كان عالماً بمصيره من خلال الأحاديث المروية عن رسول الله(ص) وفيما أثاره في حواره مع الذين طلبوا منه العودة عن قراره بالسفر إلى العراق، وفيما تحدث به إلى القوم الذين رافقوه من مكة، حيث أعلن لهم النهاية المحتومة التي سينتهي إليها في سفره ذاك، وربما كانت طبيعة الأمور في موازين القوة تفرض ذلك، لا سيّما في منتصف الطريق عندما عرف بمقتل سفيره وابن عمه مسلم بن عقيل في الكوفة بعد خذلان الناس له.. وفي ضوء ذلك، كيف نفسر المسألة من الناحية الفقهية؟

    ربما يثير البعض المسألة في دائرة خصوصيات الإمام الحسين(ع) في تكاليفه الشرعية التي قد تفرضها إمامته مما يجوز له ولا يجوز لغيره، لأن دوره يختلف عن دور الآخرين، ولذلك فإنه يطرح المسألة على أساس أنه أعرف بتكليفه فيما حدد الله له من تكاليف، فليس لنا أن نخوض في الموضوع في دائرة التصور الشرعي في تكاليفنا.

    ولكننا نتساءل ما هي المشكلة في القضية؟ ولماذا لا يجوز للرسالي الثائر أن يتحرك بالثورة ضد الفئات التي تتحدى الإسلام في حركته وفي قوّته وفي امتداده، في المواقع التي يواجه فيها الخطر المحقّق أو المحتمل، وهل يدخل ذلك تحت عنوان إلقاء النفس بالتهلكة؟

    إن الجواب عن ذلك هو أن هناك فرقاً بين الحالات الفردية التي تؤدي إلى الموت وبين الحالات الجهادية التي تتحرك في مواقع الخطر، فقد رخص الله للمجاهدين أن يتحركوا في الساحات التي تؤدي بهم إلى القتل فرادى أو جماعات لأن الإسلام يفرض عليهم ذلك، مما يجعل دائرة الجهاد خارجة عن دائرة حركة إلقاء النفس بالتهلكة.

    وفي ضوء ذلك، فإن الإمام الحسين(ع) حدّد لنفسه ولأصحابه من أهل بيته وغيرهم المهمة الجهادية الموكولة إليه، ورأى فيها إلزاماً شرعياً فيما هي الأهمية الكبرى للمصلحة الإسلامية العليا، تماماً، كما هي حالة المجاهدين في زمن النبي(ص) فيما كانوا يواجهونه من احتمالات الخطر الكبير، ويأملون، من خلال الشهادة التي يحصلون عليها، الفوز بالجنة فيما وعد الله به عباده المجاهدين الذين اشترى منهم أموالهم وأنفسهم {بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون} [التوبة:111]، كما جاء في الآية الكريمة.

    ثم لو كانت المسألة كما يقولون، فلماذا لا يكون فعل الإمام دليلاً شرعياً على استثناء مثل هذه الحالات من إطلاق النهي عن إلقاء النفس بالتهلكة، وإذا كان الفعل كما يقولون لا إطلاق فيه فيقتصر فيه على مورده، وهو الإمام الحسين(ع).. فإن هناك نقطة لا بد من التوقف عندها وهي أن أهل بيته وأصحابه انطلقوا بالموقف من خلال العناوين العامة للجهاد، بإذنه وبرعايته، مما يوحي بأن المسألة لا تتصل بالمورد الخاص، بل تمتد إلى الخط العام، مما يؤدي بنا إلى الاستنتاج الفقهي بأن من الممكن لأية حالة مماثلة فيما هي الظروف والمواقع أن تأخذ الشرعية لحركتها من عاشوراء، على أساس أنها خارجة عن دائرة النهي الشرعي في إلقاء النفس بالتهلكة.

    ونبقى في الإطار الفقهي من قضية عاشوراء لنطرح سؤالاً آخر يلتقي مع السؤال الأول في بعض جوانبه ولكنه يختلف عنه في العنوان والامتداد.. هل نستطيع أن نفهم شرعية العمل المسلّح في حركة التغيير للواقع الإسلامي المنحرف من خلال هذه الحركة الحسينية؟

    وهل يمكن أن تنطلق عناوين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح في أمة الإسلام، لتدفع بالقيادة الإسلامية وبالمسلمين معها، إلى التحرك في خط المواجهة، لا سيّما إذا كان الواقع الإسلامي واقع القيادة المنحرفة التي تعمل على إضعاف الخط الإسلامي الفكري أو العملي؟

    وهل كانت حركة الثورة في عاشوراء حركة فاعلة في مستوى المبادرة الحسينية أو كانت حركة منفعلة بالضغط الأمويّ الذي عمل على محاصرة الإمام الحسين(ع) ومن معه مما أدّى إلى أن يقفوا في مواجهة القوّة المحاصِرة دفاعاً عن النفس؟

    اختلال موازين القوى وشرعية التحرك:

    هذه علامات استفهام قد يطرحها البعض ليؤكد أن الحسين تحرّك من خلال ما كان يتصوره من الظروف الطبيعية للواقع، بحيث كان الرفض للبيعة حركة تتجه لصنع القوة من خلال الاتصالات التي كان يجريها مع الشخصيات الفاعلة في الكوفة والبصرة وغيرهما، ومن خلال الاستجابة للرغبة الكبيرة التي عبّر عنها الكثيرون من الشخصيات القيادية في الكوفة، الأمر الذي أقنعه بالقدرة على أن يواجه المسألة من موقع قويّ يعيد الشرعية إلى موقعها القويّ ليواجه السلطة غير الشرعية على أساس العناوين الجديدة التي تتمخض عنها الحركة ليطلب من كل القوى، بما فيها الحاكم الجائر، الابتعاد عن موقع السلطة، فإذا رفض ذلك، كانت محاربته محاربة للرافضين للطاعة في الدخول في البيعة العامة المرتكزة على شرعية الإسلام.

    إن الإمام الحسين(ع)، كان مقتنعاً بقدرته على أن يجعل من الكوفة مركز السلطة الشرعية، تماماً كما كان عليه أمر أبيه الإمام علي(ع)، من دون أن يقوده ذلك إلى قتالٍ من خلال نجاح سفيره مسلم بن عقيل في سيطرته على الكوفة ـ وهذه هي وجهة نظر هؤلاء؛ وقد يؤكدون نظرتهم بأن الحسين(ع) لو كان يعرف أن الأمر يؤدي إلى قتال لما بدأ تحركه بهذا الشكل الثائر القويّ، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يفرضان على المسلم، قائداً كان أو جندياً، مثل هذا الأسلوب في الحركة، بل قد يُشكّل الأمر إذا أدّى ذلك إلى العنف الجارح أو القاتل.

