الشابندر، ومفاجآته العشر لحزب الدعوة الاسلامية - زهير الزبيدي



الصالونات السياسة اذا ما تحولت الى مزادا للكسب الشخصي، ــ وهي دائما كذلك ــ لاسيما عندما تستلم احزابا معارضة الحكم في بلد ما، ــ وأنا هنا لاأتهم أحدا بعينه بالكسب، انما هي ظاهرة تبرز عند كل منعطف جديد في بداية انهيار مرحلة، تمهد لبروز مرحلة جديدة في كل بلد، تماما كانتقال الخلافة الأموية الى العباسية ــ أقول: هذه الصالونات اذا ما تحولت الى مزادا للكسب، جلبت مخاضاتها هذه، المفكرين والباحثين، ثم تظطرهم للغوص في غواطيسها، لاسيما أؤلائك الذين ابتعدوا عن السياسة فترة غير قليلة، ليتفرغوا للبحث في الفكر،والفقه،والتأريخ. فالنتيجة سينتهي نتاجهم، ويتبعثرجهدهم بين السياسة والفكر، ما لم يكونوا في نتاجهم الفكري والسياسي متوازين في مسار واحد من حيث التعاطي والعطاء، منذ بدأ انطلاقتهم، دون انقطاع من هذا الجانب أو ذاك، أو أن يقتصروا على جهد واحد ليتفرغوا له ويبدعوا فيه كلما تقدموا بالعمر.
لان المفكر، أوالكاتب السياسي، ان لم يلازم ميدان السياسة بثراءه الفكري، يصعب عليه ملاحقتها وربط مستجداتها بما تقدم من منها، ليضع لها النظريات والخطط، حيث لاينفع السؤال من هنا وهناك لاستحضار الماضي القريب، لموائمته مع الحاضر، لان في السياسة حذر شديد، قد يوقع السياسي بمطبات هو في غنى عنها فكيف بالمفكر.
خاصة عندما تطفو على السطح، أخبار وأنباء متضاربة، تلزم من يتخذ منها محورا للبحث أو الكتابة، للتأكد من صحتها. لاننا نعيش سقوط صنم، كان تحت أقادمه نظاما جسد كل قساوة الجبابرة في التأريخ، انهار هذا الصنم، وانهارت من تحت قبضته الدولة كلها، وسبق انهيار الدولة، انهيار المجتمع بحزمة قوانين أرحمها الاعدام. ونحن لازلنا نلمم جراحنا لنستطيع تثبيت أقدامنا على أرض الآباء والأجداد، وهي محتلة من أعتى أعدائنا، ولم نستطع بناء أسس النظام الجديد بعد، فضلا عن بناء الدولة المتكاملة. وقبل هذا وذاك، بناء الانسان الذي دمره نفس النظام بكل اشكال التدمير، بمساعدة المحتل نفسه بلعبة الحصار على الشعب والرفاه للنظام، ذلك الإنسان الذي هو أداة بناء الدولة وأساسها المتين.
وهذه معضلة قد تجبر الحلماء، على التعثر بمطباتها، ان دخلوا أزقتها الضيقة، وكواليسها المظلمة، لاسيما اذا كانت معتمدة في مصادرها الخبرية، في ظل فوضى عارمة يفرضها المحتل بأدواته المتعددة. بالنقل من خليط من مصادرموثوقة أومغرضة، مريضة ودنيئة،أو صحية ومتعافية من بعد كبوة، لابالحضور الميداني والمشاركة الفعلية بالحدث المراد نقضه، وتصحيحه، انما بنقده من الخارج، بأدوات غير مكتملة، لاعلميا ولا حضوريا، وما يساعد هذا النقد من تسريع عملية البناء الجديد أو تأخيره. ونحن نعرف كاسلاميين أن جزاء الحسنة بعشر أمثالها، أما السيئة فانها الخسران المبين ان استمر عليها صاحبها ورافقتها العزة بالإثم فلابد هنا من التفكير بحسن العاقبة.
فالسياسة تسحر الكتّاب، والمفكرين، والمثقفين، عندما يكثر الحديث من خلالها عن المناصب العليا، ونحن نسمع هذه الايام الكلام الكثير عنها، وربما أكثر من الحديث عن مصير العراق، وقد سال لها لعاب الأصحاء الذين كنا نعرفهم بالأمس القريب زاهدين فيها، ــ وهنا أخرج الحاج الشابندر من هذا المضمار لانني أعرف زهده فيه ــ هذه السياسة يخوضون تداعياتها ومعطياتها، ونتائج هذا كله، تفرض عليهم الغوص في أعماقها، فتضعهم أمام أمرين أحلاهما مر، وهما: اما الخروج من الساحة متعبي الفكر والجسد فيقل عطاءهم في ساحة الفكر والثقافة، وقد يتوقف عند البعض لصدمة تعتريه وهو يخرج بخفي حنين، أوغارقين بنفس الأفكار التي زجوا أنفسهم بها، وهم لم يجدوا لها الحل لانهم لم يأخذوا المعتبر من الخبر، والثقة من المصدر، بعد أن كانوا مفارقيها عقود، لاسيما أؤلائك الذين انغمسوا بالبحث والفكر، واعتزلوا صالونات السياسة مكتفين بما يسمعوه من هنا وهناك، أو متابعة الخبر اعلاميا، وهذا ما يشوش الفكر أكثر، مما يكشف لك الامور بصحتها وصحيحها، عن خطأها وسقمها. وبهذا سيتحملون أخطاء تلك الأقلام التي شحنت لتعريتهم، وان كان القصد بنية النصح، والحرص، على هذا الحزب، وتلك الشخصية، واذا عرفنا أن للنصح والحرص طقوس خاصة، ومعايير توقع الشخص في أتون الإثم ان هو لم يلتزم بها، وبالتالي يصعب على من لا يحسن نية الالتزام بها ومجاراتها لتصحيح المسير، لاسيما ذاك الذي كان بعيدا عنها، حيث أن تعدد الأمزجة الخالية من الالتزام بالفكر والعقيدة، وتعدد العقائد بتعدد مفاهيمها المتباينة ، اما للأغراض الشخصية، أو الفئوية، أوالحزبية، أو أؤلائك الذين يعرفون ويحرفون، أو المناطقية حتى.
والمفكر يتعرض أكثر من غيره للتصدع، باعتباره القدوة الحسنة، للمساحة الجماهيرية، المراد بناء وتنمية الوعي لديها، فعليه أن يكون المرآة العاكسة لفكره بالفعل وأن لايقتصر بالقول، والا ما فائدة المفكر ان هو لايلتزم بفكره ويمارسه تطبيقيا في الميدان، ولو بنسب معقولة، ليرفع نسبة الثقة به لدى جماهيره التي عشقت فكره، وأحبت برامجه، وتعلقت بشوق لما عرضه لهم من أدلة وبراهين، على صدق فكره وحسن مفرداته، والا سيكون القول أكثر من التطبيق وهنا يتحول الفكر الى كارثة، يحير الشباب ليضيف على كاهلهم المثقل بمصائب الزمن المحتل، حيث الاحتلال لم يحتل الارض فقط، انما احتل الزمان والمكان، ليقضي على التأريخ أو يحاول تشويهه كما حدث في (واقعة الزركة).
ولنبدأ بالحاج الشابندر. لم أكن أعرف الحاج الشابندر يوما طيلة الفترة التي عرفتها فيه أنه يحمل كرها لاحد مثلما أجده اليوم وهو يسدد سهامه لحزب الدعوة الاسلامية، ليكون مصداقا للمثل الذي يقول (أعلمه الرماية كل يوم ولما اشتد ساعده رماني) طبعا سيسفه الحاج قولي هذا، ويترفع حتى على نصحي ان كنت مخطأ ـ وهذه من شيم المفكرين ـ لكن فكره وخزينه الكبير ليس قبل حزب الدعوة، فقد أسس لفكره فيها، بل صار ملهما لفكر مؤسسه. وأعتقد انها حقيقة لايمكن أن ينكرها ،حتى أنه لم يبقي للعشرة طعم، حيث تربى الحاج الشابندر بأحضان هذا الحزب، وعندما يعاشر المؤمن أخاه المؤمن لابد أن يحفظ له حق العشرة على الأقل، فهو لم يكن صاحب بل كان أحد ابنائه الأفذاذ وشبابه المنفتح.
لقد أظهر الحاج الشابندر حزب الدعوة، وكأنه أضعف من حزب البعث المقبور الذي كان يسمى حزبا جزافا، حيث كان عصابة الجريمة المنظمة. والشابندر يظهر لنا حزب الدعوة، أوهن من بيت العنكبوت وهو يسطر المفاجآت العشر، حتى وصفه بالحزب المتفاجئ فلم يبقي للشيهد الصدرالأول ــ الذي كنت أعتبره يوما ملهما لفكره ــ وهو كذلك وعندما يتكلم عنه يبكيني والله ــ لم يُبقي للشهيد الصدر بصمة فيه، أو أنه تنكر الرجل لما قاله عنه في كل محاضراته التي سمعتها أنا على الاقل فيقول الحاج: لقد تفاجأ بكل شئ منذ تأسيسه ونشأته الى يومنا هذا وقد عدد ما عدد فكتب: {مسيرة الدعوة تتخللها الكثير من المعالم ، ومن المعالم البارزة هي كونه حزب يُفاجأ! لقد تفاجا بانقلاب حزب البعث العربي الإشتراكي، وتفاجأ أيضا بشراسة هذا الحزب أي حزب البعث، وتفاجأ أيضا بالمدة الطويلة التي حكم بها هذا الحزب.
وتفاجا بالثورة الإسلامية في إيران، وتفاجأ بموقف إيران من الحزب، وتفاجأ بسقوط صدام حسين، وتفاجأ بما سيخلفه سقوط صدام حسين في العراق، وتفاجأ بموقف المرجعية الدينية منه، تفاجأ بقدرته على خسارة قواعده الشعبية، تفاجأ بفقره الجماهيري في العراق...}
انها الشماتة بكل ما للمعنى من كلمة، والا دعونا لنحاور الحاج ــ ولو انه اتصوره أمامي وهو يضحك على ما أكتبه حيث للأسف أقول يعتز برأيه وان جاء راي الآخر صائبا، أو يترفع على الصغارلانهم يتكلمون بشان الكبار ــ ولندحض المفجأة الاولى لتتهاوى كل المفاجئات التي سطرها الواحدة تلو الآخرى.
فأنا لم أكن في صفوف حزب الدعوة في منتصف الستينات من القرن الفائت الا أنني كنت أحس أن هناك فكرا اسلاميا ناضجا يتحرك ، فالشهداء جلوخان، والسيد نوري طعمة ورفاقهم يجوبون الجامعة وأقسامها الداخلية، بعد سقوط البعث الأول عام 63 . ينشرون الوعي الاسلامي في محاضرات مرتبة في زمنها ومكانها، حتى أن السيد نوري طعمة كان يزور منطقتنا بانتظام، وكان وقتها وأنا كشاب يختمر في ذهني سؤال لماذا لايتولد لدينا تنظيم اسلامي يوقف هذا المد من الافكار الوافدة الينا، وينفتح على الساحة العراقية، مؤسسا لمجتمع حر متفاهم مع الآخر ــ هذا ما كان يدور في خلدي وأتمناه ــ وبعد مجئ البعث الثاني بسنة، حقق الله لي شرف الانتماء الى صفوف الحركة الاسلامية، وعشنا وقتها موقف المرجعية وموقف الحركة من البعث، قبل أن يأتي للسلطة وبعدها. حيث كان هناك تباعدا كبيرا بين السيد محسن الحكيم رضوان الله تعالى عليه، وهو المتربع على قمة المرجعية، والمرجع المطلق للمشرق والمغرب، ومرجعيته الكلاسيكية المبتعدة عن السياسة نوعما، والمهتمة بالفكر ونشره بين الامة، وبين الحركة الاسلامية الفتية المُحارَبة بشدة من حواشي تلك المرجعية التي لايمكن اختراقها الا بمستوى مرجع ومفكر مثل الشهيد الصدر الاول (وقلت وقتها من سوء حضنا أن تتزامن مرجعية الشهيد الصدر الشاب، ومرجعية السيد الحكيم والسيد الخوئي) وهاتان المرجعيتان، فرضتا وجوديهما لكبر مقاميهما الفقهي، وكبر شيوعيهما بين الناس، وقوة حواشي المراجع، تلك الحواشي الصانعة جُدُر من حديد بين المرجعيات والأمة، وطلبة العلم المنغلقين على الحوزة، لا يرون فضاء الشرع الا عند قضاء حاجات التسوق.
لكن الأكيد والذي يعرفه الجميع ان حزب الدعوة لم يكن يتفاجأ بالبعث كما وصفه الحاج الشابندر، حيث لم يكن للبعث وجودا يذكر بعد سقوطه المريع عام 63 ،ولم يكن يعرف ذلك الوجود الا دوائر المخابرات الغربية والمرتبطين معها من داخل الجيش العراقي. كما أنه لم يتفاجأ بشراسة الحزب القادمة للسلطة كونه لم يأتي من جديد الا أن وحشيته ماثلة للعيان لكل من عاش عام 63، العام الذي ذبح فيه الشيعة باسم الشيوعية عندما رفع شعار (الشينات الثلاث، شيعي وشيوعي وشركاوي) والذي أعيد مرة آخرى لكن بصيغة مغايرة هذه المرة، عندما أصدر البعث نفسه اعدام كل من ينتمي لحزب الدعوة بأثر رجعي، وكل من يروج لافكاره ويتستر على عناصره. فهذه كانت معروفة كما تلك الأولى، والذين يروجون لافكاره هم الشيعة.
أما لم يفاجأ الحزب بحجم قساوة البعث، هذه التهمة يرده عليها كل من عاش مسيرة الحزب عندما الح على السيد الحكيم رضوان الله عليه، ومسيرات البيعة الى الكاظمية حتى كاد النظام يسقط لولا اصرار السيد بقوله (نريدكم للمستقبل) ومعروف مواقف السيد الشهيد الصدر الأول من النظام، كما هو معروف موقف الحوزة وقساوة الحاشية على هذه الحركة التي ظلمتها الحوزة في بداية انطلاقتها ــ كما يظلمها السيد الشابندر اليوم ــ عندما كان الشاب يلتحق بها فيحذره بعض من اساتذتها الكلاسيكيين، أن حذاري من الصدر لايورطكم بالسياسة.
لايمكن التكلم أكثر من هذا، فهذا جانب من المخجل أن يطرح على شبكات الإنترنت، رغم أني ما ذكرت فقط من جعبة ذاكرتي الشخصية وهي ليست من أدبيات الحركة الاسلامية. فالذي يفارق الصحبة عليه أن يفارق بحب ، وعليه أن يتحاور بحب، ناصحا مصلحا ، ولا أدري كيف وهو السائل في نفس مقاله، مقال المفاجآت العشر (كيف يعمل وسط هذه الفوضى العالمية المحيرة؟) فاذا كانت الفوضى العالمية محيرة، قل لي بالله عليك كيف تطرح هكذا مواضيع في ظل فوضى عالمية محيرة، وقد ركزت هذه الفوضى وظيفتها في العراق وما يحيط به؟؟؟؟ واذا كان الحزب فقير في الوعي السياسي كما يدعي الحاج، فهل الوعي السياسي أن نطرح قضايانا على الإنترنت في وسط هذه الفوضى العالمية المحيرة، فحتى البعثيين والآخرين لم يفعلوها.
فدع الحزب وحاله في مملكته الكهنوتية يا سيدي وعمّر لك مملكة لتسقط مملكة حزب الدعوة، اذا كنت أنت الرافد له بالفكر. دعنا من هذا الفكر الذي يدعو الجماهير الحسينية الى ترك الحسين وشعائره التي عرفناها عبر التأريخ المخضب بالدم، ليمارس العمل في البناء خلال ايام عاشوراء ــ وهذه بعض مقترحاتك أيام زيارة الحسين عليه السلام ـ وبناء الروح من خلال عاشوراء أسمى وأرفع بناء.
وأرجو للحاج أن يبقى لايدري كيف يقود الحزب جماهيره ويتفرغ لبحوثه، ليبدعنا بنظرياته الرائعة، وليثبت لنا عدم وجود (النبي) بعد أن فند وجود الحمامة وبيت العنكبوت على باب الغار.
لا أستطيع الا أن أقول: ان ما يطرح في موقع الملف هو تدمير للعملية السياسية، التي جزء مهم منها حزب الدعوة الاسلامية، وتصفيت حسابات قديمة بينه وبين من تربى بين أحضانه ثم جفاه يوما ما، بعد أن اشتد ذراع المجافين له. لا لشئ الا لاشباع نزوات كره قديمة تفجرت اليوم عندما استلم هذا الحزب قيادة الحكومة ولمرحلتين، والمتتبع للمشهد العراقي المنصف أن أداء الرئاستين للجعفري والمالكي، كان مميز بدون منازع.
وكان الأجدر على الحاج الشابندر أن يسعى لكشف أؤلائك الذين تجّسروا البعث للوصول الى مقاعد البرلمان وهم يرتدون اللحى الاسلامية. والملف هو موقع يعود للحاج الشابندر نفسه، وان كان مدير تحريره السيد الدكتور الحسني.
والمتابع لبرنامج برج بابل على فضائية الحرة الامريكية، ومقدمه عماد الخفاجي، اذ قدمه بثلاث حلقات تحت اسم ("ملف" حزب الدعوة الاسلامية) وقد استضاف الحاج علي الأديب ليرد على أسئلة المقدم وشخصيات حضرت البرنامج، يتهيأ للمشاهد له، أن فكرة "الملف" الموقع ، وكأنها مستوحات من هذا البرنامج، ما يعني أن هدف المخابرات الأمريكية
الـ ( Cia ) وهدف الموقع واحد، ومن هنا نستقي العبرة.
ربما أزعج الحاج الشابندر ردود الأديب في الحلقات الثلاث، أو أثار في خلجاته ايام الشاب ليظهر طموحه من جديد، ولكن لاأجد موقف الحاج الشابندر من الدعوة التي (ثرد) الجميع بدماء شهدائها الا أن أقول: ان موقفك هذا مصداقا للمثل العراقي القائل (عرب وين طنبورة وين) وسنكتب مقالا حول هذا المثل في لقاء آخر انشاء الله.

• ملاحظة: كلما جاء في المقال يمثل رأيي الشخصي ولا يمثل رأي الحزب أو أي جهة أخرى، والله من وراء القصد.