مع السلفيين والتقليديين في أطروحاتهم وتساؤلاتهم
زكي لطيف
يدلي المتنورون والتجديديون- إن صح التعبير- بأطروحات تتجاوز الفكر السلفي الحاكم في مجتمعاتنا الدينية الدولانية ، وبما أن السلفيون والتقليديون يعتبرون دون شك التيار الحاكم والمسيطر على حركة المجتمع، فان مثل هذه الأطروحات الغير مألوفة على مستوى الذهنية العامة والثقافة السائدة تعتبر في عداد الشواذ والانحرافات التي يجب أن يقضى عليها، ذلك أن التقليديون ومن في حكمهم يمسكون بعصب السلطة ويقبضون على مفاتيحها، فهم يخطبون على المنابر ويديرون أموال الحقوق الشرعية بأنواعها،ويرتبطون بوشائج مباشرة بمرجعياتهم الدينية في قم والنجف والقاهرة ودمشق ،ويؤمون الجمعة والجماعة ، ويشرفون وينفذون معظم الأنشطة الدينية والاجتماعية ،أنهم متواجدون في كل محفل وحفل، أنهم دون شك السلطة الدينية الاستبدادية الحاكمة في المجتمع الديني المعاصر، بينما لا يمتلك المجددون والمتنورون أية وسائل اتصال بالجماهير ، وأيما حركة مشروعة كإلقاء الخطب المنبرية في المناسبات المتعارفه أو غيرها، أو إقامة المؤتمرات والندوات التي تصب في خانة إبراز الوجود ومحاولة تبؤ مكانة جماهيرية والتأسيس لتيار شعبي يقف إلى جانب التقليديين الحاكمين فإنها سوف تواجه بردة فعل عنيفة ولربما تأخذ إبعاد غير مقدرة العواقب!
ذلك أن التقليدين الحاكمين يرون في سلطتهم الحق المطلق ومن يبارحهم الرأي الباطل المطلق ! وهو ما يعرف في علم الاجتماع بالنزعة الدوغماتية ، ولذلك فان أي اتجاه بهدف إقرار تعددية داخل المجتمع ستفسر باعتبارها فتنة يجب إخمادها ولا بد من مقابلتها بالصد والكبت والمصادرة
أنهم السلفيين التقليديين إذن! فبرغم الانفتاح الهائل وتحول العالم إلى ما يشبه المدينة الصغيرة وشيوع قيم كونية كالحرية والديمقراطية وتطور وسائل الاتصالات والمعرفة، إلا أنهم غير قادرين على استيعاب مفهوم التعددية وقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة والتجديد والتغيير والتطور الطبيعي في الأشياء والموجودات .
يطرح التقليديون أسألتهم المعهودة، التي تعتبر إحدى وسائلهم في الاحتجاج والجدل مع المخالفين، وأظنها من أقدم الأسلحة الفكرية التي يحاورنهم بها، فهي نتاج ثقافة سائدة ومناهج تفكير عتيقة، لم تتغير منذ قرون ! أنهم يسالون : هل أنت من أهل الاختصاص لتناجز رجال دين في فتاواهم أو سياسة في سياستهم أو فلاسفة في فلسفتهم ؟
وفي ديباجة الإجابة على السؤال الثاني لا الأول، فالأول معروفة إجابتنا سلفا، فانا إنسان ولي حق التعبير عن رأيي وما يختلج في ردهات ضميري وعقيدتي.. إن بعض الأمور بل الكثير منها ليست بحاجة إلى تخصص حتى يكشف بأنها قريبة من الصواب أو بعيدة عنه، فانا لست سياسيا ولم ادرس السياسة أو أمارسها، إلا إني أدرك بالبداهة أحيانا وبملكة التفكير أحيانا أخرى صحة أو خطأ هذه السياسة ، وتارة بنتائجها وآثارها ، هناك فلسفة أمريكية تدعو إلى القبول بالنظرية المطروحة وتقييمها بناء على نتائجها وآثارها لا على قواعدها الفلسفية أو الدينية، فان كانت النتائج مرضية للدولة أو الشعب كانت صحيحة وان كانت غير مرضية أو سلبياتها أكثر من ايجابياتها كانت خاطئة ، مع مراعاة إن الصواب من عدمه نسبيا على كل الأحوال .
آراء الفقهاء الكرام والذين نكن لهم الاحترام والتقدير، نستطيع أن نستشف صحة فتاواهم من نقيضها، من خلال نتائج تطبيق هذه الفتاوى! ويمكننا التوغل في الأعماق لندرك نتائجها المطلقة التي لا يختلف عليها اثنان، هناك بعض رجال الدين أصدروا فتاوى ضد بعضهم الآخر، هذا ثابت ولا جدال فيه في تاريخ المسلمين شيعة وسنة، ماذا كانت النتائج؟ تمزق الامة الاسلامية وتحولها إلى مجوعات صغيرة متنافرة ،وهذا ما يشهده المسلمون منذ قرون.
فلننظر إلى فتاوى المرأة المسلمة ماذا أنتجت لنا؟ امرأة ليس لها من أمرها شي، فللأب أو الولي تزويجها وهي طفلة رضيعة ! وليس لها ولاية على نفسها إلى حين موتها! قد يقول الإخوة التقليديين أن ما ندعيه تمييز هو عفة! وان ما تعيشه المرأة من انغلاق وتحييد وتهميش في كافة أوجه الحياة هو التدين المعبر عن إرادة الله ومرضاته ! فلننظر للنتائج الكلية إذن، أين هي المراة كانسان؟ أين إنتاجها المعرفي والحضاري ؟ أين حقوقها التي يهديها لها الإسلام من وجهة نظرهم ؟ لماذا في تاريخنا لم نسمع بذكر نساء ما خلا الزهراء وزينب وعائشة؟ لماذا المرأة حاكمة على دول كفنلندا اوالمانيا ورغم ذلك ما تزال تعتبر بلدان متقدمة ومتطورة؟ في مخالفة لرأي الإسلام كما يدعون بان ليس للمرآة ولاية على نفسها فكيف بولاية الأمة ! لماذا المرأة العربية والمسلمة تسجل في كافة التقارير الأممية في أسفل القائمة وتعاني من مشاكل جمة لا نهاية لها؟ لماذا المرأة الغربية أكثر إنتاجية من المرأة المسلمة ؟ ما دام الإسلام من وجهة نظرهم منح المرأة كافة حقوقها وسهل لها حياتها لتنتج وتقف إلى جانب الرجل في البناء والأعمار؟
يقول السلفيين الحاكمين بالحرية والكرامة والعزة ؟ وهذا موقف طبيعي فلو سالت أعتا الطغاة في العالم عن الكذب فسيذمه وينهى عنه فما بالنا بقيم كونية، من صميم تركيبة النفس الإنسانية وان اختلف تفسيرها وتأويلها، إلا أن المجتمع الإسلامي هو الأقل بكافة المعاير والمقاييس في إطلاقه للحريات الفردية والفئوية والدينية .
بينما تفرض الجزية على غير المسلمين يمنح المسلمون الإعانات المالية في الغرب !
بينما يحرم المسلمون بعضهم البعض من ممارسة شعائرهم بحرية، فسنة يضطهدون شيعة، وشيعة يضطهدون سنة ، يمارس المسلمون في الغرب شعائرهم الدينية بكل حرية !
على قمر "الهوتميل" هناك قنوات دينية إسلامية ،شيعية وسنية، وقنوات مسيحية، بينما على أقمار "العربسات" و " النايل سات" يحرم المسيحيون العرب المواطنون من حق البث على هذين القمرين، رغم أن قنواتهم ليست تبشيرية وإنما خاصة بالمسيحيين العرب المواطنين في الدول العربية كمصر ولبنان والأردن وسوريا ، أو ليست هذه مفارقة لا بأس بان نقف أمامها قليلا؟
فلننظر إلى النتائج النهائية لهذه الفتاوى والمفاهيم والثقافة الحاكمة التي تسير حياتنا الفردية والجماعية منذ قرون طويلة؟ أين حضارتنا المزعومة؟ أين علومنا الغزيرة ؟ أين تطورنا التقني والتكنولوجي والفكري والفلسفي والثقافي؟ في إحصائية أن العربي يقرا نصف صفحة من كتابين يقراهما الأمريكي !!
