سفير "المهمات الخطرة" يبدأ أعماله في بغداد بنوايا تغيير المعادلات

كروكر" يصرِّح بميله لحكم السنة وسبق أن حذر من الصراع الطائفي بإسقاط صدام

واشنطن-بغداد-الملف برس

بدأ أعماله في بغداد اليوم "سفير يعرف الشرق الأوسط تفصيلياً وعاش أزامته وعرف خفاياه". ويقول دبلوماسيون مطلعون أنّ السفير الجديد "كروكر" كان قد حذر سابقاً من "عواقب إسقاط نظام صدام"، طبقاً لما كشفته صحيفة "النيويورك تايمز" في عددها الأخير. وقال الدبلوماسيون إنّ "كروكر" يرفض بشدة إبعاد السنة عن السلطة في العراق. ويعتقد هؤلاء الدبلوماسين "أنّ بعض الأطراف الشيعية التي شكت من السفير السابق خليل زاد، ومنهم رئيس الوزراء المالكي، متهمين إياه بالتحيز الطائفي كونه مسلماً سنياُ أفغاني الأصل، سيفاجأون بانحياز غير مسبوق، على عكس ما قاله البعض من أنّ السفير (المسيحي) ربما يكون أقل انحيازاُ للسنة".

كما يرى الدبلوماسيون المطلعون أنّ السفير الجديد في بغداد، يحظى بثقة واشنطن، ويتمتع بصلاحيات واسعة –ربما يكون بوش قد خوّلها إياه شخصياً لمعالجة الوضع في العراق- ويرون أنّ تعيينه قد يغيّر معادلات كثيرة في الساحة العراقية، وبما يكون مفاجئاً لكثيرين انتظروا قدومه. وقال الدبلوماسيون إن "كروكر" دبلوماسي من طراز صعب المراس، وسبق له أنْ عمل في بغداد، سنة 2003 كمدير في سلطة الإئتلاف المؤقتة، بل إنه تعرف على زوجته الحالية في العاصمة العراقية سنة 1979. ووصفوه بأنه "سفير المهمات الخطرة"، مؤكدين أنّ سجّله في الخارجية الأميركية يؤكد هذه الحقيقة، ويرون أنّ تعيينه جاء في وقت تتخلـّق فيه "حلول سرية جديدة" للأزمة العراقية جرى الإتفاق عليها أميركياً وإقليمياُ، ويتوقعون أن تؤدي خدمة "كروكر" سفيرا لبلاده في العراق الى إثارة المخاوف من "ميله المعروف لقدرة السنة على حكم البلد".



من جانب آخر أشار محللون سياسيون الى أنّ "كروكر" سيفشل في مهمته العراقية إذا ما بقي متمسكاً بمفاهيمه السابقة عن الشرق الأوسط ومعادلاته السياسية التقلدية التي "تشبع كروكر بها"، ولم يأخذ بنظر الاعتبار ما استجد من وقائع لا يمكن لاحد أن يتجاهلها. ويتوقع هؤلاء المحللون أنْ "الأطراف الشيعية" اذا ما تأكدت من "حقائق ميل كروكر للسنة" وعدم توازنه في معالجة "الشأن الطائفي" ستسعى الى تنظيم موجة احتجاج ضده، يمكن أنْ تؤدي الى عرقلة العملية السياسية في العراق برمتها.

وفي واشنطن وصفت صحيفة "النيويورك تايمز" مهمة السفير الجديد في العراق "رايان سي كروكر" بأنـّها "مهمة عاصفة" وقالت: "إنّ كروكر يواجه ساحة معركة سياسية ودبلوماسية فوق ما فيها من قتل إرهابي وطائفي". وأكدت الصحيفة أنّ السفير الجديد الذي ودّع أركان سفارته في الباكستان أمس ووصل الى العراق اليوم وسيؤدي اليمين غداً، سيتعامل مع "حكومة لها سيطرة ضعيفة على الوضع الأمني العراقي فيما يكتنفها خوف يومي من عمليات الإرهاب".

وأوضحت الصحيفة أنّ واحدة من أهم التجارب الدبلوماسية في الشرق الأوسط هي التي عاشها "كروكر"، فقد خدم سفيراً لأميركا في الكويت، وسوريا، ولبنان، والباكستان. وتولى مناصب أخرى في كل من إيران وقطر ومصر وأفغانستان. وخلال مهمة قديمة له ببغداد سنة 1979 التقى لأول مرة بـ "كريستيان بارنرز" سكرتيرة السلك الأجنبي التي تزوج منها. لكنّ مخاوفه الحقيقية ترتفع حين يتذكر فترة عمله القصيرة في العراق بعد الغزو سنة 2003، أو حين يركز على ما جرى في جلسة الاستماع بمجلس الشيوخ الشهر الماضي.

وتقول "النيويورك تايمز": إن السفير الجديد في العراق، كان يشعر بالإحباط (كمدير في سلطة التحالف المؤقتة) عندما كان يطلع على دقة التقارير التي تؤكد له ممانعة الأميركيين في مد اليد الى الأقلية العربية السنية التي كانت تحكم العراق زمن صدام حسين. ونقلت الصحيفة عن "كروكر" قوله: كنت محبطاً بسبب عجزنا في عدم التمييز في تلك الفترة، أنّ السنة عندهم قوام القيادة، وأننا لا يمكن أنْ نجد ذلك في الجماعات الأخرى" وأضاف قائلاً: ما كان هنالك أحد ليمنعني من أداء ذلك الجهد.

وفي أثناء جسلة الاستماع اليه بالكونغرس –تقول الصحيفة- سئل أيضاً حول التقارير التي تقول أنّ المذكرة التي كتبها هو شخصياً قبيل الغزو إلى "كولن باول" وكان وقتها وزيراً للخارجية، قد حذر فيها بأنّ إسقاط صدام حسين سوف يطلق العنان للعنف الطائفي. وأنّ ما حذر منه يحدث منذ أربع سنوات.

واعترف "كروكر" أن الكثيرين قالوا بشأنه"إنّ كروكر يلح في أشياء معينة ويعرض مقاييس عالية جدا" وأضاف معلقاً على ذكل بقوله: " لكن الجهود تؤكد أن لا أحد أصلب من نفسه". وأكد أن هناك القليل مما لم يره أو يجربه كدبلوماسي في الشرق الأوسط، ولا احد يمكن أنْ يكون مناسباً أكثر منه امام المهمة الضخمة التي يوجهها الاميركان في العراق.

وبيّنت الصحيفة أن "كروكر" قد عين في بيروت سنة 1983 عندما أعلن الإرهابيون فترة جديدة من الهجمات الانتحارية ضد الاهداف الأميركية في الشرق الأوسط، وفجروا السفارة الأميركية، ثم فجروا الثكنات العسكرية البحرية. هذه التجارب وبتطبيقاتها المباشرة المؤلمة تؤهله لمنصبه الجديد في بغداد، خلفاً للسفير السابق "زلماي خليل زاد" الذي رشح لمنصب سفير لبلاده في الامم المتحدة.



ونقلت الصحيفة عن زملاء "كروكر" واصدقائه قولهم ان تجاوز اداء اليمين في واشنطن والإكتفاء بأدائه في بغداد كسفير جديد يعدُّ بالنسبة لـ "كروكر" مناورة مثالية. وقالوا إنه سيعمل ما بوسعه وبأداء جيد مثلما عمل خلال عقود ليتجنب أي تراجع في مهات وزارة الخارجية الأميركية. وفي هذه الأثناء وجه المدافعون عن حقوق الانسان انتقادات شديدة لـ "كروكر" بسبب اعلان دعمه العلني –في آخر آيامه بباكستان- للرئيس "برويز مشرف" على هامش قرار الأخير بتعليق عمل رئيس المحكمة العليا في باكستان. واتهم المدافعون عن حقوق الانسان "السفير كروكر" بانه كان ينفذ السياسة المفروضة عليه من واشنطن.

ويصف زملاء "كروكر" –نقلا عن النيويورك تايمز- بأنه عداء المسافات الطويلة، وهو ذو اسلوب مغامر عفوي أو غير مقصود، وله سماته فيما يُعرَف عن طبائع الدبلوماسية في العالم، وان اي شخص عمل معه أو صادقه يحتفظ بقصة ما يمكن ان تكون "كناية" عن صحة اختياره سفيرا جديداً في العراق.

وقال "جيمس أف جيفري" وهو نائب رئيس البعثة عندما كان "كروكر" سفيراً في الكويت في تسعينيات القرن الماضي: "إنّ لكروكر صلابة استثنائية وفهما كاملاً للبيئة التي يعمل فيها" وأضاف: "كل ذلك امتزك بمشاعر التحسس من أذى الساخرين بالحياة، وله مهارات كبيرة". ويستعيد "جيفري" -الذي هو الان نائب مساعد وزير الخارجية في مكتب الشرق الأدنى- ذكريات رئيسه السابق وكيف أمضى ذات يوم إجازة في رحلة الى اليمن نازلاً بسيارة "باص" الى أراضي الوادي الصخري للإطلاع على القرى البعيدة. يومها وبشكل غير قابل للتوضيح فقد السائق السيطرة على مقود السيارة فجأة، فقفز "كروكر" واختطف المقود وقاد السيارة وركابها المحبطين بأمان الى أسفل الممر الجبلي. تقول الصحيفة: الان سيبدأ "كروكر" في بغداد سيطرته على أكبر سفارة لأميركا في العالم، مسافراً في رحلة جديدة ومرعبة.

و"رايان سي كروكر" البالغ من العمر 57 سنة، عـُين سفيراً في الباكستان في تشرين الأول 2004. وعمل سابقاً مستشاراً للشؤون العالمية في "كلية الحرب الوطنية" التي التحق بكادرها الأكاديمي سنة 2003. وأمضى الفترة من آذار الى تشرين الأول 2003 في بغداد كمدير أول لحكومة "سلطة الإئتلاف الموقتة".

وعمل نائبا لمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدني من آب 2001 الى آذار 2003، وعمل سفيراً في سوريا (1998-2001) وسفيرا في الكويت (1994-1997) وفي لبنان (1990-1993) وكانت له مهام سرية اخرى سنة 1970، وعمل في السلك الدبلوماسي في ايران وقطر والعراق ومصر، وكذلك في واشنطن. وعين في السفارة الأميركية في لبنان خلال الاحتلال الاسرائيلي للبنان سنة 1982، وكان موجوداً خلال تفجيرات السفارة بلبنان وتفجيرات الثكنات العسكرية سنة 1983.

ونشأ "كروكر" في عائلة "يمتهن أكثرها العمل في القوة الجوية" ودخل مدارس في المغرب، وكندا، وتركيا، إضافة الى أميركا. وأنهى تعليمه في اختصاص اللغة الانكيزية سنة 1971، وحصل على دكتوراه فخرية في القانون سنة 2001 من جامعة "وتمن" بواشنطن. و"كروكر" متزوج من "كريستين بارنز"، التي قابلها لأول مرة في بغداد سنة وأحبها وهو زوجها الى الآن. وهي سكرتيرة متقاعدة في السلك الدبلوماسي. كان قد تقابلا في بغداد سنة 1979. و"كروكر" الذي يحمل جوائز تقديرية عديدة على خدمته المدنية، أرسل الى في كانون الثاني 2002 الى أفغانستان ليفتتح السفارة الأميركية في "كابول". وتسلم بسبب أعماله هناك "جائزة القيادة الاستثنائية". وفي أيلول 2004 منحه الرئيس بوش رتبة أعلى في السلك الدبلوماسي.



الكاتب:


الملف برس


تأريخ أضافة ألخبر

المصدر:


الملف برس


29 - 03 -