 |
-
أضحوكة العالم المثالي - رحلة الضحايا والمظلومين في عهد الطاغيه صدام
FF0000أضحوكة العالم المثالي - رواية / 1
كتابات - حسين كاظم الزاملي
قصة السجين العراقي في عهد صدام
الإهداء
إلى كل من عرف ( ملك الرعب في بغداد) ... وقال له (كلا) وتحمل أعباء ذلك.
إلى خديجة .....
عزيزتي : موضوعية الأشياء كنت أعرفها ولا زلت أتذكر شيئا منها إلا إنني وجدت نفسي في عالم لا أفهم منه أي شيء ، أبدا لا أفهم منه أي شيء ، سوى إن صورتك وكلماتك القديمة جدا والمتجددة في كياني تدفعني في مواصلة الطريق ، لكم تمنيت أن أراك حتى أخبرك عن مرارة تلك السنين ووحشة الطريق ومأساة ذلك الزمن الذي لا أعرفه.
التوقيع
إبراهيم رشاد
الفصل الأول .....
ـ 1ـ
هو هكذا في ساعات الصباح الأولى كأنه الزعيم المنتصر في تلك الدروب المضاءة بقناديل الانتصار الأخير والمتعبة جدا من مراقبة الطريق.
هكذا بدا السيد يوسف شمران في هذا الصباح ، وكل صباح مضى من كل أسبوع يجري تدريباته المكثفة في الساحة التي استحدثت أخيرا ، الساحة القديمة والتي كانت تسمى ( ساحة التحدي ) تبعثرت بعد أن بني في مكانها غرف لا يعرف ما بداخلها ، لباسه الشخصي كان دوما يثير بعض التساؤلات خاصة من أولئك الجنود الجدد والذين كانوا يجهلون واقع تلك الغرف البعيدة جدا و ماذا يمكن أن تضم ، لهذا تراهم يقضون معظم أوقات فراغهم في صراع مع تصوراتهم المضطربة حول ماذا يجري هناك ، ولأنهم مستجدون تماما سيحتاجون قليلا من الوقت حتى يفهموا بقية الأشياء المنتشرة هنا وهناك ، إلا في هذه الساعات فأن بدلته العسكرية تقتل موجة التساؤلات تلك والتي تشبه إلى حد بعيد رائحة الباذنجان المقلي حينما يبث من أماكن الطبخ الأخيرة ، قبعته الحمراء أخذت مكانها فوق رأسه المتخم من طوابير الأمنيات ومجاميع الأحلام وموهبة الابتكارات الجديدة في سحب المعلومات و التي يرتعد منها المنتظرون هناك أي في تلك الغرف البعيدة جدا عن مركز القرار.
هذه القبعة مخصصة ضمن القانون العسكري هنا إلى فن التدريب الأسبوعي الصباحي ، ومع أن الشمس ما زالت حتى هذه اللحظة الحرجة في مسار التدريب مختفية بخيمة الأفق البعيد ، إلا أن السيد شمران تراه وقد وضع نظارته السوداء على عينيه المليئتين بتطلعات المستقبل الغامض لديه ، ربما وضعها لتحجب عن عينيه الزرقاويتين بعض الأتربة التي تثار من هرولة الحرس الخاص والذي كان يصرخ بكلمات كلها تؤكد أن لا هروب من هذا الصرح وأن الجميع فداء للسيد الرئيس.
قديما جدا أي حينما كان البريطانيون هنا ، كانت إنارة الصرح تنتج من مولدات بيركنز العملاقة ، كان منها ما هو مخصص لليل ومنها ما خصص للنهار ، اليوم الإنارة مركزية تصل إلى الصرح عبر خط كهربائي عملاق هو بحاجة إلى صيانة من اجل أن يبقى يغذي الصرح بما يحتاجه من كهرباء، إما تلك المولدات فأنها ظلت مرمية هناك كقطعة تاريخية تذكر الجدد ، أي الضباط الكبار أو الصغار ، وليس السجناء لأن السجناء لا يتسنى لهم ان يروا تلك المولدات كونها في زاوية لا تصل إليها أعين المارة من السجناء الذين يخرجون لأي سبب كان ، عموما تذكر الجدد ان البريطانيين هم أول من وضع أقدامه هنا وانشأ تلك الغرف الغامضة ، الإنارة تلك موزعة بشكل دقيق ومدروس على جميع الأبراج خاصة عند أبراج المراقبة الداخلية أو الخارجية.
في أيام الحروب الطويلة ، وحينما كان الطيران المعادي للسيد الرئيس يجوب السماء باحثا عن أهدافه كان هنالك من يأمر بإطفاء تلك المصابيح تحسبا لكل شيء.
يوسف ومنذ أن أتى أي قبل سبعة أعوام كانت أوامره تمتاز بالشدة والصرامة خاصة حينما يتعلق الأمر بتمارين تعقب الهاربين من هذا الصرح الرهيب .
هذا الرجل العنيد يتناسى دوما أن إمكانية الهروب مستحيلة ، فهو يؤكد في محضر اللقاءات الصباحية بل وحتى المسائية على ضرورة إتقان تمارين تعقب الهاربين .
ــ علينا أن نكون على أتم استعداد لتعقب هؤلاء المجرمين ، إنكم أمام تحدي جاد وهو أبقاء هؤلاء الأعداء ، أعداء السيد الرئيس في تلك الزنزانات أنها مهمة كبيرة إذا علينا أن نتقن ذلك.
ــ نعم سيدي ... عاش القائد عاش القائد عاش القائد.
هكذا كانوا يصرخون ودوما هذا جوابهم على كلمات السيد شمران ، حينما تشاهد تلك السرايا من بعيد تقسم أنها لن تهزم أبدا في يوم ما ، كان الجميع مثابرا تماما مثلما يثابر المرء في بناء بيته ، كانوا يصرخون دوما عاش القائد عاش القائد.
طيلة ذلك الزمن الممتد لم تحدث أي عملية هروب ، البعض يتحدث عن هروب مبرمج قام به بعض السجناء بمساعدة اثنين من الحرس ألا أن سجلات الصرح لم توثق ذلك ، قبل سنوات اعدم يوسف اثنين من الحرس وأكد للداخلية يومها عن استحالة أي هروب وبعد شهرين وجد الحرس ست جثث متعفنة في وادي منعزل وهناك من يسميه بوادي الفقير وهو وادي يبعد ستون كيلو مترا عن الصرح تنتشر فيه أدغال العاقول بكثافة وقد أكلت الذئاب منها الشيء الكثير ولم يبق إلا ما يدل على كونهم سجناء فروا بلحظة ضاحكة على أقدارهم.
الصرح هذا عبارة عن نقطة ضائعة في بحر مترامي الإطراف من الرمال والتلال والعواصف الرملية ، في بعض الأحيان تصل المؤن الغذائية عن طريق المروحيات ، أحيانا بواسطة (مي 8) وأحيانا بواسطة ( السوبر فرليون ) ولكن في معظم الأحيان عن طريق البر وعبر ثلاثة طرق ترابية طويلة ومتعرجة ومؤمنة من قبل وحدات عسكرية متنقلة ، حيث كلفت عشرة شاحنات عملاقة من نوع مرسيدس و فآلفو تابعة ملكيتها لوالد زوجة السيد الرئيس والذي يطلقون عليه في كل مكان (الحاج) ، وهي مكلفة بإيصال ما يحتاجه الصرح من مواد ، أربع منها خصصت لنقل السجناء وتمتاز عن غيرها ببعض المواصفات ، مثلا هناك حلقات مثبته في أرضية الشاحنة تشبه القيد يقيد فيه السجناء حينما ينقلون.
أقرب نقطة يمكن أن تسكن من قبل تلك الحشود البائسة ( كما راق للشاعر الايرلندي وليم هوت والمودع في أحدى زنزانات سجن الجالية أن يسميهم ) هي مائتان وعشرون كيلو متر تقريبا عن مقدمات الصرح والتي هي متشعبة وكثيفة .
في عهد السيد شمران المدير الرسمي لهذا الصرح تشاهد أن السجناء ما عادوا يحلمون في الهروب ، يحلمون وليس يفكرون ، إذ أن مجرد التفكير في الهروب يجعل من السجين يواجه سخرية من أصحابة إذ عليه ان يقطع مئة كيلو هرولة دون ماء ودون أي إعانة من أي شخص وعليه ان يجتاز خطوط الحماية العسكرية المنتشرة على بعد خمسة وعشرون كيلوا وبشكل مستدير ، في هذا العهد تلاحظ ان الوفيات كثيرة وكثيرة جدا ، طيلة الأعوام السبع التي انتهت حدث ما يقارب على عشرة ألاف ومئتي حالة من حالات الوفاة ، وفيات السيد شمران تختلف كثيرا عن سابقيه ، لقد جعل السجناء يحنون إلى الماضين من الذين تولوا هذا السجن قبل شمران ولكم تمنوا أن يعودوا .
الجثث هنا ترمى دوما في شقوق كبيرة حفرت من قبل السجناء وكانوا يجهلون وهم يحفرونها صيفا أو شتاءا إنها ستضم يوما ما أشلائهم المتعبة ، أبدا لم يخطر ببالهم وهم يحفرون أنهم يحفرون قبروهم التي ستضم أشلائهم المتخمة من أثار التحقيق ، هناك وعلى المرأى البعيد بنيت المحرقة ، تراها وكأنها قطعة من القديم ، القديم جدا ، أحيانا تكون الوفاة نتيجة تسمم في الغذاء والذي يرمى لهم بوجبات قلقة ، أكبر حالة رصدت ويمكن لك أن تقرأها في سجلات الصرح هي تلك التي راح ضحيتها ألفان ومئتان وأربعة من ذوي القضايا المهمة على حد ما يسمونها هنا، اللجنة الطبية التي كان يقودها يوم ذاك الدكتور جوزيف نمرود عالجت عشر حالات فقط وتركت البقية مكدسين بعربات الموتى يدفعها بعض السجناء الذين يمتازون عن غيرهم بقضايا لا تمس السيد الرئيس وعائلته بأي صلة ولترمى في الشقوق البعيدة.
يوسف أنزعج من ذلك الحدث وقرر أن يقطع مرتب الدكتور نمرود لشهريين متتاليين .
- لقد تماديت كثيرا جوزيف ، لماذا لم تعالجهم بسرعة ؟.
- سيدي العدد كثير ثم أن هنالك نقص في المواد الطبية وقد أبلغت سيادتكم عن ذلك قبل شهر في طلب سلمته لمدير مكتبكم ثم أن هذه الحالة ذات ...
- هذا يكفى أذهب .
يتبع..
[
[rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]
-
أضحوكة العالم المثالي - رواية /2
أضحوكة العالم المثالي - رواية / ح2
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
في بعض الحالات تكون الوفاة بسبب التدهور الصحي الناتج عن تفشي أمراض خطيرة مثل تصلب شرايين القلب أوالتهابات المعدة الحادة أوقرحة الأثني عشري والسكري وفقر الدم أو التيفوئيد وأمراض ألكلى والربو أو التدرن الحاد والجرب وأمراض السعال والانتحار والتي هي قليلة جدا إلا أن معظم الوفيات تكون من برامج التدريب المركز والتي تُخصص لتدريب الحماية المركزية للسيد الرئيس وكذلك حماية أفراد العائلة الحاكمة ، حيث يؤتى بهم إلى هنا ليتقنوا فن الرماية على الأهداف المتحركة ، وكان السيد شمران يخرج بعض السجناء ويأمرهم بالركض إلى نقطة ما يحددها لهم زاعما أن الثلاثة الذين يصلون أولا سيطلق سراحهم ثم يوجه حماية السيد الرئيس ممن هم تحت التدريب بنادقهم بأوضاع مختلفة على أولئك السجناء الذين يهرعون بكل ما أوتوا من قوة ليصلوا إلى خط النهاية حيث يتوقف الرمي عليهم ، الذين كانوا يهرعون بكل ما أوتوا من قوة ليس لديهم أي تجربة في هذا المجال أي أنهم لم يخرجوا من قبل إلى هذا التمرين القاتل ، في المرة القادمة سيموت لديهم ذلك السؤال الذي كان يضج بأعماقهم وهم يهرعون وهو لماذا هؤلاء الشيبة يتباطئون في الركض ، في المرة القادمة سيكونون كذلك هناك قول من الذين خرجوا أربعة مرات في هذا المسلسل ولم يموتوا ، وهي خبرة لا يستهان بها أبدا ، يقولون إن الحرس يستهدف من يركض بسرعة ، وأمام هؤلاء بقيت مرة واحدة حتى يحصلوا على ألامان الرئاسي ، الذي يخرج خمسة مرات ولم يمت سوف لن يرى الأهداف المتحركة بعد ذلك ، لن يرى ذلك أبدا ، هكذا كانت توجيهات نجل السيد الرئيس الأكبر حينما زار الصرح قبل أعوام وأراد أن يرى السجناء وهي كلمة تعني في عرف السيد شمران إنه يريد أن يتدرب على السجناء وهم يهرعون في الساحة الكبيرة ذات الشواخص الكثيرة
ــ أمرك سيدي سوف أخرج لك مجوعة لتراها .
كان يضحك بينما راح مساعد شمران يخرج له أعدادا لا بأس بها ليسدد عليهم وهم يركضون من هذا المكان إلى ذلك المكان ، يومها قال للسيد شمران ذلك القرار.
ــ أي سجين يخرج خمس مرات ولا يصاب، لا تخرجوه إلى الرمي بعد ذلك وله ألامان من الرمي إنه أمر.
ــ أمرك سيدي سينفذ من الآن.
وكان شمران يسمي ذلك العمل ببرنامج الأهداف المتحركة وهو مصطلح خاص بيوسف ولم يثبت في مصطلحات الداخلية الكثيرة والمتشعبة ، الذين لم يقتلهم رصاص الحماية يرجعونهم الحرس بأهازيج وهتافات تحي السيد الرئيس ، في معظم الحالات يعودون بهم إلى غير زنزاناتهم التي أخرجوهم منها أول مرة ، هذه العمليات واختيار الأهداف المتحركة من الزنزانات يشرف عليها المقدم قحطان ، وهذا لا يكون إلا حينما تكون هنالك وجبة حماية جديدة أو تنشيط وجبة حماية قديمة أو أعادت تدريب وجبة لم يقتنع الضباط الكبار بأدائهم ، حينها يأتون بهم إلى هنا من اجل إتقان عملية التصويب على الأهداف المتحركة.
يوسف هذا يمتاز إضافة إلى تلك المميزات القاهرة بوسامة وجهه خاصة حينما يكون في ساعات هدوئه وهو يشرب الكلاريت الفرنسي، كان يمتاز بطول فارع وعينين حادتين وخبرة لا بأس بها في مضمار الحرب النفسية.
الحقيقة إن السيد شمران لم يدرس ذلك العلم ولا تسنى له أن يقرأ كراس مهني صغير، هو يعتقد أن له أسلوبه الخاص والذي أخذه من الواقع والعمل المتواصل وهو يرى أن أسلوبه في تطور، كان يعمل قبل ذلك المنصب ضابطا أمنيا كبيرا في سفارة الحكومة في كوبا وقد لعب دورا مهما في تصفية بعض الناشطين من أعداء السيد الرئيس قبل التحاقه بكوبا ، ألا أن خلافه مع أحدى عشيقات الابن الأكبر للرئيس أوصله إلى هذا المكان البعيد جدا عن ليالي العاصمة الحمراء ، قبل ثلاثة أيام دخل في السنة الخامسة والأربعين من عمره ولم يحتفل بذلك اليوم لأنه لم يكن يعلم بذلك ، ومع كون التدريب أسبوعي وليس يومي ألا إن طرقه مزعجة ولكن لا مناص من التسليم بذلك ، فالجلوس وحسب أوامر شمران الأخيرة يجب أن يكون قبل الشروق بساعة حيث برنامج التدريب الرياضي الذي يستمر عادة حتى احمرار الأفق ، عندها تكون هنالك استراحة لمدة ساعة يتسنى من خلالها للجميع أن يتناولوا إفطارهم الصباحي ، بعدها تبدأ تمارين حماية السجن حيث يوزع الجميع إلى سرايا وصفوف يستمر هذا إلى أربعة ساعات في أسوء حالاته .
السيد شمران هو الشخص الوحيد الذي يتمتع بصلاحيات إنهاء وقت التدريب الأسبوعي وكعادته يومأ بعصاه أشارة منه لإنهاء تدريبات هذا السبت ألا أنه يشدد على معاونه رجب غالي في زيادة الحراسات الأمامية.
ــ عليك بزيادة تواجد الحرس في البوابة الأمامية والمدرج وبلغ الجميع أن يكون في زيهم العسكري وحتى الذين ليس لديهم واجب فربما يزورنا رجل مهم هذا الصباح ، مفهوم.؟
ــ نعم سيدي .
هذا ليس ادعاء من السيد شمران فقبل قليل وصلت رسالة عبر جهاز اللاسلكيي وبلغة مشفرة تخبر السيد شمران عن قدوم صقر كبير ونزوله في الصرح ، الزيارات نادرة هنا فقد مضت ثلاثة أعوام دون أن يأتي مسؤول مهم لهذا ترى السيد شمران أخفى هواجسه ومخاوفه وهو يكلم رجب وربما تذكر خلافه مع السمراء رابية العشيقة الأولى لنجل السيد الرئيس ، وأيا كان المسؤول وما يحمله فقد استعد السيد شمران لما هو مزعج وحزين.
الساعة الأولى ما بعد التدريب والإفطار يقضيها السيد شمران بتفقد الزنازين ، هذه الفقرة ذات طابع روتيني فالسيد شمران يحتاج إلى أربعة ساعات متواصلة حتى يتسنى له أن يمر على كل الزنزانات والمحاجر في موقع واحد من تلك المواقع الكثيرة والمنتشر كانتشار أزهار الأقحوان هنا والذي يفضي على هذه الآفاق المخيفة رائحة تشبه إلى حد بعيد رائحة الكافور ولطالما ذكرت السجناء بالموت ، وكان يوسف دوما يحتوي طلبات السجناء بالصياح والضرب ، حتى انه في الآونة الأخيرة ما عاد هنالك من يتكلم أو يطلب شيئا من شمران ، ذات يوم صرخ بالسجناء.
ــ لماذا لا تتكلمون أيها الحمقى مرة سبعة أشهر ولم أسمع طلب واحد يثير اهتمامي هيا تكلموا ما تريدون مني.
كان دوما يتكلم بهذا وذاك وكان يفشر كثيرا على السجناء ، كان يذكرهم بتلك الكلمات النابية جدا انه لا مجال للهروب وان نهايتهم ستكون هنا وكالعادة لا يوجد حرف واحد يعانق شفاههم المتيبسة ، أخر مرة أستمع بها السيد شمران كانت لسجين يشكو آلاما في ضرسه.
ــ سيدي أن ضرسي يؤلمني ولي شهر على ذلك وكنت أنتظر زيارتك هذه.
كان أسمه جعفر ومضى على خروجه من الانفرادي أسبوع فقط ، ولم يكن الانفرادي الذي خرج منه جعفر هو ذاك الذي يراه السجين حينما يدخل أول مرة وعمره عام ، أبدا لم يكن ذلك الانفرادي ، إنما كان عقوبة لأن أحدهم أتهمه انه كتب على الجدار كلمة نابية بحق ابنة الرئيس وحينما أرادوا أن يقرءوا الكتابة لم يستطيعوا ، لقد كانت حروفا متقطعة لا يفهم منها أي شيء ، دخل الانفرادي عاما كاملا لأن الحرس ظن انه كتب على الجدار كلمات تسيء إلى عائلة السيد الرئيس وكان قد مضى عليه وهو في الصرح سبعة أعوام ، قال يوسف وهو يضحك.
ــ رجب حاولوا معه إن ضرسه يؤلمه .
ــ أمرك سيدي سنحاول معه.
ألا أن رجب غالي لم يمر عليه كما وأن السجين ذاك استراح هو الأخر من آلام ضرسه بعد عشرون يوما من حديثه مع السيد شمران في مسلسل الأهداف المتحركة ، أصابته أربعة أطلاقات في ظهره وكان قد صوبها عليه شاب صغير يدعى باسل ما زال تحت التدريب حيث كُلف وبعض الجند لحماية ابنة الرئيس الصغرى وهي تتجول في شوارع بغداد آو المناطق السياحية الأخرى.
يتبع إنشاء الله.....
[
[rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]
-
أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح3
أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح3
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
كان السيد شمران دوما ينظر إلى السجناء من خلال الفتحة الصغيرة في باب الزنزانة واضعا منديلا على أنفه ليتجنب الرائحة النتنة جدا والمنبعثة من الزنازين ، كانت مساحة الغرفة الواحدة تبلغ ثلاثة أمتار في مترين يقطع منها متر كمكان لرمي الغائط وهو عبارة عن مرحاض صغير مستور بجدار على نحو المتر والنصف ارتفاعا ، وهناك حنفية بلاستكية بيضاء إذا تعطلت يصعب إصلاحها ولابد من تبديلها وهذا ما يحتاج إلى وقت طويل والى مطالبة جادة قد تستمر أربعة أشهر ، لذلك تشاهد أن السجناء كانوا يحرصون على سلامتها أكثر من أرواحهم.
بني هذا السجن الكبير أو الصرح على حد تسميات الحكومة قبل سبعين عاما وبالتحديد في أوج الاحتلال ( الكولونيالي ) للبلاد وتسيده على كل شيء ، كان هدفه تحجيم دور المعترضين على الوجود السياسي البريطاني ، يومها كان المعترضون ينتمون إلى جهات وطنية يقودها دينيون أو تجار أو أساتذة جامعيون وكانت تتمتع حركاتهم بأسماء كثيرة ، حينما اندلعت ثورة تموز في البلاد كان الصرح يضم شرذمة الأفكار المنحرفة والمتطفلة على الديمقراطية على حد مزاعم الحكومة والتي كان يقودها يوم ذاك رجل عسكري حكم البلاد سنوات قليلة في أعقاب تلاشي الدور الملكي ويكن له البعض ولا سيما المزارعون وضعفاء الناس في الجنوب حبا شديدا ويحفظون شيئا من كلماته والتي كانت تبث عبر المذياع ، يقولون انه قال ذات يوم ( أنا أخر عراقي يشتري بيت) كما وينسبون إليه انه ذات مرة دخل إلى شارع الخبازين فرأى خبازا قد علق صورته وكانت كبيرة جدا ولما نظر إلى الرغيف رآه صغيرا جدا فقال له ( صغر الصورة وكبر الرغيف ) وهناك أحاديث كثيرة يتكلم عنها الناس.
مجيء البعث وتسيده في البلاد عنى أشياء سيئة كثيرة وكثيرة جدا ولكن ليس لأولئك الذين افترشوا أرصفة العاصمة حيث العتمة وممنوع الوقوف بدأت تدب في كل مكان ببطء شديد ، ليس لأولئك الذين افترشوا الأرصفة يبتاعون أي شيء ليسدوا به حاجاتهم أمثال الكتب القديمة والمجلات المبتذلة وصور لممثلات عربيات وأجنبيات أجسامهن شبه عارية ويتهافت عليها المراهقون ليعلقوها بأماكن عملهم وهم ينظرون إليها كل لحظة ، ولا لأولئك الذين وقفوا طوابير بائسة أمام ملهى كوكب الشرق أو خمس نجوم أو الصباح ينتظرون أن تفتح الأبواب ليتأملوا في الساقين النحيفتين للراقصة سوزان أو الممتلئتان جدا للراقصة ربى و لا لؤلئك الذين يتسكعون في شارع أبي نؤاس يأخذهم الشروق ويأتي بهم الغروب ضربا في الأحلام المريضة ولا لؤلئك الذين يضربون بشق الأنفس في الأراضي الوعرة في الجنوب من أجل أن تنتج شيئا وهي تأبى ذلك ، هؤلاء كلهم ودون أن يشعروا سيكون عليهم لزاما أن يدفعوا ضريبة هذا التسلل الأخير والمخيف جدا والذي ولد وهم في غفلة منه ، سيحاولون لا حقا أن يجدوا ملاذا من سطوت الأيام القادمة وعبث الأقدار، سيحاولون طويلا ولكن أخيرا سيكون عليهم التسليم بما يريده السيد الرئيس ، ليس لهؤلاء تماما بل لأولئك الذين أدركوا إن هذا التحول السريع سيكلف البلاد كثيرا وسيجعلها تعيش أسوء اللحظات والسنين.
من الأشياء الأولى التي طرحتها ثورة البعث هي ترميم هذا الصرح وتوسيعه بحيث بات السجن القديم مخزنا للأطعمة ومكان يوضع فيه الفراش المستهلك وهناك مكان خصص للذخيرة .
( الصرح الكبير متشعب في واقعه وغامض في كل أماكنه) هذا أول ما تقوله في نفسك وأنت تنظر إلى الصرح من قريب ، هو يحتوي على مئات من الغرف والممتدة على شكل ممرات ضيقة جدا وهناك ممرات أكثر سعة ، منها ما تراه حين تحلق السوبر فرليون ومنها ما هو تحت الأرض ، هنالك رأي تقليدي شائع لدى الحرس وحتى الضباط وهو أن السيد شمران هو الرجل الوحيد الذي يعرف كل ما يدور في هذا المكان الغامض والمنعزل .
البوابة في كل الغرف أو الزنازين متشابهة ، فهي عبارة عن قطعة حديدية سميكة حمراء اللون وضعت في أعلاها بوابة متحركة بحجم ثلاثين سنتيمترا وهي مقفلة في كل الأوقات إلا حينما ترمى وجبات الطعام من خلالها وقد يستمر غلقها عامان كعقوبة على أي شيء لم يعجب الحرس ، حينما تفتح فأن السجين يمكن أن يرى سجينا أخر ويكلمه في الزنزانات المقابلة ولكن في مثل هذه الحالة علية أن يتحمل أوزار ذلك العمل الخطير ، فأن عقوبة ذلك وحسب توجيهات السيد شمران الأخيرة هي أن يعلق المتحدثان خمسة اشهر من أقدامهم ويكون رأسيهما إلى الأسفل بحيث كلما مر الحرس ركلوهما بأقدامهم حتى يموتا ، ومع أن شمران صرخ بذلك في يوم ما وكان في غضب شديد إذ أنه رجع من إعدام زنزانتين قيل له إن السجناء كانوا مضربون عن الطعام ، وفي الواقع لم يكن الجميع مضربا عن الطعام ، نعم هناك ثلاثة امتنعوا عن الأكل ولما كلم يوسف السجناء بشي من الشتم وسيل من الكلمات النابية صرخ به احد السجناء وشتمه وكان ذلك السجين وأسمه عصام مصابا بهستريا منذ شهرين تقريبا ، حينها أمر يوسف شمران بإخراج الزنزانتين وإعدام السجناء وكان عددهم تسعة ، ومع هذا كله فأنه لم يتفق أن سجينا علق خمسة اشهر ولا حتى ثلاثة اشهرلأنه تحدث مع سجين أخر عبر البوابة المتحركة ، نعم هنالك من عُُلق أياما، ، أياما فقط ولكن النتيجة واحدة في نهاية المطاف وهي أن يموت السجناء المعلقون من أقدامهم ، وكثيرون هم الذين ماتوا جراء ذلك.
أكثر الغرف خطورة ومحط عناية السيد شمران هي تلك التي تقع في وسط الصرح ويطلقون عليها غرف الموت ، القوانين التي شرعها السيد شمران في حقهم لا بأس بها على حد قوله.
ــ لا يمكن لأي أحد من هؤلاء الجبناء أن ينتقل إلى الغرف الجَماعية إلا بعد أن يقضي سنة كاملة في زنزانة انفرادية ، هذا في اعتقادي لا بأس به .
في هذا الصباح ، وكل صباح مضى ينتشر بعض السجناء لتنظيف ممرات غرف القيادة وبيوت الضباط والحرس ، هؤلاء السجناء ليسوا من أصحاب القضايا المهمة والخطيرة وهم من المناطق الموالية للسيد الرئيس لذلك ترى السيد شمران خصص لهم سجنا بعيدا عن جحيم الغرف الضيقة وأوكل أليهم مهمة التنظيف .
في الجانب الأول من الصرح تقع بيوت الضباط والحرس ، تراها وقد طليت بلون ابيض باهت ، يقول البعض أن شركة أعمار محلية يترأسها والد زوجة السيد الرئيس هي التي بنت تلك البيوت وكانت هذه الشركة تستخدم الجنود أيادي عاملة بعد أن تجلبهم من معسكرات التدريب وكان الجنود يفرحون بذلك لأنهم يعتقدون أنه لا توجد نسبة بين العمل في الشركة وبين الاشتباك مع العدو في جبهات القتال حيث الجيش يعيش معركة شرسة وطويلة مع الثوار الأكراد في شمال البلاد.
قبل سنتين تقريبا توقفت ظاهرة جلب الفتيات إلى هنا لغرض تهيئة مناخ جنسي صاخب للحرس والضباط ، ثمة أمور غامضة حدثت ولكن لا أحد يتكلم عنها .
الجهة الرسمية التي كانت مكلفة بذلك هي مؤسسة جماهيرية ذات طابع أمني أطلقت على نفسها فيما بعد المؤسسة النسوية العامة ، في الاحتفال الكبير والذي بث عبر تلفزيون البلاد الرسمي تم إعلان ذلك الاسم رسميا وكان السيد الرئيس حاضرا فصفق لذلك الاسم وقال وهو يوجه كلماته إلى نساء المؤسسة وكن من كبار نساء الحزب الحاكم ( أن المرأة الماجدة برهنت يوما بعد يوم أنها فوق الأزمة وأنها تستحق الثناء وأنني لأستبشر خيرا بهذا الاتحاد الذي هو ثمرة التحدي وثمرة اصرر المرأة في هذا الوطن على مشاركة الرجل في خندق واحد ) ، الكلمات الأخيرة أصبحت فيما بعد شعارا لذلك التجمع النسوي الكبير وتكتب بخط كبير وتعلق فوق كل البنايات التابعة له.
قديما وحينما كان هذا الصرح يعيش عصر مجيء الفتيات كانت كل ثلاثة فتيات ترسل إلى بيت يضم عشرة جنود ويتفرد الضباط بشيء مختلف فلكل ضابط فتاته التي يختارها قبل أن توزع الفتيات على البيوت.
لم يكن النظام العسكري في الصرح قاس جدا ، يحتاج الجندي إلى أربعة اشهر حتى يتمكن أن يذهب إلى دياره ليتمتع بأجازة لمدة شهريين وليحل محله جندي أخر ، في الجيش وخاصة الحرب الأخيرة أي مع الإيرانيين الذين استماتوا في دفاعهم عن ثورتهم الفتية ذات الطابع الديني، هناك قول يؤرخ هذه الحرب الطويلة نقله البعض عن السيد الرئيس يقول فيها واصفا تلك الحرب الطويلة والمدمرة( لقد تركنا كلابهم عليهم يأكل بعضهم بعضا ولنخرج منها سالمين غانمين) ، في هذه الحرب استحدثت بحق الجنود قوانين قاسية وقاسية جدا ، خاصة ممن هم في ألوية المشاة والدروع أو سرايا المدفعية أو الضفادع البشرية ، فعلى الجندي أن يمكث هناك ستون يوما ليتمتع بأجازة مدتها سبعة أيام وربما بلغت العشرة أيام في أحسن حالاتها ، يحدث ذلك حينما تهدأ النيران قليلا وحينما يتفرغ الجنود لسحب القتلى من أصدقائهم وإرسالهم إلى ذويهم ، أما حينما تغني المدافع وترقص الأجساد وترتفع الأرواح فلا يوجد شيء اسمه إجازة أو هروب ولا يوجد خيار إلا أن تَقتل أو تُقتل.
هناك وفي الزاوية البعيدة من الصرح وتحديدا خلف ساحة كرة الطائرة المخصصة للضباط حيث علق حبل اسود بعموديين من حديد إذا رأيته حسبت أن الجنود وضعوه لينشروا عليه ملابسهم بعد غسلها إلا انه وضع للعبة الطائرة والتي يمارسها الضباط وأحيانا بعض الجنود في ساعات فراغهم ، خلف تلك الساحة مباشرة تقع ممرات الجالية وزنزانات الأجانب ، أنشئت بطراز مختلف وأقل طغيانية ، يفصلها عن بقية مرافئ الصرح شرك يمتدد إلى أخر نقطة فيه ، هذا السجن بني خصيصا لاستقبال الجاليات التي يتم خطفها من قبل رجال الأمن ورمي ذلك على بعض المعارضين للسيد الرئيس، لتضعيف موقفهم الدولي ، كانت الفكرة ساذجة أول وهله إلا إنها نجحت نوعا ما، تشاهده اليوم وقد ضم عشرات من مختلف الجنسيات .
ــ سيدي شوهدت في الأفق ثلاث طائرات مروحية .
يتبع إنشاء الله.....
[
[rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]
-
أضحوكة العالم المثالي - رواية / ح4
أضحوكة العالم المثالي - رواية / ح4
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
ــ سيدي شوهدت في الأفق ثلاث طائرات مروحية.
قالها أحد ضباط الرصد بعد أن أدى التحية للسيد شمران بشكل راقص و متناسق جدا ، كان عليه أن ينتظر نصف دقيقة حتى يقول له المراسل .
ــ تفضل سيدي.
كان يلهث ، لقد قطع المسافة الفاصلة بين المراقبة وغرف القيادة هرولة ومع ذلك التعب فقد أدى التحية بإتقان ، شمران كان جالسا في غرفته على أريكة داكنة و أمامه قدح من الماء المثلج ، وضع على طاولة خشبية متهرئة نوعا ما ولطالما فكر السيد شمران باستبدالها إلا أن هموم السجناء تنسيه أن يكتبها في جملة احتياجات الصرح الشهرية بل وحتى السنوية ، أبتسم وحرك رأسه حينما سمع كلام الضابط الذي ما زال على هيئة الاستعداد ، قال بصوت فاتر ومتعب وهو يهز رأسه.
ــ إذاً وصلوا يا مرحبا بهم ، بلغ رائد سامر ليطلق صفارة الإنذار بسرعة وليتأهب الجميع.
ــ أمرك سيدي.
خرج ضابط الرصد بسرعة بعد أن أدى التحية وليدخل المساعد رجب غالي ويخبره هو الأخر عن الطائرات الثلاثة والتي ما زالت في الأفق البعيد ، أومأ بيده لغالي بأن يدخل ويجلس قربه ، منذ أشهر لم يصنع السيد شمران هذا الشيء مع أي ضابط لذلك تفاجئ رجب غالي كثيرا حينما صنع السيد يوسف شمران ذلك ، وضع يده اليمنىعلى فخذ غالي هامسا في أذنه ( ماذا تشعر في هذه الزيارة هل هي لنا أم علينا أنني قلق ، وأحببت أن أكلمك ) .
صمت رجب غالي قليلا ، قال.
ــ وأنا كذلك سيدي ، ربما سألونا عن الموتى من السجناء أنني أشعر أن عدد الموتى تزايد كثيرا في الأشهر الماضية ، هل تتفق معي بذلك؟.
أبتسم شمران ، كانت ابتسامة ساخرة إلا إن غالي لم يشعر إنها ساخرة ، قال هو مبتسم.
ــ لا أظن ذلك لأنه لا يوجد من يهمه مصير هؤلاء ، وقد أخذت بذلك إذن خاص ، لكنني أظن إن الأمر يتعلق بتعيين مدير جديد للصرح لقد مر علي طويلا هنا.
ــ لا أظن لو كان كذلك سيدي لتم استدعائك إلى بغداد.
ــ نعم هكذا أشعر، لا أدري ، ربما إطلاق سراح أو شيء من هذا القبيل.
ــ لا أعتقد سيدي هذا مستبعد.
ــ رجب من تتوقع أن يكون الزائر؟ .
ــ لا أدري ولكن أظنه من المقربين ، وفي حدود ظني يحمل أشياء مخيفة.
صمت ثم أردف.
ــ سيدي هل ننهض لاستقبال الضيوف؟.
ــ نعم لنذهب.
قدوم مروحيات ثلاثة إلى الصرح يعني أشياء كثيرة وقد يكون بداية عهد جديد ، يوسف أكثر الضباط حذرا في هذه اللحظات ، نظر في ساعته السويسرية ذات اللون الأصفر وذات الصورة الصغيرة للسيد الرئيس والتي تعانق الرقاص كلما مر بها ، إنها تشير إلى الساعة الواحدة ظهرا وبعض الدقائق ، كان يضع في يده اليمنى العصا العسكرية والتي لا تكاد أن تقع من يده ، وقف الضباط خلفه ، كلهم كانوا خائفين ، كانوا ينتظرون من سيخرج من الطائرة ، أنتظر الضيف حتى تنزل مجاميع الحماية الشخصية وتنتشر بشكل يؤمن له حياته إذ لا توجد في الأعراف التي تدرب عليها مكانا آمنا بصورة تامة ، كما وحاول أن يوقع الرهبة في نفوس المتصدين للعمل هنا ، الطائرتان اللتان كانتا تحملان الحماية الشخصية من نوع SH61 رسم عليها العلم الحكومي بشيء من الإتقان وكانت الحماية عبارة عن مجاميع من الحرس الجمهوري يرتدون بزة عسكرية تشبه جلد الضفدع ، أما الطائرة الأخرى فكانت B-O-105 صغيرة هي الأخرى رسم عليها علم الحكومة.
في الواقع كان السيد شمران قد وقف قرب المدرج الصغير قبل هبوط الطائرات بقليل ، وكانت الساحة مليئة بمقتضيات التدريب من العراقيل المصطنعة وصفائح معدنية مليئة بالرمل وضع بعضها على بعض فشكلت جدارا سميكا وهناك مجموعة من الأدغال الشوكية أمثال العاقول ونباتات الصبير جلبت من الصحراء القريبة على خلفية أن يتدرب عليها الجنود أسبوعيا إلا انه لا يوجد أي جندي قد تدرب عليها بل تحولت تدريجيا إلى أدوات لتعذيب السجناء مع بعض الصخور الحمراء والبيضاء التي وضعت جنبها وهي تكون كالجمر في الصيف حيث يشد السجين عليها حتى يغمى عليه إذا ما صنع شيئا لا يرضي الحرس وكانوا يأمرونهم أحيانا كذلك أن يزحفوا لعدة أمتار على أشواك الصبير ، قال شمران في نفسه وهو ينظر إليها مكدسة ومحاطة بشرك ( إذا انتهت الزيارة على خير سأبعد هذه المخلفات بعيدا وارميها في الصحراء ) ، في الواقع أن السيد يوسف شمران قال ذلك أكثر من مرة وكان يحدث نفسه بها كثيرا إلا إن بعض الضباط كانوا يقنعونه دوما بضرورة وجود مثل هذه الأشياء لتخويف السجناء وكان شمران يصغي لهم ويأخذ بأقوالهم إلا أنه غير مقتنع تماما بوجود مثل تلك الأشياء وكان يقول في نفسه ( هناك اشياء كثيرة تجعل من السحناء يرتجون من الخوف ولا داعي لهذه القذورات ) ، خلع نضارته السوداء ووضعها بإتقان في الجيب الأعلى الصغير لبدلته العسكرية ذات اللون الزيتوني واستعد لاستقبال زائره.
نزل أولا السيد برزان الحسن الأخ غير الشقيق للسيد الرئيس هذا الرجل ليس لديه وضيفة واضحة ولكن حينما يوجد في أي مكان يكون هو كل شيء فيه باستثناء المكان الذي يكون به السيد الرئيس في طبيعة الحال ، إلا أن البعض لديهم معلومات غير مؤكدة تشير إلى انه مسؤول الأمن القومي والمخابرات العامة أيضا ، على أية حال الناس في الجنوب والشمال يعرفونه جيدا ، من وراءه بخطوات نزل مرزة شياع وزير الداخلية ويمكن مشاهدة بعض الضباط الكبار الذين خفت بريق أسمائهم الآن لوجودهم مع رجال أكبر وأخطر، تقدم السيد شمران وحاول أن يسير بخطوات ثابتة ، من لديه قوة ملاحظة يمكن أن يشاهد ارتعاش أقدامه إلا أنه لم يلاحظ أحد ذلك ، ألقى التحية العسكرية على الجميع ، أحتضنه برزان، قال وهو يعانقه.
ــ يوسف أليس كذلك؟.
ــ نعم سيدي وأهلا بك في الصرح ، إنه ليوم عظيم إن نتشرف بلقائك.
تركه يتكلم ومضى مبتعدا لخطوات رافعا رأسه ينظر في منشئات الصرح البعيدة ، صافح السيد شمران وزير الداخلية وبقية الضباط ، قال يوسف في نفسه وعلى نحو السرعة( لماذا لم يجبني السيد برزان ) كانت نفسه مرتبكة وكأنه قد عمل جناية لا تغتفر، زادت مخاوفه وحاول أن يخفيها ، كانت محاولاته يائسة لأنها كانت سريعة ومرتبكة ، لم ينتظر برزان أن يكمل السيد يوسف التحية على بقية الضيوف.
ــ يوسف تعال اترك هذا ليس لدينا وقت .
ترك يوسف خدَّ احد الضباط وكان على وشك أن يقبله وهرع ليلقي التحية مرة أخرى ولكن هذه المرة وهو يسير بسرعة خلف برزان الذي بدا وكأنه يعرف زوايا هذا المكان ، كان يتجه نحو الممرات التي تؤدي إلى غرف القيادة ، خلع نظارته الشمسية وكذلك الوزير حينما دخلوا إلى الممرات لأنهم شعروا إنها ظلماء .
قال برزان بصوت شبه مبحوح.
ــ ليس لدينا وقت يا يوسف لمثل هذه الأشياء تعال معي.
كان برزان يتكلم وهو يبتسم ، وكان السيد يوسف يشعر أن خلف هذه الابتسامة شيء مخيف، قال بصوت يبدو عليه الارتباك.
ــ أمرك سيدي إنا رهن إشارتك .
يتبع إنشاء الله.....
[
[rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]
-
أضحوكة العالم المثالي - رواية / ح5
أضحوكة العالم المثالي - رواية / ح5
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
كان الممر الذي يؤدي إلى القيادة طويل وكان السيد شمران يشعر به كل يوم إلا في هذه أللحظات فأنه لم يشعر إلا وهو في غرفة القيادة الرئيسية كان يغط بأفكاره عن تلك الزيارة الكبيرة.
الضباط الصغار لم يدخلوا إلى الغرفة ، حتى أن المساعد رجب تردد في الدخول وحاول يوسف شمران أن يكون شجاعا ويأذن له في الدخول إلا إنه طرد الفكرة تلك فبقي رجب غالي خارج الغرفة.
ــ اجلس يوسف لماذا أنت واقف أجلس.
صمت قليلا تم أردف قائلا.
ــ ما هي أخباركم وما هي إخبار الجبناء عندكم؟.
ــ نحن بخير ما دام السيد الرئيس بخير والجبناء في غضب الله وعقابه الدائم.
ــ جيد يوسف أخبار العاصمة جيدة والسيد القائد بخير ويبلغكم سلامه.
ــ وعليكم السلام سيدي ، إنه لشرف كبير أن نحظى بذلك.
دخل أحد الضباط حاملا خمسة قناني من الماء ومعهن خمسة أقداح صفراء ، تفاجأ يوسف من ذلك إذ لا يوجد في الصرح مثل هذه القناني ذات اللون الكرستالي إلا انه استدرك وقال في نفسه ( مؤكد أنهم جلبوها معهم وربما جلبوا لنا بعض الأشياء).
ــ يوسف كم سجين لديك؟ .
قال برزان ذلك بعدما انتهى من شرب قدح الماء.
ــ سيدي أحتاج إلى بعض الوقت حتى نقدم لك إحصائيات دقيقة جدا؟ .
قال وهو يبتسم وكان ينظر إلى السيد الوزير وهو يتكلم .
ــ نعم ، نعم دقيقة جدا ولكن بسرعة.
ــ عفوا سيدي أمهلني لحظات.
خرج يوسف مسرعا وليهمس في أذن رجب غالي والذي كان يقف متخشبا خلف الباب وكأنه سجينا ينتظر أن يعدم ( ابحث عن العميد سمير وليأتي بالأرقام الدقيقة لكل السجناء وليجلبها هو بأسرع من طرفة عين مفهوم ؟.)
ــ حاضر سيدي.
لم يكن العميد سمير بعيدا ، كان يقف مع مجموعة من الحرس الجمهوري في وسط الممر وكان هنالك من يقص عليهم مغامراته مع الفتيات وكيف أنهم أنهوا خمسة أيام مع أجمل البنات على شواطئ الحبانية .
ــ كانت عارية تماما وأرادت أن تتخلص مني فعانقتها حتى غرست أسناني حول نهديها المتورمان وكأنهما رمانتين في أول طلوع لهما ، صرخت لكنني لم أفسح لها أي مجال حاولت الأخرى أن تأخذني عنها لكنني بقيت متعلقا بها و.......
ــ عميد سمير ... عميد سمير ...لحظة من فضلك.
ــ نعم سيدي.
اقترب العميد من رجب غالي ونسى أن يقدم له التحية العسكرية كما ولم ينتبه غالي لذلك وليهمس في إذنه اليسرى ( يريدون الأرقام الدقيقة لكل السجناء وبأسرع وقت ويريدك السيد يوسف أن تقدمها أنت بسرعة يا سمير الأمر جدا خطير) .
ــ أمرك سيدي لحظات وتكون عندكم .
ـ 2 ـ
جميع الغرف والزنزانات عرفت إن هنالك طائرات تحمل أشياءً قد نزلت في الصرح ، إذ أن معظم السجناء يعرفون أصوات السوبر فرليون حتى أنهم يعرفون لحظات انطلاقها وعودتها الدورية ، وكان بعضهم يبرمج حديثه عبر الفتحة مع السجناء في الزنزانات القريبة والتي يمكن أن ترى من خلال الفتحة الصغيرة ، يبرمجون ذلك الحديث مع مرورها اليومي فوق الممرات إذ أنها تصدر صوتا يصعب معها أن يسمع الحرس همس السجناء عبر تلك الفتحات بعضهم مع البعض الأخر ، في أول يوم حلقت به الطائرة (مي8) وكان قبل ثماني سنوات ظن السجناء أول وهلة إن زائرا ما قد أتى واستبشروا خيرا ولكن بعد حين عرفوا من تكرار ذلك الصوت الدوري المثبت بذاكرتهم أنها طائرة أخرى جاءت لمساعدة الفرليون التي جلبت القلة منهم أو لنقل الذين لا تطمئن مديرية الأمن إلا بنقلهم عبر الجو ، يطلق السجناء على الفرليون أسماء مختلفة ، بعضهم يرى أن الصوت القديم أصبح للأرزاق أما الصوت الجديد فيعتقدون أنه لجلب السجناء وربما كان هنالك آراء أخرى تغاير هذا وربما رأى بعضهم إن الطائرتين لجلب ما يحتاجه السجن وقد يكون هذا الرأي هو الأقرب لما يجري وهم في هذا وذاك يقضون بعض الوقت ، على أية حال سينتظر السجناء الذين وضعوا رؤوسهم بين ركبهم وهم مقرفصون في جلسة تكاد تكون هي الأكثر شيوعا في المحاجر والزنزانات ، هؤلاء سينتظرون قليلا من الوقت ثم يبدؤون بالإصغاء الدقيق إلى صوت محرك المحرقة الكبير وذلك بأن يضعوا أذانهم على الأرض ومن خلال ذلك يمكنهم أن يعرفوا هل أن هنالك سجناء ماتوا وان جثثهم ألقيت في المحرقة التي يتصورها كل سجين وفق هواجسه ومخاوفه إذ لم يتفق أن سجينا رآها، الذين يخرجون من زنزاناتهم ويذهبون بهم إلى أي جهة ولأي سبب ما ، لا يتسنى لهم أن يروا المحرقة التي بنيت بشكل مخيف ، حينما تراها يذكرك منظرها والمدخنة السوداء الطويلة بقصور السحرة المخيفة جدا في الأساطير القديمة ، حينما يعمل محرك المحرقة يمكن للغرف القريبة جدا سماع صوته والذي يصلهم خافت و بالكاد أن يسمع ، البعض يظنون أن ذلك تابع إلى عالم المطابخ وأعداد الطعام وبعضهم يرى انه يصدر حينما يبدأ الحرس في حرق النفايات وهذا الجزء الأكثر إذ أنهم يزعمون أن أحد الحرس كان متعاطفا معهم قبل سنوات وأخبرهم أن ذلك الصوت يصدر حينما تحرق النفايات فصدقوا حديثه واطمأنوا له ثم راحوا يتناقلون ذلك الخبر بين الزنزانات بإشارة وأحيانا بهمس وكأنه أقدس خبر في التأريخ ، في الواقع إن المحرقة لم تكن أبدا لحرق جثث الميتين من السجناء، وفعلا تم إنشائها لغرض حرق النفايات وخاصة نفايات مستشفى الصرح ، ولكن مع ذلك لا يمكن أن ننفي أبدا أن يوسف شمران ألقى فيها بعض السجناء في يوم ما ، كما ولا يمكن أن ننفي إن السيد شمران فكر في تطويرها لتضم قسما لحرق الجثث إلا انه لم يفلح في تنفيذ ذلك.
دخل العميد سمير إلى الغرفة ، قدم تحيته العسكرية بشيء من الإتقان ، وبانحناءة هادئة قدم السجل الذي يحتوي على الأرقام النهائية للسجناء في دائرة الصرح الكبير .
ــ سيدي هذا كل ما لدينا.
نظر برزان إلى يوسف محركا يديه بهدوء وكأنه يسأله من المتحدث ، انتبه يوسف سريعا لذلك .
ــ سيدي هذا العميد سمير المسؤول على تعداد السجناء وتنقلهم .
ــ أهلا سمير من أين أنت؟.
قالها بشيء من الابتسامة المشوبة بالسخرية، ما زال سمير واقفا في وسط الغرفة بهيئة الاستعداد .
ــ من الرمادي سيدي.
ــ أجلس وتحدث.
جلس العميد سمير متوسطا الغرفة على كرسي خشبي كان السيد شمران يخرجه معه يجلس عليه في حديقة الصرح المتواضعة ، وفي هذه اللحظات دنى قرب برزان رجل من الحماية الشخصية ضخم الوجه أسمر اللون طويلا جدا يرتدي بذلة سوداء ، همس برزان في إذنه ببعض الكلمات ، هز ذلك الرجل رأسه مرتين ثم استقام ليخرج من الباب.
قال سمير.
ــ سيدي لدينا.
ــ انتظر حتى يأتي.
ــ أمرك سيدي .
يتبع إنشاء الله.....
[
[rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]
-
أضحوكة العالم المثالي - رواية / ح6
أضحوكة العالم المثالي - رواية / ح6
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
تبسم السيد برزان ، كانت ابتسامة مصطنعة ، مصطنعةٌ تماما ، قال وهو مبتسم.
ــ هؤلاء الأغبياء يتصورون إنهم بهذه الأعمال التخريبية يقضون على إرادة العراق العظيم وعلى رمز العراق وباني عزته ومجده ، الكل يجمع إنه ومنذ قرون لم تلد الأرض مثل السيد الرئيس أدامه الله لنا ذخرا وملاذا ، إن هؤلاء الخونة دوما يغازلون الأعداء ويريدون من العراق أن يصبح مرتعا للأجنبي ، هدفنا أن نقوض حركة الأعداء وتحجيم فاعليتهم والقضاء على الأوكار العميلة في الداخل ليتمكن العراق من اجتياز أهم مرحلة في تأريخه المعاصر ألا وهي مرحلة بناء الدولة النموذجية كما كان دوما يقول الملهم السيد الرئيس حفظه الله ورعاه ، أنتم من موقعكم هذا تعملون كذلك من أجل تحقيق الأهداف الموكلة إليكم.
أراد السيد يوسف شمران أن يشاركه ببعض الكلمات وكان يتمنى ذلك ، كان يريد أن يوضح له أهمية وجود السيد الرئيس، أراد أن يقول ( إن الله قد من على وطننا بالسيد الرئيس) إلا انه لم يستطع بسبب استرسال برزان بحديثه ، أستثمر فرصة سكوته للحظات ، قال.
ــ سيدي لا يمكن أن نتصور أبدا وطن حر وشعب أبي من غير وجود السيد الرئيس.
أحد مرافقي السادة الضيوف راح يقدم سيجارة جروت قد وضعت في علبة صغيرة ذات لون أخضر متماوج قدمها للسيد برزان وكذلك للسيد الوزير الذي لم يتكلم حتى هذه اللحظة ببنت شفة ، قال يوسف للمرافق والذي كان شابا وسيم يرتدي بذلة زيتونية وضع ثلاث نجمات على كتفه .
ــ شكرا أنا لا أدخن.
لم يكن ذلك اجتهادا من المرافق لأنه لا مجال لأن يجتهد الجنود ولا حتى الضباط الكبار في هذه اللحظات فعلى الجميع أن ينفذ ما يراه هذا الزائر من أوامر وتوجيهات ودون أدنى اعتراض أو مداخلة ، برزان هو الذي طلب من المرافق ذلك وبإيماءة ودون أن يشعر بها أحد ، طلب منه أن يقدم السجائر ، أخذ يرتبها في فمه قال وهو يعض سيجارته .
ــ أين صار وضاح ؟، لقد تأخر.
نهض شمران ودون أن يشعر وكذلك العميد سمير وأرادا الخروج من اجل السؤال عن وضاح صاحب الوجه الضخم جدا والذي كلم السيد برزان قبل قليل فقد تأخر قليلا إلا أن وضاح وقبل أن يصلا الباب دخل وهو يحمل سجلا اصفر وكرسي خشبي مطلي بلون اسود وبعمل غير متقن غطى نصفه جلد ذات لون أسود باهت جدا ، وضعه وضاح في جوار كرسي العميد ، جلس وهو يخرج قلما مذهب يكتب بلون اسود ، كان يوسف ينظر إلى وضاح كيف يحرك قلمه وتمنى في نفسه لو يعرف ماذا يحتوي ذلك السجل من أشياء وراح يتصور إنه يحتوي على أشياء كثيرة ومهمة جدا ، والحقيقة لم يكن يحتوي على أي شيء فهو فارغ من أي كلمة سوى بعض الملاحظات البسيطة جدا ، قال برزان.
ــ الآن تكلم .
قالها بنبرة قاسية ، بينما راح العميد يتكلم بصوت شبه مبحوح.
ــ سيدي لدينا خمسة ألاف وسبع مئة وثمان وسبعون، مجمل كل السجناء من القضايا الخاصة جدا ، هناك منهم ألف وأربع مئة وواحد وعشرون كرديا الغالب منهم ممن شارك بتمرد الشمال ويعملون مع البشمرجه.
قاطعه برزان بذات النبرة التي تكلم بها قبل قليل .
ــ قل خائنا كرديا ولا تقل كرديا فقط ، إنهم خونة وأعداء العراق ألا تعرف ذلك؟.
ــ نعم سيدي هم خونة.
قال يوسف في نفسه حينما كان برزان يعلق ( لو ينتبه هذا الغبي لكلماته ، أتمنى أن لا يخطأ بعد ) بينما راح العميد يكمل حديثه.
ــ وثلاثة ألاف وست مئة واثنان وسبعون خائنا شيعيا ، وهناك خمس مئة وثلاثة من الشوعيين الخونة وأربع وسبعون من مدعيين القومية والوطنية المزيفة والمناهضة ومئة وثمانية من الجاليات وهم مختلف الجنسيات ، هذا من حيث سجناء القضايا الخاصة جدا ، بقي تسع مئة وسبعة وعشرون وهؤلاء من ال....
نهض السيد يوسف وخطى أربع خطوات وليهمس في أُذن برزان اليمنى بينما سكت سمير من سرد الأرقام ، كان برزان يهز برأسه حينما كان سمير يتكلم وكذلك حينما راح يوسف يهمس بأذنه ، قال بصوت بالكاد سمعه الوزير( فهمت ما تريد قوله ، تعني أنهم ليسوا بالأهمية التي تذكر) ، نظر إلى سمير الذي كان ينتظر أن يؤذن له في أن يستكمل ما عنده من أرقام.
قال برزان بصوت فظ.
ــ اترك هؤلاء ، هل هذا كل شيء عندكم؟.
ــ نعم سيدي ، هذا كل ما لدينا.
ــ الآن اخبرني كم خائنا كرديا لدينا؟.
ــ ألف وأربع مئة وواحد وعشرون سيدي.
صمت قليلا، ثم أردف.
ــ يوسف هل لديك عمل مع سمير؟.
ــ لا سيدي.
نظر السيد يوسف شمران إلى سمير الذي نهض بمجرد أن سمع اسمه على لسان برزان ، أومأ إليه بيده على الخروج ، أدى العميد سمير التحية العسكرية ثم خرج تاركا الكرسي الخشبي الأسود في مكانه.
ــ أصبحت لدينا صورة واضحة عن عدد السجناء ، لم يكن العدد مهولا كما كنا نسمع به، كنا نسمع في بغداد غير هذا ، حتى إن السيد الرئيس حينما أرسلنا إلى هذه المهمة قال ستجدون أعدادا كبيرة جدا من الخونة أعداء الشعب أريدكم أن تتعاملون معهم بقسوة.
قال يوسف.
ــ نعم سيدي ، نحن نزود ديوان الرئاسة في أول كل شهر بالعدد النهائي زيادة أو نقصان وكذلك الأمن العامة ورئاسة المخابرات ببعض التفاصيل.
ــ نعم أنا مطلع على بعض التفاصيل ، ولكن على أية حال العدد قليل وهذا يجعل من مهمتنا سهلة إنشاء الله.
راح الوزير يتكلم مع برزان بعد أن مال برقبته عليه وكأنه يريد أن يهمس بأذنه ، نهض يوسف وراح يبعد نفسه عنهما ، فكر أن يكون أبعد لئلا يظن برزان انه يسترق السمع ، وقد يكلفه هذا الظن كثيرا ، أراد أن يشغل نفسه بأي شيء ، نهض ليرجع الكرسي الذي كان يجلس عليه سمير قبل قليل إلى مكانه القديم قرب مكتبة الصاج الصغيرة والتي ملئت كراريس ألفها السيد الرئيس حول الثورة وانجح السبل للنهوض بالأمة العربية إلى مصافي الدول العالمية الكبرى ، مثلا هناك كراس يتحدث عن الثورة والزراعة يقول فيه الرئيس ( أن بلدنا ليس نفطيا فقط انه زراعي أيضا، وهذه مسألة تتطلب منا التفكير الجاد لإنجاح مشروع الزراعة ) وهناك كُتيب صغير يبدو أن السيد الرئيس كتبه مؤخرا أسمه ( العالم المثالي ) ويمكن لك أن تقرأ فيه ( إننا لم نبدأ اليوم لنقول سننطلق بل أن بدايتنا موغلة في القدم أن أجدادنا هم من بنى الحضارات الأولى ومن علم الناس كيف تكتب في القلم وهم أول من سن القانون وطبقه ، إذاً نحن أبناء العالم المثالي والوسط الذي لا يعرف غير الفضيلة والانتصار والتحدي وإذا كان هنالك بعض المثالب في هذا العالم فعلينا أن نصلحها ليصبح عالمنا ثمرة ذلك الجهد الطويل الذي بذله الأجداد في سبيل النهوض بالأمة لتؤسس العالم المثالي المنشود ، وليس لنا فقط بل للآدمية جمعاء ، إذاً نحن حملة ذلك الإرث العظيم ومن له الحظ الأوفر في بناء عالم متحضر مثالي بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى دقيق ، فمشروعنا إذاً مشروع كبير وذات جذور تاريخية رصينة لا يستهان بها ولا أكون مغاليا إذا قلت إن مشروع العالم المثالي مناط بنا فنحن دعاته ونحن بناته ) وكذلك يمكن مشاهدة كراريس كتبها السيد المؤسس وبعض المنظرين الكبار في الحزب الحاكم والمتأثرين بالفكر القومي، فمثلا يمكن مشاهدة كراريس عن القومية العربية وضرورة الوحدة لعدد من الكتاب أمثال منيف الرزاز والياس فرح الذي يقول في كراس موضوع هناك اسمه القومية العربية والتأريخ يقول فيه ( أن قافلة الإنسانية قافلة واحدة ، وقد مر زمن كنا فيه على رأسها ، وبيدنا زمام قيادتها ، لذلك كانت الخطوة الأولى المترتبة علينا اليوم هي أن نعود إلى مسرح التأريخ بعد أن بقينا على الهامش طويلا فنتمثل الحضارة الحديثة ونهضمها لكي نستطيع أن نتجاوزها ونعطي رسالتنا إلى العالم ) وهناك عبد العزيز الدوري والذي يمكن أن تقرأ له كراسا أيضا كتبه تحت عنوان الجذور التاريخية للقومية العربية كان أصفر اللون ، ويبدو أن طبعته قديمة ، يقول فيه السيد الدوري (إن القومية العربية تساوي وتعادل حياة الجماهير ومصلحة الجماهير وقضية الجماهير ، إنها ليست عنوانا فحسب وليست ترفا يدعيه ويزدان به الوجهاء والزعماء ، إنها من صميم الألآم ، الألآم المادية والمعنوية ، الآم الشعب المستغل وألام الشعب المقهور في سيادته وهكذا اتخذت القومية العربية مضمونا واقعيا ثوريا عندما حددت بأنها الوحدة والحرية والاشتراكية العربية) وكذلك يمكن أن ترى لمسات الكاتب الفرنسي دومناك حيث اقتبس منه الدكتور جمال الاتاسي النزعة القومية وتخطي حدود القوميات وكان شمران يقرأ منها حينما لا يوجد لديه عمل ، قال الوزير بصوت خافت لا يسمعه احد.
ــ ليس العدد كما وصفوه لنا في القصر، لقد قالوا لنا ستجدون عددا كبيرا جدا.
يتبع إنشاء الله.....
[
[rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]
-
أضحوكة العالم المثالي - رواية / ح7
أضحوكة العالم المثالي - رواية / ح7
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
قال برزان وهو مبتسم ، كان يتحدث مع الوزير.
ــ ما ترى كم نبقي.
قال السيد الوزير.
ــ اعتقد أن خمس مئة تكفي.
ــ السيد الرئيس قال ابقوا عدد قليل جدا ، أتعتقد إن الخمس مئة عدد قليل جدا ؟.
ــ لا ادري ولكن ..
صمت الوزير ثم أردف .
ــ الأمر متروك إليك سيدي.
اخذ برزان يتنفس بعمق وباستعلاء واضح ، حرك رأسه بهدوء ، أغمض عينيه ثم وضع باطن كفه الأيمن على وجهه واخذ يسبحه ببطء ، ببطء شديد من الأعلى وحتى أسفل الوجه والذي ترك عليه بعض الشعر الخفيف والمحدود وكان بذلك يقلد بعض زعماء الخليج والذي تربطهم به علاقات وثيقة ، وجهه كان أسمر وتبدو عليه علامات الغلظة والقسوة واضحة جدا ، بذلته الصيفية ذات لون ازرق غامق أما الوزير فأن بذلته كانت تميل إلى الرصاصي وربطة عنقه غير متناسقة ولم يكن يشعر بذلك أحد ولا حتى يوسف مع انه يحمل شيئا لا يستهان به عن تناسق الألوان في الملبس ، المقدم رعد مسؤول التحقيقات شعر بذلك وهو الوحيد الذي شخص الموضوع ما إن وقع ناظره على السيد الوزير، استرخى برزان يفكر في عمق ومد رقبته إلى الوزير الذي ما زال منتظرا جوابه ، تبسم وهو يتكلم.
ــ نعم خمس مئة تكفي ، هذا العدد جيد.
قال الوزير.
ــ إذا توكل على الله سيدي ، لدينا عمل كثير.
قال برزان بنبرة قاسية جدا.
ــ يوسف ابقي من الخونة الأكراد مائتين وخمسين و من الخونة الشيعة كذلك وأن كان في ودي لا ابقي من هؤلاء احد ولكن السيد الرئيس قال ابقوا منهم قليلا.
ــ سيدي هل لديكم تصور عن السجناء الذين يتم استثنائهم .
صمت برزان قليلا يتأمل في كلمات يوسف وراح الوزير ينتظر ماذا سيقول ، قال برزان بشيء من الامتعاض.
ــ لا هذا يعتمد على توزيع السجناء والنظام المتبع في التوزيع ، هل لديكم نظاما معينا متبع في توزيع السجناء كأن يكون في هذا المكان خطرون جدا وهنا خطرون فقط وهناك أقل وهكذا.
ــ لا سيدي الجميع لدينا متساوون ولكن بعضهم وضع في قواطع معينة كونهم كانوا على مقربة فاعلة من زعماء الشغب ضد الحكومة وهم بالتالي محط أنظار ضباط التحقيق أو ضباط المراجعة الدائمة للقضايا المهمة وحتى هذا الأمر لا يستند عليه كون الجميع في حالة تنقل دائم.
ــ إذا توكل على الله ، لنترك الموضوع للأقدار.
صمت قليلا ثم أردف.
ــ لندع الأقدار تأخذ دورها في اختيار الخمس مئة.
ــ أمرك سيدي .
ــ الأجانب كم قلت ؟.
حاول شمران أن يتذكر ، هز رأسه محاولة منه لجمع أفكاره ، كان يعرف أنها مئة ونيف ولكن يجهل ذلك الرقم الصغير الذي يلي المئة قال وضاح وهو ينظر في السجل الذي كان يكتب به قبل قليل.
ــ سيدي مئة وثمانية.
صمت برزان بينما سأله الوزير.
ــ هل هناك نساء.؟
قال يوسف.
ــ نعم سيدي.
ــ هل هن جميلات؟.
قال ذلك وهو يبتسم.
ــ نعم سيدي كلهن جميلات.
ــ كم عددهن؟.
ــ أربع وعشرون امرأة معظمهن ممن يعملنَّ في المجال الصحفي.
ــ هل كنتم تصنعون معهن أشياء؟.
تبسم يوسف ، بينما أصغى برزان بتمعن وامتعاض نوعا ما.
ــ بعض الضباط كانوا يفعلون ذلك سيدي.
تمتم الوزير بكلمات لم يسمعها احد.
قال برزان .
ــ من الخطاء أن تصنعوا ذلك ، في المستقبل حاولوا أن لا تفعلوا مثل هذه الأمور .
صمت قليلا ، قال بصوت خافت.
ــ السيد الرئيس لا يرضى على ذلك ، مفهوم يوسف؟.
ــ أمرك سيدي ، سوف لن تتكرر أنا في البدء كنت أعاقب على هذا الموضوع وكنت اشدد عليه إلا أن نجل السيد الرئيس حفظه الله ورعاه زار الصرح ذات يوم وطلب خمس فتيات من سجن الجالية وتم جلب الفتيات الخمس وأراد أن يختلي بهنَّ فامتنعن ثلاثة وتجاوزت واحدة عليه بشيء لا أحب أن اذكره ، تم إعدام الثلاثة وبعدها طلب من الضباط أن يصنعوا ذلك مع من بقى من الفتيات في سجن الجالية كل يوم والذي لا يفعل يعرض نفسه للعقوبة.
لم يعلق برزان على حديث يوسف ، وكأنه لم يسمعه قال.
ــ والآن يوسف كيف تتصرفون ؟.
ــ سيدي هنالك طريقتان ، الأولى أن نعدمهم قي قاعة المركزية ، وهي كبيرة معدة أصلا للمحاضرات والتوعية الحزبية ويمكن أن نعدم بها كل خمسين سجينا في وجبة واحدة.
قاطعه برزان.
ــ وبعد ذلك ابن ترمى الجثث ؟.
ــ تدفن في الصحراء هناك شقوق كبيرة حفرت قديما وما زال بعض السجناء يحفرون ، وربما رأيت منهم من كان يعمل لأنهم كانوا على الاتجاه الذي جئتم منه .
قال برزان بشيء من اللامبالاة.
ــ لم انتبه لذلك .
في الحقيقة أن السيد شمران لم يكن على علم إن المكان القديم أنجز وأن الإشغال انتقلت قبل أيام إلى غير جهة ، وكلما أراد مسؤول الإشغال أن يخبره ينسى ذلك أو قد يتناسى في بعض المرات لاعتقاده أن الموضوع ليس مهما.
ــ وكيف تنقل؟.
قال يوسف.
ــ عفوا سيدي لم أسمعك.
حرك يده اليمنى ثلاث مرات ، قال.
ـ أقول كيف تنقل الجثث ؟.
ــ سيدي لدينا سبعون عربة حديدية.
ضحك برزان وأخرج قهقه وجامله الوزير إذ لم يكن على مزاج يسمح له أن يضحك بصوت عال، قال الوزير.
ــ هل لديكم هنا حمير.
تبسم السيد شمران قال وهو يبتسم .
ــ لا بل سجناء يدفعون العربات إلى حيث نريد ، كل عربة يمكن أن تأخذ خمس جثث.
ــ جيد ، رائع ، يقولون إن الحاجة آم الاختراع.
صمت قليلا وهو يلقي ما تبقى من سيجارته في نفاضة زجاجية صغيرة صنعت بمعمل محلي على هيئة فم أسد غاضب ، وقد وضعت على طاولة خشبية صغيرة لا تليق أن يجلس برزان أمامها لذلك ترى السيد يوسف شمران استدرك ذلك وقال أول ما جلس الضيوف (أن هذا لا يوازي مقامكم الكبير فنعتذر منكم سيدي ) إلا أن برزان لم يعلق على هذه الكلمات ، قال وهو يتكئ على أحدى الكنبات الخمسة ذات اللون الداكن واضعا قدمه اليمنى على اليسرى .
ــ هذه لطريقة الأولى والثانية ما هي؟ .
ــ سيدي أن نأخذهم إلى الشقوق ونعدمهم هناك فيكون قد كسبنا الوقت.
يتبع إنشاء الله.....
[
[rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]
-
أضحوكة العالم المثالي - رواية / ح8
أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح8
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
كل زنزانة كانت تحتوي على أربعة سجناء ، هذا هو النظام المتبع والأكثر شيوعا ، في بعض الزنزانات يمكنك أن تشاهد تسعة سجناء وقد جلس بعضهم متراصين جدا مع البعض الأخر ، وقد يمضون عدة أشهرعلى ذلك الحال ، هذا إذا لم يدركهم السيد شمران أو رجب بشيء من الرحمة وهذه ليست حالة طبيعية بل هي حالة من العقوبة الجسدية البسيطة جدا والتي توجه للسجناء لأي سبب كان ، مثلا على السجناء الوقوف إذا مر السيد يوسف شمران عبر الممرات ضمن نطاق تفتيشه اليومي وهو ينظر إليهم عبر البوابات الصغيرة والتي عادة ما يأتي احد الحراس ليفتحها قبل مجيء شمران بلحظات وهو يركل بقدمه الباب صارخا ( المدير جاء تهيؤا ، المدير جاء تهيؤا ) ليقف السجناء ومن يراه السيد شمران متكاسلا من الوقوف أو أن وقفته لم تعجب شمران يمكن أن يودع في زنزانة تضم خمسة وهكذا يزداد العدد ليصبح تسعة أو أربعة عشر وفي هذه الحالة يبقى أربعة سجناء في حالة الوقوف ليتسنى للبقية الجلوس على اقل تقدير ، الوقوف يكون دوريا مثل واجبات الجنود البائسين ، حتى المرحاض الصغير جدا يشغله السجناء في معظم الزنزانات للوقوف أو الجلوس على الجدار الساتر ويخرجون منها في حالة استخدامها ، وهكذا ينظم السجناء نومهم وجلوسهم وفق نظام معقد ، أحيانا يدخلهم في صراعات وتشنجات نفسية هائلة ربما تصل إلى الشتم إلا إنهم في نهاية المطاف يعتادون على ذلك تدريجيا ، هذا من ناحية العقوبة وعدم ارتياح السيد شمران لوقوف السجناء واستعدادهم إمامه إما الناحية الأخرى فهي كثرة السجناء حيث يصل العدد أحيانا بما لا تستوعبه زنزانات الصرح فيضطر الضابط الموكل بمهمة التنقلات أن يلجأ إلى مثل تلك الحالات.
الزنزانات والمحاجر وكل شيء هنا مبني بالإسمنت ومطليا بلون أحمر ولا توجد تهوية إلا فتحة صغيرة على شكل مستطيل تحت السقف بشبرين تقريبا ومع أن السقف مرتفع جدا إلا أن الفتحة تلك قد غلفت بشرك .
السيد شمران قسم الحرس إلى مجاميع وكل مجموعة كلفت بإخراج جانب من الممرات ، كل ممر كان يحتوي على خمسين زنزانة في كل جانب خمس وعشرون ، في منطقة المحاجر يختلف الأمر فهناك ممرات كثيرة وكثيرة جدا وفي كل ممر عشرة محاجر كبيرة ، هذه المنطقة بنيت على طابقين ، وطابق كبير تحت الأرض ، يعتقد انه يضم ممرات كثيرة .
بعض الوقت من الهرولة والزعيق والصياح والمرح هذا ما احتاجه الحرس لإخراج الوجبة الأولى من السجناء ، السيد يوسف أخبرهم ، أخبر الضباط الكبار أن الوجبة التي يريد شقيق السيد الرئيس أن ينظر إليها وهي محملة بالعربات التي يجرها الحمير البشري يجب أن تكن أربع مئة فقط ، كانوا يضعونهم ( أي الذين أراد شقيق السيد الرئيس أن يراهم وهم محملين بعربات تجرها حمير البشر ) كانوا يضعونهم في ساحة التدريب على شكل مجاميع مقيدين بقيود بلاستيكية بيضاء ، ثم يطلقون عليهم النار وهم يهتفون بحياة السيد الرئيس ، هذا النمط من القيود لم يستخدم من قبل في الصرح وهو يستخدم لمرة واحدة ، الضباط الذين عملوا في مديرية الأمن العامة يعرفن هذه القيود جيدا ، بعضهم أي أصحاب السجن الانفرادي تم إخراجهم أيضا ، كانوا قلة ، هؤلاء تراهم وقد أغمضوا عيونهم ، ذلك لأنهم لم يروا الشمس منذ زمن بعيد ، فهم يعيشون في عتمة تامة حيث لا توجد إنارة في السجون الانفرادية أبدا ، أحيانا يعطون الضوء الأحمر يوما كاملا من كل أسبوع وأحيانا ينسى السجان ذلك وحتى حينما كان السجين يذكره من وراء الباب وذلك بأن يصيح بصوت عال ما أن يشعر أن أحد الجنود في الممر وكان الجندي في معظم الأحيان لا يبالي به ولا يعلق على صراخه .
نظام الطعام في الانفرادي مشابها لنظام الطعام في المحاجر أو الزنزانات حيث يرمى من الفتحة الصغيرة والتي يستفاد منها السجين برؤية ضوء الممر حال فتحها ، حينما كان يوسف يتجول في ممرات الانفرادي وهو نادر جدا كان السجناء يطلبون منه الضوء وكان يسخر من تلك الطلبات ويصفها بأنها خيالية تماما ، أما في الزنزانات الجماعية فأن نظام الإنارة اقل قسوة حيث هناك المصباح الأحمر الذي يشتعل حينما يأتي الظلام ويطفأ قبل منتصف الليل تقريبا حيث موعد نوم السجناء ، وهناك الفتحة المستطيله في الأعلى أيضا تفضي بضوء خافت وخجول يأتي من مصابيح المراقبة القريبة فينعكس على السقف راسما ضل الشَرك مما يجعل بعض السجناء يرحلون معه بعيدا ، هذه الفتحة تطل على مكشوفة بعرض عشرة أمتار ممتدة طولا مع الزنزانات أو المحاجر ثم يأتي الشرك الكهربائي كما يسمونه والذي يحيط المواقع ويعتقد أن سيلا من الكهرباء يسير فيه ، قبل عشرة أعوام تقريبا كان هنالك من يخرج كل زنزانة خمس وعشرون دقيقة في المكشوفات إلا أن ذلك أصبح اليوم أمنية مستحيلة وقد عوقب ذلك الضابط الذي كان يدعى وائل سلمان ونقل إلى سجن أبي غريب الذي لا يعد شيئا أمام الصرح علما أنه لم يصنع ذلك من دافع ذاتي بل صلال عبد والذي كان يومها يرأس الصرح هو الذي قال له أصنع للسجناء ذلك .
الضرب بالهراوات كان كثيف ألا أنهم كانوا وهم يركضون يسترقون النظر نحو منشئات الصرح ، أحسوا بضخامة الصرح وخطورة اللحظات القادمة ، حينما جلبوهم قديما كانت عيونهم مشدودة بقماش وكانوا لا يرون أي شيء ، وحتى في الشاحنات الكبيرة التي رسم عليها صقر وأسم ( شركة الخير ) للأستيراد والتصدير ، كانوا مقيدين إلى الخلف وعيونهم مشدودة أيضاً.
ــ سيدي تم إخراج سجناء الوجبة الأولى.
قال ذلك وضاح بعد أن قدم التحية العسكرية بينما ما زال برزان ووزير الداخلية في الغرفة مع السيد شمران والذي كان بين لحظة وأخرى يذهب ليرى ترتيب الأمور وهكذا يعود مسرعا ثم ينهض من جديد وهو بتحرك بروح قلقة جدا.
قال برزان.
ــ إذا توكلوا على الله ، لدينا عمل يجب أن نعود إلى العاصمة قبل الغروب.
ــ أمرك سيدي.
كل زنزانة تفرغ لا تعلم بالأخرى ، الممرات بدأت تفرغ شيئا فشيئا ، هناك مجموعة مكلفة بإخراج السجناء فقط ، السجناء الذين يتم إخراجهم يوزعون على شكل مجاميع وهناك عشرات من الحرس منتشرين في الممرات يضربونهم بالهراوات والأعمدة الحديدية التي تم اقتلاعها من ساحة التدريب وكانت قبل ذلك الوقت تحمل أهدافا يسدد عليها الحرس عيارات نارية وربما أطلق عليها شمران ذات يوم اسم الشواخص ، بدأ أزيز الرصاص يمزق سكون الصحراء ، الزنزانات التي ما زال أمامها بعض الوقت حتى يفتح أبوابها الحرس ، بدأت تسمع هي الأخرى ذلك الأزيز المتراكم والذي أخذ بالتزايد كما وتزايد صراخ السجناء ، مجاميع كثيرة من السجناء بدأت تقطع الصحراء باتجاه الشقوق التي حفروها في زمن ما وهم يتساءلون ماذا يمكن أن يصنع شمران بها ، تراهم وكأنهم دبيب نمل يهرع إلى بيته ، كل سجين وضع يديه على متن السجين الذي أمامه وهو يسيرون باتجاه الشقوق ، بدأت الرمال تكوي أقدامهم ، إنها حرارة الشهر السابع ، عليهم أن يتحركوا أسرع إذا أرادوا أن يتجاوزوا جحيم الرمال ولكن الأمر ليس بأيديهم ، أنه بأيدي مئات من الحرس الذين انتشروا في الصحراء وهم يهرولون نحو الشقوق ، بعض السجناء وهم قلة جدا لا يرون ذلك إذ توجد قماشه تلف عيونهم جميعا وهناك منهم من يستطيع أن يرى بسبب عدم إتقان عملية الشد ، في البدء تصور بعض الضباط إن شد العيون أمر لا مفر منه ولكن يوسف صرخ بهم حينما اخرجوا العشرات الأولى من السجناء .
ــ أتركوا شد عيونهم ، أخرجوهم بسرعة .
السجناء تأكد لديهم أن الموضوع متعلق بأمر خطير بسبب ما يرونه من ضخامة الجند الذين انتشروا في الصحراء ، الجميع يدرك أن الأمر غير متعلق بالأشغال ، إذ إن الخروج للأشغال ليس بهذه الصورة أبدا ، كانوا لا يضربونهم حينما كانوا يخرجونهم إلى الأشغال ولا أزيز رصاص وكانوا لا يشدون عيونهم بل يشدون أقدامهم بسلسة تتيح للسجين أن يسير خطوة واحدة كبيرة وكان طول السلسة المثبتة بقيدين نصف متر ، بعض السجناء الذين كانوا يركضون بهم في الممرات اخذوا يكبرون ، كل من في الصرح كان يسمع دوي الرصاص .
برزان سمع التكبيرات كما وانه سمع أزيز الرصاص ، كان يحدث الوزير وهو يضحك وهما يتجهان إلى الساحة حيث بدا الإعدام فيها قبل قليل وزهقت ستون روحا حتى هذه اللحظة وكانت أول روح زهقت لسجين اسمه عبد الرحمن من العاصمة مضى على وجوده هنا سبعة أعوام وعمره حتى لحظة تمزيق الرصاص قلبه خمسون عاما وأربعة اشهر وسبعة أيام كان مدرسا في مادة الكيمياء في ثانوية العروبة ، كان اسمها ثانوية المحسن لكن البعث حينما جاء إلى السلطة غير أشياء كثيرة قال برزان وهو يضحك.
ــ عربات يجرها حمير، سوف نرى ذلك ، أكمل لقد قطعت حديثك ، ثم ماذا ؟.
قال الوزير.
ــ حينها قلت للسيد الرئيس أن مسألة الخلاف مسألة شخصية وأنا أعتقد أنني لست مخطئا في ذلك مع أنها قالت أكثر من مرة أنني لا استحق أن أكون حماية من الدرجة الثالثة ، ضحك السيد الرئيس وقال لكنها ترى انك تجاوزت على حقوقها الشخصية ، قلت له سيدي المهم هو أنت ماذا ترى قال رأي إنها على حق وعليك أن تعتذر منها.
ضحك برزان وهو يهز كتفيه والحقيقة انه لم يكن يهز كتقية حينما كان يضحك إلا انه كان يرى السيد الرئيس يصنع ذلك وكان يقلده ابتداء ثم اعتاد على ذلك وكان يجهل أن الرئيس كان يهز كتفيه حينما كان يضحك عند الجلوس فقط وليس في حالة المشي ، قال وهو ما يزال يضحك.
ــ وأين كان ذلك؟.
ــ في رحلة الصيد الأخيرة .
صمت الوزير قليلا ثم أردف .
ــ سيدي أنت لم تكن معنا يومها كنت في الموصل.
يتبع إنشاء الله.....
[
[rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]
-
أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح9
أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح9
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
ـ 4 ـ
كان السيد يوسف شمران قد أمر بإخراج السجناء أصحاب عربات نقل الجثث ، كانت العربات مصنوعة من الحديد ومطلية بلون اسود وهي تشبه تلك العربات التي تجرها الحمير في أسواق الشورجة في بداية عقد السبعينات إلا أنها أطول قليلا ، وكان ستة سجناء مخصصين للعربة الواحدة ، ثلاثة منهم في الأمام يجرونها وثلاثة في الخلف يدفعونها إذا ما غرست عجلاتها في الطريق الترابي الذي يؤدي إلى الشقوق البعيدة والذي خطته العجلات فأصبح صلبا بعد أن كان رمليا قبل زمن ما ، كانت هنالك خمسون عربة ، ما هو مستخدم منها أربعون فقط ، يوسف قال لرجب غالي.
ــ أخرجوا كل العربات حتى التي عطلها بسيط .
حينما تنتهي الوجبة تبدأ العربات بنقلهم عبر الصحراء القريبة إلى الشقوق البعيدة ، اقرب الشقوق كان يبعد خمسة (كم) عن البوابة الرئيسية أما الشقوق البعيدة جدا فقد تصل إلى حدود السبعة (كم) بل ريما تعدت العشرة (كم) في بعض الأماكن ، وكانت الجثث ترمى هناك حيث يأتي دور مجاميع كثيرة من السجناء الذين لم يذكر عددهم العميد سمير والذي تمت ترقيته قبل شهريين لهذا معظم الجنود مازالوا معتادين على مناداته فيما بينهم بالعقيد سمير، عشرة عربات ذهبت بعيدا باتجاه سجن الجالية ، حيث أمر يوسف أن يعدموا هناك أي في الساحة القريبة عليهم والتي عاد منها الحراس قبل قليل بعد أن نفذوا عملية الإعدام ، وهم إذ لاقوا أصحاب العربات بمنتصف الطريق فإنهم راحوا يمازحونهم وذلك بوضع البنادق الكلاشنكوف باتجاههم وهؤلاء ما أن رأوا ذلك حتى سقطوا على الأرض خيفة والحرس يضحكون عليهم ، إلا أن الضابط الذي كان معهم وبعض جنود المراقبة والذين كانوا قريبين جدا منهم قالوا.
ــ لا تخافوا الأمر لا يعنيكم ولكن عليكم بنقل الجثث قبل الغروب حتى لا يغضب الضيوف.
كان برزان يشاهد كيف إن أصحاب العربات يركضون بالجثث وهم في خوف شديد ، كان ينظر إليهم وهو يجلس تحت ظُلة اعتاد يوسف أن يجلس تحتها في اللحظات التي تجري بها تمارين الظهيرة أو يرى وهو يجلس تحتها كيف يعذب السجناء في الساحة ، كان الوزير يجلس أيضا جنبه أما السيد يوسف شمران فقد كان واقفا تحت المنصة التي ترتفع مترا عن الأرض وقدا بنيت بشكل غير متناسق ، كان الحرس الشخصي الذي جاء معهما منتشرا قرب المنصة ولم يشارك في إعدام السجناء ، وكان الإعدام يجري بسرعة فائقة إذ مجرد أن تصل المجموعة إلى الساحة وينسحب الحرس الذين جلبوها هرولة يأخذ الحرس المكلفون بالرمي بفتح النار عليهم بكثافة ، ضحك الوزير إذ لاحت له مجموعة من السجناء تركض ممزقة الملبس وكانت بدلاتهم ممزقة تماما وهي لا تسترأي شيء ، السجناء كانوا يعطون كل ثلاث سنوات بذلة بقطعة واحدة زرقاء اللون غير مرقمة ، وكان معظمهم يخلعها صيفا ويلف بها خصره ساترا عورته فقط ، وقد يختلف الشتاء البارد جدا في استحقاقاته .
ــ خونة.
قالها الوزير ، وشاطره برزان في الحديث ، قال وهو ينظر إلى ساعته.
ــ إنهم يستحقون أكثر من هذا.
رفع رأسه ومسك ذقنه بكفه الأيسر ، كان ينظر إلى الأجساد كيف تهتز على الأرض ، هز رأسه ، ثم أردف.
ــ تصور هؤلاء بأيديهم مصيرنا ماذا يصنعون بنا ، لاشك أنهم سيقتلوننا هكذا.
رد عليه السيد الوزير وهو يبتسم.
ــ يريدون أن يحكموا العراق ، يوسف كم بقي لديك؟ .
ــ هذه أخر وجبة من الأربع مئة سيدي.
ــ أي أربع مئة تعني.؟
ــ سيدي الذين أحببت أن تراهم وهم محملين بالعربات .
ــ ولكنني لم أذكر أي عدد.
ــ نعم سيدي أنت لم تذكر العدد ، أنا قلت إن الأربع مئة عدد لا بأس به لكي ترون هذا المشهد.
ــ نعم إنه عدد لا بأس به.
نظر برزان إلى مجموعة كبيرة من السجناء أُخرجت وهي تتجه إلى بوابة الصرح ومن ثم إلى الشقوق حيث يرقدون هناك والى الأبد قال.
ــ يوسف وأصحاب الشقوق ، هل أنجزتم الكثير.
ــ سيدي اسمع الرصاص من بعيد لقد بدأنا بإخراجهم منذ وقت ، وأول وجبة أعدمت هي التي كانت بالأشغال أصلا، كان عددهم لا يستهان به كانوا ثلاث مئة.
لم ينتبه برزان لتلك الكلمات ولم يسمعها جيدا ، كانا يتأملان في منظر العربات ، وتحديدا كانا ينظران إلى عربة قد سقطت منها جثتان وأصحاب العربة خائفون جدا وهم يحاولون حملهم وإرجاعهم إلى العربة التي صبغها الدم تماما.
ــ خونة كم كان السيد الرئيس رحيما معهم إلا أنهم تمادوا كثيرا .
قال الوزير ذلك بينما أدار وجهه نحو الساحة الكبيرة ، كان الجميع يعمل بجد وكانت الأرواح تزهق بسرعة متناهية قال الوزير بصوت هادئ .
ــ فكرة جيدة ، هذه العربات مفيدة كثيرا.
قال برزان وهو يرمي الدخان من فمه ببطء.
ــ نعم إنها مفيدة جدا.
ـ 5 ـ
ما زال السيد شمران ينظر إلى الطائرات وهي تبتعد باتجاه الشمس المصفرة و التي تحتاج إلى دقائق قليلة حتى تختفي في الأفق البعيد وعليها أي الطائرات أن تستدير بعد لحظات لتأخذ اتجاه العاصمة والذي يقع في شمال الصرح ، هز السيد يوسف شمران رأسه وهو ينظر إلى العربات وهي تأخذ أخر الجثث إلى الشقوق ، أدار وجهه إلى المحرقة التي تم تشغيلها قبل ساعة تقريبا لتحرق بعض النفايات ، كان يرى كيف أن الدخان يأخذه النسيم الذي هب قبل قليل يأخذه نحو الجنوب بعيدا عن منشئات الصرح الكبيرة ، قال في نفسه ( هكذا تجري الأمور بسرعة لقد كانوا قبل نصف نهار أحياء ، لقد رفع برزان الكثير عن كاهلي ، لم أكن أتوقع أن هذا سيحصل وبهذه السرعة ، لكم تمنوا أن يمتوا ، أخيرا أدركهم الله برحمته ) خرجت منه كلمات أخرى و دون أن يشعر ، أحد الضباط كان واقفا جنبه تصور أن يوسف يحدثه قال.
ــ عفوا سيدي لم أسمعك .
تبسم يوسف وأدار وجهه عن الطائرات التي اختفت في الأفق الشمالي ، راح ينظر إلى مجاميع الحرس التي راحت تساعد أصحاب العربات على إفراغ الساحة من الجثث المتبقية والقليلة جدا ، قال وهو يوجه حديثه إلى الضابط الذي تصور انه يكلمه.
ــ عليكم أن تتأكدوا من أنجاز كل شيء ، لا تتأخروا في دفن ما تبقى في العمق .
ــ سيدي هؤلاء سيبقون يعملون حتى منتصف الليل إذا أضطر الأمر وفي الصباح سننجز عملية الدفن ، نحتاج إلى عمل مكثف .
ــ اخرجوا من السجناء غير هؤلاء الأغبياء لقد تعبوا.
ــ نعم سيدي.
ـــ لا بد أن نزيد ساعات العمل ، فهناك عمل كثير ينتظرهم ، أين رجب ؟.
ــ سيدي ظنه ذهب إلى الشقوق ليتأكد من سير العمل هناك .
ــ ليأتي إلي بسرعة ، أنا ذاهب لأستريح في غرفتي .
ــ نعم سيدي ، سأبحث عنه وأبلغه ذلك .
ـ 6 ـ
حينما جاء رجب مسرعا وجد السيد شمران نائما وهو يصدر صوتا من منخريه ، إذ مرت نصف ساعة حتى وجدوه ولم يكن قد ذهب إلى الشقوق بل كان في ممرات سجن الجالية ، كان يطالع ماذا كتب الأجانب من ذكريات على الجدران كونه كان يجيد اللغة الإنجليزية ، قال في نفسه ( لو كان الأمر مهما لما نام ) أغلق الباب خلفه بهدوء وخرج نحو الساحة و التي فرغت تماما من الجثث ، نظر إلى أصحاب العربات من السجناء الذين جلبهم احد الضباط ليكلمهم رجب ، لم يصدقوا ما رأوه اليوم ، ولو أنهم خرجوا وحدثوا به ما كان هنالك من يصدقهم قال لهم.
ــ أمامكم عمل متبقي ، سوف تبقون على هذا إلى منتصف أليل ، لا تنسوا أن تغسلوا العربات من الدم ، هل هذا مفهوم؟.
أجابوه كلهم.
ــ نعم سيدي.
ثم ذهبوا يعملون إذ ما زال هنالك بعض المتعلقات التي عليهم أن يتموا عملها ، قال الضابط المستجد الذي وصل إلى الصرح قبل أيام وأدناه يوسف إليه .
ــ سيدي لقد أرسلني السيد اللواء وهو يريدك الآن.
ــ لقد ذهبت إليه ووجدته نائما.
قال ذلك الضابط.
ــ متى! ، ألان بلغني ذلك .
ــ سوف أتي معك.
كان السيد شمران على وشك أن يدخل إلى الحمام حينما وصل رجب إليه ، كان قد خلع بذلته الزيتونية التي خيطها في شارع الرشيد وبقى في سروال ابيض قصير جدا.
ــ رجب تأكد من الشقوق هذا أولا وثانيا حول السجناء وجعل في كل زنزانة اثنين ، أصبح لدينا مكانا واسع .
ــ أمرك سيدي ، هل يمكن أن نؤجل التنقلات حتى غد .
ــ نعم أنا لا اقصد الآن بل أريد أن أقول لك ما تصنعون ولكن الشقوق تأكد منها الآن على ضوء العجلات .
قال رجب.
ــ أمرك سيدي، لقد جئت ووجدك نائم.
ــ كنت متعبا، لقد كان عملا تاريخيا.
أدار وجهه إلى الحمام، كانت الباب حديدية صبغت بلون فضي ، قال وهو يدلف ببطء.
ــ اعرف أنكم مشغولون ، لقد أنجزتم عملا عظيما .
أغلق الباب بينما مضى رجب غالي مسرعا كي يبلغ الضباط بأوامر السيد شمران الأخيرة.
قال لضابط التنقلات بعد أن استدعاه إلى غرفته .
ـ أجعل في كل زنزانة أثنين فقط ، في الصباح افعل ذلك وليس الآن انتم اليوم أنجزتم عملا تأريخي.
ــ أمرك سيدي.
يتبع إنشاء الله.....
[
[rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]
-
أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح10
أضحوكة العالم المثالي - رواية / ح10
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
ـ 7 ـ
مضت نصف ساعة على ذلك الاجتماع الذي دعا إليه السيد شمران في غرفته، كانت ساعة الصرح تشير إلى التاسعة صباحا ، هذا الاجتماع قد خصصه للضباط الكبار في الصرح ، أراد أن يبين لهم خلفية ما حصل أمس ، قال في أول حديثه .
ــ الكل يعلم إننا نتعرض إلى موجة إعلامية شرسة من قبل الأعداء ، موجة لعينة وبتمويل يهودي خبيث حاولت وتحاول يائسة من إظهار بلدنا على انه البلد الأول في انتهاك حقوق الإنسان في المنطقة برمتها وهم من خلال هذه الافتراءات يحاولون التدخل بشؤوننا الداخلية عبر مظلة الأمم المتحدة وهي واجهة من واجهات الأنبريالية العالمية ، نحن حقيقة نعرف أن هذه المنظمات هي منظمات صهيونية وموجهة من قبل إسرائيل والعدو الأمريكي ولكن مع ذلك علينا أن نكون على حذر منها ، هؤلاء الأغبياء يتناسون أن معتقلاتنا لا تضم نوعا من البشر أنهم قرود تستحق الموت ، إنهم متآمرون على وطنهم ويخططون لقلب نظام الحكم ، جميع الذين قتلناهم أمس وقبل ذلك متآمرون وانتم تعلمون ذلك جيدا ، خونة يتعاملون مع الأجنبي على حساب أبناء بلدهم ، لقد قال لي السيد مدير الجهاز عليكم أن تخفوا كل المستمسكات التي تثبت كون هؤلاء كانوا هنا في يوم ما ، وكما تعرفون إن العدد كثير لذلك يتطلب منا جهد.
شرب السيد يوسف شمران قدح ماء وأدار كرسيه الأسود الدوار مرتين والذي كان يصدر صوتا حينما كان يدور وكأنه كرسي حلاق مستجد ، أكمل حديثه وكان عليه أن يرفع صوته بسبب صوت المروحة السقفية والتي علق برزان على صوتها أول ما سمعه بأنه يشبه صوت طائرة هليكوبتر مستهلكة على عكس المبرد الهوائي والذي تم جلبه إلى الصرح في بداية الصيف وهو صنع محلي لكنه لا بأس به ولا يصدر صوتا مزعج.
أكمل السيد يوسف شمران حديثه.
ــ لقد اقترحت عليه أن نتلفها لكنه أرادها في بغداد لذلك قال لي أرسلها بأقرب فرصة إلى مديرية الأمن العامة ثم قال لي ( كنا على حرص تام على أن نبقي هذا السجن قيد الكتمان ولكن في اعتقاد السيد الرئيس إن هناك من يعرف ماذا يجري هنا ، كما ونعتقد إن الأعداء لديهم تطور تكنولوجي واسع خاصة في مجال التجسس عبر الأقمار الصناعية ، نعم إنهم يعرفون ما يجري هنا حتى ولو على مستوى الظن والتخمين ) ، إذا وحسب قول السيد مدير الجهاز ووزير الداخلية فأن سجننا معرض إلى زيارات مفاجئة من قبل منظمات دولية رسمية فعلينا أن نخلي مسؤوليتنا منها بسرعة خاصة والبلاد تعيش تحولات نوعية في كل شيء ، لهذا أمرت بتشكيل لجنة ثلاثية من العميد سمير والمقدم قحطان والرائد نجم وذلك لإرسال هذه الملفات إلى مديرية الأمن في بغداد حيث ستخفيها بطرقها الخاصة ، أريد من هذه اللجنة أن تقدم خلال أربع وعشرين ساعة تقريرا مفصلا عن أسلم الطرق لنقلها علما انه رفض أن تنقل في الطائرات .
صمت ثم حرك مقدمة أنفه بأنامل كفه الأيسر، تنهد مرتين ، قال وهو يقلب بعض الأوراق أمامه.
ــ مفهوم سمير ، أنت رئيس اللجنة ولا اسمح بأي تأخير لا تنشغل بغير هذا العمل ؟.
ــ نعم سيدي غدا يكون التقرير بين يديك.
رفع رأسه كانت عيناه هادئتين وتنبضان بالحيوية ، قال .
ــ جيد ، أقول لكم ولا اخفي ذلك أن السيد مدير الجهاز راض عن عملكم وسوف ينقل ذلك إلى السيد الرئيس ، طلبت منه عشرة عجلات واز للتنقل بها داخل الصرح وقلت له إن العجلات التي عندنا قديمة ومعظمها عاطل كما طلبت بزيادة عدد الشاحنات التي تمثل صلة الربط بيننا وبين الحكومة و طلبت منه إحداث صيانة كبيرة للخط الكهربائي الرئيسي لوجود عطلات كثيرة به وخاصة في الشتاء ، وسألته عن إمكانية تزويدنا بمولد كهربائي جديد وكذلك طلبت منه تعبيد الطريق الترابي فقال ( فكرنا في ذلك وعما قريب ستلمسون شيئا من ذلك ) ، المهم إن كل الطلبات التي كتبت لي من شعبة الصيانة وأحسست أنها مهمة عرضتها عليه وقد كتبها وضاح .
صمت قليلا ، كان ينظر إليهم وهو يشرب أخر ما تبقى من قدح الشاي الذي قدمه أحد الجنود للسيد يوسف شمران وكذلك للضباط المجتمعين في أول لحظات الاجتماع ، وكان السيد شمران يتحدث ببطيء ويحاول أن يقلد الرئيس في بعض حركاته مثل حركة اليد اليمنى حينما يهزها الرئيس وهو يتكلم بشيء من الغضب وكذلك هز الرأس والكتفين ، وكان شمران يتصور إنه يجيد ذلك إلا إنه لم يكن يجيد ذلك أبدا والضباط يعرفون ذلك ولكنهم لا يظهرون ذلك لئلا يغضب عليهم بل لو سألهم هذه الحركة تشبه حركة من لقالوا كلهم إنها تشبه حركة السيد الرئيس حفظه الله ورعاه ، أردف قائلا.
ــ إذا كان لديكم شيء تحبون الاستفهام عنه ؟.
ــ سيدي الذخيرة قليلة جدا فقد استخدم منها الكثير.
قال المقدم نجم ذلك وتبعه النقيب وائل .
ــ كما إن أسلحتنا بعد هذه التجربة أثبتت أنها غير فاعلة .
هز رأسه وحرك يده اليمنى ، قال.
ــ لقد فآتني أن اذكر لكم شيء وهو أن هدية السيد برزان للجنود كانت مئة دينار و مئة وخمسون للمراتب ، ستصل خلال أسبوع أما ما يخص موضوع السلاح ليكتب المقدم رشيد ذلك النقص في كشف هذا عمله وسأوقع عليه ، انتهى الاجتماع .
حينما خرج الضباط من الغرفة كان رجب غالب قد بقى منتظرا ليكلم السيد شمران حول السجناء المتبقين ، لم يكن الحديث ذات أهمية بل حاول رجب أن يبلغه إن عملية فرز السجناء قد تمت قبل الاجتماع بنحو الساعة.
ــ جيد ، اتصل بشعبة الصيانة أريدهم أن يصبغوا كل الغرف الفارغة ، وإذا تمت حولوا لها السجناء واصبغوا غرفهم لا أريد أي كتابة على الجدار مفهوم ، امنعوا السجناء أن يكتبوا أي شيء ، ومن يكتب بعد أن تصبغ ضاعفوا عليه الأعمال حتى يهلك وارموه في الانفرادي عشرة اشهر مفهوم هذا قرار ، كذلك لا تنسى أن تصبغوا زنزانات الأجانب ، هذا من جانب من جانب أخر أريد جرد بأسماء وأعمار كل السجناء المتبقين ، لا تخرجوا من مضى على سجنه خمسة عشر سنة للأشغال .
ــ أمرك سيدي ولكن فيهم من يمتاز بالقوة.
ــ نعم أعرف ذلك ولكن هكذا أرى.
ــ أمرك سيدي.
قالها بصوت خافت بينما أدى التحية العسكرية منسحبا عن الغرفة.
ـ 8 ـ
ــ أيها العجوز العنيد يبدو أن نهايتك قد اقتربت.
قال ذلك إبراهيم رشاد مبتسما وهو يكلم العجوز الممتد في الزنزانة الثالثة والأربعين من الممر الواحد والعشرين ، كان العجوز مستلقي على ظهره جاعلا من قدميه وهما باتجاه الباب حاجزا بين مجموعتين من السجناء ، كان العجوز يئن بصوت حزين ، إذا جلست بقربه بالكاد تسمع ذلك الأنين ، حينها ستقول في نفسك أن روحه ستزهق قريبا ولكن حين تعرف انه أنهى الثلاث سنوات الأخيرة على هذا المستوى من المعانات قد تغير رأيك ، كان يشكو آلاما في ظهره ومنذ أيامه الأولى في الصرح وقد تفاقمت عليه مؤخرا بحيث لا يستطيع معها الجلوس ، ضربه احد الحرس بهراوة على ظهره في سنته الأولى وكان ذلك الحرس فضوليا إذ لم يكن الأمر متعلق بالتحقيق بقدر ما كان متعلقا باستعراض قسوته أمام احد الضباط الذي أثنى عليه علنا ، يومها قال له ذلك الضابط (جيد ) بينما قال في نفسه (أيها الكلب ما كان الأمر يتطلب ذلك ) قالها حينما رأى ذلك السجين يرفس برجليه وكأنه طير مذبوح ، كان اسم الضابط نبيل وكان اسم الجندي ذاك صيهود أما العجوز الذي يئن منذ ثلاث سنوات فكان اسمه سرحان بيدر، يومها أبعد نبيل ذلك الجندي عن لجنة الضبط النفسي للسجناء بحجة انه غير فعال ، قال العجوز سرحان وهو يبتسم وكان يكلم إبراهيم رشاد.
ــ ليتها تقترب لينتهي هذا الفصل المضحك سيد إبراهيم .
كان إبراهيم يكثر الكلام مع العجوز فقد رافقه في الزنزانات منذ قرابة الخمسة أعوام وهي اكبر مدة يمكن أن يصطحب بها سجين سجينا أخر وكان الأمر لا يصدق في نظر إبراهيم وحتى العجوز ، إذ أن الواقع هنا يشير إلى خلاف ذلك فالتنقل الدائم بين الزنزانات أمر لا مفر منه.
العجوز كان قد جلب إلى هنا قبل تسعة أعوام ، أعتقل لأنه قال إن الحرس القومي هو حزب البعث نفسه ، قال لإبراهيم ذات يوم ، ( إنني قلت ذات مرة إن الحرس القومي هو حزب البعث ، قلتها في المقهى وبعد يومين جاء الأمن ليعتقلني وبقيت في امن الناصرية شهر مع أبنائي الثلاثة ثم أخذونا إلى بغداد وبقيت في أمن الرصافة خمسة اشهر ثم أرجعوني وأولادي الثلاثة إلى أمن الناصرية ومنها إلى الصرح إلا إن أولادي تم إطلاق سراحهم من الناصرية ) ، كان العجوز يعتقد أن أولاده الذين اعتقلوا معه في مديرية أمن الناصرية قد أطلق سراحهم وكان العجوز يشعر بالانتصار لنجاة أولاده ، يشعر بذلك الانتصار كلما لاحت له صورهم التي بدأت تتوارى خلف النسيان ، قال له مدير أمن الناصرية يوم ذاك ( إننا نريدك أنت لا وأبنائك.. أطلقوا سراحهم فورا) وكان يحدث إبراهيم بذلك بل وكل من صاحبه في الزنزانات التي انتقل إليها عن أبنائه وبالأخص الأصغر منهم ، كان عمره يوم اعتقل سبعة عشر عاما و اسمه سمير وكلما مر به أسم سمير العميد الذي لا يتوانى عن ضرب السجناء بقسوة وخاصة الشيبة منهم إذ كان يقول( يفترض أن يكونوا اعقل من هؤلاء الشباب المندفعين) ، وكان العجوز كلما مر به ذلك الاسم بكى ، إلا انه لم يخبر بتلك المشاعر احد إلا إبراهيم وذلك لطول المدة التي قضاها معه ، وكان يكثر من القول ( إن سمير قد تزوج الآن وإن زوجته ربما أنجبت أطفالا بجمال سمير، الله كم أنا مشتاق لرؤيتهم ) ولكن الأمر ليس كما يتصور ذلك العجوز فأولاده الثلاثة كانوا في الصرح أيضا وصلوا إليه بعد وصول العجوز بفترات مختلفة ولكنهم في ذات الشهر ، كلهم وصلوا في ذات الشهر ولكن لا احد يعلم بالأخر ، كل منهم يتصور إن أخيه قد خرج ، هكذا اخبرهم مدير أمن الناصرية ، ولم تكن لديهم خبرة تسعفهم وتجعلهم يتصورون الأمور بحجمها الطبيعي ، بالأمس حصدت بنادق الحرس اثنين منهم وبقى واحد ولحسن حظه انه كان في المحاجر البعيدة وليس في الزنزانات ولو كان في غير ذلك المكان لقتل ايضا.
ــ يا الهي لقد عادوا من جديد.
قالها احد السجناء والذي كان يقف قرب فتحة الباب الصغيرة والمغلقة دوما ، ورد عليه الأخر و كان يجلس عند رأس العجوز متكأ على الجدار المتسخ والمليء بذكريات السجناء الحزينة.
ــ ولكن هذا ليس موعدهم.
وتمتم أخر بشيء من الكلمات المبهمة جدا والتي توحي انه كان خائف جدا ، وصاح السجان الذي بدأ يركل بأقدامه في البوابات الأولى ، كان يركلها بقوة .
ــ انهضوا أيها الجبناء لا أريد أحدا نائما.
يتبع إنشاء الله.....
[
[rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]
-
أضحوكة العالم المثالي - رحلة الضحايا والمظلومين في عهد الطاغيه صدام
السلام عليكم وبركة الله ورحمته
ارجو ان تقرأو هذه الحلقات وشوف كم هي القساوه والاجرام والقتل والعنف وعدم حقوق الانسان لدى هـــؤلاء الاوباش
مع الشكر
[
[rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]
-
عزيزي الاخ بلدي
هل زودتم المحكمة الجنائية العليا بكل هذه الاحداث؟ أرجوا ذلك
-
أضحوكة العالم المثالي - رحلة الضحايا والمظلومين في عهد الطاغيه صدام - ارجو التثبيت
الاخ حسان مع التحيه
كم هي الدعاوي والشكاوي انها بالملايين على هؤلاء الاراذل
هذه الروايه وحلقاتها التي لم تنتهي مجرد للتأريخ وانها توثيق حقيقي ارجو الانتباه انها وثيقه حقيقيه
[
[rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]
-
أضحوكة العالم المثالي روايه- من الحلقه -11 - الى الحلقه -14- ارجو التثبيت
[size=4]أضحوكة العالم المثالي - رواية / ح11
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
الجميع أخذ ينهض كان الصوت مألوفا لدى كل السجناء فهو للسجان وليد الذي لا يتوانى أن يقتل كل من في الصرح بكاس من البيرة المحلية ، هكذا كان يقول لهم ، كان يكررها وهو سكران ( لو كنت مكانكم لدعوت إلى السيد شمران بالعافية ، أتمنى أن يجعل مقدرات هذا الصرح بيدي ساعة ، ساعة واحدة لجعلتكم تسمون السيد اللواء بالرجل الرحيم ، إنكم لا تساوون عندي كأس من البيرة ) ، لقد شارك أمس في قتل الكثير ، ليس في الساحة بل عند الشقوق ، كان واجبه الإعدام في الشقوق البعيدة ، كان السجناء يتمنون أن تنتهي الأربعة اشهر بسرعة فائقة حتى يذهب ذلك القصير القامة ذو البطن الواسعة والوجه الأسمر والشاربين الكبيرين جدا ، يقول الجنود أن الذي يأتي في مكانه جندي أخر يدعى منعم أقل شدة فهو يصغي للسجناء وإذا وجد اثنين يتكلمان يغض طرفه عنهما ، ويقولون ذات مرة إنه سمح للسجناء بالحديث لبعض الوقت.
نهض الجميع ، كل غرفة يركلها بقدمه اليسرى وأحيانا اليمنى تفتح بوابتها الصغيرة والتي هي في أعلى الباب الرئيسية ، تفتح من قبل احد الحراس الذين معه ، حينما انتهى من فتح كل البوابات الصغيرة ، صاح .
ــ سوف يأتي المقدم قحطان لا أريد أحدا يجلس ، الذي أجده جالسا سألقنه درس لن ينساه أبدا.
تركهم وذهب في أول الممر يجلس هو وبقية الجنود على كراسي خشبية ، راحوا يتحدثون عن الإجازة الدورية لماذا تأخرت ثلاثة أيام ، بينما ما زال احد الحراس يتجول في الممر ، لمح العجوز وهو مستلقي ، صاح به .
ــ كلب انهض ، رافد تعال افتح الباب .
هرول رافد نحو ذلك السجان وأصوات المفاتيح بيده تقبض قلوب السجناء وهي دوما تقبض قلوبهم وكلما كانوا يسمعونها كانوا يتحركون في أماكنهم خيفة وهم لا يشعرون ، قال وهو يهرول.
ــ نعم أنا قادم.
تحرك احد السجناء نحو الباب كان يريد أن يتكلم ، لقد عزم على الكلام وهي مجازفة خطيرة جدا وكان يعلم بذلك ، كان أسمه كاظم وكان شابا دخل قبل شهرين في عامه الثلاثين إلا انك إذا رأيته قلت إن عمره تجاوز الخمسين ، قال.
ــ سيدي هذا مريض منذ مدة والسيد شمران يعرف به.
صرخ به ذلك الجندي الذي كلمهم قبل قليل.
ــ أصمت أيها الخنزير وألا حرقت لحيتك البيضاء هذه.
لم تكن لحيته بيضاء مطلقة بل كان البياض هو الغالب ، وصل رافد الشاب الوسيم جدا والمخنث جدا وهو يحمل مفاتيح جميع الغرف ، قال وهو يلهث.
ــ كم الرقم ؟.
أجابه وهو يضع سيجارة سومر في فمه.
ــ واحد وأربعون.
أخذ يبحث في المفاتيح وهو يردد ( واحد وأربعين ... واحد وأربعين ... واحد وارب )..قال بصوت متقطع.
ــ وجدته خذ ، ماذا صنعوا هؤلاء القردة ؟.
ــ لا شيء ولكن هذا العجوز الأغبر لا يقوم انظر إليه وكأنه عريس.
تحرك العجوز على أمل أن يجلس صاح خمسة مرات من الألم ، فتح الباب ، ركله ستة مرات على وجه ، خرج الدم من فمه وأنفه ، أراد أن يخرجه ، بدأ المخنث يسحبه إلى الخارج ، لا احد يستطيع أن يتكلم أي حرف ، فكلمة واحدة يعني أن تنال ذات العقوبة التي هي مبهمة حتى هذه اللحظة قال السيد إبراهيم في نفسه ( إذا اخرج العجوز فلن يرجع إلى هذه الغرفة أبدا ولن ألتقي به أبدا ، علي أن أتكلم ).
قال.
ــ سيدي الضباط الكبار حي..
صرخ الحرس.
ــ اصمت لا تتكلم ، أصمت يا كلب.
أكمل السيد إبراهيم رشاد حديثه بعد أن توقف قليلا.
ــ حينما يأتون ويرون العجوز نائما ويسألوننا عنه نقول لهم هو مريض وعندكم الإثباتات الصادرة من مستشفى الصرح وهم يتفهمون ذلك .
كان العجوز ما يزال نصفه في الممر والنصف الأخر في الزنزانة والشاب المخنث يجره من يديه وقد لف البذلة الزرقاء على شكل مئزر ، ارتفع صوت العجوز ، حينها جاء وليد يتمشى كأنه طاووس في لحظات التزواج ، نظر إلى العجوز قال.
ــ اتركوه هذا مريض ، بدر أليس كذلك ؟.
قال العجوز وهو يمسح الدم من فمه.
ــ نعم اسمي سرحان بيدر.
ـ نعم ، نعم أتذكرك جيدا ، أرجعوه لا حاجة للعقوبة فهو مريض.
صمت قليلا ثم أردف .
ــ ولكن لا تبقى نائما حينما يأتي المقدم ، اجلس على اقل تقدير.
ــ نعم سيدي.
نظر الجندي إلى إبراهيم وقال وهو يكلم وليد .
ــ هذا يتدخل في شؤون السجناء وقد جعل من نفسه محامي لهم .
ــ من ؟ .
ــ هذا العجوز الأغبر.
ــ أسمك إبراهيم أليس كذلك؟.
ــ نعم سيدي.
ــ لماذا تكلمت دون أن يوجه إليك سؤال ، هل نسيت تعاليم الصرح ؟.
أحس إبراهيم بخطورة الموقف وان وليد إذا أخرجه فستكون هنالك عقوبة قاسية جدا.
فكر وليد بإخراجه وتعليقه في الممر يوم كامل وخطرت بباله فكرة أن يعلقه من قدميه ليقتله لأنه قال في نفسه ( إن هذا العجوز غير مريح ) ولكن قبل أن يتكلم صاح الجندي المخنث والذي توسط الممر وكان ينظر من خلال البوابة الصغيرة إلى السجناء وكأنه أول مرة يراهم .
ــ جاء المقدم ، وليد جاء المقدم.
قال ذلك وهو يهرول باتجاه الزنزانة ليقفلها أما وليد فقد هرول باتجاه قحطان الذي راح ينظر في الزنزانة الأولى وكان يسير بجنبه الملازم سامر.
أستعد وليد ودون آن يتكلم.
قال قحطان.
ــ سامر أريدك أن تجرد عدد السجناء في كل زنزانة .
ــ نعم سيدي.
وليد كان يعرف ذلك ويحفظه على ظهر قلب ، أي لو سأله المقدم كم عدد السجناء في الزنزانة السابعة مثلا لقال له خمسة ، أراد أن يقول له ذلك لكنه رآه متوترا فخشي أن يعاقبه ، لذلك طرد هذه الفكرة وقال للمخنث الذي استعد أمام المقدم قبل لحظات .
ــ صباح اجلب كرسي للمقدم ليستريح .
نظر المقدم إلى وليد ، قال له .
ــ ما هي أخباركم؟ .
قال له وهو يبتسم
ــ جيدة سيدي .
ــ أذهبوا مع الملازم ربما احتاجكم .
وجَّه المقدم كلامه إلى وليد وبعض الحرس والذين تشاوروا فيما بينهم على إن يتقدم احدهم ويسأل المقدم عن سبب تأخير الأجازة ثلاثة أيام ، قالوا له ( نعم سيدي ) وراح وليد ينسحب ببطء ألا إن الجنود تغامزوا فيما بينهم على أن يبقى واحد يقوم بذلك الدور ، تخلف احدهم ولم يشعر المقدم بذلك ، كان ينظر في مجموعة السجلات لسجناء جدد أمره رجب غالي بتفحصها وقد أودعهم قبل نصف ساعة في الزنزانات الانفرادية ، كان يقف خلفه أحد الضباط الصغار ، رفع رأسه من مطالعة تلك السجلات وتفحصها ، دفعها إلى ذلك الضابط الذي يقف خلفه قال له بصوت هادئ ( إذا رجعت إلى غرفتي ذكرني بها ) أخذها الضابط وقال له بهدوء مبالغ فيه ( نعم سيدي )، نظر إلى سامر وهو يكتب أسماء السجناء في سجل ازرق كبير، وكان قد توغل في عمق الممر ووليد وبعض الحرس خلفه يغلقون الفتحات من الزنزانات التي مر عليها الضابط ، هز رأسه ، قال المقدم قحطان في نفسه ( أغبياء ) ثم أردف قائلا بصوت سمعه الضابط الذي يقف خلفه (( قل لهم لا تغلقوا الفتحات نحتاجها ) ، وصل الخبر إلى الملازم سامر، قال ( لم أمرهم بذلك) نظر الملازم إلى وليد الذي رأى في نفسه إن البوابات الصغيرة ينبغي أن تغلق فراح يغلقها ، صاح به الملازم .
ــ افتحها .. هيا افتحها .. من قال لك أغلق البوابات.
بدأ بفتحها وليد وبمعاونة ذلك الجندي المخنث وهو يتمتم بكلمات لا تفهم .
السجناء الأحياء الذين أفلتوا من تلك الزيارة السريعة لم يعلموا ما حدث أمس ظهرا ، لقد سمعوا أزيز الرصاص ولنصف نهار تقريبا ، لكنهم لم يسمعوا صراخ السجناء وهم يركضون ، ذلك لأن الممرات التي تقع بها زنزاناتهم بعيدة فهي تقع في الطرف الأخر من الصرح ، لو كانت قريبة لما كانوا اليوم أحياء و لكانوا مع السجناء الأخريين الذين لم يبقى منهم سوى مجموعة من الكلمات متناثرة هنا وهناك كتبت بخوف شديد على جدران الزنزانات التي فرغت من كل شيء. السجناء الأحياء لم يتصوروا أبدا ما حدث ، نعم لقد مرت بهم فكرة إعدام بعض السجناء ولكن لم يمر بخاطرهم إن تلك الزنزانات التي مروا بها قديما قد فرغت تماما وما بقي بها غير كلمات على الجدار يوشك السيد يوسف شمران أن يطمس أثارها والى الأبد ، وبالفعل فقد باشر الصباغون بطلاء الزنزانات الفارغة في الممرات القريبة.
ــ سيدي هذه القوائم.
ــ جيد.
ـ 9 ـ
صاح المقدم وهو يقف في وسط الممر.
ــ اسمعوني جيدا سوف نبقي في كل غرفة اثنين من السجناء فقط ، وسوف نبدأ بذلك الآن الذين نخرجهم سوف لن نؤذيهم ، سنذهب إلى زنزانات فارغة أخرى أكثر سعة ، نريدكم أن تأخذوا راحتكم فالمكان ضيق هنا ولا يسع إلا لسجينين أو ثلاثة.
تبسم إبراهيم ، قال في نفسه ( أين كنتم هذه الأعوام ) فكر في العجوز وكان قد جلس متكأ على الجدار الذي يقابل البوابة واضعا رأسه بين ركبتيه ، قال مرة أخرى في نفسه ( ماذا سأقول لهم لو أخرجوني عن العجوز ، هل يمكن أن أقول لهم دعوني معه لأنه بحاجة لي ، ولكن تبدوا لي هذه المسألة نوع من الحماقة ، ربما ادفع ثمنها بقية أيام حياتي هنا ) ضحك حينما مرة به كلمة حياتي قال في نفسه مرة أخرى ( لا يوجد هنا أي معنى للحياة) حرك رأسه ووضعه على الجدار منتظرا أن يأتي قحطان والذي ما يزال يتكلم ويوعد السجناء خيرا ، أغمض عينيه تذكر خديجة زوجته وهي المرة الأولى التي يتذكرها هذا اليوم قال (عموما من الحكمة لو أخرجوني أن اسكت و سأتركها لمشيئة الله وعنايته فنيتي هي أن أبقى مع هذا العجوز المسكين ، والذي أحببت خدمته ، سأشتاق إليه طويلا ) .
لا يوجد احد من السجناء لم يسمع كلمات قحطان والذي توسط الممر حينما راح يتكلم ، بعضهم وصلت إليه ضعيفة جدا ، صدى الصوت في الممر ساعد الغرف الأخيرة من أن تسمع قحطان ولكن ليس كل الكلمات ، لقد عرفوا أن أمرا ما سيحدثه قحطان الآن إلا انه ليس مخيفا كبقية الأشياء التي اعتادوا على رؤيتها.
ــ إبراهيم ما تقول أخشى أن نفترق؟.
قل العجوز ذلك ، بينما راح إبراهيم يدنو منه ، قبله واحتضنه على نحو السرعة ، قال وهو يقف في مكانه القديم.
ــ الله وحده يعلم كم أتألم لو أخرجوني عنك ، فكرت أن اكلم قحطان ولكن رأيت أن هذه حماقة ، فهم قساة ، يكرهون أن يتعلق سجين بسجين آخر ، نريد دعاءك ، والله يفعل ما يشاء.
يتبع إنشاء الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
- ح12
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
فُتحت الزنزانة التي فيها العجوز، صاح المقدم قحطان بصوت فظ.
ــ وجوهكم إلى الحائط.
قالوا بصوت واحد وسمعه المقدم بوضوح.
ــ نعم سيدي.
أدار الجميع وجوههم إلى الجدار ، أغمأضحوكة العالم المثالي / روايةض إبراهيم عينيه وصك أسنانه وتأمل قليلا ، كان يحاول أن يتوقع من الذي سيخرجه قحطان، قال في نفسه ( أتوقع إنهم سيأخذونني عنه ، رباه سأفتقد العجوز )، رأى قحطان العجوز وهو جالس وقد أسند ظهره للجدار وما زال فمه يقطر بالدم جراء تلك الركلات والعجوز يحاول مسحها بكفه الأيسر بين الحين والأخر نظر قحطان إلى الدم والى أثار تلك الضربات العنيفة لم يعلق عليها بشيء ، قال له.
ــ كيف حالك أيها العجوز ؟ قالوا انك مريض .
ــ نعم سيدي أنا مريض وظهري يؤلمني جدا .
أدار قحطان وجه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح12
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
فُتحت الزنزانة التي فيها العجوز، صاح المقدم قحطان بصوت فظ.
ــ وجوهكم إلى الحائط.
قالوا بصوت واحد وسمعه المقدم بوضوح.
ــ نعم سيدي.
أدار الجميع وجوههم إلى الجدار ، أغمض إبراهيم عينيه وصك أسنانه وتأمل قليلا ، كان يحاول أن يتوقع من الذي سيخرجه قحطان، قال في نفسه ( أتوقع إنهم سيأخذونني عنه ، رباه سأفتقد العجوز )، رأى قحطان العجوز وهو جالس وقد أسند ظهره للجدار وما زال فمه يقطر بالدم جراء تلك الركلات والعجوز يحاول مسحها بكفه الأيسر بين الحين والأخر نظر قحطان إلى الدم والى أثار تلك الضربات العنيفة لم يعلق عليها بشيء ، قال له.
ــ كيف حالك أيها العجوز ؟ قالوا انك مريض .
ــ نعم سيدي أنا مريض وظهري يؤلمني جدا .
أدار قحطان وجهه إلى السجناء ، تبسم في نفسه لم يحرك شفتيه ولكنه هز رأسه ،راح ينظر ، ثمة أجساد خاوية وبدلات زرقاء رثة جدا وممزقة في معظم جوانبها، قال بذات النبرة التي تكلم بها قبل قليل.
ــ إذا إبقى هنا وهذا سيبقى معك ، إخرجوا البقية .
لم يكن إبراهيم من وقع عليه اختيار المقدم الذي سرعان ما توارى عن الغرفة ، السجين الذي بقى مع العجوز اسمه جبار وهو من الهاشميات أراد العجوز أن يكلمه بل تكلم بصوت خافت وظن إن المقدم سمعه إلا انه لم يسمعه ولو طلب منه العجوز ذلك بحجة أن إبراهيم يساعده حينما يذهب للغائط لتركه ، كان يظن قحطان انه صنع خيرا للعجوز فجبار كان الأقوى في منظور قحطان من بقية السجناء الآخرين وجسده يسمح له بأن يحمل العجوز للمرحاض ويرجعه ، هكذا فكر قحطان حينما ترك جبار في الغرفة.
تضجر إبراهيم كثيرا حينما أخرجوه، تنهد عدة مرات وهو يقف في الطابور الذي تألف من السجناء الذين تم إخراجهم من الغرف قال في نفسه ( وداعا يا حاج سرحان سوف لن نلتقي بعد ذلك أبدا، سأفتقدك كثيرا ) تذكر إبراهيم كلمات الرائد غانم عند دخوله الصرح وهو يسلمه البذلة الخاصة بالسجناء( إياكم أن تتعلقوا بأي سجين أو تحبون صحبته في عالم الزنزانات الذي سيظل يحيطكم حتى الممات، هذه نصيحتي لأن تعلقك بأي سجين يعني الألم المضاف إلى أحزانك وآلامك وأنت غني عنه لأنك سترى من العذاب ما ينسيك أمك وأبيك، ففي أي لحظة يمكن إن تتركه فأذن لماذا تتعب نفسك، عليكم أن تهتموا بأنفسكم فقط ) ، تعثر احد السجناء لم يكن من الذين اخرجوا من زنزانة إبراهيم بل من الزنزانات الأخرى ، صفعه احد الحراس، صاح المقدم بصوت قاسي إذ أنه رأى ذلك.
ــ كفوا أيديكم عنهم، أرفقوا بهم.
لم يسمع إبراهيم مثل هذه الكلمات منذ أيامه الأولى أي قبل عشرة أعوام، نظر إلى الممر كان مليئا بالحرس، كانوا مجردين من السلاح إلا إن بعضهم كان يحمل عصي وهراوات، أوقفوه في الطابور الطويل، كان هنالك جندي يقيد أيادي السجناء من الأمام وليس من الخلف كعادتهم، وهناك آخر يشد على العيون بخرقة زرقاء يبدو أنها أخذت من ملابس السجناء الميتين، صاح الملازم سامر.
ــ كل سجين يضع يديه على كتف السجين الذي يكون أمامه، هيا بسرعة أمامنا طريق طويل.