أو ليس الدين يدعو إلى الوحدة ؟ فأين هي بين المشايخ والمتدينين في المجتمع المتدين حتى النخاع؟! أين هي صلاة الجمعة الواحدة ؟ أين هو الشهر القمري العربي الواحد ؟
نظام الزواج في مجتمعنا .. ماذا أنتج ؟ اوليست العنوسة ظاهرة بارزة ؟ اوليست تكاليف الزواج هي الأعلى بين المجتمعات والشعوب في العالم الإسلامي؟ اوليست الانحرافات الجنسية قد ارتفعت معدلاتها خلال السنوات الماضية؟ نظام الفصل بين الجنسين ماذا أنتج؟ اوليس حواجز وعقد نفسية بين الرجل والمرأة ؟ اوليس قد حيد نصف المجتمع عن المشاركة الحقيقة والفاعلة في الحياة وحصره في زوايا ضيقة ومظلمة ؟
إننا لسنا متخصصين، هذا صحيح، وإنما النظريات وما في حكمها تعرف في بعض الأحيان بأسسها وقواعدها الفكرية وأحيانا أخرها بنتائجها وأثارها ، فان لم يكن ما نحن عليه من تخلف وانهيار شامل سببه فهمنا الاستبدادي المتحجر المغبر والرجعي والعقيم للدين وانغلاقنا عليه وتمسكنا به وكأنه منزل من قبل الحق ، فأين يا ترى يكمن الخلل ؟ لماذا انقسم الدينيون إلى شيعة وسنة، وانقسم الشيعة والسنة إلى فرق وطوائف؟
تجربة ماثلة للعيان، أوربا .. تلك التي يقدح فيها الدينيون، كيف تقدمت وتطورت وازدهرت وأصبحت أوربا التي نعرفها؟ اوليس بعدما أقرت التعددية وأصبح الدين جزء ورجال الدين بعض ؟ ثم لماذا لم يحقق النظام السلفي الحاكم أية نتائج ملموسة تصب في خانة التقدم والازدهار والتطور، ليثبت أن منظومته الفقهية ونظامه العقائدي متوافق تماما مع الإسلام ؟ بل أن العالم الإسلامي بشعوبه ومجتمعاته تعاني التخلف والفقر والتراجع الاقتصادي والحضري، هذا ما أجمعت عليه كافة الدراسات العلمية ومنها تقرير التنمية الإنسانية في العالم العربي بإصداراته المتعاقبة، ثم هل يشك عاقل في أن العالم الإسلامي،شيعة وسنة، عالم متخلف ، وأمة متدنية متهاوية؟ أظنهم سيلقون باللائمة على النظام السياسي، يا ترى هل جاء السياسيون بدكتاتوريتهم وعنجهيتهم من المريخ أو زحل؟ أنهم ليسوا إلا نتاج للدكتاتورية الاجتماعية والدينية، مصداقا لقوله(ص) كيفما تكونوا يولى عليكم" وقوله تعالى" لا يغير الله بما قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" أم يا ترى سيشيرون بأصابع الاتهام للغرب ويتهمونه بأنه هو الذي يقف حجر عثرة في سبيل نهضة الأمة وتقدمها في جميع المجالات ؟ أم أنهم ربما يقولون أن الخلل في التطبيق وليس في النظرية ! وان 1400 عاما من تاريخ الإسلام لم يطبق فيها الإسلام كما أراده الله، سواء من طرف الشيعة أو من جانب السنة !
أيها التقليديون لكم دينكم ولنا دين، اسمحوا لنا كما تسمحون لأنفسكم ، بان نمارس قناعتنا وثقافتنا ،كما تمارسون، حينها فقط سوف تتحول العباءة إلى خيار، وبالتالي قناعة، وعلى هذا فإنها "حريـــة ّ فعندما ترتدي المرأة العباءة بقناعتها واختيارها وبإرادتها ستكون جزء من منظومة الحرية وقيمها الخالدة، حينها فقط سوف ننبري جميعا للدفاع عنها وعن حق ارتدائها في إطار نظام تعددي ليبرالي ديني تفاعلي ونشط ومتحرك بايجابية في أفق الحياة الواسعة ، وسوف نقف صفا واحدا ضد كل علماني متطرف أو لبيرلي متعنت يريد أن يفرض وجهة نظرته الأحادية على الشعب وجماهيره الواعية ، هل تعتقدون بأننا مع فرض حظر الحجاب في فرنسا أو تركيا؟ إن هذا ليس من ديننا في شي ، بل للمرأة حرية ارتدائه من عدمه ، للإنسان حق الاختيار، وهو حر، في إطار نظام دستوري قانوني تعددي ليبرالي ديني ينظم حياة الفرد والمجتمع ، حينها ستشرق شمس حضارتنا الغائبة منذ قرون طويلة متعاقبة، وحينذاك سنكون قد حقنا هدفنا العظيم من الوجود والحياة في ظل العبودية لله سبحانه وتعالى.