النتائج 1 إلى 7 من 7
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    3,861

    افتراضي مصــر فـي فوضـى (1) بقلم أسامة أنور عكاشة

    مصــر فـي فوضـى (1) بقلم أسامة أنور عكاشة
    21/01/2007
    قررت منذ أسابيع عدة أن أتوقف عن كتابة مقالي الأسبوعي والذي كنت أناقش خلاله ما أراه حادثًا علي الساحة من أمور السياسة والثقافة والفنون ولا أريد أن أضيع وقت قارئ «المصري اليوم» في سرد أسباب قراري وهي كثيرة وأكتفي بذكر أهمها لأنه يتصل مباشرة بما أريد أن أتعرض له اليوم وهو «اليأس»! نعم اليأس! يئست من جدوي الكلام والكتابة..
    ووصلت بعد إبحار طال لسنوات إلي شاطئ قفر تملؤه الصخور والهوام ولا يخفق فيه قلب بشر، وقد التزمت بقرار الابتعاد عن السياسة وسفسطة الحوارات البيزنطية عن التغيير والإصلاح والتحول الديمقراطي حتي فوجئت بالمشهد حولي وقد تحول إلي فوضي شاملة ومرعبة لا يمكن تجاهلها أو التعامل معها بالصمت والحياد فقررت التحلل من التزامي ولو لهذه المرة فقط... معتذرًا لكل الأحباء الذين وافقوني علي قراري الأول وكانت حجتهم التي أقنعتني في النهاية أنني روائي وكاتب دراما في الأساس... ويجب أن أظل في هذه المنطقة دون أن أسمح للسياسة- ولو كانت مجرد كتابة مقال- بأن تسحبني خارجها...
    وكان السبب المباشر في تفجير إحساسي بالفوضي التي تحيط بي وبالمصريين جميعًا هو مشهد تنفيذ حكم الإعدام في الرئيس العراقي السابق صدام حسين وقد حاولت منذ بدأت «المحزنة» أن أكتفي بالمشاهدة وأكبت داخل عقلي أي اعتراضات أو ملاحظات تجري عكس التيار الكاسح الذي أقام مراسم اعتماد صدام حسين شهيدًا وبطلاً ورمزًا؛ وكان هذا يستلزم أن أعطل ملكة التفكير والمنطق والعقل وكل ما اقتنعت به واعتنقته من رفض النهج الديكتاتوري وحكم القهر والاستبداد سواء كان حكمًا ملكيا قبليا أو جمهوريا عسكريا أو رئاسيا متوحدًا وسواء كان لفرد أو حزب أو جماعة!
    وأسوأ ما في الأمر أن يتصل هذا المركب «المازوخي» المرضي القائم علي حب وتلذذ الجماهير «القطيع» بما تلقاه من عسف وإذلال علي أيدي جلاديها- ويختلط بالنعرة الطائفية والمذهبية التي فرضها مناخ التردي والضعف العام الذي أعاد قسمة العرب دينيا: إلي عرب يدينون بالإسلام السني... وعرب آخرين يدينون بالإسلام الشيعي..
    هذا الفخ الذي اصطيد فيه الجميع وكانت بداية نصبه في الحقيقة تلك الحرب الحمقاء التي شنها صدام حسين علي جارته «إيران» بتحريض من المخابرات المركزية الأمريكية التي أرادت أن تنتقم من فشلها في إيران ومن المهانة التي لحقت بإدارة كارتر في أزمة الرهائن المحتجزين بالسفارة الأمريكية في طهران التي احتلها الطلاب الثائرون.. ورغبة منها في استغلال تفكك الجيش الإمبراطوري بعد سقوط ملكية آل بهلوي ودخول الخوميني، فأوحت لرجلها في بغداد أن فرصته قد حانت ليضرب ضربته ويجتاح جارته «الشيعية» التي تلاصق مواطنيه الشيعة ويمكن أن تنقل لهم عدوي «الخومينية».
    وفور تنفيذ الإعدام في صدام انطلقت حناجر «الهتيفة» وخبراء «التهييج» الحنجوري تصرخ مزلزلة الأرض حول كل المصريين أن اشهدوا علي الجريمة البشعة التي قدم فيها جزارو الشيعة في بغداد أضحية العيد الأكبر في صبيحته: رأس القائد البطل الذي تصدي للأمريكان
    وقال: لا.. للطغيان ! وانتفخت أوداج واحد منهم وهو يجأر زاعقًا: يحيا صدام حسين البطل الشهيد... واستمرت هيستيريا الحزن الديماجوجي تتغزل في مناقب كبير الأشاوس الذي كان صاحب الفضل الأول في تقديم الغطاء للاجتياح الأمريكي والذي هرب وترك عاصمة وطنه مفتوحة بلا طلقة رصاص تدافع عنها بينما كان رجل إعلامه الصحاف مازال يردد هراءاته الجوفاء علي شاشات الفضائيات ويقسم للناس أن النصر قد حل وأن العلوج قد تمت إبادتهم وأن القائد «الضرورة» يعتلي متن الانتصار...