أدرك حينها إبراهيم لماذا قيدوهم من الأمام وكان يتساءل قبل ذلك في نفسه ( ترى لماذا يقيدوننا هكذا ، هذه أول مرة أرى فيها سجانا يقيد سجينا من الأمام )
ـ 10 ـ
منذ خمسة أعوام لم يفارق إبراهيم ذلك العجوز، أحس بوحشة كبيرة، فتحوا القيد من يديه، قال له أحد الجنود وهو يدفعه بقوة ، ( أدخل إلى هذه الزنزانة رقم زنزانتك أربعة عشر، لا تنسى ذلك ) أدخلوا أيضا شابا اسمر اللون نحيف الجسم، وجهه نضرا إلا أن الشيب غطى لحيته، بدلته الزرقاء تبدوا غير متعبه على خلاف إبراهيم فقد كانت بدلته ممزقة نوعا ما، الزنزانة لم تكن واسعة وكانت ادعاءات قحطان باطلة وغير صحيحة فهي تشبه تلك الزنازين التي قضى بها إبراهيم تسعة أعوام وبعض الأشهر، جلس إبراهيم فور دخوله الزنزانة بينما ظل الشاب واقفا ووجهه إلى الحائط يحرك رأسه بالحائط كأنما يضربه برفق، نظر إليه إبراهيم كان هو الأخر متعبا إلى حد انه يكره الكلام مع إي شخص، فرك معصمه الأيسر الذي ضغطه القيد بحيث ظل أثره محمرا شهرا حتى اختفى، فكر أن يكلم الشاب إلا إنه استدرك ذلك وقال في نفسه ( أمامنا وقت طويل، سأمل منه ويمل مني فعلى ما هذه العجلة ) صمت في نفسه ثم رجع يحدثها ( ما كان يضرك يا قحطان أيها الطاغوت لو أبقيتني عند العجوز، فجبار غير متفق معه وهما دوما غير متآلفين، إذن كيف سيعيشان وكيف يتسنى لجبار إن يعينه حينما يريد بيت الخلاء ) فرك عينيه تذكر إناء الفطور إذ لا يوجد في الزنزانة إي إناء وأي فراش قال في نفسه مرة أخرى ( يبدو أن هذه الزنزانة فارغة منذ زمن ) نظر إبراهيم إلى ذلك الشاب ، لم تكن نظرة فاحصة ، كانت نظرة عابرة وعابرة جدا ، الذي يراه ينظر إلى ذلك السجين يقول إنها نظرات ازدراء وتجاهل والحقيقة إن إبراهيم لم يكن يحمل ذلك الشعور ، مرت نصف ساعة على دخولهم الزنزانة، كانا صامتين لم يتكلما بأي كلمة، كانا يفكران ، يفكران بصمت عميق بأولئك السجناء الذين تركوهم في الزنزانات البعيدة ، من الحكمة أن لا يوجد هناك تعلق حقيقي بين سجين وأخر لأن الموضوع كله متعلق بإرادة الحرس فقد يخرجون سجين ويدخلونه زنزانة أخرى متى شاءوا، صاح السجان.
ــ تحضروا للفطور.
أنتبه الشاب قال بصوت فاتر ( كيف سنأخذ الحساء ليس لدينا إناء ) تبسم إبراهيم وهو لا يزال جالس يفرك في معصمه ( سنقول لهم إن آنيتنا تركناها هناك واعتقد أنهم يعرفون ذلك ) جلس الشاب بجنبه قال بنبرة حادة ( أنت متفائل جدا أيها الأخ ، شهر كامل لا يدفعون لي حساء ولا أي شيء يوضع في الماعون لأنهم نقلوني إلى زنزانة ليس فيها ماعون ، وكلما طالبت الحرس بذلك كانوا يضحكون ويقولون لي أشتري واحد من الدكان القريب لك)
قال إبراهيم.
ــ حسب علمي هم يعرفون جيدا إننا جئنا من دون أنية.
ــ لا ادري ولكن موقفنا محرج، أرجوا إن يكون مزاجهم جيد هذا اليوم.
بدأ الحرس يفتح البوابة الصغيرة لإعطاء الفطور، قال إبراهيم في نفسه ( أتمنى أن لا يحدث لنا مثلما حدث للشاب قديما) ثم سأل الشاب.
ــ منذ متى حدث لك ذلك.
ــ منذ سنة تقريبا.
هل تتوقع أن يحدث هذا الآن.
ــ أتوقع ذلك.
فتح الجندي البوابة الصغيرة قال لهم.
ــ هل لديكم أنية ؟ .
أجاب الاثنان معا.
ــ كلا تركناها هناك.
تبسم الجندي، قال وهو ما يزال مبتسما.
ــ أنتم لم تتركوها بأرادتكم، لا بأس.
أغلق البوابة الصغيرة بهدوء، صاح وهو يسير في الممر.
ــ هؤلاء كذلك ليس لديهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح13
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
ـ 11 ـ
السجناء الذين استثناهم الأخ غير الشقيق للسيد الرئيس و كان أصحاب العربات منهم وكذلك من كان ينظف واجهات القيادة كل يوم ومكاتب السادة الضباط ، هؤلاء كان عليهم أن يعملوا الليل كله وحتى حينما مزق الفجر قميص الظلام كانوا يعملون إلا إنهم عادوا بعد الشروق ، عادوا متعبين جدا يجرون مساحيهم ومعهم بعض سرايا الحرس الذين كانوا يلحون عليهم أن يدفنوا القتلى قبل بزوغ الفجر.
كانت مهمتهم إرجاع التراب ليواري جثث السجناء ، تلك الجثث لتي ملئت الشقوق ، كان الظلام دامسا إلا ما كانت ترسله المصابيح اليدوية والتي كان بعض الحرس يحملها ، ولأنها كانت محلية الصنع وصغيرة لم يكن ضوئها ساطعا ولا مركزا على الشقوق بحيث ينير للسجناء وهم يعملون بل كانوا يركزون على الأفاق خشية أن يتوارى سجين خلف التلال القريبة وهذا ما لم يفكر به أي سجين ، كانت المصابيح لا تنير إلا لثلاثة أمتار لكنهم كانوا يوجهونها نحو الأفاق، ولأن مناخ العمل كان هكذا لم يروا السجناء إن بعض الذين تم رميهم في الشقوق كانوا يتحركون ويئنون إي إنهم لم يكونوا ميتين ، نعم لقد لاحظ بعض الحرس ذلك قبل نزول الظلام إلا إنهم كانوا يخشون أن يحدثوا الحرس بذلك وكانوا يهيلون التراب وهم يقولون لماذا نخبر الحرس إذ إنهم ميتون لا شك في ذلك وكانوا يعملون بنشاط من اجل أن يرجعوا قبل طلوع الصباح.
ـ 12 ـ
قال الشاب الذي أسند ظهره على الجدار جاعلا يده اليسرى وراء ظهره وقد رفع قدمه اليمنى بحيث اسند باطن القدم على الجدار أيضا وهو ينظر إلى إبراهيم الذي مد رجليه واتكأ على الجدار الساتر.
ــ إسمي حسن عبد الزهرة من البصرة ، طالب في المرحلة الأولى ، كلية الزراعة، بغداد ، اعتقلت في عام 1976من قبل مديرية أمن بغداد ، بقيت ستة أشهر في مديرية الأمن العامة تعرضت خلالها إلى شتى أنواع التعذيب كانوا يسألونني عن طالب معي في نفس الشعبة اسمه أسامة كانت تربطني به علاقة جيدة وهو ناشط إسلامي كان يرى إن الإسلام يمكن أن يأخذ دوره بالحياة وعملية تجميده ما هي إلا محاولات يائسة لقد تأثر ببعض الشباب الثوريين ،هكذا كان يقول لي ، توارى عنهم ولا أداري هل مسكوه أم لا ، ثم أخذوني في طريق طويل ، واعتقد إننا مشينا كثيرا في طرق وعرة وترابية حتى وصلنا إلى هذا المكان، هذا باختصار شديد وفي الأيام القادمة سوف نتكلم عن بعض الخصوصيات والتفاصيل وطرق التعذيب.
تبسم إبراهيم ، ثم صمت لحظات ، كان ينظر وهو جالس إلى مجموعة كبيرة من الكتابات ملئت الجدران ، قال في نفسه ( إذا انتهيت من كلامي مع حسن سأقوم بقراءتها ) ، قال له الشاب.
ــ وأنت لم تحدثني ؟.
قال ابراهيم بهدوء مبالغ فيه.
ــ اسمي إبراهيم رشاد أستاذ في كلية الآداب ، قسم التأريخ ، بغداد ، متزوج من الدكتورة خديجة صاحب ، أيضا تدرس في ذات الكلية قسم اللغة العربية ، ولي بنت واحدة اسمها سحر ، تركتها ولها ثلاثة سنوات ، اعتقلت في عام 1970 دون أن اعرف حتى هذه الساعة الأسباب التي دعتهم إلى اعتقالي ، إلا أن احدهم ذات مرة قال لي في التحقيق إنك تكثر من التثقيف ضد مبادىء الوحدة العربية ، قلت له و ما هو دليلكم على ذلك قال هذا وأخرج لي كاسيت كان عن محاضرة عن عوامل نجاح المشروع العربي ،وأتذكر إن طالبة سألتني عن رأي في ذلك الموضوع فأحببت أن أتكلم مع الطلبة عن ذلك قلت إن المشروع العربي سيتداعى إذا ظل يدور حول مفهوم القومية ولم يجد سبل منطقية تتماشى مع تطلعات الأجيال والتواصل مع إرادة الشعوب على اعتبارها المحرك الرئيسي في إحداث التغيرات الحقيقية ، ذلك لأن هذا العامل أي العامل القومي ليس هو الأساس في تطلعات المنطقة العربية وأن كان هناك من يغذيه ليجعل هو المهم ، فهنالك عوامل أخرى ينبغي الانتباه إليها ، هذا كل ما قلته ، قال لي المحقق أن السيد الرئيس رائد المشروع القومي وأنك تدعي هنا إنه لا يفهم فعليه يجب أن نجعلك تؤمن إن السيد الرئيس يفهم جيدا .
ضحك الشاب كثيرا ، قال .
ــ منذ زمن لم أضحك هكذا ، ولأن هل أدركت إن السيد الرئيس يفهم الأمور جيدا ؟.
ــ منذ الأيام الأولى قلت ذلك، قلت أنه يفهم كل شيء وإن مشروع القومية العربية سينجح وسنسافر بين الدول العربية في الهوية الشخصية وسيصبح لدينا اقتصاد واحد.
قال ذلك إبراهيم بينما نهض لينظر ما في الجدران من كتابة ، كانت مليئة تماما ، قرأ بعض الكلمات ( يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون أم الله الواحد القهار) ثم هناك (اذكرونا في صلاة الليل السجين أبو زينب)، حرك الشاب وهو جالس قدم إبراهيم اليمنى بيده اليسرى وكأنه يريد أن ينبه عن شيء مهم جدا وكان إبراهيم قد تخشب أمام تلك الكلمات، قال.
ــ ماذا تصنع أيها العجوز؟.
وكان إبراهيم لا يرى الكلمات إلا إذا اقترب منها كثيرا.
ــ أريد أن أقرء .
ــ اجلس ، اجلس لدي طريقة رائعة سأعلمك إياها مجانا ، لا تتعجل الأمور ، كان هنالك رجل كردي من أربيل اسمه سيروان لا أتذكر اسم أبيه علمني هذه الطريقة ، لقد مر على ذلك ثلاث سنوات قال لي انك حينما تدخل زنزانة بها كلمات كثيرة فلا تقرأها في يوم واحد لأنك ستمل منها ، أقرء بعض الكلمات لأن أمامك اشهرا عديدة إذا لم نقل سنوات، اعتقد إنني عملت بها وأحسست أنها وصفة ناجحة ، مثلا رموني ذات مرة في زنزانة مليئة بالكلمات تماما مثل زنزانتنا هذه ، بقيت أطالع بها أربعة اشهر ، تصور أربعة اشهر وأنا أقرء كل يوم شيء جديد ، أحسست بمتعة لا توصف مع إن الكلمات كانت مؤلمة وحزينة ، هي تشبه الحزن الذي ينتابك حينما تسير خلف موكب جنائزي يضم حبيبا لك .
خرجت من عيني الشاب قطرات من الدمع ، لاحظها إبراهيم ، حرك الشاب كفيه برقة ليمسحها ، بينما اطرق إبراهيم ينظر في أرضية الزنزانة العارية من كل شيء ، أراد إبراهيم أن يبعده عن ذلك الحديث الشجي ، قال له.
ــ متى يجلبون لنا فراش؟ .
إلا إن الشاب أكمل حديثه.
ــ لقد جعلت لذلك وقت محدد وهو وراء صلاة الظهر ، كنت انتظر هذه اللحظة بشوق لأتم ما قرأته أمس من حكايات السجناء .
أراد إبراهيم أن يشاطره الحديث إلا أنهما سمعا أصوات الحرس وهي تقترب ، وكانوا يفتحون البوابات الصغيرة في أول الممر ، قال الشاب وهو ينهض.
ــ ترى لماذا عادوا ؟، ينبغي أن لا يعودوا حتى الظهيرة.
وضع أذنيه على البوابة المخلقة ، سمع بعض الحرس وهم يتكلمون عن أسماء السجناء ، هذا الأمر مخيف جدا هنا إذ إنه حمال لوجوه والسجناء يدركون ذلك .
جلس وهو خائف ، قال بصوت باهت ، بعدما سأله إبراهيم.
ــ يبحثون عن سجناء سمعته يقول لهم أسمائكم بسرعة .
فتح أحد الحراس البوابة الصغيرة بعنف ، صاح.
ــ انهضوا.
قديما وفي الحاضر هذه هي الكلمة الأولى التي ينطقها الحرس في حالة أنهم يرون السجناء وهم جلوس وهذه الحالة نادرة وتكاد تكون شاذة ، فعادة السجناء هنا أنهم إذا سمعوا بفتح البوابة الصغيرة ينهضون جميعا ويصطفون على الجدار ، حينما كانوا هناك كان وليد يصيح بصوت مبحوح ( انهضوا أيها الجبناء ) وأحيانا يبدلها دون ما يدري( بالحقراء) أما هنا فلم يسمعوا ذلك الصوت حتى الآن، قال الجندي وهو ينظر إليهم من فتحة الباب.
ــ إذا أردتم مزيدا من الاحترام عليكم أن تنهضوا حال ما تسمعون أصواتنا في الممر ، مفهوم ، أسمائكم بسرعة ؟.
ــ نعم سيدي حسن عبد الزهرة.
وقال إبراهيم حال ما انتهى الشاب من رد اسمه .
ــ إبراهيم رشاد.
أخذ يطالع الجندي في سجل ازرق اللون كبير جدا حمله في يساره وبدأ يتصفح في بيمينه برفق، قال.
ــ ماذا قلت أيها العجوز ؟.
ــ إبراهيم رشاد .
ــ رشاد أم رشيد ؟.
ــ لا ، إبراهيم رشاد.
قال الجندي بصوت بالكاد سمعه إبراهيم .
ــ هذا إبراهيم رشيد .
رفع رأسه قال بصوت فض.
ــ إسم جدك بسرعة ؟.
ــ محسن.
ــ إذا ليس هذا .
رجع يقلب السجل مرة أخرى ، تمنيا وهما لا يعلمان أن أمنيتهما كانت واحدة ، كانا يتمنيان أن الأمر ليس له علاقة بإعادة التحقيق الذي عادة ما يجري يبن فترة وأخرى كما وتمنيا لو يعرفان على ماذا يبحث هذا الجندي الذي صك بأسنانه المتسخة على الثلث الأخير من سيجارته وكانت من نوع روثمان ذات الغلاف ألورقي الأزرق ، قال إبراهيم في نفسه ، ( ربما هو جرد للأسماء ) صمت ولكنه وجد نفسه تحدثه من جديد دون شعور ( وربما إعادة تحقيق كالتي صنعوها بنا قبل أربعة أعوام )، قطعت كلمات الجندي حديثه ذاك كما وقطعت حديث الشاب مع نفسه وكانت هي ذاتها الكلمات التي كانت تضج في مخيلة إبراهيم دون شعور ، صاح الجندي بعد أن ابعد سيجارته من فمه.
ــ إبراهيم رشاد محسن ذا النون .
ــ نعم سيدي.
ــ سنة الاعتقال بسرعة؟.
ــ 1970
ــ الشهر؟.
ــ ماذا ؟.
ــ الشهر الذي اعتقلوك به ، هل تذكره ؟.
ــ نعم الخامس.
، كان الجندي يطابق بعض المعلومات المثبتة في ذلك السجل مع ما يتفوه به كل سجين ، حينما انتهى وهو يمطي بشفتيه ، توقع إبراهيم أن يقول للذين معه من الحرس ، وجدناه ، هذا أخرجوه ، إلا إن الجندي ألتفت إلى الشاب ليسأله عن اسمه أجابه بصوت مرتبك .
ــ حسن عبد الزهرة راهي.
لم تكن الأسماء مرتبة ضمن نظام معين لذلك ترى الجندي أخذ يعيد قراءتها ، لحظات من الصمت ، كان بها إبراهيم ينظر إلى الشاب الذي اصفر وجهه كثيرا ، كان يحرك أصابعه يريد إن يقول له لا يوجد ما يخيف وكذلك كان يهز وجهه يمينا وشمالا بهدوء إلا إن الشاب كان لا يعبئ بما كان يصنعه إبراهيم ، صاح الجندي مرة أخرى .
ــ ما أسمك ، ماذا قلت ؟.
ــ حسن عبد الزهرة راهي.
ــ راهي ام راعي ؟.
ــ لا راهي .
ــ هنا مكتوب راعي .
ثم اخذ يطالع مرة أخرى لحظات ليقول له .
ــ هذا اسمك ، حسن عبد الزهرة راعي ، لا يوجد غيرك.
ــ نعم سيدي.
ــ سنة الاعتقال ؟.
ــ 1976.
صاح الجندي .
ــ الشهر يا حيوان مثل صاحبك هيا لا تؤخرنا.
ــ الثاني سيدي.
أغلق البوابة بقسوة ثم مضى وهو يتكلم بكلمات لم يسمعها إبراهيم ، كانت رائحة الدخان المحلي تفوح منه ، وهي إذ تلتحم مع حرارة الممر فأنها تكون مناخا أعتاد معظم السجناء عليه ، إلا الجدد خاصة المدخنين منهم ، هؤلاء أمامهم وقت حتى يعتادوا على تلك الرائحة التي تذكرهم بسجائرهم وربما حاول منهم من يطلب من الحرس ذلك ولكن حينما يرى الإجراءات الصارمة سوف ينسى هذا الموضوع والى الأبد ، حتى الذين ينتظرون هناك ، أي قرب جناح التنسيب وهو جناح مكلف بتوزيع السجناء الجدد على الزنزانات الانفرادية ، حيث يمكنك مشاهدة العشرات منهم وقد جلبوا فجرا إلى الصرح، وهؤلاء عليهم أن يعيشوا في زنزانة انفرادية عاما كاملا لا ينقص يوما واحدا ، هذا ما يريده السيد بوسف شمران ولا مفر من التسليم بما يقوله السيد شمران السيد الأول لهذا المكان المنعزل والموحش جدا ، حتى هؤلاء أي السجناء الجدد ينبغي عليهم أن ينسوا كل شيء تركوه هناك فهم اليوم في عالم الصرح الكبير ولا مجال لأن يتذكروا أي شيء خارج الصرح.
ــ ماذا تظن ؟.
قال الشاب ذلك وهو يجلس بإعياء وكأنه عمل في الصحراء وفي شق صخري طول النهار ، مد رجليه النحيفتين واتكأ على الجدار المقابل للباب وهو الجدار الساتر على حد تسميات السجناء ، صمت قليلا ، ثم أردف.
ــ اعتقد أن الأمر يتعلق بالأشغال ، ربما يريدون أن يرتبوا الأسماء من جديد ، ما تقول أنت.
ــ ولماذا يرتبونها من جديد ؟، أليست عندهم .
ــ لا أدري هكذا أتوقع ، نعم أتوقع إن الموضوع متعلق بالأشغال .
قال إبراهيم وهو مبتسم.
ــ توقعنا أم لم نتوقع لا يؤثر شيء نعم لا يؤثر على أي شيء ، منذ سنين نحن نتوقع وما الذي حدث ، علينا أن نجري تحديثا شاملا لبرامج الصبر التي لدينا ، أشعر أنها بدأت تنفذ وهذه كارثة فربما أمامنا بعد عشرون عام .
ــ لا تكن متشائما يا أستاذ.
ــ لا لست متشائما ، تصور إنني التقيت بسجين في السنة الأولى كان يتوقع انه سيخرج بعد أيام، نصحته أن يكون أكثر تعقلا ، قال لي أنت لا تؤمن بالله ولو كنت مؤمنا بحق لقلت لي أنت صادق في توقعك، لأن المؤمن دائما يكون متفائل ، يومها تبسمت وقلت أنا مؤمن بأن الله قادر على كل شيء ولكن كذلك مؤمن بأنني امتلك عقلا ومن خلال هذا العقل أوازن الأمور فأن جاء أمر الله فان ذلك ليس بالعجيب ونحن مكلفون بالدعاء والتوسل ولكن ليس بالضرورة أن تكون المصلحة التي يريدها الله لنا هي بالخروج ربما البقاء هنا وربما الموت ، إنني أمن بأن الله قادر على إزالة هذا الصرح العين في أي وقت ولكن بما أن الصرح موجود فأنني أتعامل معه بعقلي وبما لدي من إيمان وان أغلق منافذ الشيطان هذا ما كلفتُ به والله يفعل ما يشاء ، لأننا في مكان لا مجال لأن نضعف به، الذي يضعف هنا ستكون عاقبته حزينة جدا ، هل اتفقت أن عبرت النهر سباحة.
ــ نعم إنني أجيد السباحة أنا من التنومة.
ــ جيد هذا يجعل تصورك للأمر بمنطق عملي ، حين تكون وسط الشط لا مجال إلا أن تواصل لكي تصل إلى أحدى الضفتين ، نحن وسط النهر، الضفة الأولى هي الخروج والضفة الثانية هي الموت والراحة الأبدية ولا يوجد شيء ثالث.
يتبع إنشاء الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح14
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
ـ 13 ـ
قبل حلول الظلام بنصف ساعة تقريبا فتحت البوابات الصغيرة مرة أخرى، ووقف السجناء ينتظرون الجديد وكانوا قد تسألوا قبل ذلك فيما بينهم كل مع صاحبه في الزنزانة ، وقليل هم الذين انتبهوا لذلك الحدث المتكرر والذي لا يستوجب أي انزعاج ، كانوا يتحدثون عن سبب تأخر وجبة العشاء ، كان من المفترض أن توزع عصرا أي قبل هذا الوقت بساعتين ، هي عادة ما تكون أرز أمريكي وأحيانا محلي وهذا نادر جدا وعليه شيء من مرق الباذنجان وصمونة واحدة ، أما الماء فكان هناك كأس من البلاستك محلي الصنع اصفر اللون ، يعطى لكل سجين في أيامه الأولى ، السجناء الجدد إي الذين مضى على وجودهم هنا سنتان تقريبا دفعوا لهم كؤوس حمراء اللون وأكبر حجما من القديم ، ومن خلال ذلك الكأس يمكن للسجين أن يشرب من حنفية المرحاض البلاستكية ذات اللون الأبيض كما ويستخدمه السجناء إذا أرادوا الاستحمام ، صاح السجان الذي توسط الممر بصوت مرتفع جدا.
ــ كل زنزانة ليس فيها بطانيات وفيها نقص من إي شيء ، فليخرج احد السجناء يده حتى نراه ، هيا بسرعة ، الذي لا يخرج يده ولديه نقص سوف يسقط حقه.
نهض إبراهيم ، قال الشاب بفتور.
ــ ألم اقل لك إن المعاملة قد تحسنت.
أخرج إبراهيم يده اليمنى ، كرر السجان ذلك الصوت ، لحظات ليمر السجان وهو يكتب أرقام الزنزانات التي تشكوا من نقص، أردف السجان.
ــ هذا يكفي أدخلوا أياديكم.
تركوا البوابات دون أن يغلقوها واكتفوا بإرجاعها قليلا، لا يوجد هناك أدنى صوت ، هناك بعض الإقدام تتحرك في الممر ، وبدأت أصوات تقترب من بعيد ، ( المتحدث الذي يتكلم يبدو انه هادئ الطباع) ، هكذا قال الشاب وهو يسترق السمع واضعا أذنه اليسرى على جهة البوابة الصغيرة وقد اقترب منها كثيرا ،ورد عليه إبراهيم ( لا يوجد هنا من هو هادىء الطباع)، أحس الشاب أن ثمة أقدام تقترب وكان دخان السجائر قد ملأ الممر ، ابتعد بسرعة واتكأ على الجدار وتنفس بعمق قال بهدوء.
ــ وصلوا.
دنى من الباب شاب وسيم يرتدي بزة عسكرية ، ويبدوا انه يولي لمظهره اهتماما كبيرا على خلاف معظم الضباط هنا ، قال.
ــ مرحبا .
قالا بصوت واحد.
ــ أهلا سيدي .
ــ كيف أحوالكم ما هو النقص عندكم ؟ ، أنا ملازم سليم ، مسؤول الخدمات في هذا القطاع .
أقترب إبراهيم إلى الفتحة ، راح ينظر إلى الملازم ، كان صغيرا جدا ربما له من العمر عشرون عاما ، كان وسيما هكذا لاحظه إبراهيم وعلى نحو السرعة قال في نفسه ( اعتقد انه لا يصلح أن يكون في مثل هذا المكان الموحش ) ، وقبل يستطرد إبراهيم في الحديث مع نفسه ، أردف الملازم .
ــ نعم أيها العجوز ماذا عندك ؟ ، أنا أحب أن أساعدكم.
ــ سيدي المرحاض لا يوجد فيها تصريف جيد ، إنه يضايقنا كثيرا .
كان مع الضابط ثلاثة من الحرس احدهم يكتب كل شيء يقوله السجناء وما يطلبوه و ما يشكون منه من النقص الذي عندهم ، أما الآخران فراحا يكتبان احتياجات الزنزانات المتبقية في الممر ، قال الضابط وهو يبتسم.
ــ جيد هذا أولا.
أردف إبراهيم.
ــ لا توجد لدينا بطانيات وكما تشاهد ، ثم تركنا كؤوس الماء هناك ، وهذا الأخ يشكو الجرب منذ اشهر .
ــ وبعد ماذا لديكم.
ــ سيدي حرارة الزنزانة لا تطاق .
تبسم الملازم ، قال بهدوء.
ــ ماذا نصنع هذا الأمر خارج عن نطاق قدرتنا.
ــ إذا كان لديكم شيئا أخر ؟.
ــ لا شيء .
ــ الإنارة هل هي كافية ؟.
ــ نعم سيدي ولكن اللون الأحمر مزعج جدا ، لماذا لا تغيرونه إلى أي لون ما عدى اللون الأحمر، أنه مزعج جدا .
ــ هذا ليس اختصاصي ، إن اختصاصي هو إذا احترق المصباح فأنا الذي أبدله ، أما اللون وساعة إطفاء الإنارة فهذا اختصاص السيد اللواء .
قال الشاب.
ــ سيدي أحب أن اعرف في أي يوم نحن وما هو التاريخ ، أحب أن اعرف ذلك، هل ممكن هذا.
ــ ممكن جدا .
قال وهو يبتسم.
ــ نحن في الأيام الأولى من الشهر السابع من عام 1980، هذا هو التأريخ ، أيعقل أنكم لا تعرفون التأريخ.
ــ واليوم سيدي .
ــ ماذا تعني .
قال الشاب.
ــ أربعاء أم خميس.
ضحك الضابط الذي وضع نجمة واحدة على كتفه الأيمن وواحدة على الكتف الأيسر، قال.
ــ لا ، اليوم هو الاثنين.
صمت ثم أردف.
ــ هل تدرون كم الساعة تطفأ عندكم المصابيح.
قال إبراهيم.
ــ لا.
ــ الساعة العاشرة وأحيانا الحادية عشر ، هو موعد إطفاء مصابيح الزنزانات ، هذا في الصيف أما في الشتاء فلا ادري لأنني جديد هنا .
قال الشاب بصوت لا يكاد أن يسمع.
ــ إذن دخلنا في عام 1980؟.
سمعه الملازم ، لم يعلق بأي شيء واكتفى بابتسامة هادئة.
قال الشاب وهو يوجه حديثه لإبراهيم.
ــ عام 1980؟.
قال الضابط وهو يبتعد.
ـ أجلسوا سأترك الباب الصغيرة في كل الزنزانات مفتوحة حتى الصباح ، ارجوا أن لا تسيئوا لهذه المرونة ، وهذا عشائكم قد جاء وسأجلب لكم ما تحتاجونه .
صاح بالحرس الذين راحوا يكتبون نقص الزنزانات وكانوا على وشك أن ينتهوا من الزنزانات الأخيرة.
ــ هل أكملتم ؟.
ــ سيدي ما زالت هنالك ثلاث زنزانات.
ــ هيا أسرعوا .
جلس إبراهيم ، أما الشاب فظل واقفا بعيدا عن الفتحة إلا انه ظل يراقب الممر من خلالها ، وكان ينظر إلى الحرس حيث ازداد عددهم قبل أن ينسحب الضابط وهم يذهبون ويأتون ، كأنهم زنابير حقل لا تنفك تدور حول خليتها ، قال الشاب .
ــ كان من المفترض أن أتخرج في هذا العام ، لقد تخرجت مها ، نعم لقد تخرجت ، وستتزوج ، لا شك أنها ستتزوج ، وربما ستتزوج باسم هو كان يريدها ، كنت عقبة أمامه ،كانت تحبني كثيرا ، أتمنى لهما كل خير، حينما يدخل الإنسان هنا يتجرد عن ألذات ، أليس كذلك يا سيدي .
قال إبراهيم.
ــ هذا الشاب لا يعرف عواقب الأمور ، يوسف شمران لا يرضى بهذا أبدا ، لم أرى ضابطا بهذه الروحية ، انه يعاملنا بلغة أحسسنا من خلالها إننا لا زلنا أحياء ، ويمكن أن نعيش.
قال الشاب الذي ما زال واقفا ، قال ذلك وهو يبتسم.
ــ سرعان ما يتغير ويعتاد على ذلك ، مثل دفان الموتى في وادي السلام ، الذي يخشى الجثة في أول يوم ثم سرعان ما يعتاد على ذلك حتى يصل به الأمر انه ينام مع الجثة لو تطلب ذلك ، هذا كذلك سيعتاد على ضربنا ، وسيعدمنا بيديه حينما يأمرون بذلك وسترى بنفسك كيف يخرجنا إلى برنامج الأهداف ، ربما يحتاج إلى سنة أو سنتين حتى يعتاد على ذلك ، الشيء المؤكد انه سيعتاد على ذلك .
قال إبراهيم وهو يهز برأسه .
ــ مؤكد ، وإلا سيبعد عن الصرح إذا لم يستطع ذلك ، يحتاجون هنا إلى رجال على غرار يوسف شمران أو سمير أو قحطان.
يتبع إنشاء الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[
[rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]
-
ارجو من الاخ الويب ماستر تثبيت الموضوع لايام لان هناك حلقات ... تتبع
[size=4]أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح15
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
راح الاثنان يتناولان العشاء، كان عبارة عن قليل من الأرز وعليه قليل من مرق الباذنجان المقلي والمطبوخ بشكل غير جيد وصمونة واحدة عسكرية متيبسة نوعا ما ، غسل إبراهيم يديه وعاد يتمشى في الزنزانة خطوات ثم يقف وهكذا ، بينما لا يزال الشاب يأكل ببطء ، جلس حيث اتكأ على الجدار الذي يقابل الباب ، راح يدفعه بظهره بقوة ، كان يريد أن يمطي ظهره ، إلا أنه سرعان ما تحول، أحس برطوبة الجدار الساتر، تحول بحيث أصبح الشاب أمامه بعد أن كان على جانبه الأيسر، أغمض عينيه ، تذكر العجوز ، خرجت دون أن يشعر ابتسامة ، لم يلاحظها الشاب الذي ما زال يأكل وهو يفكر في كلمات الضابط الصغير ، فكر إبراهيم في كلمات العجوز القديمة جدا حينما كان العجوز يستطيع أن يخرج للأشغال وكان ألم ظهره ليس شديدا إلى حد العذر الرسمي عن الأشغال ، يومها كانا يحفران في الشق الكبير.
ــ هؤلاء الأوغاد لا ادري ماذا يفعلون بهذا الشق العظيم في هذه الصحراء ، وهل سينتهي يوما ما.
ــ وإذا انتهى هل تتصور سيتركوننا، مؤكد أنهم سيجدون لنا شقا أخر.
ــ تكلم يا إبراهيم وأنت تعمل لا ترفع رأسك، لكم نبهتك عن هذه الحالات ،احد الجنود ينظر إلينا.
ــ نعم فهمت، أحد الجنود ذات مرة سمعته يقول أن ابن الرئيس يريد أن ينشئ مدينة خاصة به هنا يجلب لها مختلف الحيوانات البرية والبحرية وأن هذا الشق ما هو إلا نهر طويل على شكل حلقة ستتصل في النهاية بنهر دجلة، ثم يعود للنهر، إنه يشبه استدارة كبيرة تظم مدينة عظيمة، وقال أن الصرح سيهدم ما إن تكمل تلك المدينة.
ــ دجلة! وأين يقع نهر دجلة الآن، من هنا أم من هنا؟.
ــ لا أدري، ولكنه موجود، مؤكد أنه موجود في مكان ما.
ــ ونحن أين نكون يومَ تكمل تلك المدينة؟ .
ــ ربما لا نزال في الصرح فينقلوننا إلى مكان اقل قسوة.
ــ الصرح، هذه الكلمة كم امقتها انظر إليه لا تخف انظر إليه وأنت تضرب الأرض، إنه نقطة في عرض الصحراء.
ــ في يوم ما إذا نجوت سأجلب أولادي إلى هنا وأقول لهم إننا كنا هنا نحفر ليل نهار وكنا لا نعرف غير كلمة واحدة، أمرك سيدي، ومن يقول غيرها فأنه مجنون.
ــ لا اعتقد إننا سوف ننجوا أن المسألة مجرد وقت.
ــ أعملوا لا احد يتكلم أضربوا الأرض بقوة، بددوا هذا البرد القاسي بالعمل المتواصل أعملوا أيها الخونة، لا تتكاسلوا هذه الأرض صخرية نوعا ما، اعملوا، اعملوا، اعمــ.....
أصدر إبراهيم شخيرا متقطعا ، إنتبه الشاب الذي جلس قبل قليل وكان قبل ذلك ينظر عبر البوابة الصغيرة للممر الخالي من أي شيء إلا من بعض الفراشات التائهة لتي راحت تلتصق بالمصابيح فتصدر صوتا يبدد صمت الممر الموحش ، قال .
ــ أحسدك أيها العجوز، لا ادري كيف يمكن أن ينام الشخص وهو متكأ على الجدار، أتمنى أن أرزق هذه الملكة.
ـ 14 ـ
ظل إبراهيم نائما طول أليل وهو جالس وفكر الشاب الذي لم يأته النوم مبكرا في أن يجعله يمد ظهره على الأرض الإسمنتية والعارية من أي فراش إلا انه فضل أن يتركه هكذا، لكنه استدرك من تلك الأفكار قال في نفسه( أين سيضع رأسه) ، وظل الشاب جالسا حتى بعد أن أطفئت المصابيح بساعة ثم استلقى واضعا يده اليمنى تحت رأسه وكان ثمة اثر للضوء في عينيه حتى بعد أن أغمضها وكان ضوء الممرالذي يضل مشتعلا حتى بعد أن تطفأ مصابيح الزنزانات ينعكس من خلال الفتحة التي بقيت مفتوحة هذا الليل فيبدد الوحشة نوعا ما ، الفتحة في أعلى السقف هي الأخرى تسرب بعض الضوءالمنبعث من أبراج المراقبة القريبة والذي ينعكس على الجدار المقابل لها وبحجمها تماما راسما فتحات الشرك بإتقان ، كان يفكر في كلمات الضابط الصغير حول الاحتياجات وقال في نفسه ربما هم أرسلوه ليهدئوا من طباعنا ثم وجد نفسه وهو يضحك دون أن يحرك شفتيه كان يضحك في نفسه بسخرية على تلك الفكرة ، قال ( ولماذا يهدئون من طباعنا وهل هم يخافون منا إنهم يصنعون بنا كما يصنع الجزار بالخراف قبل الذبح ، اعتقد إنهم لا يفكرون بنا إلا على مستوى التسلية وحفر الشقوق التي أتمنى أن اعرف ماذا يصنعون بها ، هذه فكرة سخيفة نعم سخيفة من نحن حتى يعبئون بنا، إنهم لا يعبئون بنا ولا يفكرون رحم الله امرأ عرف قدر نفسه) ووجد نفسه ودون أن يشعر يفكر بمها ، الحبيبة القديمة والتي تعرف عليها في الأيام الاولى للكلية ولكن العلاقة تنامت بشكل سحري ، حتى أصبحا بعد ثلاثة اشهر وكأنهما يعرفان بعضيهما منذ سنوات، حك رأسه ومد يديه على رقبته ، لقد هدأ الجرب ، هكذا قال ، كان العجوز ما يزال نائما وهو يصدر شخيرا متقطعا ، تذكر إن العجوز نسى أن يصلي المغرب والعشاء ، قال في نفسه (علي أن أجلسه) ، ثم استدرك وقال في نفسه(لقد مضى وقتها حينما يجلس في الصباح اخبره) ، أراد أن يطرد مها عن أفكاره ، كان عبثا يحاول ، أخيرا استسلم لذلك السيل من الأفكار تصور أن زفافها اليوم وإنها في أول ليلة مع زوجها ، كما وتصور فراشها الأبيض الوفير ، تذكر كلماتها وهما يجلسان تحت ظلال شجرة الصفصاف في كلية الزراعة.
ــ سوف لن يفرق بيننا أي شي.
ــ أي شيء.
ــ أي شيء يا حبيبي وسيدي وكل ما املك في هذه الدنيا.
ــ حينما ننتهي من الدراسة في أول شهر سأتقدم .
ــ لأحسب في أي شهر.
ــ لا تحسبي إنه السابع من عام 1980، أين يمكن أن نكون في مثل هذا التأريخ.
ــ في شهر عسلنا ، مؤكد ، لا أشك في ذلك أبدا.
ــ قل إنشاء الله و لكنني لا اعتقد ذلك ، اعتقد إن الشهر التاسع سيشهد زواجنا.
ــ هيا لقد بدأت المحاضرة .
ــ من عندنا ؟.
ــ وقاية مزروعات ، الأستاذ فالح.
ــ هذا الأستاذ مزعج سوف لن يسمح لنا بالدخول إذا دخل قبلنا إلى القاعة ، هيا لنذهب.
أدار وجهه للحائط ، كان قبل ينظر للفتحة ، لم يصدق إنها ظلت مفتوحة الليل كله ، كان يحاول بهذا التغير في النوم أن يغير أفكاره أيضا ، قال لماذا يصدر شخيرا بعض الناس، كان إبراهيم قد ارتفع شخيره ، حاول أن ينام ، كانت رائحة الأقحوان بأزهاره الصفراء والتي تشبه رائحة الكافور وهو منتشر في الصحراء القريبة ،كانت تلك الرائحة يدفعها النسيم عن طريق الكوة في أعلى السقف لتخلق مناخا مختلفا نوعا ما ، في الليل تنخفض درجات الحرارة وايضا تنخفض وتيرة الخوف من الحرس فيكون للجلوس والتفكير طعم خاص ، ظلت مها عالقة بذهنه يبعدها بتذكر بعض الأشياء الحزينة أو المخيفة ،منذ سبعة أشهر لم يتذكر مها ، كانت اطلاقات بعض الحرس البعيدة جدا تذكره بأزيز الرصاص الكبير والذي حدث أمس، قال كم سجين يا ترى قتل أمس أم إنها كانت مناورة عسكرية أمام الزائر ، قرأ سور قصيرة من القرآن الكريم، الفاتحة ، الإخلاص ، القدر ، النصر ، الكافرون ، تلكأ بها ، كان يحفظها جيدا لكن النعاس جعله يخطأ بالمتكررات، تركها ، قال في نفسه ( ربي ساعدني كي أتخطى هذه المواطن المخيفة لأنك أنت الوحيد الذي يقدر على ذلك) ، لم يشعر بعد ذلك إلا والحرس يركلون في الأبواب وهم يصيحون ( الفطور اجلسوا الفطور ، الذي يظل نائما سيسقط حقه )، فتح عينيه ، كانت ثقيلة وكأنها تحمل جبل ، ما زال وجهه إلى الحائط ، سمع صراخ الحرس ، رمق الفتحة بطرف عينية ، قال في نفسه (ما زالت مقفلة) ، لقد نسي أنها كانت مفتوحة الليل كله وقد أغلقها الحرس عند الفجر ، لكن ( الحرس قريب جدا ) ، هكذا قال في نفسه ، نظر للعجوز الذي مد نفسه على الأرض وكأنه ميت ، كان شخيره قد خفت ، قال في نفسه ( ربما سقط وهو نائم )، تبسم ، ثم أردف وفي نفسه أيضا ( لا ادري أيها العجوز كم سأبقى معك ، ربما نموت سوية) ، أحس بأن أحدا يريد أن يفتح البوابة ، أنتبه لذلك ، قفز من نومه وكأنما صعق بسلك كهربائي صاح بصوت مرتبك.
ــ أجلس أيها العجوز ، إبراهيم أجلس ، إنه الحرس.
يتبع إنشاء الله.....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح16
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
ـ 15 ـ
في الليلة التي مضت وفي حدود الساعة الحادية عشر وبعد أن تأكد من الواجبات الليلية استلقى رجب غالي على سريره وراح يطالع في نفسه بعض ما كتبه من زنزانات الأجانب ،وكان رجب قد كتب في دفتر صغير جدا بعض تلك الكتابات التي ملئت جدران الزنزانات وكان معظمها باللغة الإنجليزية كتبها بسهولة تامة لأنه كان يجيد تلك اللغة ، ( 1 تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهذَا وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ:«أَيُّهَا الآبُ، قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضًا، 2 إِذْ أَعْطَيْتَهُ سُلْطَانًا عَلَى كُلِّ جَسَدٍ لِيُعْطِيَ حَيَاةً أَبَدِيَّةً لِكُلِّ مَنْ أَعْطَيْتَهُ. 3 وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ. 4 أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ. 5 وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ) قلب الصفحة الصغيرة راح يطالع بصوت هادىء جدا (فاض قلبي بكلام صالح، أتكلم بأنشائى للملك، أنت أبرع جمالا من بنى البشر، انسكبت النعمة على شفتيك، لذلك باركك الله إلى الأبد، تقلد سيفك أيها الجبار، بجلالك اقتحم، اركب من أجل الحق والدعة فتريك يمينك مخاوف، وشعوب تحتك يسقطون، كرسيك يا الله إلى دهر الدهور، من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك، بنات الملوك بين محظياتك) ،قلب الورقة برفق تام، راح يطالع بعض الأوراق ،ضغط على عينيه بأصابع كفه الأيمن كانت هناك بعض الكتابات التي نقلها وكان يحب أن يطالعها مثلا كانت هناك بعض الذكريات والكلمات الحزينة جدا كتبها سجين يدعى تومالين وقصائد شعر للوليم هوت وكلمات لسجينة اسمها جوانا لكنه شعر بالتعب والنعاس ، قال في نفسه ( سأطالعها في وقت أخر ).
ـ 16ـ
أخذ السيد شمران يتأمل في هذا الصباح الباكر ذلك التقرير الذي كتبه الضباط الثلاثة حول نقل ملفات أولئك الذين مزقت أجسادهم الخاوية بنادق الحرس الخاص ، نقلها إلى بغداد ، جلبه العميد سمير عصرا حينما كان شمران يتمشى مع رجب في الساحة الكبيرة وكانا ينظران إلى بعض السجناء يعملون في إخفاء ما تبقى من برك الدماء الكثيرة والتي سالت من أجساد من أعدموا ولم يتسنى أن يطلعه في نفس الوقت.
( بعد توجيهات السيد مسؤول الصرح اللواء يوسف شمران حول وضع برنامج سري للغاية يتبنى نقل ملفات من الخونة أعداء السيد الرئيس وأعداء العراق العظيم والذين تم تنفيذ حكم الإعدام بهم إلى العاصمة ، وبعد المداولة توصلنا إلى ما هو آت .
إن كل سجين لديه ملف يتراوح بين مئة وخمسين ورقة إلى مائتين ، ولدينا وفق الإحصائيات أكثر من خمسة ألاف ملف وهذا يعني شاحنة على اقل تقدير لنقل الملفات بالشكل الذي لا يؤدي إلى تلفها ، الشاحنة التي نرتئي استخدامها وحتى لا يكون هناك أدنى شك في ضمان عدم المراقبة من أي جهة ، وإن كان هذا أمر مستبعد بسبب يقظة رجال العراق هي شاحنة الثلج التي تأتينا كل يومين مرة ، المقترح هي أن نحجز سائق الشاحنة أو نرسله إلى العاصمة عن طريق الطائرة وان نذهب بالملفات نحن إلى بغداد . التوقيع اللجنة المكلفة .
قال يوسف.
ــ جيد هذا جيد ، رجب .
ــ نعم سيدي .
هز يوسف يده اليمنى بقوة أشارة للوثوق ، حرك كرسيه ،قال.
ــ جيد فكرة رائعة ، رجب.
ــ نعم سيدي .
ــ أقرء هذا أريد كافة التسهيلات ، لا أريد أي مفاجئات هذه الملفات يجب أن تكون في بغداد صبيحة يوم الخميس.
ــ أمرك سيدي.
ـ 17 ـ
قال إبراهيم وهو يملأ قدحه من حنفية المرحاض .
ــ قلت لي انك تقرض الشعر ، إي منهم ، لقد جئت بعدي بسنوات ، أحب أن اعرف هل نجح المجددون في مشروعهم الكبير ، لقد واكبت أول هذا التغير الأدبي وكانت خديجة ترفدني بأخر المستجدات كانت مهتمة بذلك الموضوع إي اهتمام ، كانت بداياته متعثرة نوعا ما ولم يجد رواجا أول الأمر إلا انه تحسن في منتصف الستينيات ثم انتعش في نهاية الستينات نوعا ما، حاولت خديجة أول الأمر إن تنظر إلى الموضوع من جهة كونه نتاج الانفتاح على الأدب الغربي أتذكر أنها قالت لي ذات مرة انه شكل من إشكال التأثر الحضاري ، لا ادري أين وصلت المعركة ، هل تريد ماء؟.
ــ لا شكرا
أكمل إبراهيم حديثه وهو يجلس واضعا القدح الأحمر المملوء ماء بينهما.
ــ لقد وجد في بعض الزنزانات شيئا من ذلك الشعر الحديث ، هل اتفقوا على تسميته بالشعر الحر أم إنهم ارتئوا شيئا أخر أعتقد أنهم أطلقوا عليه الشعر الحر أول الأمر هل اتفقوا على ذلك؟.
ــ أنا لم اقل إنني اقرض الشعر، بل احفظ شيئا منه .
ــ تصورتك قلت إنك تقرض الشعر.
ــ لا ، أما بالنسبة إلى ذلك الشعر لقد أخذ طريقه في الساحة الأدبية واثبت فاعليته وباتت تسميته بالشعر الحرولا يوجد شك في ذلك.
ــ الشعر الحر، هذا جميل ، أتذكر هذه المفردة جيدا لقد انطلقت متزامنة مع انطلاقة هذا اللون.
ــ هل تريد أن تسمع منه شيئا.
ــ أتمنى ذلك ، انه يذكرني بخديجة ، لقد كانت مؤيدة لذلك التحول ولكن ترى أن ذلك يجب أن يكون بشروط ، هي من المدافعين عنه ولكن كانت تصر على ضرورة الالتزام بالتفعيلة الشعرية ، هكذا كانت تقول.
مسك الشاب رأسه كأنه يريد أن يستل من عالم ذاكرته بعض الذي كان يحفظه أيام ما كانت عواطفه اتجاه مها لا توصف ، لكنه لم يستطع أن يأتي بشيء من ذلك الشعر الذي كان يحبه ، حاول في شعر أخر، قال وهو يتمشى في الزنزانة وكأنه يلقي على محفل من الجماهير.
كم طاف قلبي من غريب.
في ذلك السوق القديم.
فرأى.
وأغمض مقلتيه.
وغاب في الليل البهيم.
وارتج في حلق الدخان
خيال نافذة تضاء.
والريح تعبث بالدخان .
الريح تعبثُ .
في فتور واكتأب بالدخان.
وصدى غناء.
ناء يذكر بالليالي المقمرات
وبالنخيل .
وأنا الغريب.
أظل اسمعه واحلم بالرحيل.
في ذلك السوق القديم .
ما زال يحترق الحياة.
وكان عام بعد عام .
يمضي.
ووجه بعد وجه، مثلما غاب الشراع.
بعد الشراع.
وكان يحلم في سكون، في سكون .
حينما انتهى الشاب صاح إبراهيم ودون أن يشعر إن صوته قد ارتفع ولأول مرة منذ اشهر.
ــ رائع ، رائع ، تحولات جميلة ووصف دقيق.
أراد إبراهيم أن يسأله عن صاحب تلك الأبيات ألا إن الشاب بادره وهو يجلس .
ــ السياب إنها للسياب.
ــ يبدو أن الأدب قطع مسافات جميلة.
تبسم الشاب ثم سرعان ما تحولت تلك الابتسامة إلى ضحكة ساخرة، قال وهو يضحك .
ــ نعم ، أعتقد أنني وجدت في هذه الزنزانة بعض الشيء من هذا الشعر واعتقد إنني لمحته عند هذه الزاوية ،لأرى.
نهض الشاب ليخطو ثلاث خطوات ، مد رقبته التي صيرها الحك وكأنها مقطعة بسكين ، قال بصوت هادىء تماما.
ــ نعم وجدتها، هذه هي الأبيات ، هل رأيتها.
ــ لا لقد عملت بنصيحتك ولكن الكتابة هنا ممسوحة تقريبا.
ــ حتى هذا الشعر بالكاد يقرأ ، بل لا أستطيع أن اقرأ سوى بعض الكلمات من هذه القصيدة الطويلة والتي مسحت تماما
واضيعتاه
ألا تحركه الخطوب
إلا ترجل طيفه الغجري
في ليل الجنوب
ألم يكن في بيته الهمجيُ
هنا كلمة ممسوحة ولكنني أظنها (شباكا) أو ما شابه ذلك.
يطل على الطريق
ولا جديد
هناك كلمات لا تقرأ سأكمل سيد إبراهيم من حيث أستطيع القراءة.
قال إبراهيم بلغة المتأسف.
ــ نعم حاول ذلك.
قال الشاب.
ــ ومرارة الجدران
والصمت المخيفْ
والهمسُ
والأعوام يغرقها النزيف.
وتَرَقُصُ المسحاةِ
في الشق اللعين
ولا جديد
سوى الصياح
يعود في صبحٍ كئيب
والحارس الليلي
يقتلع النفوس بلا رقيب
صمت قليلا كانت هناك كلمات كثيرة لا تقرأ، ثم أردف.
ــ والقيد والصوت البذيء
سأقول للذكرى
اخسئي
وأقول للنسيان
أبطئت المجيء
سألم أشيائي
والعن لحظة فيها بدأت
سأقولها إني ندمت.
قال إبراهيم
ــ يؤسفني أنها متقطعة.
ــ نعم اعتقد أنها كتبت قبل نصف عام
ــ أقرأ القصيدة الأولى ولكن لا تسرع ، بشيء من الترنم.
قال الشاب وهو يبتسم.
ــ كم طاف قلبي من غريب.
في ذلك الســـ...
يتبع إنشاء الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح17
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
ـ 18 ـ
أصطف السجناء في الممر ، كانت أيادي الجميع غير مقيدة ولا توجد قطعة من القماش تُعصب بها العيون لتمنع السجناء من النظر وتؤخذ عادة من بدلات السجناء الذين يتم قتلهم أو يموتون لأي سبب كان ، صاح الضابط المخول في أخذهم إلى موقع العمل الأسبوعي.
ــ كم أصبح لديكم العدد؟.
أجابه الجندي الذي ما زال يفتح أبواب الزنزانات هو ومجموعة من الجنود الذين كلفوا بإخراج السجناء .
ــ سيدي سأعدهم .
كان الجنود يصرخون ليوقعوا الرهبة في قلوب السجناء والسجناء معتادون على ذلك إذ إنهم يعرفون أن هذا الخروج متعلق بالأشغال وعادة السجناء إذا أخرجوا من الزنزانة لأي أمر ما تُقيد أياديهم من الخلف وتُعصب عيونهم .
حينما يُخرجون إلى الأشغال يَخرجون هكذا دون أن تقيد أياديهم ودون أن تعصب عيونهم ولكن تقيد أقدامهم بسلسة طولها نصف متر وهي متصلة من الجهتين بقيد عريض يمسك القدم بقسوة ، صاح أحد الجنود مرة أخرى.
ــ سأعدهم سيدي .
ثم أردف وهو يوجه كلامه للسجناء .
ــ أجلسوا على شكل اسطر، خمسة اسطر، أنتَ هنا وأنتَ هنا وأنتَ هناك، سأبدأ في العد، واحد ، اثنان ثلاثة ...
كان إبراهيم ينظر في وجوه السجناء ، كان يستطيع أن يراهم بوضوح بسبب تغير مواقعهم وفق رغبة ذلك الجندي الذي كان حازما بإجراءاته، صاح بصوت عال جدا .
ــ سيدي أصبح لدينا مع سجناء الممرات الأخرى مئة سجين.
قال بصوت فظ.
ــ جيد ، العدد كامل ، على هذا النظام سنخرج ، إلى موقع العمل ، إنه بعيد نوعا ما ، ولكن نحن نحب أن نخرجكم لكي تستعيدون حيويتكم.
شاهد إبراهيم إن الشاب ابتعد عنه ولم يكن في الصف الذي هو فيه قال في نفسه (يفترض أن يكون قريبا علي حتى نعمل سويةً) ، كان الجندي يعزل الشباب عن الشيبة لاحظه إبراهيم ،هز رأسه قليلا قال في نفسه( هم مثل كل أسبوع يعزلون الشباب عن الشيبة ) ،لاحظ أيضا إن أبواب الزنزانات كلها كانت مفتحة ، رجع إلى نفسه يحدثها ( لم يبقوا أحدا في الزنزانات خلافا لكل أسبوع).
حينما يخرج السجين من باب الممر تقيد قدماه بتلك السلسة المخصصة فقط للأشغال ، نظر وكل السجناء إلى الساحة حيث انتشر الحرس بكثافة ، كانوا يسترقون النظر وكان الحرس يعرفون أنهم يصنعون ذلك إلا إنهم لم يعلقوا على ذلك وتجاهلوا الأمر وكأنه لا يعنيهم بشيء ، قبل سنوات كان هذا الأمر ممنوع تماما ويعاقب السجناء عليه ،كانت السلسة تصدر صوتا إذ كان عليهم أن يقطعوا بعض الأمتار على الإسفلت الذي يحيط الممرات .
حينما خرج السجناء من بوابة الصرح الكبيرة صاح أحد الحراس المكلفين بحماية البوابة وكانوا جالسين على برجين عاليين مطليان بلون ابيض باهت قد بنيا على جانبي الباب الكبيرة جدا، وهم ينظرون كيف أن السجناء يسيرون وهناك غبار تثيره السلسة وهي تبحث في الأرض وبإمكان السجين أن يخطو بها خطوة كبيرة دون أن يتعثر ، صاح أحد الجنود ممن يجلسون على الأبراج.
ــ أين تأخذونهم اليوم ، سمعنا أن العمل في الشق الكبير قد رجع.
لم يعلق احد من الحرس على كلماتهم واكتفوا لهم بالتلويح بأيديهم بما يشبه التحية ، لاحت للجميع الصحراء الممتدة والتي لا يشعر أحد أن لها نهاية ، ساعة الصرح تشير إلى الثانية عشر ظهرا ،كان من المفترض أن يكون خروج وجبة الأشغال في الساعة التاسعة ويعودوا في الساعة السادسة هذا في الصيف فقط.
كانوا حفاة ولأنهم كانوا كذلك فقد راحوا يتألمون كثيرا من حرارة الرمل التي كانت لا تطاق، كأنهم يسيرون على صفائح معدنية قد حميت في النار، ما زال إبراهيم ينظر أمامه باحثا عن الشاب ، قال في نفسه ( ربما هو في الخلف ) ، أراد أن ينظر إلى الخلف لكنه استدرك إذ سمع احد الحرس يصرخ بسجين ( أيها الكلب لا تلتفت إلى الوراء ، وألا فقعت عينك ).
هناك مجاميع أخرى من السجناء بدأت تشق طريقها على شكل خطوط خماسية محاطة بالحرس وهي تتجه نحو الشق الكبير والذي على ما يبدو أعيد العمل فيه بعد أن توقف شهر كامل على حد ما يقوله رجال الصرح الكبار، لم يلاحظ السجناء الذين كان إبراهيم معهم تلك المجاميع لأنهم كانوا أول من خرج ، إلا إن المجاميع تلك رأت مجموعة إبراهيم وهي تسير أمامهم بمئات الأمتار وهم يحملون المعاول والمساحي والحرس قد ابتعد عنهم تحسبا لكل شيء ، النظام هنا يقضي إن أي من السجناء يخرج عن المجموعة لأي سبب كان يفتحون الحرس عليه النار بسرعة والسجناء يعلمون ذلك جيدا ، نعم يعلمون ذلك جيدا ولكم حدثت أمامهم حوادث لا زالت مقيمة في ذاكرتهم ، إذا ما أراد احد السجناء الخروج أو التأخر عن المجموعة عليه أن يرفع يده ثم يسأله الجندي عما يريد وللجندي كافة الحرية في إبقائه داخل الصف أو إخراجه إلا أنه في معظم الحالات يرد الجنود على رفع أيادي السجناء بالكلام البذيء والشتائم.
السجناء الشباب أعطوا معاول يضربون بها الأرض ، الذين يراهم الجنود إنهم شيبة يدفعون لهم مساحي يرمون بها ما تقتلعه المعاول من الأرض داخل الشق ، تعثر إبراهيم بصخرة لكنه لم يقع ، تحرك ظفر إصبعه الكبير من قدمه اليمنى إلى النصف، لاحظ الدم وهو يترك أثرا على الرمال ، كان الألم شديد يشبه ألآم التحقيق لكنه لا يستطيع الوقوف إذ ربما جرت هذه العملية الويلات على المجموعة ، أخذ الرمل يندس في الجرح ، وكانت حرارة السلسلة قد أخذت مأخذها من أقدام السجناء ، لقد صيرتها حرارة الشمس وكأنها حُميت على موقد نار ، ولأن السلسة من صنع محلي غير متقن فأنه ما من سجين يرجع إلى زنزانته ولم يأكل القيد من قدمه بعض الشيء ، لقد أرسلت الداخلية ممثلها إلى ألمانيا لاستيراد مثل هذه الأشياء إلا أن السلسلة المحلية ما زالت هي السائدة في عالم الأشغال ، صك على أسنانه بقوة وتمنى لو يقطع إصبعه بالمسحات ، قال بهدوء ( ربي اعني ، إنك لا تكلف نفسا إلا وسعها ) ، حينما تعثر كان يستذكر ما قاله الشاب قبل خروجهم بلحظات، كان يحكي قصة حياته ، كان وحيدا لأمه وقد مات أبوه وهو صغير، وله حبيبة أسمها مها كان سيتزوجها بعد التخرج، ما يزال الشق الكبير بعيدا ، بعيد جدا أمامهم نصف ساعة حتى يصلوا ، كان الحرس يصيح بهم بين لحظة وأخرى ( أسرعوا هيا أسرعوا أيها الجبناء ) جميع السجناء كانوا ينظرون إلى أحذية الحرس العسكرية السوداء ، كانوا يحسدونهم على ذلك ، وكانوا يفكرون كل على جانب لو إنهم يوزعون لهم أحذية مثلها وأن يبعدوا هذا القيد بشرط أن يزيدوا ساعات العمل لكان ذلك أفضل ، كانت مجرد أمنيات ، السجناء القدامى انفكوا عنها منذ زمن بعيد ، ربما تسمعها تضج في مخيلة الجدد ، صراخ الحرس وضرب السجناء الذين هم في المؤخرة أو الجوانب وأصوات السلسلة وهي تحك الأرض أو تصطدم بالصخور فيخرج صوتا يسير السجناء على أنغامه الحزينة ، كل ذلك كان من شأنه أن يقطع تلك التصورات والأمنيات المستحيلة لدى السجناء الجدد.
حينما وصلوا إلى الشق كان الألم قد هدأ نوعا ما ولكنه يعود ما إن يتحرك الظفر بسبب أطراف بذلته ، فكر إبراهيم في قلعه، أما الدم فقد انقطع تماما، صاح الضابط ( اجلسوا حتى أوزعكم ).
جلس الجميع ، حرك إبراهيم القيد قليلا ، كل السجناء فعلوا ذلك ، لقد وصلوا أخيرا إلى الشق الطويل ولذي عرضه يتراوح ستة أمتار، وعمقه ثلاثة أمتار أما طوله فإن طويل وطويل جدا وقد بدأ الحفر به منذ سبعة أعوام ، كان إبراهيم ينظر في إصبعه ، حرك أظفره قليلا ، تألم ، لذلك تركه ، قال في نفسه ( لابد من قلعة سيقتلني لو تركته ، علي أن لا استخف بهذا ، فرصتي هذه لو قمنا لا يتسنى لي الجلوس مثل ما أنا عليه الآن بل لا يتسنى لي أن أحك راسي) مد يده اليمنى تاركا المسحات تتوكأ على كتفه الأيسر قرر أن يقلع الظفر ، مسكه بقوة دون أن يحركه من مكانه ، عليه أن لا يصدر أي صوت ، ربما إذا أصدر صوتا ، أي صوت ، يتصور الجندي انه استخف به وأنه قصده بذلك الصوت كما حدث ذات يوم وراح جراء ذلك سجينان ، فكر وهو يمسكه لو يشده بخرقه حتى يرجع إلى الزنزانة ، نظر حوله لا يوجد إلا الرمل والصخر والحصى وأعشاب الحرمل بأزهاره الصفراء المائلة للخضرة وهناك على المرأى البعيد شجرة السرح بفروعها المقوسة وسيقانها الدائرية ذات اللون الرمادي وأوراقها البيضاوية والتي سرعان ما تسقط لتبدوا فرعوها كالأشواك أما أزهارها فهي ذات لون أخضر وهي كثيرة الأسدية وكانت تذكر السجناء حينما يمرون عليها بشيء أسمه الأشجار ، كان الضابط قد قطع شوطا في توزيع السجناء ، ما يزال أمام إبراهيم بعض الوقت ، أغمض عينيه ، تذكر خديجة وكذلك ابنته الصغيرة سحر تصورها وهي عائدة من المدرسة إلى البيت، كان إبراهيم دوما يتذكر خديجة في أسوء اللحظات ، ذكراها كان يهون عليه بعض الصعاب ، ما يزال يمسكه بقوة ، صك أسنانه و سحبه بكل ما يستطيع من قوة ، ارتجف جسده ، رجع الألم أكثر من ذي قبل اخذ حفنة من الرمل وضعها على الإصبع ، وبسرعة حرك الرمل بيده اليمنى ليدس الظفر في الرمل وكأنه يدفنه ، تبسم وهو يحس بحرارة الرمل تكوي الجرح ،لا يزال الألم في ذروته ويحس بنبضات قلبه من خلال إصبعه ، قال (قدرك أن تدفن هنا ، لقد انتهيت منك وانتصرت عليك كدت أن تقتلني ) ، صاح الضابط الذي أتى معهم وكان يراقبهم والذي رد على احد السجناء في المسير بعدما رفع يده ، وكان يريد أن يتبول مع انه قد فعل ذلك قبل أن يخرج ، أجابه وهو يضحك ( لماذا لم تتبول في الزنزانة ، أصبح الشق قريب ، حينما نصل افعل ما يحلوا لك) ولم يكن الشق قريب ، بل ما زال في العمق ، وحينما أعاد عليه السجين ذلك الطلب لم يجبه وابتعد عنه وهو يضحك مما اضطر ذلك السجين أن يتبول وهو يسير وهذا الأمر مألوف لدى السجناء، مألوف جدا وليس فيه أدنى خجل.
يتبع إنشاء الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ.....
أضحوكة العالم المثالي / رواية - ح18
رحلة السجين السياسي في عهد صدام
كتابات - حسين كاظم الزاملي
ــ أنت أيها العجوز وأنت وأنت وأنت أعملوا هناك وعلى نفس المستوى الذي حفروه السجناء قبلكم ، أي تقصير يعتبر ذلك تأمر وأنتم أكثر من غيركم تعرفون عقوبة المتآمرين.
راح الجميع يعمل وكانت هناك مجاميع قد وصلت ، لمحها إبراهيم وهي تتوغل غربا في الشق ، قال وهو يحمل الرمل في مسحاته ليرميه خارج الشق ( يبدو أنهم جادون على إتمام الشق الذي أتمنى أن أدرك نهايته) تذكر الشاب وكان ألم إصبعه قد أنساه أن يبحث عنه أثناء ما كانوا جالسين وكان يمكن له إن ينظر إلى الخلف إلا انه انشغل بقلع أظفره ، نظر في المجاميع التي أمامه وتأمل وهو يعمل إذ لا مجال أبدا لأن يقف السجين لحظة وينظر إلى الوراء ، هنالك استراحة يقرر وقتها الضابط وفق هواه ومزاجه تعطى هنا ولكن ما يزال من المبكر جدا أن يفكر السجين بها فهي دوما تأتي بعد اليأس والقنوط ، فكر أن ينظر إلى الخلف وعليه أن يدير وجهة عمله ، لقد شاهده يمسك معولا ولكنه كان بعيدا عنه ، تبسم وضحك من داخله وكأنما عثر على شيء ثمين قد ضاع منه ، مسح (العَرق) عن وجهه بطرف بذلته وبيده اليمنى ، من الأدبيات والأشياء التي لا يناقش عليها هو أن كل سجين وقبل أن يخرج من زنزانته عليه أن يرتدي بذلته في الكامل لهذا ترى أن ثمة جنود كانوا يصرخون في الممر وقبل الخروج بلحظات وهم يضربون بأقدامهم أبواب الزنزانات التي عليها أن تخرج للعمل (أشغال أشغال، استعدوا أمامكم خمسة دقائق ، لا تنسوا أن تأخذوا قدح الماء) وبما أنهم نسوا كم تعني الخمس دقائق تراهم وبسرعة ينهضون ليستعدوا كأن يرتدوا بدلاتهم التي عادة ما يخلعونها في الصيف إلى النصف ويشدوا قدح الماء بإتقان في البذلة وكل واحد منهم حسب علمه وخبرته والقدح الذي يسقط في المسير من الصعوبة جدا أن يعوض وكذلك من الصعوبة جدا أن يلتقطه السجين وربما استطاع من هو خلفه بمسافة أن يرفعه بقدمه فيرجعه إليه بحركة بهلوانية وبما أن معظم السجناء يخافون من المجازفة فأن هذه الحالة محكوم عليها بالفشل ولكن لو حدثت فأن السجين الذي يرفعه سيدفعه إلى السجين الذي هو اقرب إليه وهكذا حتى يصل إلى صاحبه وقد حدثت هذه عدة مرات ولم يشعر الحرس بها إلا إنها خطرة جدا وربما تعني في بعض الحالات الموت، كما وينبغي أن يذهبوا إلى المرحاض استعدادا للذهاب ، تذكر إبراهيم الجرب الذي أصاب الشاب تذكره حينما لاح له الجندي سامي من بعيد ، قال في نفسه ( نعم أن معلوماتي دقيقة جدا نحتاج إلى بعض الوقت حتى يصل إلينا) صاح احد الجنود المراقبين ، صاح على السجين الذي يعمل جنب إبراهيم وكان يحمل معولا مع أن الشيخوخة تبدو عليه واضحة جدا، ضربه ذلك الجندي بمؤخرة البندقية على ظهره فسقط على وجه ، قال له ( اضرب الأرض بقوة أيها الجبان ) ، لم يفكر إبراهيم بمساعدته فهو أمر محرم هنا ، نهض العجوز صاحب المعول ، قال له إبراهيم بصوت خافت جدا بعدما أن ابتعد الجندي عنهما.
ــ ما بك يا سيدي ؟.
نظر إليه العجوز وكانت لحيته بيضاء تماما وهي تغطي الربع الأعلى من صدره و كانت عيناه غائرتان جدا ولكنهما حادتان وكان إبراهيم يتصف بذلك أيضا, تبسم العجوز، راح يضرب الأرض، قال بصوت خافت أيضا.
ــ لاشيء يا أخي ولكن كتفي مخلوع منذ شهر لقد أذوني جدا، قلت له اعطني مسحات ضحك وقال لي أنت ما زلت شابا.
نظر إبراهيم إلى الجندي رآه وقد انسحب إلى سجناء آخرين يصرخ عليهم قال له.
ــ هات المعول.
قال العجوز بخوف.
ــ أخشى إن يرانا أو يعرف بذلك .
ــ اعطني المعول لا تخف وخذ المسحات ، كلنا متشابهون.
مسك إبراهيم المعول وأعطى ظهره إلى مكان وقوف الجندي وأخذ يضرب الأرض بقوة بينما راح العجوز يملأ المسحات رملا من ذلك الذي يهيجه إبراهيم وكانت الشمس قد تحركت إلى العصر قليلا، صاح الضابط.
ــ استراحة لعشرة دقائق.
أخذ السجناء يشربون الماء وهم جلوس وكان الجنود يعطون لكل سجين قدحين من الماء أي يملئون قدح السجين مرتين ، مرة يغسل به وجهه وومرة يشرب الماء ، وله أيضا أن يشرب قدحا ويترك الأخر مملوءا ولا يغسل وجهه ويشربه وقت الحاجة وهذا ما يصنعه كل السجناء تقريبا ، وفي مثل هذه الحالة عليه أن يشرب الماء بطريقة لا يشعر بها الحرس إنه قد تأخر عن العمل وإلا يصادر القدح وهذه في حد ذاتها عقوبة كبيرة ، هذا الماء مخصص للسجناء ويجلب من حنفيات السجناء ، شبكة الماء المخصصة للزنازين معتمدة على أربعة أبار كبيرة يستخرج الماء من خلال محركات سحب وضخ روسية الصنع إلى ثلاثة خزانات كبيرة ومرتفعة جدا ، ومن خلال هذه الخزانات يتم توزيع الماء على الزنازين والمحاجر وبقية الأماكن الأخرى ، أما مياه الضباط والجنود فلهم شبكة خاصة مستمدة من خزان خاص يوضع فيه الماء عن طريق عجلات مخصصة لهذا الغرض تأتي كل ما اقتضت الحاجة.
ضرب إبراهيم الأرض أحس بصوت يختلف عن ذلك الصوت الذي عادة ما يصدره الصخر الرملي حينما يقتلعه من الأرض، كان شيئا من الكرافت الأسود هيجه أكثر بالمعول ولكن برفق ، قال في نفسه حينما رآه بارزا أمامه في وسط الشق ( إنه تمثال ، يا الهي انه تمثال ، كم محزن أن أعثر على تمثال في هذا المكان وبهذه الطريقة ) إلا إنه سرعان ما أحس بخطورة هذا الأمر ، كان صغيرا جدا وبحجم الكف ، لم يحمله إبراهيم بيده ، كان يعتبرها مجازفة ، أحس إن ثمة جندي يقترب ، والحقيقة أنه لم يكن هناك جندي قريب ولكن إبراهيم أحس بذلك ، كان إبراهيم في وسط الشق حينما عثر على التمثال ، أرجع عليه بعض الرمل ليواريه ، ضحك في نفسه ، قال وهو يضرب الأرض المجاورة للتمثال ( إنه تمثال ما جمل هذا الحدث ، ربما هو جندي من أور ، لا بد أن أخذه معي إلى الزنزانة ولكن كيف ) أخذ يرتب بذلته كلما تسنى له ذلك بهيئة تسمح أن يرميه قرب بطنه ، كان يشد وسطه ببعض الخيوط التي انفلتت من البذلة ، رأى إن الجنود تجمعوا بعيدا عن الشق وهم يضحكون على احد الجنود الذي راح يقص عليهم قصصا مختلفة، قال في نفسه ( إنها فرصتي هيا أيها الصديق الجديد لنتعارف) ، مسكه إبراهيم وبسرعة دسه في البذلة التي لم يثق أنها ستوصل التمثال إلى الزنزانة ولكن لا خيار أمامه ، كان العجوز يعمل ولم يشعر بإبراهيم وقصته مع التمثال ذلك لأن إبراهيم تقدم أمامه أمتارا يهيج في الأرض وعلى العجوز إخراج الرمل الذي يتركه إبراهيم خلفه ، عمل السجناء حتى اصفرار الشمس وهذا هو الموعد الطبيعي لانسحابهم إلى الصرح ، نظر الضابط إلى ساعته أكثر من مرة لم يلاحظه السجناء ذلك وكانوا يترقبون أن ينظر في ساعته إذ إنهم كانوا يشعرون إنهم تأخروا قليلا عن الموعد ، ولأنهم في شهر تموز وكانوا في ظهيرة احد أيامه وفي صحراء موحشة ومخيفة فقد كان عمل اليوم مرهقا جدا فقد وقع عدد من السجناء من الإرهاق وتعرض البعض إلى الضرب ، صاح الضابط .
ــ انسحاب ، انسحاب ، تجمعوا .
ومع إنهم سيرجعون إلى الصرح إلا إن هذه الكلمة كانت بمثابة الفرج لهم ، لأنهم وصلوا حد الإعياء التام حتى إن احدهم كان لا يقوى أن يرفع المسحات لهذا تراهم قد سارعوا بالجلوس على هيئة الأسطر تمهيدا للانسحاب ، جلس الجميع ، كان إبراهيم ينظر إلى الشاب ، كان قد جلس بعيدا عنه ، مسك التمثال ليتأكد انه ما يزال تحت بذلته ، قال في نفسه ( سأفاجئه بهذا التمثال ، سيظل معي حتى أموت ) صاح احد الجنود بعد أن عد السجناء .
ــ انهضوا هيا لنعود إلى الصرح.
كان الجميع ينظرون إلى الشمس وهي مصفرة تصارع اللحظات الأخيرة من عمر هذا اليوم وحتى تتوارى خلف التلال البعيدة ، كان المنظر جميلا ولم تعد حرارة الرمل تعني لهم شيء ، وكان ثمة نسيم قد هب محملا برائحة أعشاب الحرمل المنتشر هنا وهناك وهو عشب معمر على شكل مجموعات خشبية القاعدة في أحوال كثيرة ، له سيقان مربعة المقطع عليها شعيرات قصيرة ويبعث النبات بأكمله عطرا جميلا ، والأوراق متقابلة بيضية والأزهار صغيرة في نورات عنقودية ويصل طول الزهرة إلى حوالي (1سم) وهي ذات لون قرنفلي فاتح ولها أنبوبة قمعية الشكل والثمرة تحتوى من ثلاثة إلى أربع بذور بيضاوية مستطيلية ، كل ذلك جعل السجناء يعيشون لحظات استذكار مؤلمة ، إنها استذكار من يحبون ، ومن هم في شوق لا يوصف لرؤيتهم ، ولكن الصرح بدأ يقترب عليهم ليبدد تلك ألحظات الثمينة ، لم ينتبه السجناء إلى إن الشقوق التي كانت محفورة في زمن ما قد ارجع التراب إليها كونها كانت على المرأى البعيد ، كان إبراهيم يتذكر خديجة ، قال في نفسه ( أين أنت في هذا المغيب ، ادعوا ربك يا خديجة ، كوني عند سيدنا الحسين في هذه الليلة إنها ليلة الجمعة أن الدعاء تحت قبته في مثل هذه الليلة لا يرد ، أبدا لا يرد لقد بلغنا حدا من الألم لا يطاق ،إلهي لا تؤدبني بعقوبتك ، ولا تمكر بي في حيلتك ،من أين لي الخير يا رب ولا يوجد إلا من عندك ومن أين لي النجاة ولا تستطاع إلا بك ) ، صاح احد الجنود الذين كانوا قريبين على إبراهيم مما قطع عليه حبل ذاكرته.
ــ هيا أسرعوا أيها الأوغاد .
صمتت نفسه قليلا إلا إنها سرعان ما عاودت ( ليتني اعرف أين أنت وأين سحر في هذه اللحظات) تحركت قطرات دمع في عينيه ، فضل أن يتركها حتى تنساب على لحيته ، هكذا مزاجه كان يحدثه ، تذكر التمثال لذلك تبسم وهو يهز رأسه ، مد يده ليمسكه ثم أرجعها بسرعة خشية أن يراه الحرس، صاح الجندي واسمه رشيد والذي كان أكثر الجنود بذاءة .
ــ أسرعوا يا كلاب لقد تأخرنا، أوشكت الشمس على المغيب.
يتبع إنشاء الله.....
.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
]
التعديل الأخير تم بواسطة belady ; 07-12-2006 الساعة 20:24
سبب آخر: الموضوع مهم
[
[rams]http://hussamaliraq.com/Amir_aliraqi/abdul%20kareem.ram[/rams]
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |