الشابندر والآذان والوطن الذبيح
بتأريخ 14 /02/ 2007


زهير الزبيدي "

يبدو أن الحاج، والأستاذ المفكرغالب حسن الشابندر، قد أفلس تماما في الساحة الاسلامية رغم روعة فكره، ودقة بحثه في ابواب الفقه والحديث والتأريخ والتفسير، فراح يبحث له عن أنصار في الساحة العلمانية، وما أكثرهم وأرخصهم أمام الاسلام الأصيل، ويبدو كذلك أنه ترك التشيع وانتقل الى العلمانية ــ أؤكد أن الحاج قال لي مرة عندما طلبت منه ان يحاضر عند الأخوة السنة هنا في الدنمارك، فرفض ورد علي بأنني

"شيعي " واليوم يقول أنا علماني لتوضيح معنى الانتقال الذي أقصده فقط ــ ليفتح الباب على مصراعيه لمن هب ودب ليقول في الاسلام بحجة الديمقراطية.
لكن ما يثير الأعجاب أن الحاج الشابندر يمتلك فكرا أصيلا يوظفه للعلمنة دون مقابل، وهنا، نخشى من أن الرجل صار لايبحث عن حسن العاقبة وهو قاب قوسين أو أدنى من نهاية العقد السبعين من عمره الذي أوقفه لتنظيف كل الشوائب التي علقت بالإسلام ليظهره اسلاما صافيا، لا علمانيا ولا اصوليا، بالمعنى المفهوم للأصولية الغربية والتي تساوي التطرف الاسلامي وبالتالي الارهاب المزعوم.
ولاندري لماذا يصبح المفكر الشابندر ديمقراطيا أكثر من بلدان الديمقراطية نفسها، ففي الوقت الذي يقدم مجموعة من أعضاء الكونكرس الأمريكان مشروع يدعو الى جعل الإنجيل أحد مصادر التشريع في الدستور. وتقدم فرنسا بلد جان جاكروسو أبو العدالة والديمقراطية على منع الحجاب، متجاوزين كل أعراف البلد الديمقراطية. ويحاصر شيعة لبنان باسم الديمقراطية لاجبارهم على رمي سلاحهم ضد عدوهم الذي اغتصب أرضهم. ويُحتل العراق باسم نشر الديمقراطية، ليذبح أهله وشعبه ولا من واضع حد لهذا التذبيح. وتتسارع المسيحية واليهودية على نشر مفاهيم أحلاها عنصري، تعتمد نقاء الدم وان لم يظهر هذا في الخطاب انما هو واضح كل الوضوح لاسيما للمفكرين في مشاريع القوم، وتؤشر للمفكر قبل المثقف أهداف أجندتهم.
في ظل هذا التحول المتسارع نحو الاصولية الدينية في كبريات الديمقراطيات الغربية ، يظهر لنا الحاج أكثر ديمقراطية من كل هؤلاء ويسعى لتجريدنا من هويتنا الاسلامية ونحن نمتلك قلب العالم الاسلامي النابض بالفكر الحضاري الامامي ، والسني المعتدل الذي اراد له البعثيون تشويهه بتفجير قبة العسكريين عليهما السلام.
وتحضرني هنا واقعة جرت أحداثها في مدينتي سدة الهندية،الناحية الفراتية الغافية في أحضان الفرات، وفي أعلى نقطة عليه في خمسينيات القرن الماضي. وهي أن البروفيسور المشهور عالميا في علم النفس "عبد علي الجسماني" وهو من ريف سدة الهندية، أنه جاء يوما الى الحاج محمد رضا الهندي، صاحب محل يتوسط سوق المدينة، يحمل صفة عصرية من حيث بيع المواد المستوردة الحديثة مثل سكائر ( كريفن أبو البزون) وعلب الحليب السائل المحلى وغيرها، ويقال أن البروفيسور عبد علي الجسماني كان قد تخرج من دار المعلمين الابتدائية للتو، وقد ذهب الى الحاج محمد رضا الهندي رحمه الله طالبا منه شراء هذا النوع هذا من الحليب، لكن طلبه جاء باللغة العربية الفصحى فقال: "يا حاج هل لديكم حليبا محلا " فرد عليه الحاج الهندي " عدنه بويه حليب محلى بس مو هالثخن"
أقول اليوم: لقد ثخنها الحاج الشابندر وهو يدعو الى رفع الآذان من التلفاز مبررا ذلك بالديمقراطية ونحن لم نؤسس لها بعد، ولم نعرف النوع الذي يريده لنا المحتل وهو يتنقل بتحالفاته الأقليمية والعراقية، بين الأطراف المشاركة في العملية السياسية ومشاركة في التناحر الطائفي، لكن المدقق لرأي الحاج يجده متناقضا مع نفسه – فيقول{ ( حي على الفلاح، حي على خير العمل ) لا تخص مسلما، بل هي دعوة إنسانية للجميع، فالأذان الإسلامي بهذه الفقرتين الحضاريتين الشائقتين عالمي، وليس إسلاميا صرفا، وفي ذلك يكفيه فخرا.}اذن يا سيدنا ومولانا اذا كان الآذان هكذا لماذا لاتدع الآخرين يتمتعون بهذين الفقرتين الانسانيتين وهما تنسابان من خلال المذياع والتلفاز، لتعمر بهما قلوب الطيبين في كل الطوائف والأديان بحب الفلاح والعمل الخير، نحو مجتمع انساني متراص؟ ويزيد بالتوضيح أكثر بل ويخلق المبرر الرائع لان يدفع الإعلام العراقي بأن يوصل هذا التوصيف الرائع للآذان الى الناس أجمعين بقوله: {حقا أن الأذان الإسلامي دعوة سلام وحب وعطاء وعمل وبذل في سبيل الإنسان وا لمجتمع والحياة } رحم الله الفنان جعفر السعدي عندما يقول " عجيب أمور غريب قضية"
ولكن يأتي تبرير الحاج برفع الآذان بحجة الديمقراطية ويلزم التلفاز بنقل أجراس الكنائس، ولا أدري هل الديمقراطية تجريد الناس من هوياتهم الدينية والمذهبية والقومية، أم أن الديمقراطية حكم الأغلبية وبتبريك من الأقلية كما يتعامل الغرب بها؟. ألم يجيز الدستور لكل الأطياف حقهم بالاعلام والتثيقف على أن لايتعارض مع ثوابت الإسلام والثوابت الديمقراطية؟ أم أن ديمقراطية الشابندر من نوع خاص يعني ( سبشل)؟
تناقض بتناقض وهو يهول الأداء الديمقراطي بتشويه طائفي مثير للشحناء وهو يدعي اطفائها فيقول { ولكن رغم ما للأذان الإسلامي كل هذا الجمال والسناء والروعة و الاناقة يتحول إلى باعث شحناء وضغناء ومناقشات لا طائل من ورائها عندما تتبناه ( الفضائية العراقية ) } كيف يا مفكرنا ومثقفنا المبجل يتحول بث الآذان الى باعث شحناء وضغناء، ألم يكن الآذان نفسه من على مآذن المساجد؟ أم انه يختلف ؟ فلماذا لم يكن باعث وفاق وتراض ما دام شعب العراق أغلبيته مسلمه وقد أعطى الدستور للاعلام المفتوح مداه الذي لم نجده حتى في الغرب الديمقراطي ، فهناك العشرات من الأقنية وهي تؤدي دورها التي تراه مناسبا لما تعتقد به فتضرب الكنائس ويمارس الصابئة والازيديين طقوسهم، دون المساس بالدستور، أليست الديمقراطية هكذا ؟ أم أن الديمقراطية بمفهوم العلمنة، سيطرة العلماني على القلب الاعلامي بادارة المخابرات الأجنبية، لتفريخ العقل العراقي المتشنج بخلق تنافر بين الأقنية الرسمية والخاصة ، وتحولهم الى صراع عقائدي يفرز ما نقلته لنا أنت شخصيا ما كان يجري في الامارات ايام اعتقالك هناك؟ وماذا قال لك ذاك الضابط الاماراتي وبم نصحك؟ عجيب أمور غريب قضية.
كلام غريب، يناقض الحاج نفسه بنفسه فهو يقول { الفضائية العراقية يجب أن تكون عراقية، لا إسلامية ولا مسيحية ولا مندائية، لا شيوعية ولا قومية، عراقية بحتة، ذلك هو منطق العراق الديمقراطي التعددي} وهل هناك فرق بين كون الانسان عراقي واسلامي في آن؟ يعني هل من الممكن أن لايكون الأمريكي مسيحي في ديمقراطية العم سام؟. فالديمقراطية يا سيدي ليس أن يتساوى الجميع بلون واحد، وأن تصهر الأفكار في بوتقة واحدة ، أو أن تمزج الألوان بلون واحد فيختلط الأبيض بالأسود ليعطينا الرمادي ونقضي على ذلك القوس قزح الجميل؟ هل هذه هي الديمقراطية المطلوبة؟ أم أن ديمقراطيات ما يطلبه المشاهدون والمستمعون والمنبطحون للعم سام؟ لماذا تريد تجريد هويتنا واسكات صوتا أنت اثبت له أن يكون الصوت الأوحد على ربوع المعمورة؟.
الهوية الوطنية واضحة المعالم، لكن الهوية الدينية تختلف باختلاف العقيدة التي يؤمن بها الفرد، وهذا ما يفرضه الواقع الذي يعيشه البلد بأغلبيته، فهذه الدنيمارك البلد الأسكندنافي ذي النظام الاجتماعي المميز، والديمقراطي حد النخاع، لن يسمحوا للمسلمين من بناء جامع لهم، بل رفض البرلمان من تمليك أرض لذلك. وهل تشاهد التلفزة المسيحية في مشارق الأرض ومغاربها ماذا تفعل في رٍاس السنة الميلادية ؟ سوف تقول ذلك تقليد، وأنا أقول لك نعم تقليد ولكنه ديني في صميم المسيحية، فالعراقي المسلم لايمكن للديمقراطية أن تمحي هويته الدينية كما المسيحي العراقي كذلك، وما الضير من أن يظهر الجميع في قناة واحدة، ليعرضوا ثقافاتهم ورؤاهم بنفس المسافة؟ لكن لابد لهوية الأغلبية أن تأخذ حيزها من الظهور كونها تمثل الأغلبية.
وأخيرا أقول : اذا كنت تريد أنت أن تسقط هويتك الاسلامية، واستبدالها بهوية علمانية هذا شأنك واترك العراق لاهله، فسيبقى الاسلام هويتنا وليأتي من يبدلها من خلال " صناديق الأقتراع" عندها نتحول الى اقلية وننزوي في أقنيتنا واذاعاتنا الخاصة ونحترم الكنائس وهي تدق ، ونعود لنحيي الاسلام في قلوب الذين أوهمهم الغرب بخزعبلاته.
وقبل أن أودعك، أريد أن أذكرك سيدي المفكر بقول الدكتور المسيحي الرائع " كلوديس مقصود " الاعلامي والدبلوماسي العربي قوله " أنا مسيحي ولكن ثقافتي اسلامية " وكفى، وحقا يصح أن نقول { عرب وين طنبورة وين} وطن يذبح بسكاكين صدأة، ومفكرون يمعنون به ذبحا، وأوداجه عصية على كل تلك السكاكين التي شحذت بقصد، أو تلك التي تمعن بالوريد بدون قصد، لكن أوداجه عصية على الجميع من أن تقطع، وسيبقى الى أن يأذن الله للعدل أن ينتصر.
زهير الزبيدي