السوريون يتخوفون من تحوّل العراقيين مقيمين دائمين
دمشق – نور الدين الأعثر الحياة - 04/03/07//

مع تزايد عدد العراقيين المقيمين في سورية واستمرار موجات النزوح اليومية إليها، لجأت السلطات الرسمية الى اتخاذ قرار بتنظيم وجودهم مع تأكيد عدم إبعاد أي عراقي قسراً إلا في حال ارتكابه مخالفات جرمية.

ويبدو أن القرار السوري جاء بعد ارتفاع الأصوات الشعبية المتزايدة المنادية بضرورة ضبط إيقاع حركة التدفق الكبيرة للاجئين العراقيين، وظهور بعض المقالات في الصحف المحلية المطالبة بفرض تأشيرات عليهم ومعاملتهم كبقية الزوار العرب للحد من الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي يمكن أن يتسبب بها هؤلاء.

وتقدر الحكومة السورية عدد العراقيين الموجودين في أراضيها حالياً بنحو مليون ومئتي ألف مواطن، بينما تشير تقديرات دولية أن العدد يبلغ نحو 700 ألف.

يبدو الموقف من «الضيوف الجدد» متبايناً بين السوريين. يلقي بعضهم اللوم على العراقيين في ارتفاع أسعار ليس فقط المواد الغذائية وإنما أسعار العقارات بيعاً وإيجاراً. والبعض الآخر يرى أنه من غير المنطقي تحميل العراقيين كل المشاكل التي يعانيها المواطن السوري باعتبار ان تدفقهم الى البلاد ساهم في ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي في سورية الذي يصل اليوم إلى 20 بليون دولار أميركي، إضافة إلى أن بعضهم يشيد منشآت اقتصادية ضخمة.

وتقول السيدة ليندا الأعور صاحبة محل في ضاحية صحنايا (جنوب دمشق): «إن زيادة اللاجئين ليست هي السبب الوحيد في تزايد الأسعار، بل الجشع والرغبة في الثراء السريع على حساب الحالة الإنسانية التي يعانيها هؤلاء». وأضافت لـ «الحياة: «إن وجودهم ساهم في تحريك الأسواق، ومن المفروض أن نشعر بمعاناتهم، لا أن نشعر بأنهم أصبحوا عبئاً علينا».

وتؤكد إحصاءات رسمية حديثة أن الطلب على المحروقات المدعومة من الحكومة مثل المازوت المستخدم لأغراض التدفئة زاد بنسبة 17 في المئة. كما زاد الطلب على الخبز المدعوم أيضاً من الحكومة بنسبة 15 في المئة، وتضاعفت أسعار المواد الغذائية بنسبة 300 في المئة، وارتفعت أسعار إيجارات الوحدات العقارية بنسبة 600 في المئة.

وقال سليمان ورور صاحب محل لبيع المواد الغذائية في منطقة صحنايا: «إن وجود العراقيين بهذه الكثافة اثر علينا من الناحية المعيشية، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية وأسعار المساكن وإيجارها»، ويؤكد «أصبح من الصعب على السوري الحصول على شقة للإيجار بعد أن ارتفع أجار الشقة المفروشة من 15 ألف ليرة سورية (نحو 300 دولار أميركي) الى 25 ألف ليرة، وان إيجار الشقة الخالية وصل الى 10 آلاف ليرة وهو «رقم كبير بالنسبة الى المواطن السوري الذي يعيش في أوضاع معيشية صعبة». مشيراً الى أن جاره العراقي الذي افتتح متجر بقالة بالقرب من محله منذ وقت قصير اثر على مبيعاته التي انخفضت الى النصف، وقال انه «يشعر بأن العراقيين أصبحوا يقاسمون السوريين في أرزاقهم».

ربما يكون سليمان قد لامس الحقيقة في بعض جوانبها وعكس هموم الملايين من السوريين الذين يشاطرونه هواجسه وهمومه المعيشية وخشيتهم من بقاء العراقيين وتحولهم من زائرين الى لاجئين يضافون الى مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين. ويقول عمر شقرا: «أنا ضد إعادة تنظيم العراقيين وبقائهم لفترة طويلة في البلاد لان وجودهم الدائم سيوجد المزيد من المعاناة للمواطنين. لافتاً الى أنه من خلال عمله اليومي في مجال التسويق لاحظ «أن العديد منهم وخصوصاً أصحاب الأموال أصبحوا يملكون محال تجارية ومطاعم فخمة، ومكاتب سفريات، بينما الفئات الفقيرة منهم راحت تعمل في مختلف المهن».

حديث السوريين لا يتوقف عند حد غلاء المعيشة التي سببها لهم الوجود العراقي، وإنما يمتد ليطاول بعض الإشاعات والحكايات التي تبدو ضرباً من الخيال.

وتعتقد صفاء السيد أن الإشاعات موجودة وبقوة ولا دخان من دون نار كما يقول المثل الشعبي. وتضيف: «هناك الكثير من العائلات العراقية التي نزحت الى سورية ليس بين أفرادها معيل مثل الأب أو الأخ»، ما يؤدي الى انعكاسات اجتماعية وأخلاقية. مشيرة الى أن «العراقيين أناس طيبون ويحملون في مضمونهم الكثير من العادات العربية الأصيلة، ويخافون على سمعتهم، لكن الظروف القاهرة لا تعرف الرحمة».

وهناك شكاوى في شأن انعكاسات وجود العراقيين على النظام التعليمي. إذ يقدر عدد الطلاب العراقيين الذين يدرسون في المدارس السورية بنحو 75 ألف طالب، الأمر الذي أضاف أعباء الى القطاع التعليمي الحكومي بسبب ارتفاع عدد الطلاب في الصف الواحد عن المعدل المثالي، إضافة الى زيادة الطلب على المطبوعات المدرسية. علماً أن العراقيين انشأوا جامعة خاصة في سورية تحت اسم «الجامعة السورية الدولية الخاصة للعلوم والتكنولوجيا» بكلفة 10 ملايين دولار أميركي غالبية مدرسّيها من العراقيين الذين نالوا شهادات عليا من جامعات أميركية وأوروبية.

وقالت إحدى المدرسات لـ «الحياة»: «إن إدارة المدرسة التي أعلّم فيها لم تعد تستقبل طلاباً عراقيين لعدم قدرتها على استيعاب المزيد منهم»، لافتة الى أن عدد التلاميذ ارتفع في الشعبة الواحدة من 35 الى 40 طالباً ما زاد العبء على التلاميذ السوريين الذين أصبح بعضهم يجلس على الأرض لمتابعة تحصيله العلمي. وأضافت ان عدد الطلاب العراقيين في مدرستها يفوق المئة طالب في حين يرتفع هذا العدد في بعض المدارس الأخرى وخصوصاً في السيدة زينب وجرمانا.