الساحة العراقية
إذا كنت الساحة الإيرانية هي الساحة الرئيسة للجدل الذي دار وما يزال يدور بين حركة الإصلاح وتيار الغلو الشيعي لكونها (إيران) منبت هذا الفكر والمركز المغذي له, فإنه يجب علينا عدم إغفال وجود الأصوات التصحيحية في الساحات الشيعية الأخرى ومنه الساحة العراقية والأحوازية. فعلى صعيد الساحة العراقية نجد أن حركة الإصلاح الشيعي ظهرت على يد الشيخ محمد ابن الشيخ محمد مهدي الخالصي (1383- 1306 هـ) الذي تمثلت حركته بمحاربته الشعواء للبدع والخرافات التي سادت بين الشيعة، والعمل على تنزيه العقيدة الإسلامية من الانحراف، فكانت هذه هي النقطة الأصعب في حركته رحمه الله، لأن تنزيه الدين من البدع والخرافات التي يظنها الجهال من أصل الدين، يحتاج إلى شجاعة ونكران للذات في الله، وهو ما ألّب عليه أقرب أصدقائه، فضلاً عن مرجعية الحوزة النجفية ومراجع حوزة قم الإيرانية الذين قاموا بدفع الرعاع إلى مهاجمته بألسنتهم وأقلامهم وسائر وسائلهم الخبيثة.
وكانت من آثاره القيمة في مجال الإصلاح و نبذ الخرافات والطائفية هي:
إحياء الشريعة في مذهب الشيعة / رسالته العلمية في عدة أجزاء .
الوقاية من أخطار الكفاية.
النيروز / في بدعة عيد النيروز.
وكتابات قيمة أخرى تركت آثرها في الساحة العراقية والإيرانية. وكان الخالصي ـ الذي أسس مدرسة دينية علمية في مدينة الكاظمة في بغداد باسم "مدينة العلم" ـ أول مرجع شيعي يجرؤ على رفع شاهدة "أشهد أن عليًا ولي الله من الأذان" وهي الشاهدة التي أمر بوضعها إسماعيل الصفوي يوم استيلائه على مدينة تبريز في إقليم أذربيجان في بداية القرن العاشر الهجري، والتي قتل دونها أكثر من مائتي ألف مسلم من أهل السنة لرفضهم "الأذان بأشهد أن عليًا ولي الله" .
مدرسة الخالصي التصحيحية ما تزال مستمرة ولها أتباع وإن كانوا أقلية، إلا أنهم يعبرون عن أفكارهم بشكل صريح. ولعل من آثار مدرسة الخالصي ـ التي يقودها اليوم أبناؤه الشيخ جواد والشيخ مهدي ـ هو تحالف أنصار هذه المدرسة مع أهل السنة في العراق والنأي بأنفسهم عن المليشيات والمرجعيات الطائفية في قم والنجف.
ومن بين الوجوه الإصلاحية العراقية الأخرى التي يمكن ذكرها على سبيل المثال, الشيخ الدكتور "موسى الموسوي" حفيد مرجع الشيعة البارز في منتصف القرن الماضي أبو الحسن الموسوي الأصفهاني. لقد أدرك "موسى الموسوي" الذي عاش في الوسط الحوزوي وفي أسر المرجعية الشيعية, عمق التخلف والخلل الفكري والعقائدي، بالإضافة إلى ما يدور فيها من تخطيط وتآمر على الأمة، ولذا انتفض على هذا الواقع وقال كلمته التي أفحمت الطائفيين. وقد دون أفكاره هذه في أكثر من كتاب أهمها الكتب التالية :
1ـ الشيعة والتصحيح / عربي – فارسي.
2ـ الخميني في الميزان / عربي - فارسي.
وهناك كتب ورسائل ومحاضرات هامة أخرى كشف فيها وهن وضعف الأفكار العقدية للصفويين وأتباعهم.
وإلى جانب "موسى الموسوي" يمكن ذكر اسم الشيخ "حسين الموسوي" صاحب كتاب "لله ثم للتاريخ" هذا الكتاب الذي يعد من أهم وأنجح ما قدمته المدرسة التصحيحية الشيعية في العراق، وذلك لغزارة المعلومات والأدلة التي قدمها الموسوي في كتابه، والتي لم تترك شاردة أو واردة في معتقدات الشيعة إلا وذكرها وناقشها بتمعن ومنهجية علمية رائعة.
ومن الشخصيات العراقية الأخرى التي تركت لها أثرًا في التصحيح وهي ما تزال مستمرة في عطائها، فيمكن ذكر الأستاذ "أحمد الكاتب" وأثره القيم كتاب (تطور الفكر الشيعي) الذي نقض فيه نظرية الإمامة الشيعية بأدلة قوية غير قابلة للدحض. أما الشخصية الأخرى التي يمكن ذكرها هنا فهو فضيلة الشيخ "طالب السنجري" صاحب كتاب (التشيع كما أفهمه) والذي أكد فيه أن الرجوع إلى الخليفة عمر بن الخطاب كما الرجوع إلى الإمام علي بن أبى طالب رضي الله عنهما كون الاثنين يستقيان علمهما من منبع واحد وهو القرآن و السنة. وكانت هذه الكلمة كفيلة لكي يقوم المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله بطرده من حوزته الكائنة في منطقة السيدة زينب في سوريا، حيث كان الشيخ طالب السنجري أستاذًا للفقه فيها. وقد حورب السنجري على رأيه هذا وحوصر من جميع الجهات، الأمر الذي دفعه للقيام بفتح محل لبيع الأحذية، بعد أن أغلقت جميع الحوزات الشيعية أبوابها في وجهه، وقطعت جميع مكاتب المرجعيات الشيعية رواتبها التي كانت تقدمها لطلبة وأساتذة الحوزات عنه. ولكن ذلك لم يثنه عن مواصلة مشواره الإصلاحي، وقد نشر العديد من الكتب في هذا الشأن، ومنه كتاب "تذكرة المسلم" وغيره. وهو اليوم يعمل الآن إمامًا لأحد المراكز الإسلامية في مدينة فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية يواصل من خلاله الإصلاح في الفكر الشيعي، وقد أصبح له مناصرون وأتباع كثيرون.