    وكما تشدق إبان الحرب التي شنها علي إيران بالمفردات الطائفية التعصبية مفتشًا في جراح الماضي السحيق بين عرب الإسلام والفرس المجوس... وأعلن نفسه بطلاً للقادسية الجديدة، ناسخًا صورة سعد بن أبي وقاص أو المثني بن حارثة الشيباني! انتحل هذه المرة مسوح صلاح الدين الذي يتهيأ لنصرة الفلسطينيين وإبادة «الفرنجة الجدد» من بني إسرائيل في حين أنه لم يجرؤ علي اطلاق رصاصة واحدة ضدهم كما فعل مع إيران مثلاً. والفخ الذي أتحدث عنه لم يسقط فيه عامة المصريين ممن يتم شحنهم منذ أحداث الجنوب اللبناني بالعداء للشيعة والتهوين من شأن حسن نصر الله والمقاومة التي يقودها حزب الله...
    لم يسقط في الفخ البسطاء وحدهم بل انزلق إليه النخبة أيضًا ومنهم كتاب نحترم أفكارهم وأقلامهم نحسبهم علي قوة التنوير وكوادر النهضة وكأنهم وقد أرهبهم صراخ «الحناجرة» وغوغائية «الهتيفة» اضطروا للمشي في الجنازة أو التطوح في حضرة الشهيد.. وإن حاول بعضهم إمساك العصا من المنتصف فرددوا في تلعثم وركاكة أنهم ضد الطاغية وحكمه الديكتاتوري للعراق ولكنهم «يأسفون» لبشاعة التنفيذ وسقم الرمز في اختيار يوم العيد... وهرب بعضهم إلي تعليق المسؤولية علي الشماعة الجاهزة «الاحتلال الأمريكي» وتشجع البعض الآخر فتمني أن يتعظ الطغاة الآخرون في العالم العربي وقد رأوا رأس الذئب الطائر...
    وقد نعذر ونرجع الأمر لحالة «الفوضي» السائدة ولكن ما أدهشني وأصابني بما يشبه الصدمة حقيقة هو ما قرأته بأقلام لم أتصور أبدًا أن ينزلق أصحابها إلي منحدر المزايدات التي تنافق مشاعر العامة وتلعب علي أوتار التعصب المذهبي كمثل ما قرأته لكاتب صحفي صديق أعرف عنه استنارته وتوازنه ففوجئت بما كتبه منذ أيام وانتهي فيه إلي أنه كان من مؤيدي نضال حزب الله وقائده الشيعي السيد حسن نصر الله ضد إسرائيل في حرب الصيف الماضي ولكنه بعد أن رأي ميليشيا الشيعة تهتف مهللة عند إعدام صدام غير رأيه وقرر إخراج الشيعة جميعًا من ملة الإسلام. حقيقة لم أصدق الحروف التي قرأتها مكونة لهذه الكلمات...
    لم أصدق أن يقولها صاحب هذا القلم الذي أعرفه جيدًا... وللحق فإن هناك كثيرين مثله انزلقوا بكتاباتهم إلي نفس المنحدر حتي وقر في ذهني للحظات أنهم يواكبون معزوفة «شياطين الشيعة» التي يعزفها شيوخ السنة الوهابية هناك في المملكة والذين كفروا من قبل حسن نصر الله وكل من يساعده...
    وها نحن أولاء نزايد عليهم بتكفير كل الشيعة وتكفير كل من يلتمس لهم عذرًا في إعدام الطاغية الذي نكل بهم وقتل الآلاف منهم إبان سنوات حكمه «المجيد».. وربما يطلع علينا غدًا قلم آخر يكفر كل من لم يشارك في الهيستيريا الجماعية التي شقت الجيوب ولطمت الخدود حزنًا علي الشهيد الرمز.. الذي سيظل كما قال أحدهم: أعظم أبطال تاريخ العرب المعاصر!.. مرحي... وأهلاً بعرب النصف الأول من العقد الأول من القرن الواحد والعشرين...
    كنت أظن- واهمًا- أن حروب الفتنة الكبري قد انتهت بقيام دولة بني أمية ونجاح خلفائها في استئصال كل جذور آل البيت النبوي الشريف... وأن الكارثة التي فرقت المسلمين بين سنة وشيعة قد استقرت في حدود هذا الفصل المذهبي الذي صار قدرًا تاريخيا لا راد له وأصبح غاية الأمل هو «التقريب» بين المذاهب لا توحيدها فدون ذلك خرط القتاد كما يقال..
    وها هي الأمور تتدهور بشكل يثير الرعب ويجعل رؤية المستقبل مسرجة بضبابية قاتمة... وتلوح الفوضي الدامية في الأفق... وتتدافع الأسئلة الجزعة يأخذ بعضها بمناكب البعض لتطرح أسوأ الرؤي المتشائمة... أتراها بقية فصول الانهيار التام للنظام العربي؟ أم تكون مقدمة لحرب وهابية طلبانية تعيد المنطقة كلها إلي الكهف لتصبح أمثولة تاريخية... وتعيد للذاكرة الإنسانية مذابح العنصرية والصراع الديني ونصنع لأنفسنا «سان بارثلوميو» جديدة لنكون بحق «العرب البائدة» وليس هؤلاء القدامي الذين طوتهم رمال الربع الخالي فكانوا أثرًا بعد عين؟... وللفوضي بقية..

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    1,748

    افتراضي

    شكرا جزيلا للأخ الأظرقجي ..
    هذا المقال لعكاشه أكثر من رائع .
    لم أصدق أن يقولها صاحب هذا القلم الذي أعرفه جيدًا... وللحق فإن هناك كثيرين مثله انزلقوا بكتاباتهم إلي نفس المنحدر حتي وقر في ذهني للحظات أنهم يواكبون معزوفة «شياطين الشيعة» التي يعزفها شيوخ السنة الوهابية
    واحد من هؤلاءوهم كثر مثل أمين هويدي أنا قرأت له مقال طويل عريض عن أعدام المجرم .
    [align=center]




    [/align]

  3. #3

    افتراضي

    هذا الإنسان شريف ومحترم

    لمن لا يعرف أسامة انور عكاشة فهو كاتب وروائي مصري معروف وله أعمال كبيرة مثل رواية "ليالي الحلمية" والتي تم تصويرها كمسلسل مشهور ومعروف وكذلك "زيزينيا". أغلب اعماله تم تصويرها في مسلسلات رمضانية أمتعت الجميع في العالم العربي.

    نحن كشيعة في العراق نشكر هذا الرجل على توضيح الحقيقة وكشف جرائم الطاغية خاصة أنه أي الأستاذ عكاشة له وزنه في الثقافة العربية وأتمنى أن يأتي يوم نكرم هذه الشخصيات الثقافية العربية التي وقفت مع المظلومين والمستضعفين من شعب العراق.
    قال الإمام علي عليه السلام " أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الاِْخْوَانِ، وَأَعْجَزُ مِنْهُ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ."

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    3,861

    افتراضي

    يقال والعهدة على الراوي ان الشيخ شحادة الشيعي المصري سؤل عن اسامة انور عكاشة فقال انه شيعي يكتم تشيعه


    ومهما يكن من مذهب اودين يحمله هذا الرجل فكلامه يدل عن انه يبغي الحق ولسانه يصدح بحق


    بالمناسبة عندما انتقد الازهر مسلسل عمرو بن العاص الذي مثله نور الشريف انتقد بدوره اسامة انور عكاشة ليس المسلسل فقد بل انه اعتبر ان عمرو بن العاص شخصية لا تستحق ان يعمل لها مسلسل وانها احقر شخصية في الاسلام


    اضغط

    http://www.alwatanvoice.com/arabic/n...=show&id=10810

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2003
    المشاركات
    30,109

    افتراضي

    [align=justify]تحية اجلال لهذا الكاتب الشريف وامثاله - السنة منهم قبل الشيعة واهل الملل والديانات الاخرى قبل اهل الاسلام - ممن لايكتفون بقول كلمة الحق او يكتفون بعلانها بل بالدفاع عنها واستنكار من يقول بخلافها ، ولايخشون في ذلك لومة لائم الا الله والخزي والعار لكل خسيس- الشيعي قبل السني والمسلم قبل اي فرد من اهل الديانات والملل الاخرى- يقدم مرضاة المخلوق على سخط الخالق ويبيع مبادئه وانسانيته من اجل سفالة الانذال وحيوانيتهم طمعا في مال او منزلة .[/align]

    [align=center][web]http://www.iraqcenter.net/vb/showthread.php?t=30083&highlight=%DA%DF%C7%D4%C9[/web]

    [web]http://www.iraqcenter.net/vb/showthread.php?t=9309&highlight=%DA%DF%C7%D4%C9[/web][/align]





  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,523

    افتراضي

    هذا الجزء الثاني ارجو من الاخوة نشر الجزء الاول في اكثر من موقع لمواجهة دموع التماسيح التي يذرفها الماجورون
    مصر في فوضي (٢-٣) .. التعديلات البهلوانية والسفسطة الدستورية
    بقلم أسامة أنور عكاشة 21/01/2007
    تصطخب الفوضي كلما اقتربنا من المشهد السياسي الماثل علي الساحة المصرية... حيث يعلو الضجيج وتسود «الهرجلة»، وتتقاطع الرؤي وتغم المرئيات وتتميع كل الحدود والفواصل وتصبح الثقة واليقين عملة نادرة بينما الشك هو العملة السائدة والمتداولة ويتحول المشهد كله إلي صورة سريالية لا يمكن إخضاع خطوطها أو تفاصيلها لأي منطق... مشهد يستدعي للذاكرة ساحات الموالد الشعبية حين تزدحم بشوادر الغناء والإنشاد وملاعب الحواة والباعة والنشالين وحيث يكتنف الغبار كل شيء ويصبح الخروج من الساحة معجزة حقيقية!

    فمنذ عامين بدأ ذلك التيار الذي اصطلحنا علي تسميته بالحراك السياسي، إشارة إلي ظهور علامات إفاقة علي الوعي الشعبي وملاحظة دبيب يسري في الجسد الساكن فيتشقق معه قميص «الجبس» الذي أحاط به ردحًا من الزمن بلغ قرابة النصف قرن، ونبتت في شوارع القاهرة- علي حين غرة- حركة احتجاج تعلن التمرد علي حالة التيبس والتخشب الرمي التي يراد لها أن تستمر لتصبح قدر مصر الدائم ولعنتها الباقية.. فظهرت «كفاية»..

    حاملة أهدافها في جنح معناها أن كفي ما تفعلونه بالبلد فكفوا وارفعوا الأيدي عن أعناق المصريين.. واستطاعت النبتة الوليدة أن تحرك الخامد.. ولأول مرة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود «بالتحديد منذ انتفاضة ١٩٧٧»، يكسر المصريون رهبة الخروج إلي الشارع... ربما عشرات أو مئات.. ولكنها كانت إشارة شجعت آخرين فكثرت الجماعات والتجمعات بمختلف التسميات ولكنها جميعًا تتفق علي هدف واحد وإن تعددت أسماؤه.. فكان «التغيير» عند البعض و«الإصلاح» لدي البعض و«التحول الديمقراطي» لدي آخرين وفي ٢٠٠٥ علا النبض وارتفعت الحرارة..

    وانتعشت الآمال في ذوبان سريع للثلوج.. سري تيار من الدفء في الحنايا ودفعت الأشواق المكبوتة والأحلام الأسيرة في وطن حر ديمقراطي الكثير إلي رسم السيناريوهات المتفائلة التي يتحقق من خلال أحدها التحول المأمول خاصة بعد أن بدت من رئيس الجمهورية تلك البادرة التي تشير- وقتها- إلي بدء الاستجابة لمطالب الجماهير فأعلن دعوته لتعديل المادة الشهيرة إياها لكي يكون اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب وليس بالاستفتاء..

    وهتفنا جميعًا «الحمد لله... أول الغيث قطر» لكن القطر لم يتحول إلي مطر منهمر.. بل توقف متراجعًا بعد اختراع تلك التعديلات البهلوانية التي تسرق باليمين ما قدمه رئيس الجمهورية باليسار.. ورغم الإحباط الذي بلغ حد الصدمة والذي أكد أن الاستجابة الموهومة لم تكن إلا خطوة التفاف حلزونية اخترعتها قريحة محامو الشيطان من ترزية القوانين المشبوهة وتلبيس الباطل ثوب الحق وتقديم عروض السفسطة الدستورية،

    رغم ذلك لم يتوقف الحراك واستمد من تجاوزات «الأجهزة» قوة شحن أكبر للمشاعر الغاضبة والتي تنتشر بطول مصر وعرضها، وكانت انتخابات الرئاسة وبعدها انتخابات المجلس النيابي فرصة لقياس توجه الريح الحقيقي وتمييز النوايا الحقيقية عن مزاعم التضليل والتدجيل... وأسفرت التجربة عن مهزلة انتخابات مجلس الشعب وما جري فيها مصحوبة بوعد سابق من رئيس الجمهورية بالتقدم مرة أخري بحزمة من التعديلات الدستورية لمواجهة العوار والتناقض والثقوب التي تملأ مواد وفقرات الدستور القائم...

    وكانت الانتخابات والوعود الرئاسية هي الحد الفاصل بين شهور الحراك وتدفق الحرارة في شرايين الحياة السياسية للمصريين وبين الوصف بكل ما بدا من تسامح واتساع صدر نسبي لدي النظام خلال عامي ٢٠٠٤، ٢٠٠٥ وإطلاق يد «الأمن» ليحكم الشارع ولسان حاله يقول: «انتهت شهور الحراك والفوضي والتظاهر.. وعلي الجميع أن يلزموا بيوتهم أو يسيروا جنب الحيط... وإلا...».

    ظن العباقرة أن تشديد القبضة الأمنية وإحكام السيطرة علي منافذ الحركة وتضييق الخناق علي المعارضين وعلي «المشاغبين» وضربهم في عقر دورهم و«توضيب» القضايا السياسية والجنائية لجميع النشطاء والمتجاوزين للخطوط الحمراء... وكان ذلك علي وهم أن البطش و«العين الحمراء» قادران علي إنهاء الفوضي «في نظرهم إن ما حدث خلال ربيع القاهرة في عامي الحراك ليس إلا نوعًا من الفوضي لابد من القضاء عليه وإنهائه»...

    لكن الظن والوهم أسفرا عن الفوضي الحقيقية.. الفوضي التي تضرب بأطنابها في كل المجالات وكل المؤسسات ونسير جميعًا في ظلها هائمين علي غير هدي وتتقاطع خطانا وتتضارب في سبل لا نملك لها خرائط ولا تهدينا بوصلة!.. فقد الكيان المصري جهازه العصبي المركزي فاختلت كل وظائفه... وتوزعت الجهود في أزقة وحوارٍ تشبه «بيت جحا»... متاهة يتلاطم فيها أبناء هذا البلد الموسوم بلعنة الفراعنة: ينفصل رأسه عن جسده...

    نظام سياسي لا يعرف من يسوسهم ولا يراهم ولا يعبأ بهم ولا يهمه إلا أن يظل حاكمًا حتي ولو لم يحكم إلا وطنًا تسكنه الأشباح... وشعب يقترب تعداده من الثمانين مليونًا تتوزع قواه علي مفردات أزمة اقتصادية طاحنة تضاعف من الانهيارات المتوالية: في النسق القيمي والتماسك الاجتماعي.. والفرز الطبقي... وتتحطم الفواصل والأسيجة الحامية لتسود فوضي العرف والعادات والتقاليد وتتقافز الشرائح المتفتتة كأنها حبات «الفيشار»..

    فلا ثبات.. ولا حركة منتظمة.. ولا قدرة علي قراءة المشاكل والحلول قراءة صحيحة... فتتداعي الأمراض الاجتماعية ماثلة في شيوع الجرائم بمختلف أشكالها وضياع «الأمن الاجتماعي».. ووقوع الطبقات الدنيا- غير القادرة علي المقاومة- بين شقي رحي هائلة: جبروت الفساد العام وسطوة رأسمالية شاذة غير منظمة... وبين عملية دجل سياسي هدفه غسل أدمغة الملايين وإيهامهم بأن مصر تمضي قدمًا علي طريق الديمقراطية «بشرط أن تكون نابعة من ظروفنا ومن تراثنا ولا نقلد فيها الديمقراطية الغربية والأمريكية علي الأخص!!!»...