    ولكننا في دراستنا للسيرة الحسينية، من خلال الكلمات الصادرة من الإمام الحسين(ع) في أحاديثه مع الشخصيات التي حاولت أن تصرفه عن مسيره تحت تأثير التحذير من الخطر الذي يواجهه من خذلان أهل الكوفة، ومن ضغط بني أمية، نجد أن الإمام الحسين(ع) كان واعياً للنتائج القاسية التي قد تنتهي إليها حركته، ولو على مستوى الاحتمال الكبير، بل قد يستشعر الباحث من بعض الكلمات أن المسألة كانت مورد قناعة يقينية لديه، لا سيّما إذا عرفنا أن طبيعة مثل هذا الموقف الذي يواجه فيه رأس السلطة ليبعده عن موقعه، كان يفرض تلك النتائج كما كان الأمر مع أبيه الذي كان يدافع عن موقعه الشرعي ضد الذين تمردوا عليه، وأخيه الإمام الحسن(ع) الذي كان ينطلق من نفس الموقع، بحيث كان من الصعب، بدرجة عالية جداً، أن تنتهي المسألة إلا بقتال عنيف، مع ملاحظة مهمة، وهي أن الإمام الحسين(ع) كان يرفض الصلح على أيّ مستوى، لأن المرحلة التي كان يتحرك فيها، لا تستجيب لأيّة مصلحة إسلامية في الصلح، خلافاً للمرحلة السابقة التي عاشها مع أخيه الإمام الحسن(ع) في حربه مع معاوية، وهذا مما يجعل من مسألة النتائج الخطرة أمراً طبيعياً جداً.

    ثم نلاحظ، أن الإمام الحسين عرف بمقتل مسلم بن عقيل وخذلان أهل الكوفة له وسيطرة بني أمية، من خلال ابن زياد، على الكوفة، في الوقت الذي لم يكن الأمر قد ضاق به إلى مستوى الحصار الذي يمنعه من العودة إلى المدينة أو الذهاب إلى مكان آخر، فلو أن المسألة مسألة حركة تبرر نفسها بما تملكه من القوة، بعيداً عن أية مبادرة للمواجهة الحادّة العنيفة التي تنتهي بالحرب، لكان من المفروض أن يعود الإمام الحسين(ع) من حيث أتى عند معرفته بأن ميزان القوة قد بدأ يميل إلى جانب خصومه.

    وهكذا نرى أن الموقف كان حاسماً في الإصرار على الثورة في خط الشهادة، ولذلك وقف في كربلاء ليرفض كل العروض التي قدمها إليه ابن زياد عبر جماعته، في تقديم السلامة له ولأهل بيته ولأصحابه، بشرط أن يتنازل ليزيد، ويدخل في عملية صلح جديد معه، على طريقة الصلح الذي جرى بين الإمام الحسن(ع) وبين معاوية، أو على طريقة أخرى.

    إن الإمام الحسين(ع) وضع عناوين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح في أمّة جده رسول الله(ص) في واجهة حركته ليذكر المسلمين الذين يريد لهم أن يكونوا معه بالعناوين الشرعية التي تفرض عليهم التحرك معه، وليحدثهم بأن مسألته ليست مسألة ثائر يتطلع إلى السلطة من موقع الزهو والسيطرة الطاغية، فليست القضية قضية تحديات المسألة الذاتية في مواجهة مسألة ذاتية أخرى، بل هي للإيحاء إليهم بأن هذه العناوين تفرض على كل الناس الاستجابة لأية قيادة تعمل من أجل تحويلها إلى واقع حيّ، كما تفرض على القيادة أن تتحرك من أجلها.

    العنـوان خاص أم عـام؟

    وقد يقول قائل، إن المسألة مسألة الإمامة التي قد تجعل لهذه الحركة خصوصيتها في مسؤوليات الإمام المعصوم، ولم تكن المسألة مسألة عناوين عامة لأيّة قيادة أخرى.

    والجواب: إن الإمام لا ينطلق في حركته من خصوصيات المسؤولية الخفية التي لا يعرفها المسلمون معه، لأن القضية هي قضية الإسلام فيما يجب عليه أن يحرك الأمة لتحقق له قوّته وعزته وكرامته، من خلال عناوينه الكبيرة، وأهدافه الواسعة، ولذلك فإنه ينطلق من قضايا الإسلام وعناوينه التي يشعر المسلمون معه أنهم معنيّون بها من خلال مسؤوليتهم عنها، لا من خلال الطاعة العمياء للإمام الذي تجب عليهم طاعته.

    ولذلك، كانت طريقة القرآن في حديثه عن المعارك التي يريد للمسلمين أن يخوضوها أو التي خاضها المسلمون قبل نزول الآيات، هي أن يقدّم لهم العناوين التي يريد الله لهم أن يتحركوا من أجل تحقيقها في الواقع، لينطلقوا من موقع وعي للهدف لا من موقع استسلام أعمى للأمر، وهذا ما لاحظناه في الآيات التي تحدثت عن بدر وأحد وحنين والأحزاب وغيرها.

    وهكذا رأينا العناوين الكبيرة التي وضعت في واجهة هذه المعارك التي انطلق بها المسلمون في كل معاركهم ضد الكفار، وهي التي انطلقت بها قيادة الإمام علي(ع) في الحرب الداخلية لتأكيد قوة الموقع الشرعي، من دون أن تكون هناك أية خصوصية للعصمة في القائد أو للموقع المميز له، بل كان الخطاب في ذلك للأمة كلها في نطاق القيادة الشرعية ـ أية قيادة ـ على أساس حاجة المعركة في كل ساحات الصراع للقيادة.

    ولذلك فإننا نستطيع أن نستوحي من حركة الإمام الحسين(ع) في كربلاء، أنه كان يطرح شرعية المعركة من خلال عناوينها الإسلامية العامة لا من خلال خصوصية إمامته، وهذا ما نقرأه في خطابه الذي بدأ به مسيرته: "أيها الناس إن رسول الله قال: من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً بعهده مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء القوم قد تركوا طاعة الرحمن ولزموا طاعة الشيطان وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء وأنا أحق من غيّر".

    وخطابه الآخر: "إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين".

    وفي ضوء ذلك يمكن لنا أن ندخل في مثل هذه التجربة على أساس شرعية الموقف إذا كانت المرحلة شبيهة بالمرحلة التي عاشها الإمام الحسين(ع) من حيث الظروف والأوضاع والمواقع، وبذلك تخضع المسألة في حركة العناوين الكبيرة في واقع الأمة لدراسة المرحلة الزمنية والسياسية في مدى الإيجابيات التي توفرها للمصلحة الإسلامية العليا على صعيد تغيير الواقع، أو إيجاد الصدمة النفسية أو السياسية التي قد تهزّ الأمة من أجل إعدادها لمرحلة جديدة، أو الإعداد للخطة الطويلة التي تحتاجها الثورة في مواجهة التحديات الكبيرة للاستكبار؛ فقد تحتاج القضية إلى الأسلوب الكربلائي، وقد تحتاج إلى الأسلوب الهادىء الذي ينفتح على السلام على أساس المرونة العملية التي تمثل أسلوب الانحناء أمام العاصفة ريثما تمرّ، ليبدأ التحرك في أجواء طبيعية ملائمة، وقد تمس الحاجة إلى أسلوب متنوع فيما بين الرفق والعنف، فيتحدد الحكم الشرعي في نوعية الحركة تبعاً لنوعية الظروف الموضوعية الموافقة أو المخالفة.

    حركة الأئمة(ع): اختلاف الظروف الموضوعية:

    وهذا هو ما يجب أن نرصده في أساليب الأئمة من أهل البيت عليهم السلام.. فلم تكن المسألة مسألة اختلاف في النظرة إلى طبيعة العمل، بين موقف يؤمن بالعنف، وموقف يؤمن باللين، لتكون ذهنية الموقف الأول ذهنية عسكرية في نظرتها إلى طبيعة الصراع، بينما تكون ذهنية الموقف الثاني ذهنية سلمية في دراستها للواقع، بل كانت المسألة مسألة الاختلاف في الظروف الموضوعية التي تجعل من كل أسلوب ضرورة في مرحلته في علاقته بالهدف الكبير.

    وهذا هو الأسلوب الإسلامي العام في خطوطه العريضة فليس هناك خط للعنف في كل المواقع والمواقف بشكل دائم، وليس هناك خط للرفق في كل الساحات بطريقة مستمرة، بل هناك النتائج الكبيرة في حاجتها إلى هذا الأسلوب أو ذاك، فهي التي تحدد للإنسان المسلم شرعية موقفه في القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية في ذلك كله.

    المفاهيم القلقة الدخيلة

    يجدر التوقف في هذا السياق عند المفاهيم القلقة الدخيلة على طريقة إثارة المأساة مما قد يتنافى مع المفهوم الإسلامي الأصيل، أو يبتعد عن خط التوازن في دائرة التصور، أو يحصر الذكرى في دائرة معينة تنطلق بها في العصبيات العائلية بعيداً عن المشاعر والأفكار الرسالية، وغير ذلك، مما قد ينعكس سلباً على الذهنية الشعبية العامة التي قد تختزن هذه المفاهيم التي تنفذ إلى منطقة الشعور من خلال الدموع والآلام الأمر الذي قد يعمق المضمون الفكري والشعوري في كل مواقع الإثارة في الذات.

    وعند تقديم بعض النماذج من هذه المفاهيم التي يقدّمها الخطباء للجمهور، نلتقي ـ في البداية ـ بالسيد حيدر الحلي، الشاعر الكبير، في قصيدته الحسينية التي يستنهض فيها صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه فيقول: "واستأصلي حتى الرضيع لآل حرب والرضيعة".

    فنحن نجد أمامنا دعوة صارخة مثيرة لاستئصال بني أمية حتى الرضّع منهم من الذكور والإناث، لنصطدم بهذا المفهوم الذي لا يتناسب مع القيمة الإسلامية الإنسانية في خط العدالة التي جاء بها القرآن الكريم في قوله تعالى: {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} [الإسراء:15].

    كما لا يتناسب مع السيرة الحسينية فيما تنقله أحاديثها من اللفتة الإنسانية لبعض الجنود في جيش بني أمية عندما قدم الحسين(ع) ولده عبد الله الرضيع إلى القوم ليسقوه جريعة من الماء، فقد قال بعضهم وهو يتفاعل مع مأساة هذا الطفل العطشان ليؤكد الاستجابة لطلب الإمام الحسين(ع) في ذلك: إن كان ذنب للكبار فما ذنب هذا الطفل الرضيع؟!

    فكيف يمكن أن يستمع الجمهور المسلم لمثل هذا النداء العدواني الصارخ نحو الأطفال الذين لا ذنب لهم، ولا سيما إذا كانوا من الرضّع مما يزيد الإحساس الإنساني شعوراً بالألم، في الوقت الذي تتحرك فيه كل ذكرى عاشوراء من أجل إثارة المشاعر الإنسانية المضادّة لكل الواقع الذي صنع مأساة الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه، حتى يتبلور الرفض الإسلامي لأمثال هذا الواقع فيقف في مواجهة كل الذين يريدون أن يصنعوا مأساة الإنسان في الحاضر والمستقبل كما صنع أمثالهم المأساة في الماضي.

    ونلتقي بنموذج آخر في قول الشاعر حاكياً عن لسان أهل البيت عليهم السلام:

    سادة نحن والأنام عبيـد ولنا طارف العلى والتليد

    وأبونا محمد سيد النـاس وأجدر بولده أن يسودوا

    إن هذا المفهوم ـ بظاهر الكلام ـ يتنافى والذهنية الإسلامية التي ترفض عبودية إنسان لإنسان، في عمق الخط الإسلامي، كما ترفض نظرة أيّ شخص لنفسه بهذا المقياس، وقد درج الأنبياء والأولياء على الابتعاد عن هذا الأسلوب في حديثهم عن الناس، كما درج القرآن على الحديث عنهم بغير هذه الطريقة؛ فلم نلاحظ في كل التراث الديني بشكل عام، والإسلامي بشكل خاص، مثل هذا التعالي على الناس بحيث تكون النظرة إلى الناس أنهم العبيد، وهم السادة.. في الوقت الذي نعرف فيه، من خلال الحقيقة الدينية، أنهم الفئة المميزة في الدرجات العليا عند الله، بحيث يرتفعون عن الناس في قربهم إلى الله، كما نعرف أن طاعتهم واجبة على الخلق من موقع رسالة الله التي يحملونها ليبلغوها للناس، ومن موقع الشريعة التي أوكل الله إليهم أن يجسّدوها في الحياة.. ولكن الطاعة شيء والعبودية شيء آخر، لأنها ـ أي الطاعة ـ تلتقي بالمسؤولية لا بالتقويم الإنساني.

    وإذا كان الأسلوب الأدبي يبرر للإنسان أن يتواضع لإنسان آخر رفيع القدر ليقول له: إني عبدك، فيعترف له بذلك تنـزيلاً لنفسه بمنـزلة المملوك تواضعاً، فإن التربية الإسلامية لا تتناسب مع كلام الشخص الكبير عن نفسه بهذه الطريقة، ولذلك فإن تصوير أهل البيت(ع) للناس بأنهم يتحدثون عن أنفسهم وعن الناس بهذا الأسلوب لا ينسجم مع النظرة الروحية العالية لروحياتهم الرفيعة في التواضع لله في علاقتهم بالناس.

    ونلتقي بنماذج أخرى من الشعر الحسيني يتركز فيها الحديث على إعطاء صورة للصراع وكأنه يدور في نطاق الدائرة العائلية، تماماً كما لو كانت المسألة مسألة نزاع عائلي بين بني هاشم وبني أمية على الطريقة التي أثارها أبو العلاء المعري في قوله:

    عبد شمس قد أضرمت لبني هاشم حرباً يشيب فيها الوليد

    فابن حرب للمصطفى، وابن هند لعليّ، وللحسين يزيد

    وهذا هو ما نلتقيه في بعض قصائد السيد حيدر الحلي كما في قوله:

    قوّضي يا خيام عليـا نزار فلقد قوّض العمـاد الرفيـع

    واملأي العين يا أمية نوماً فحسين على الصعيد صريع

    وقولــه:

    بشرى بني فهـرٍ فأبناؤكـم ماتوا وهم أعلى الورى أعينا

    باعوا نفوساً لهم قـد غلت وأرخصوا من سعرها المثمنا

    وهكذا نجد الكثير من هذه النماذج في الشعر الحسيني الذي لا يزال يُتلى في مجالس العزاء مما أدّى إلى تكوين ذهنية شعبيّة تستغرق في مشاعر العصبية للعائلة الهاشمية ضد العائلة الأموية، بعيداً عما هي المسألة الإسلامية، حتى أن البعض يتصور الدين كخصوصية من خصوصيات العائلة، لا كحالةٍ رسالية تنفتح على الوعي الإسلامي لدى الإنسان المسلم، وتلتقي برموز الإسلام وقياداته في ساحاتها، ليكون الارتباط من خلال الإسلام لا من خلال الخصوصية العائلية.

    ولعلّ مثل هذا التأثير العاطفي الذي يتحوّل إلى تعصبٍ للعائلة قد ترك أثاره على حركة الوعي الشعبي السياسي في بعض المراحل السياسية القلقة من حياة الأمة، فقد لاحظنا أن الملوك الهاشميين من أبناء الشريف حسين قد حصلوا على كثير من الدعم العاطفي لدى بعض علماء الدين والفئات الشعبية الطيبة، انطلاقاً من انتسابهم للعائلة الهاشمية، من دون أيّ تدقيق في التزامهم الإسلامي، وفي لونهم المذهبي في الساحات التي ترى للمذهبية معنى كبيراً في التقويم الفكري والعاطفي، فقد حصل الملك فيصل الأول على الحماس الشيعي الذي تصدره علماء الدين في جبل عامل في لبنان عندما أعلن ملكاً على سورية، كما حصل على تأييد مماثل أو أكثر منه، لدى بعض علماء الدين الشيعة والجماهير الشيعية في العراق، واستطاع الجانب العاطفي المنفتح على الهاشميين أن يمهد لهم الكثير من مواقعهم في الحكم، وأن يُبعد الجماهير عن التدقيق في خلفياتهم السياسية المرتبطة بالاستعمار البريطاني الذي أرادهم حراساً لمصالحه، وواجهةً لحكمه، وجسراً لمخططاته.

    وهكذا رأينا مثل هذا الشعور المرتبط بالعائلة لا بالرسالة بشكل لا شعوري قد ساهم في إرباك الواقع السياسي حتى على مستوى حقوق المسلمين الشيعة في العراق، لأنهم ـ أي العائلة الهاشمية ـ جاؤوا لينفذوا المخططات البريطانية في تعميق الهوّة بين أفراد الشعب العراقي عندما عملت على إيجاد مشكلة الأكثرية المضطهدة من قِبَل الأقلية ليبقى التعقيد المدمّر في ساحات العراق كعنصر من عناصر إرباك الواقع كله هناك.

    ونحن عندما نثير هذه المسألة لا نريد أن نجعل القضية الرسالية شيئاً يتحرك في المطلق بعيداً عن الرمز، لأن للشخصيات القيادية خصوصية في عمق حركة الرسالة، فلا بد من الارتباط العضوي بالقيادة فيما يمثله الارتباط بالرسالة، لتكون العلاقة رسالية لا شخصية، وبذلك لا يبقى هناك دور للعائلة بعنوانها الكبير.. ومن هنا فإن علاقتنا بأهل البيت(ع) لا تنطلق من هاشميتهم، بل تنطلق من رسالتهم، كما أن الهاشمية لا تكتسب قداسة من خلال انتماء رموز القداسة الرسالية إليها.

    الخيال الشعري يبقى في إطار القضية:

    إن التراث الأدبي من الشعر والنثر قد يحتاج إلى بعض الخيال، وبعض اللفتات الفنية في حركة العاطفة في المأساة وفي تأثير المأساة في الوعي الداخلي للإنسان المسلم، ولكن الخيال لا بد أن ينطلق في أجواء المضمون الذاتي للقضية، فلا يخلق لها أبعاداً بعيدة عنها، ولا ينتج لها فكراً يختلف عن فكرها، كما أن الجانب الفني في لفتاته الإيحائية والإيمانية والتعبيرية لا بد أن يعطي الفكرة بعضاً من معنى الجمال الحقيقي الذي تختزنه مفرداتها، فلا يفرض عليها جمالاً من خارج معناها، أو يمنحها خصوصية بعيدة عن خصوصياتها.

    ولذلك فإننا ندعو إلى نتاج أدبي حسيني يتغذى من المفردات الإسلامية للحركة الحسينية فيما هو البعد الروحي والفكري والحركي للإمام الحسين(ع)، لتكون الذكرى في خدمة القضية من خلال الإيحاء المستمر بامتدادها في خط الزمن، لتكون الصورة البارزة، هي أن عاشوراء هي المنطلق، وليست النهاية، وبذلك فإنها تريد أن تنتج جمهوراً جديداً لمفاهيمها في كل زمان ومكان من خلال تأكيد العناصر الحيّة فيها في وعي المستقبل الذي يطل على الإنسان في عملية تجدّدٍ ونموٍّ واستمرار.

    وقد نلتقي في نماذج الشعر الحسيني المأساوي وفي بعض مفردات السيرة الكربلائية بالصورة التي يتمثل فيها الإمام الحسين(ع) شخصاً ضعيفاً خائفاً يتطلب المأوى ولا مأوى، تماماً كما هو الإنسان الهائم على وجهه الهارب من أعدائه، كما نجد ملامح هذه الصورة في قصيدة السيد جعفر الحلي التي جاء فيها.

    خرج الحسين من المدينة خائفاً كخروج موسى خائفاً يتكتم

    وقد انجلى عن مكة وهو ابنها وبه تشرفت الحطيم وزمزم

    لم يدرِ أي يريح بـدن ركابـه فكأنما المأوى عليه محـرّم

    وهكذا نلاحظ في هذه الصورة الشعرية أن الحسين(ع) كان هارباً من بني أمية، خائفاً من أن يقتلوه، تماماً كما هو النبي موسى(ع) الذي "خرج خائفاً يترقب" لأنه كان يخاف من أن يغتاله فرعون وقومه، كما نلاحظ أنه كان هائماً على وجهه لا يعرف إلى أين يسير لأنه لا يجد أي موقع للأمن في مقصده مع العلم أنه خرج من مكة قاصداً الكوفة من أجل الثورة.

    ومن خلال ذلك، فإننا لا نجد في صورته صورة الثائر الذي يتحرك ليواجه السلطة الجائزة المنحرفة من أجل تغيير الواقع الفاسد في الحكم وفي السلوك والحركة، على النحو الذي جاء في خطبته التي استقبل بها حركته، فيما جعله عنوان الشرعية للحركة من خلال كلام رسول الله(ص).. وإذا كان الشاعر يريد استثارة العاطفة في شعره فإنه يسيء إلى الموقف الإسلامي القوي في شخصية الإمام الحسين(ع) في طريقة إثارة المأساة.

    وهناك عدة صور شعرية ونثرية تقدم لنا صورة الإمام الحسين(ع) وهو يستغيث فلا يُغاث، ويستجير فلا يُجار، ويستسقي القوم جرعة من الماء فلا يستجيب له أحد منهم، حتى تنتهي القصة إلى اللحظات التي كان الإمام الحسين(ع) في حالة الاحتضار فشاهده شخص من جيش بني سعد اسمه حميد بن مسلم فيلفت نظره أنه يحرك شفتيه، فيقول الرجل في نفسه، لو كان الحسين(ع) يدعو علينا هلكنا وربّ الكعبة فيدنو منه فيسمعه يقول يا قوم اسقوني جرعة من الماء فقد تفتت كبدي من الظمأ، ويضيف بعض الرواة إلى ذلك قوله "وحق جدي إني لعطشان".

    إنها صورة من الصور التي توحي بالضعف ولا توحي بالقوة، مما لا يتناسب مع الصورة التي يتمثل فيها الإمام الحسين(ع) إنساناً كبيراً متمرّداً على كل نوازع الضعف، وعناصر الألم في مواجهة القوى الضالة الطاغية التي حشدت ضدّه كل تلك الجموع لتسقط موقفه، ولتهز ثباته، ولتدفعه بعيداً عن موقعه الصلب المميز، ولتفرض عليه الخضوع لحكم يزيد، فرفض التراجع والتنازل والخضوع، وتحمّل كل النتائج القاسية من أجل أن يجسّد القيم الإنسانية الكبرى التي أرادها الله للإنسان في الحياة، لأن المسألة ليست مسألته الشخصية، بل هي مسألة الرسالة في تحدياتها الكبيرة وفي حاجتها إلى التماسك والتوازن في المواقع الصعبة التي تزدحم في أعماقها الزلازل، وهذا ما عبّر عنه بقوله ـ فيما روي عنه:

    "ألا وإنّ الدعيّ بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة، وهيهات منا الذلّة، أبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وجدود طهرت من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام"، وفي قول آخر"لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ لكم إقرار العبيد".

    إنّ مثل هذه الكلمات لا تلتقي مع الأسلوب الاستعطافي الذي تتحدث عنه الرواية المذكورة لأنها تمثل التصميم القوي على أن يتحمل أقسى النتائج في سبيل موقفه على خط العزّة ووحي الرسالة.

    إننا لا ننكر أن الإنسان، حتى لو كان نبياً أو إماماً، قد يخضع للضعف البشري في مضمون بشريته، ولكن الحسين عليه السلام قد اتخذ قراره في المواجهة الصعبة بعد دراسة طويلة عميقة لكل النتائج المترتبة عليه، وعرف طبيعة الوحشية الهمجية المتمثلة في عناصر الشخصية الطاغية لهؤلاء، ورأى في ساحة المعركة، كيف تتجسد القسوة في مواقفهم حتى بالنسبة للطفل الرضيع، فكيف يمكن له أن يستغيث بهم ويطلب منهم جرعة من الماء في الوقت الذي كان جسده مثخناً بالجراح بأبشع الصور؟! وكيف يمكن أن تصدر منه تلك الكلمات التي تدعو إلى الشماتة به، والنظرة إليه في موقع الانهيار، وهو القائل لأخته زينب عليها السلام ـ بعد أن عبّرت أمامه عن جزعها من المصير الذي أخبرها أنه سيصير إليه ـ لا تشمتي بنا الأعداء؟!

    إن الصورة الحقيقية للإمام الحسين(ع) هي تلك الصورة التي عبّر عنها أحد أعدائه من جيش يزيد:"فوالله ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته أربط جأشاً ولا أشدّ بأساً من الحسين، فلقد كانت الرجّالة تشد عليه فيشد عليها فتنكشف من بين يديه انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب".

    وهكذا نجد صورة السيدة زينب(ع) في الشعر الحسيني لا سيما الشعر الشعبي، فلا نجد فيها صورة البطلة القوية المتحدية التي وقفت في قوة وصلابة وثبات في مجلس ابن زياد لتتحدى سلطانه، وفي مجتمع أهل الكوفة لتواجه انحرافهم وخذلانهم وفي مجلس يزيد لتهاجم مواقعه، بل نجد صورة الإنسانة البدوية التي تتحدث بالأسلوب الضعيف الواهن الثاكل الذي يبحث عن العشيرة فلا يجدها، وعن النصير فلا يلتقي به، ويواجه القضية بلسان الدعوة إلى الثأر على الطريقة العشائرية.. إنها صورة الإنسانة الضعيفة المنكوبة المسبيّة التي تعيش همّ آلامها وهمّ الأطفال والنسوة من حولها من دون أن تكون للقضية الكبرى أية انطلاقة في اهتماماتها..

    وقد يخيل لبعض الناس، أن الحديث عن المأساة في خط القضية يمثل لوناً من ألوان التعبئة النفسية ضد الذين صنعوا المأساة أو الذين يصنعون ما يماثلها، مما يحقق للقضية الكثير من عوامل القوة في وعي الجماهير عندما تنفتح مشاعرهم على الثورة من خلالها.

    ولكننا نلاحظ على ذلك، أن ذلك يفرض نوعاً من التوازن بين حركة العاطفة وصورة النموذج الأعلى للقضية فيما تتكامل فيه عناصر الثورة في خدمة القضية؛ ولذلك فإننا لا نرفض إثارة العاطفة فيما هي العناصر الحقيقة للمأساة، بل نرفض بعض المضمون الذي يبتعد بالمأساة عن جوّ القضية في مواقع القوة والعنفوان كما نرفض الأسلوب الذي لا يتناسب فيه الإيحاءات بين الجوّ والفكرة.

    وفي ضوء ذلك فإننا ندعو إلى إنتاج أدب حسيني جديد يتحرك من خلال القضية الحسينية في أهدافها الكبيرة ويلاحق أحداثها من خلال النقد الواعي الذي يأخذ في حسابه كل الظروف المحيطة بها من شخصية البطل، ونوعية الأنصار، وطبيعة العدوّ، وصورة المرحلة، ليجتذب ذلك كله للواقع الذي تعيشه الأمة في عملية إيحاء بالثورة وحركة للتغيير على أساس الإسلام، لنستطيع أن نحرّك الذكرى في امتداد الزمان لتكون خيراً وبركة للحاضر والمستقبل كما كانت بركة للماضي، من دون فرق بين الأدب الشعبي، وغيره.

    أسئلة

    س : حول طلب الحكم من قِبَل الإمام الحسين(ع)

    ج: الحسين هو الإمام والحاكم الشرعي الوحيد في تلك المرحلة، ولذا كان يقول لوالي المدينة: "ولكن نصبح وتصبحون، وننتظر وتنتظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة" ثم كلمته "وأنا أحق من غير"، فالحسين(ع) كان في حالة إصلاح للواقع كله، وهذا يقتضي إسقاط القيادة الحالية على أن يكون هو القيادة، لأن القيادة الشرعية المعصومة لا تجوّز للقائد أن يستقيل، لأن القضية ليست مربوطة به.

    لذلك، فلا إشكال بأن الحسين(ع) كان يطلب الحكم لإقامة الحق ولهدم الباطل، كما كانت هي طريقة أمير المؤمنين(ع) عندما قال: "اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك". وأما الروايات التي تقول بأنه كان يعلم بمقتله من البداية، فهذا لا ينافي ما قلناه، لأنه انطلق من أجل أن يقيم الحجة على الناس، باعتبار أن الحجة قد أقيمت عليه، وليس من الضروري أن الشخص الذي يستهدف هدفاً ما يجب أن يكون عارفاً بأنه لا بد أن يصل إلى الهدف، بل إن الأمر ينطلق من تكليفه أن يجهّز ويدعو ويتحدى، كما كان أمير المؤمنين(ع) في كثير مما انطلق فيه..

    الـثــأر

    س : ذكرتم في أثناء الكلام في بيت الشعر: "واستأصلي.." أنه يدعو في شعره إلى الثأر من آل حرب، فنحن نقرأ أن المختار ثأر من قتلة الحسين فقتلهم جميعاً، وكان الإمام السجاد(ع) يوافقه..؟

    ج: أنا لم أقل إن الثأر للإمام الحسين(ع) هو شيء سلبي، بل قلت ذلك عن تصوير المسألة على أنها قضية بني أمية وبني هاشم .. وكنت أقول إن قضية الحسين هي قضية إسلامية، لا علاقة لبني هاشم بها لبني أمية بصفتهم العائلية، والعلاقة إنما هي بين كفر وإسلام وهدى وضلال، والمسألة التي أثرتها هي أن أسلوب الطرح لا بدّ أن يكون أسلوباً يتناسب مع موقع الإمام الحسين(ع)..

    الشعائـر الحسينيـة

    س : ما هو تقييمكم لكثير من الشعائر الحسينية، كالتطبير والسلاسل، وما إلى ذلك، حيث إن معظم الفقهاء أجازوها لأنها من باب تعظيم شعائر الله؟

    ج: في هذه المسألة نقطتان:

    النقطة الأولى: أن كون أمرٍ شعيرةً من شعائر الله، هو أمر توقيفي، بمعنى أنه لا بد أن يصدر من الشارع أن هذا الأمر من الشعائر، فما لم يرد من النبي(ص) أو الإمام(ع) ذلك، فلا يمكن القول إنه من الشعائر ومن ثم لا يمكن أن نطبق عليه: {ومن يعظّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} [الحج:32]، وفي كتاب "المسائل الشرعية" للسيد الخوئي(ره)، في رد على سؤال حول إدماء الرأس وما شاكل، يقول: "لم يرد نص بشعاريته، فلا طريق إلى الحكم باستحبابه..".

    النقطة الثانية: هناك جدل بين الفقهاء ولا يزال أنّه هل يحرم الإضرار بالنفس أو لا يحرم إلا إذا أدّى إلى التهلكة؟

    الشيخ الأنصاري(ره) وجماعة من العلماء يقولون إن الإضرار بالنفس محرم حتى لو لم يؤد إلى التهلكة، كما لو جرح الإنسان يده، مثلاً.. وهكذا يندرج تحت هذا العنوان ـ أي حرمة الإضرار ـ التطبير وضرب الظهور بالسلاسل الذي يؤدي إلى الإدماء أو ما يشبهه.. نعم، الذين لا يرون بأن الإضرار بالنفس محرم بعنوانه يرون أنه لا مشكلة في هذا المجال إلا إذا أدّى إلى التهلكة؛ وحيث أن التطبير، أو إدماء الصدر أو الظهر، أو غيرها، فهو جائز بالعنوان الأولي.

    أما بالعناوين الثانوية فالسيد الخوئي(ره) يبيّن أنه إذا أدّى إلى هتك حرمة المذهب فلا يجوز، وإلا فيجوز.. ويقول رداً على سؤال: "لا يجوز فيما إذا أوجب ضرراً معتداً به، أو استلزم الهتك والتوهين والله العالم"، ثم في جواب آخر يوضح أن المراد من الهتك والتوهين، "ما يوجب الذل والهوان للمذهب في نظر العرف السائد".

    فالقضية في بعدها الفقهي تعيش في هذا الإطار، وأنا ممن يرون أنّ الإضرار بالنفس محرم وفاقاً للشيخ الأنصاري رحمه الله.

    حكم الأطوار الغنائية في العزاء

    س : ما هو حكم إدخال الأطوار الغنائية الواضحة في القراءة الحسينية والتعزية؟

    ج: هذا يختلف حسب اختلاف الفتاوى، فهناك مشهور العلماء يرون أنه لا يجوز الغناء حتى في المراثي الحسينية.

    نحن رأينا ـ كما هو رأي المحقق الكاشاني ـ وهو أن الغناء المحرم هو ما كان مضمونه باطلاً لقوله تعالى: {واجتنبوا قول الزور} [الحج:30]، وهو قول الباطل، وقول الله تعالى في آية أخرى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله} [لقمان:6]، أما من يشتري الجانب الموسيقي ليجر الناس إلى الله سبحانه وتعالى، أو في مدح النبي(ص) أو الأئمة(ع) فلا إشكال بأن هذا لا يضل عن سبيل الله بل يهدي إلى سبيل الله، فعلى هذا القول لا مانع.

    س: هل الاحتفال السنوي في عاشوراء يستند إلى نص شرعي واضح؟

    ج: هناك أحاديث عن أئمة أهل البيت(ع) تشجع وتدعو إلى إقامة هذه المجالس، ولعلّهم هم الذين كانوا يقيمونها، من أجل إبقاء الذكرى حيّة، لإحياء الخط الإسلامي الأصيل؛ وهذا ما نلاحظه في بعض الأحاديث التي تقول: "أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا" في الإشارة إلى هذه المجالس، ونحن نعلم أن أئمة أهل البيت(ع) ليس لهم أمر خاص بعيداً عن الإسلام بل إن أمرهم هو الإسلام كله.

    س : هل تطوّرت أساليب الاحتفال بعاشوراء منذ سنوات..

    ج: إنني أعتقد أن هناك جانبين: هناك تطور إيجابي وهو أن الاحتفال بعاشوراء دخل فيه العنصر الثقافي، حيث يقف العلماء والمفكرون والمثقفون ليعالجوا للناس قضاياهم من وحي عاشوراء، كما أنهم يعملون على تحليل القضية الحسينية للاستفادة منها بشكل أعمق، ولإثارة قضايا الواقع، لتكون مجالس عاشوراء ساحة من ساحات تحريك الواقع في وعي الناس.

    ونحن نعتبر أن هذا يمثل عنصراً إيجابياً، لأن الاحتفال بعاشوراء يمثل حركة تغني الواقع عندما تستثير التاريخ، وهذا ما لاحظناه في العناصر التي انطلقت منها الثورة الإسلامية في إيران، والتي عبّر عنها الإمام الخميني(ره) وهو يشير إلى العناصر الحيّة في نجاح حركته على المستوى الشعبي، فيقول: "إنّ كل ما عندنا هو من عاشوراء".

    كما أننا نعتقد أن لعاشوراء دوراً كبيراً في تعبئة الشباب الذين ينفتحون على خط المقاومة في مواجهة العدو.

    أما الجوانب السلبية، فهي بروز العناصر التي تمثل التخلف كضرب الرؤوس بالسيف، وضرب الظهور بالسلاسل،وما إلى ذلك، مما نعتبر أنه يمثل عنصراً متخلفاً في أساليب هذه الذكرى.

    س : كما تعلمون الاجتهاد في تطور دائم، هل يمكن أن تضعونا في أجواء الاجتهاد القديم والاجتهاد الحديث..

    ج: إننا نتصور أن الاجتهاد لم يختلف في القاسم المشترك بين طريقة الاحتفال في الماضي والحاضر، وهو إقامة مجالس العزاء؛ كما أن الماضي كان يختزن اللطم، ولكن بشكل هادىء معبّر عن الحزن. ولكن ما حدث هو في بعض العادات الشعبية، مسألة ضرب الرؤوس بالسيف، وضرب الظهور بالسلاسل، وهذه العادات لم تنطلق من اجتهاد فقهي شارك في إنتاجها وتحويلها إلى عادة شعبية لدى الناس، بل إن مثل هذه العادات انطلقت من مبادرات شعبية شخصية، استثارت عاطفة الناس فقلّدوها، ثم تعاظمت العاطفة، وتجذّرت العادة، بحيث أصبحت من المقدسات التي قد لا يجرؤ حتى العلماء على مواجهة المد الشعبي في ذلك، حتى أن الذين يقفون ضد هذه العادات يوصمون بأنهم ضد الحسين وأهل البيت(ع)، وأنهم يريدون إسقاط هذه الذكرى وإبعادها عن الوجدان الشعبي، وما إلى ذلك.. وقد ثارت الغوغاء ـ وحتى بعض العلماء ـ ضد السيد محسن الأمين عندما حرّم هذه العادات في كتابه "التنـزيه في أعمال الشبيه" وعانى الكثير، حتى سُبّ وشُتِم، ونُظِمت القصائد في هجائه.

    لكن قد يقول قائل: إن هناك من المجتهدين الكبار جداً من المحدثين، منذ خمسين أو ستين سنة أو أكثر، قد أفتوا بإباحة هذه الشعائر، وأنها ليست محرّمة في ذاتها، إلا إذا أدّت إلى التهلكة.

    س: هنا نسأل، لماذا هذه الفتاوى؟

    ج: إنّ المسألة انطلقت من جدل فقهي، وهو: هل يحرم إضرار الإنسان بنفسه إذا لم يكن الضرر بالغاً، كأن يجرح الإنسان يده، أو يجرح رأسه، أو ما إلى ذلك، مما لا يشكِّل خطراً على حياته؟ هل الضرر محرّم في ذاته، أو أن المحرّم هو الإضرار الذي يؤدي إلى التهلكة، أو إلى وضع صحي خطير؟

    هناك رأيان اجتهاديان في هذه المسألة ، رأي يقول بحرمة الإضرار بالنفس من ناحية مبدئية، إلا في الحالات التي تكون هناك مصلحة أهم، كما في تعريض الإنسان نفسه للضرر في الأسفار، أو في سهر الليالي، حتى يحصل على ربح مادي أو معنوي، حيث هناك ميزان بين المفسدة في الضرر وبين المصلحة، وهذا أمر إنساني، أنه إذا كانت المصلحة أقوى من المفسدة، فإنها تجمّد المفسدة، وشرعياً يسمّى هذا "بباب التزاحم" أي أنه إذا تزاحم حكم تحريمي مع حكم وجوبي أو جائز، وكانت المصلحة هنا أقوى من المفسدة هناك، فإنها تجمّد حكم التحريم، وعلى هذا الأساس فهؤلاء يقولون إنه يحرم على الإنسان أن يجرح نفسه، حتى في التعبير عن التأسّي أو المحبة، وغير ذلك..

    وهناك رأي اجتهادي آخر يتبناه الكثيرون من العلماء، وهو أنّه لا يحرم على الإنسان أن يضرّ نفسه إذا لم يصل الضرر إلى حالة صحية سلبية كبيرة، أو إلى التهلكة. وعلى ضوء ذلك أفتى هؤلاء العلماء بأن ضرب الرأس بالسيف حزناً أو مواساةً ليس محرّماً في ذاته وإنما يحرم إذا كان الضرر مؤدياً إلى التهلكة.

    وهناك تحفظات لدى بعض العلماء الذين يقولون بالإباحة من حيث العنوان الأولي، أي من حيث المبدأ، لأنه قد يحرم من ناحية العنوان الثانوي؛ وهذا ما أجاب به المرجع الكبير الراحل السيد أبو القاسم الخوئي(ره) عندما سُئِلَ عن الضرب بالسيف والسلاسل، فأجاب أنه لا يجوز إذا استلزم الهتك والتوهين. وعندما سُئِل مرة ثانية كيف تفسّر الهتك والتوهين؟ فقال: ما يوجب الذل والهوان للمذهب في نظر العرف السائد.

    أما رأينا في الموضوع.. فنحن قد أفتينا بالحرمة، لأننا نرى أنه يحرم إضرار الإنسان بنفسه، إلا في الحالات التي تفرضها الضرورة؛ ولذلك قلنا بأنه يحرم ضرب الرؤوس بالسيف، أو ضرب الظهور بالسلاسل، وحتى اللطم العنيف الذي يوجب إضراراً بالإنسان ولو إضراراًغير خطير، لأننا نستفيد من النصوص التي بين أيدينا حرمة الإضرار بالنفس، كما أننا نجد أن السيرة العقلائية تقتضي ذلك، فالناس يستنكرون على أي إنسان يضر نفسه إذا لم تكن هناك مسألة أهم وأولى بالرعاية من هذا الإضرار. ومن هنا فإننا نرى أن هذا أمرٌ محرم شرعاً، حتى لو كان ذلك بعنوان الحزن والمؤاساة.

    ولديّ ملاحظةٌ أخرى في هذا المجال وهي أن الذين يضربون رؤوسهم بالسيف أو ظهورهم بالسياط، يقولون: إننا نريد أن نواسي الحسين(ع) في جراحاته، أو نواسي زينب(ع) وأخواتها عندما جلدت بالسياط، فنجلد ظهورنا، ونجرح رؤوسنا.. لكنني أقول: إن المواساة تفرض أن تجرح في الموقع الذي جرح فيه، وأن تجلد في الموقع الذي جلد فيه أيضاً.. فالحسين جُرح وهو يجاهد، ولذلك، فالذين يواسون الحسين هم الذين يجاهدون العدو الإسرائيلي من شباب المقاومة، فهم يجرحون في الموقع الذي جُرح فيه الحسين، والذين يواسون السيدة زينب هم الذين يجلدون في سجون العدو، لأنها جلدت وهي في خط الثورة والقضية، سواء كانوا من الرجال أو النساء..

    لهذا فإنني أجد أن هذه العادات لا بدّ من إزالتها من ناحية شرعية، لأنها محرمة بالعنوان الأولي بناءً على رأينا، ومحرّمة بالعنوان الثانوي أيضاً، من خلال السلبيات الكثيرة على مستوى الإنسان، وعلى مستوى صورة الطائفة الإسلامية الشيعية في العالم، ولذلك قلنا: هي نوع من أنواع التخلّف.

    س : من جملة ما اقترحتموه إدخال عاشوراء للمسرح الحديث وإلى العمل الفني التمثيلي، هل من اقتراحات أخرى؟

    ج:أنا أعتبر أنه من الضروري استعمال كل الوسائل التي اكتشفها الإنسان الحديث في تصوير التاريخ، أو في تصوير الواقع، إن من خلال التمثيل السينمائي، أو التمثيل المسرحي أو غيرهما، لأن هذه الوسائل، ومن خلال اللفتات الفنية، والغنى الفني، الذي يمكن أن يحشده كاتب القصة، أو مخرجها، أو الأشخاص الذين يمثلونها، من الممكن أن تعبّر عن المعاني الكبيرة التي تختزنها عاشوراء، وعن عمق المأساة فيها أكثر مما يعبّر عنها ألف قارىء، ومن الممكن أن تترك تأثيراتها على كل العالم. كما نلاحظ في فيلم "الرسالة" بالرغم من مناقشة بعض الجوانب فيه، فإنه قد استطاع أن يكون دعوة للإسلام على مستوى العالم بما لا يملك الكثير من الدعاة أن يحصلوا عليه.

    لهذا فنحن نعتبر أنه إذا أردنا أن نحرك قضية عاشوراء للعالم، فإن علينا أن نقدّمها في إطار مسرحي، أو سينمائي، أو ما إلى ذلك من كل وسائل التعبير الحديثة.

    وإذا كان بعض الناس ينتقدون ذلك، بأن هذا قد يؤدي إلى بعض الخروج عن الخطوط الشرعية الإسلامية، فإننا نقول بأنه ليس من الضروري أن يكون التمثيل المسرحي، أو السينمائي، بعيداً عن هذه الخطوط، بل يبقى التأكيد على الضوابط الشرعية في هذا المجال، من خلال كيفية كتابة القصة، ومفردات الإخراج، وحركة الممثلين..
    اهواك يا خــير الورى بعد النــبي الا تراني
    كم في هواك معذب انا يا علي وكم اعاني
    اني احبك يا علي وغير حبك ما سباني
    من الاله بها علي محبة هزت كياني
    فأكاد من طربي اطير وحار في المعنى بياني
    ثملا بلا خمر أصير اذا ذكرت علي على لساني
    سلام الله عليك يا امير المؤمنين

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Aug 2005
    الدولة
    AUSTRALIA
    المشاركات
    552

    افتراضي

    تتمة الموضوع



    من إيحاءات الحسين(ع) في كربلاء

    س : ما هو دور استشهاد الإمام الحسين(ع) في حياة الشيعة الروحانية؟

    ج: إن استشهاد الإمام الحسين(ع) ينطلق في أبعاده في حركة الإنسان الشيعي أو المسلم بشكل عام، أو حتى في حركة الإنسانية، من خلال أن الحسين(ع) يمثّل الشخصية الروحانية الفكرية المنفتحة على حياة الناس، والتي تعيش آلام الناس، كما روي عنه من أنه وقف أمام هؤلاء الذين جاؤوا ليقاتلوه أو ليضغطوا عليه، وكان يبكي لأن الله سوف يعذّب هؤلاء بسبب قتلهم إياه، وانتهاكهم المقدسات.

    ولذا فقد كان يعظهم ويرشدهم ويجرب هدايتهم، من خلال أنه يريد أن يكشف لهم الحقيقة، فيبتعدوا عن هذا الأمر.

    فالحسين(ع) كان الإنسان الذي يحب الناس، وقد انطلق إليهم من خلال هذا الحبّ حتى يعيشوا في ظلّ دولة تقيم العدل، وتعطي الإنسان حريّته في نطاق المسؤولية، وتمنع الحاكم من أن يصادر ثرواتهم، وأن يعبث بواقعهم بطريقة سلبية..

    عندما ندرس الإمام الحسين(ع) في عناصر شخصيته، فإننا نرى فيه رمزاً إنسانياً يمكن لأي إنسان أن يستوحي منه الكثير من القيم الذاتية في حياته الخاصة، والعامة.. ونرى فيه رمزاً إسلامياً أعطى الكثير للإسلام والأمة.

    ثم في جانب المأساة، فإن الإمام الحسين(ع) عاش المأساة كأعمق ما تكون، لأنه كان يقف ليستقبل في كل لحظة شهيداً من أبنائه وأهل بيته وأصحابه، بحيث كان الموقف يضغط على كل المشاعر والأحاسيس لحظة بلحظة، لأن هناك فرقاً بين أن تدخل معركة يقتل فيها أصحابك وأصدقاؤك دفعة واحدة، حيث يمكن أن تختصر الألم في تلك اللحظة، وبين أن تعيش المأساة من الصباح إلى الظهر بذلك الشكل الذي كانت تتنوّع فيه مظاهرها.. فكان(ع) يمثل الإنسان الذي تمرّد على المأساة وكبر عليها، وأكّد أعلى درجات الصبر والصمود الإنساني..

    فقد قرأنا في تاريخ كربلاء أنه عندما ذبح ولده عبد الله الرضيع بين يديه، قال(ع): "هوّن ما نزل بي أنه بعين الله"، فكان يعيش الفرح الروحي، مع ربه عزّ وجل.

    وهكذا في كل المفردات التي تحركت في كربلاء، التي تعطي للإنسان، مهما كان مذهبه، ثروة فكرية وشعورية، مما يثمل غنىً للإنسان في مدى العالم على مدى السنين.
    اهواك يا خــير الورى بعد النــبي الا تراني
    كم في هواك معذب انا يا علي وكم اعاني
    اني احبك يا علي وغير حبك ما سباني
    من الاله بها علي محبة هزت كياني
    فأكاد من طربي اطير وحار في المعنى بياني
    ثملا بلا خمر أصير اذا ذكرت علي على لساني
    سلام الله عليك يا امير المؤمنين

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني