بعد سقوط حكم الفاشي صدام حسين، الذي حكم من منطلقات الولاء الشخصي وبواسطة العشيرة، انتقل العراق اليوم الى نظام سياسي جديد يسمح لجميع التيارات بالتعبير السياسي عن نفسها، عدا البعث.

والغريب ان هذا النظام السياسي الجديد لايمنع الحركة الوهابية، وهي حركة تنضح حقدا وكراهية تعميها عن التفكير السليم، بالوجود السياسي إذا قبلت مبادئ اللعبة السلمية ورضخت لها، بل على العكس يحاول مستقتلا إقناعها بالقبول والدخول في اللعبة السياسية والتخلي عن السلاح.

هذا التناقض في النظام السياسي الحالي امر لابد منه، بإعتباره نظام انتجه كهنة الدين السياسي، والذين تحاول اليوم رموزه السيطرة على اكبر مساحة منه وتجاوز الرموز الاخرى، بالرغم من ان ذلك في حقيقة الامر تحول من النظام " الديمقراطي" الى نظام ابوي كهنوتي قمعي، بأساليب ظاهرها ديمقراطي.

إن الاحزاب الدينية السياسية مرغمة على تذكية روح الطائفية والتناحر الطائفي من اجل تحشيد الاتباع الضرورين لاعادة انتخابها لمرة قادمة والمحافظة على وجودها في قمة السلطة، وبإعتبارها احزاب مذهبية لايمكن لها إلا ان تكون طائفية تمثل مشروعا طائفياً، بالرغم من انها ابدا لاتمثل الطائفة، كما ان ذلك بالضبط يجعلها لاتمثل الشعب بل فئة منه. هذا الامر الاخير هو الذي يحفز هجومها على الاحزاب العلمانية لاخراجها من اللعبة والاستفراد بإدعاء تمثيل الطائفة بأجمعها.

إن اخطر المنافسي للاحزاب الاسلامية هي الاحزاب والحركات الاسلاميةو الاخرى، ومن هنا التواطئ الخجول من اجل تصفية بعضهم البعض من خلال المؤامرات الدنيئة التي اصبحت سمة الاحزاب الدينية في العلاقة بين بعضها البعض، بما فيها التي تمثل الطائفة الواحدة.

ومن هنا نرى انه في الوقت التي تستمر الهجمات الفكرية على الاحزاب العلمانية بكل شراسة زعلى الاخص من خلال استخدام الاتهام بالبعثية، نجد انهم لايجادلون في حق العصابات الوهابية بالتحول الى العمل السياسي، متجاوزين بذلك عن جوهر المشكلة، الحق بتقرير المصير ورفع الوصاية والتمييز والقمع، من اي مصدر له بما فيه المصدر الديني.

عوضا عن ان تتطالب القوى السياسية بمنع كافة التنظيمات والحركات التي تدعو الى التمييز والاضطهاد والتسلط والوصاية، نجد انهم يركزون فقط على منع حزب البعث، بالرغم من ان ممارسات الحركات والاحزاب الاسلامية اليوم لاتختلف عن ممارسات حزب البعث القذرة. ولهذا السبب بالذات لاتستطيع الحركات الاسلامية بالمطالبة بمنع الحركة الوهابية كمنظمة فكرية.

الامر الذي يوضح اسباب الاصرار على الشكل وليس على المضمون. والذي يوضح اسباب فشل سياسة الحكومة في القضاء على الارهاب الذي اصبح ارهاباً ذو خطاب طائفي تزكيه الحكومة نفسها.