    وتتم دائرة الفوضي بالترويج لأكبر حملة تضليل دستوري في تاريخ مصر- إن لم يكن في تاريخ العالم كله!... تفنن خبراء القانون الدستوري الملاكي في تدبير جملة تعديلات ثانوية علي الدستور تزيده عوارًا علي عواره الأصلي وتثبت إلي أي مدي يصل أفراد طغمة التبرير والتزوير في احتقارهم لذكاء مواطنيهم... وفي نفس الحلبة ينزل الإخوان المسلمون مباهين بما اقتنصوه من حصالة الحزب الوطني في الانتخابات الأخيرة..

    مزاولين نفس طرائقهم القديمة في ازدواجية الإنكار والإقرار والتصدي والهروب والترهيب ضمنًا والترغيب علنًا.. محتمين بغطاء الوهابية الغازية التي تدفع بكل ثقلها واختراقها كل الدوائر الرئيسية في الدولة المصرية للتمكين لنفوذها باسم الدين.. ويتفق سعي الجميع في التمهيد «لقعدنة» مصر و«طلبنتها» مستغلين إغضاء الطرف من السادة الآباء في واشنطن دي. سي الذين يرون في الحراك السني الوهابي جزءًا من حملة الضغط علي طهران... ولا يلقون أي اعتبار لأي
    حرائق طائفية يمكن أن تشتعل في المنطقة كلها.. بل لعلهم أسعد الناس بتحول إرهابي القاعدة والجماعات الجديدة التابعة إلي ضرب الشيعة في العراق- وربما قريبًا في إيران! وما يلي ذلك من رد التشكيلات الشيعية بدورها بالضرب في عمق بلاد السنة- ومنها مصر بالطبع! ولعلها هي الفوضي الخلاقة التي عنتها السيدة رايس...

    الفوضي من الأطراف إلي المركز.. ومن العمق إلي الأطراف... يختلط الحابل بالنابل ولا يأبه المصريون وهم رازحون تحت ثقل الغلاء المتوحش.. والفساد المنتشر في كل مكان... وانهيار العملية التعليمية بتفريغ مبدأ المجانية من محتواه وخصخصة التعليم من الحضانة وحتي الجامعة.. ورجوع مجتمع النصف بالمائة بعد تحصينه وتسمينه بقوانين الاستثمار والخصخصة وبيع كل شيء حتي الجلد والسقط...

    تحت هذه الضغوط الفادحة لا يأبه المصريون لما يقدم الحزب الوطني لمجلسي التمثيل النيابي- إذا كانا حقًا كذلك- ولا يهمهم ما يقرره المجلسان أو يرفضانه... ولن يبالوا بالتعديلات «اسم الدلع للعب بالبيضة والحجر والضحك علي الدقون!»... وسيتم الاستفتاء علي الأربعة وثلاثين مادة المعدلة وتغلق الدائرة كما أغلقت قبلها دوائر كثيرة... والشعب المصري يتفرج.. وتلك هي الطامة الكبري... وأتذكر عبارة لفولتير «أو ربما تكون لمونتسكيو» يقول فيها: الظلم لا يؤدي إلي الثورة... بل الإحساس بالظلم هو الذي يفعل!... والعبارة لا تحتاج إلي شرح فهي تفسر نفسها بمنطوقها، وبقي لنا في حديث الفوضي كلمات أخيرة... نعود بعدها إلي مواقعنا... فإلي المقال الثالث والأخير.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Mar 2006
    المشاركات
    1,523

    افتراضي

    وهذه مقالة اخرى ردا على الطبالين من القومجية لاسامة انور عكاشة
    العملاق عبد الناصر خارج المقارنة
    أهكذا تحيون ذكرى جمال عبد الناصر.. بتشبيهه بصدام؟
    أسامة أنور عكاشة (الكاتب المصري) 22/01/2007
    أعرف أنني أسبح ضد التيار الجارف الذي يدفع مياهه أمواجا تغمر العقول وتطمر المنطق وتحيل الساحة إلى شادر عزاء ومحزنة و مناحة منصوبة على تنفيذ


    أخر تحديث: 22/01/2007 / 14:26:14 Pm


























    » الرئيسية
    العملاق عبد الناصر خارج المقارنة
    أهكذا تحيون ذكرى جمال عبد الناصر.. بتشبيهه بصدام؟
    أسامة أنور عكاشة (الكاتب المصري) 22/01/2007
    أعرف أنني أسبح ضد التيار الجارف الذي يدفع مياهه أمواجا تغمر العقول وتطمر المنطق وتحيل الساحة إلى شادر عزاء ومحزنة و مناحة منصوبة على تنفيذ حكم الإعدام في الرئيس العراقي السابق صدام حسين.. وأعرف أن سباحتي هذه ستعرضني لسهام تطلق على من كل صوب في كوكتيل الاتهامات المعهودة وأولها التنكر للقومية والعروبة وآخرها العمالة للأمريكان.. وربما الإسرائيليين أيضا.
    والأمر لا يهمني حقيقة لأنني أدرك تماما أن الوعي الوطني الحقيقي سيزن الأمور بميزان الموضوعية المجرد من الهوى.. وأنا أدرك أيضا أن هيستيريا استشهاد صدام لن تلبث أن تنجلي عن تغليب العقل والكف عن أسلوب الصراخ ولطم الخدود ثم يأتي في النهاية دور التحليل الهادئ الرصين الذي يضع الأحداث في سياقها المنطقي والطبيعي..
    وكان بإمكاني أن اكتفي بالفرجة.. وألتمس العذر لمن تملكهم الهياج الانفعالي تحت تأثير صدمة المشهد السوقي الجارح لإعدام الرجل صبيحة يوم العيد.. لولا أن انهالت التعليقات والكتابات الصحفية المتشنجة والصيحات والهتافات من حناجر محترفي التهييج والتحريض الغوغائي.. وللأسف كان بعض متصدريها ممن ينتمون تنظيميًا للتيار الناصري.. أو من عدوا دائما من الفصيل المنضوي تحت لواء الأفكار والأدبيات الناصرية.. وانزلق بعضهم ربما تحت تأثير الحماسة أو الخضوع لمشاعر القطيع إلى درجة تشبيه صدام حسين بجمال عبدالناصر مشايعين للزعم الذي كان صدام نفسه والبعثيون من رفاقه هم أول من روج له.. حين ادعى الناصرية في بدايات رحلته وتخطيطه للصعود ثم لم يلبث أن عرض نفسه كوريث للزعامة الناصرية التي كانت تقود العالم العربي بأسره متوهما أنه يستطيع ملء الفراغ العملاق بمجرد الادعاء وإطلاق الألقاب الفخيمة من قبيل الزعيم الأوحد والزعيم الضرورة وقائد النشامى.. وكبير الأشاوس.. وحارس البوابة الشرقية وصاحب القادسية الجديدة ونعلم جميعا إلى أي شيء أدت هذه الادعاءات والفرقعات اللفظية بدءا من شن الحرب على إيران.. واحتلال الكويت وجلب الأمريكان وجيوش التحالف في عاصفة الصحراء.. ثم تجويع أطفال العراق وفي نفس الوقت بناء القصور الرئاسية واستمطار اللعنات من السماء على الأمريكان.. ثم تمهيد الطريق للغزو الأمريكي المباشر والفرار من بغداد وتركها مفتوحة ليدخلها الغزاة دون طلقة مقاومة واحدة.
    ويجيء بعد هذا من يزرف دموع عبد الناصر على قبر صدام حسين.. ويا للعار!.

    أهكذا تحيون ذكرى جمال عبدالناصر بتشبيهه بصدام؟ ثم تدعون بعدها أنكم ناصريون أو أوفياء لنهج عبدالناصر؟!.
    والأستاذ الفصيح ذرب اللسان الذي وقف يهتف مساويا ومضاهيا ومدعيا: ما أشبه شهيد العراق بعملاق مصر.. والآخر محترف الهتاف الحنجوري الذي يتقلب كل يوم على فراش أبطاله أرباب السلطة مرة وأعدائها مرة ويوزع خطاه.. خطوة معك وخطوك ضدك.. الذي عبس وعقد حاجبيه واستنفر كل دمائه المنتفخة بها أوداجه ليعلن أن صدام قد أصبح شهيدا ورمزا وتفوق على كل زعامات العرب في العصر الحديث.. وقد يحلو لنا أن نتناول الكلام من جانبه الفكه فنضحك ونتبادل الهمس عادته ولا حايشتريها؟ ولكن الأمر في حقيقته يدعو للحزن والكآبة لأن الرجل يصر في كل مناسبة على ترديد انتمائه لعبدالناصر والناصرية ومصدر الحزن والكآبة ليس صاحبنا هذا وحده ففي تياره يسير معظم الرفاق الذين خلطوا في سذاجة منقطعة النظير بين عبدالناصر.. وصدام حسين! فكانوا تماما كالدب الذي سحق رأس صاحبه بحجر ليبعد عنه حشرة يخشى أن توقظه من نومه. ولم يحاول أحدهم أن يسأل نفسه: ما هي أوجه الشبه بين الرجلين غير أن كلا منهما حكم شعبه بمفرده.. وإذا كانت الشرعية الثورية قد أباحت لعبدالناصر أن يؤجل البند المتعلق بإقامة الديمقراطية السليمة في أجندته.. كتاب فلسفة الثورة، فما هي الشرعية التي استند إليها صدام حسين؟ ونعلم أنه لم يحكم بعد سقوط الحكم الملكي مباشرة لنبرره بالشرعية الثورية أيضا.. ألسنا بهذه المقارنة العرجاء غير المستقيمة نؤكد أن التشابه المزعوم ليس إلا اتفاقا في صورة الديكتاتور ومنهجه؟ ألم سمع من كل أعداء عبد الناصر عبارة: الناصريون يبكون صداما لأنه يحاكى النموذج الناصري؟

    ونعود مرة أخرى لنتساءل ما هي أوجه الشبه بين الرجلين؟
    هل قاد عبدالناصر حربا ضد جار مسلم؟.. هل احتل ليبيا أو السودان مثلا؟.. هل اضطهد أي مصري يختلف طائفيا أو دبر مذابح للأقباط أو أهل النوبة؟ هل أطلق عبدالناصر الغازات السامة على مواطنيه؟.. هل هناك في سجل الحكم الناصري أسماء مذابح كالتي جرت في البصرة جنوبا أو في حلابجة شمالا؟ وكم قصرا بنى عبدالناصر لنفسه؟.
    قال أحد الصحفيين العرب الموالين للحكم الصدامي في العراق وهو صحفي مشهور بالعمالة القابضة إن صدام انتصر على الفرس.. بينما هُزم عبدالناصر أمام الإسرائيليين وقد أورد هذا في مقال نشره منذ سنوات بادئا حملة لتقزيم دور وحجم عبدالناصر لصالح تأليه وتفخيم صورة صدام.. ومنذ عامين فقط كتبت له ما يشبه رسالة مذكرا إياه بأن عبدالناصر لم يترك القاهرة ويفر ويتركها للإسرائيليين وهم على وشك عبور القناة في العام السابع والستين من القرن الماضي.. وكنت أعلق على سقوط بغداد بالسهولة التي أذهلت كل من صدقوا زعم النشامى ووزير إعلامه الصحاف.
    وأعلم أن عقد المقارنة في حد ذاته خطأ جسيم في زمن تردى فيه العرب إلى أعمق هوة يتمناها لهم أعداؤهم، ولكنى أردت فقط أن ألفت أنظار السادة الذين يحترمون جمال عبدالناصر وهم كل المصريين: من أحبه ومن عارضه، أن المسافة التي تفصل بين عبدالناصر وبين صدام أبعد كثيرا من المسافة التي تفصل بين الكواكب في المجموعة الشمسية.. وأنا لا أريد أن ألوم من أحزنه إعدام صدام أو أنكر عليه حقه في البكاء والعويل.. وأرى أن من حقه أن يتلو قصائد الرثاء المطولة في مأتمه.. فقد يخضع التاريخ السياسي لأي حاكم للاختلاف عليه.. ولكن أن نسوى بين الثائر والسفاح فهذا نوع من التضليل أو التغرير واستغلال عواطف البسطاء لتزوير وعيهم.. ولا يجمل بنا أن نقع في هذا الفخ.. وأذكر أخيرا حوارا دار على شاشة إحدى الفضائيات العربية في برنامج إخباري قال فيه الضيف، وهو مفكر لبناني معروف، إن عبدالناصر هو الذي منع عبدالكريم قاسم في أول الستينيات من احتلال الكويت، وأنه لو كان موجودا في العام التسعين لما تمكن صدام من اقتراف حماقته في غزو الكويت.. وإذا بالمحاور الآخر يعقب قائلا: لو كان عبدالناصر موجودا في التسعين ما كان هناك أصلا من يدعى صدام حسين.
    لكننا تعودنا في تراثنا العربي أن نترحم على الراحلين جميعا.. وليتنا نفعل.. فقط علينا أن نحذر الخلط والوقوع في خطيئة الدببة!.

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني