أميركا وكل دول المنطقة في مأزق
GMT 23:30:00 2007 الجمعة 6 أبريل
إيلاف
تقرير أوروبي يرسم الشرق الأوسط في 2008
الياس يوسف من بيروت: خلص خبراء أوروبيون في شؤون الشرق الأوسط في تقرير ضمنوه توقعاتهم للسنة المقبلة 2008 إلى أن كل الأطراف المؤثرين فعلاً في المنطقة هم في وضع صعب: الإدارة الأميركية ضعيفة ومنقسمة داخليًا بين البيت الأبيض من جهة وأكثرية مجلسي النواب والشيوخ من جهة، وهي على أي حال فقدت دعم الرأي العام الأميركي لسياستها في المنطقة. الحكومة الإسرائيلية ضعيفة جدًا، ولا تتمتع بأي تأييد شعبي. الحكومة الإيرانية ضعيفة داخليًا وتعاني ضغطًا دبلوماسيًا هائلاً. الحكومة العراقية غير قادرة حتى على بسط الأمن في "المنطقة الخضراء" ولا تتمتع بدعم شعبي. النظام السوري في عزلة دولية وعربية وداخلية. الدولة اللبنانية منقسمة والحكومة غير قادرة على حسم شيء. في إختصار، لا أحد قادرًا على إتخاذ قرار والجميع في عنق الزجاجة. وهنا التقرير:
العراق
بدأ العد العكسي عمليًا لإنسحاب أميركي من العراق خلال سنة أو خلال سنة ونصف. وثمة إجماع سياسي في الولايات المتحدة على إعتبار خريف ٢٠٠٨، أي موعد نهاية ولاية جورج بوش الثانية، بمثابة الحد الأقصى للخروج من المستنقع العراقي. ليس فقط لإعتبارات سياسية ودبلوماسية، بل أيضًا لأن الجيش الاميركي ليس قادرًا على الإستمرار في مواجهة نزاع من هذا النوع لفترة ستكون في تلك الحقبة قد شارفت على ٦ سنوات.
فليس لدى الجيش الأميركي الإمكانات التقنية والبشرية للمثابرة في المهمة الموكلة إليه حاليًا في العراق. صحيح أنه قادر على تدمير ذلك البلد تمامًا في أيام قليلة، إذا ما تطلب الأمن القومي الأميركي ذلك، لكن بقاءه في الشارع العراقي أمر مستحيل. وبما أن الإنسحاب الكامل يعني تقديم العراق أو على الأقل الجانب الدسم منه، أي النفطي، على طبق من فضة إلى إيران، فإن الحل هو الإنسحاب الجزئي، أي إبقاء قوات أميركية ضاربة في قواعد محمية خارج المدن على مقربة من الحدود مع إيران وسوريا وتركيا، مع المحافظة أساسًا على قدراتها الجوية.
أما على الصعيد السياسي العراقي، فالمتوقع إستمرار الحرب الأهلية، المذهبية والعرقية، مع "تطهير" تدريجي للمناطق في شكل يسمح لكل من الشيعة والسُنّة والأكراد بتثبيت نفوذهم في مناطق جغرافية شبه مغلقة. غير أن هذا لن يؤدي إلى تهدئة الوضع بسبب الخلافات داخل كل منطقة، ولأن العمليات الإنتقامية ستستمر لا سيما بين الشيعة والسُنّة. إذًا، لا عراق موحدًا وهادئًا ومستقلاً في الأفق المنظور.
إيران
الوضع في هذا البلد يتسم بسباق حقيقي بين تفاقم الوضع الداخلي والتحضيرات الأميركية والإسرائيلية لضربة عسكرية موجعة. الخلافات داخل القيادة الإيرانية عميقة، والوضع الإقتصادي ليس مرضيًا أبدًا، وآثار الحصار الدولي القانوني والتقني والدبلوماسي والمعنوي تتزايد كل يوم. بعض الخبراء الدوليين يقولون إن الحل للأزمة سيأتي من داخل إيران، لكن الوضع السياسي في إيران ليس مغلقًا ومقفلاً على غرار ما كان الوضع السياسي في العراق في ظل نظام صدام حسين، ولا كما هي الحال في سوريا حاليًا. هناك إتجاهات داخل النظام وإنتخابات ومناقشات. النظام ليس شخصانيًا وفرديًا وعائليًا ووراثيًا، وليس في يد أقلية. ويضيف هؤلاء الخبراء أن الدول التي تتمكن من مواجهة الحصارات الدولية هي إجمالاً ديكتاتوريات مقفلة، على غرار ما كان العراق، وكما هي اليوم كوريا الشمالية وليبيا. وبالتالي قد تكون تجربة الحصار الدولي مع إيران أقرب إلى ما حدث في صربيا، أي أن المجتمع سيتحرك في نهاية الأمر ليقول: "كفى".
لكن، في موازاة هذا التتبع لتطورات الوضع الداخلي، الذي يرمي إلى تصعيد الحصار الخارجي وإلى تسريعها، هناك إستعدادات عسكرية جدية من الولايات المتحدة وإسرائيل لتوجيه ضربة عسكرية قوية إلى إيران في حال استمر المأزق الحالي كما هو متوقع في موضوع الملف النووي، وتؤكد بعض المعلومات المتداولة في اوروبا، لا سيما من مصادر روسية وإسرائيلية، أن هذه الإستعدادات قطعت شوطًا بعيدًا، وأن الهدف منها ليس القضاء على كل نشاط نووي إيراني، فهذا أمر شبه مستحيل، بل أضعاف البنى النووية والعلمية في شكل يؤخر هذا المشروع لسنوات عديدة.
سوريا
يلاحظ التقرير توجها جديدًا نحو دمشق، وهو مزيج من الواقعية والإحتراس والمكيافيلية. فبعد مرحلة سادتها الرغبة الدولية في التخلص من النظام السوري، يبدو أن هذا الهدف قد تُرك جانبًا موقتًا، لأسباب عدة أهمها ثلاثة:
- ليس من الوارد فتح بؤرة نزاع وعدم إستقرار جديد في المنطقة، وبالتالي ليس وارد إرسال الجيش الأميركي أو جيوش "حلف الأطلسي" إلى دمشق.
- ليس هناك من بديل سوري يتمتع بقاعدة شعبية، لأن الحياة السياسية في سوريا محرمة أصلاً.
- إسرائيل مصرة على إعتبار أن النظام السوري الحالي هو أخف الشرور.
لهذه الأسباب، تميل العواصم الغربية إلى الإستمرار في محاصرة النظام ليس لإسقاطه بل لإبقائه مخنوقًا. والهدف هو الحد من تأثيره قدر الإمكان وإبقائه تحت الضغط، عبر المقاطعة الدبلوماسية الغربية، وعبر شبه حصار إقتصادي، وشبه عزلة عربية، وعبر إستمرار سيف المحكمة الدولية في إغتيال الرئيس رفيق الحريري مصلتًا على رأسه، مع إقتناع كامل بأنه المسؤول عن هذه الجريمة .
لبنان
أكثر ما يلفت بالنسبة إلى لبنان، هو شعور عام بالملل من الأفرقاء اللبنانيين ونزاعاتهم التي لا تنتهي. وحتى المملكة العربية السعودية فقدت حماستها للتوسط في ما بينهم. وهناك شعور أن الإهتمام الدولي والعربي بالزعماء اللبنانيين لم يؤد إلى النتيجة المرجوة. ويسود شك عميق بمدى رغبة اللبنانيين في التوصل فعلاً إلى حل. بكلام آخر، ثمة تسليم عربي ودولي أن لا صيغة توافقية في الأفق، ولا إتفاق على إطار لعيش مشترك، بل تعايش على قاعدة الخضوع للأمر الواقع بين جيران في بلد واحد.
هذا يعني أن الأمور في لبنان سائرة نحو نوع من تقسيم إفتراضي غير معلن، فلا تكون فيه مناطق جغرافية محددة لفئات محددة، لأن ظهور الكانتونات الواضح يحول دونه التشابك بين السكان في كل المناطق ومن مختلف الطوائف، وكذلك بين مناطق النفوذ العسكري الموزعة بين القوة الدولية (اليونيفيل)، والجيش اللبناني، وحزب الله، والفلسطينيين، وغيرهم ، فضلاً عن تعدد الإتجاهات السياسية داخل كل طائفة.
ومن المتوقع في ظل هذا الوضع أن يظل لبنان على واقعه الحالي، أي في أزمة باردة، لا حل لها ولا تؤدي إلى حروب مأسوية. ولكن هذا البلد لن يشهد نموًا إقتصاديًا وتدفق مساعدات لغير الأمور الملحة.
إسرائيل
المعطى الأساسي الجديد في موضوع إسرائيل هو أن هناك خلافًا جديًا بينها وبين الولايات المتحدة حول التسوية. فواشنطن تريد التوصل إلى نتيجة، تريد تقديم مكاسب ملموسة إلى حلفائها في المنطقة. وهي تعرف ضمنًا أن المبادرة العربية هي أقصى ما تستطيع إنتزاعه من الدول العربية كقاعدة متفق عليها من جميع العرب لبدء النقاش حول تسوية نهائية. وموضوع عودة اللاجئين ليس من خلاف جوهري عليه، فتمسك العرب به يرمي إلى تثبيت هذا الحق معنويًا، وبالتالي الحصول على تعويضات وعلى مساعدات للاجئين الفلسطينيين تسمح بتجميع القسم الأكبر منهم في الدولة الفلسطينية العتيدة مع إعطاء حق العودة لعدد منهم لأسباب عائلية، أو بتوطين جزء منهم في الدول العربية.
الخلاف هو حول الأرض، فإسرائيل لا تزال ترفض مبدأ العودة الى حدود ٤ حزيران (يونيو) ١٩٦٧ . إضافة إلى هذا المعطى، تجمع أجهزة المخابرات الغربية على القول إن الجيش الإسرائيلي مصر على خوض حرب جديدة، تمحو الصورة التي تركتها حرب صيف ٢٠٠٦ . بالنسبة إلى القادة العسكريين الإسرائيليين، لا يقتصر الأمر على موضوع كبرياء أو عنجهية مهنية، بل هو نابع من إقتناع مفاده أن بقاء إسرائيل في المنطقة مرتبط بالخوف منها. لذا، هذه الحرب الجديدة يجب أن تكون ذات أهداف واضحة، والأرجح أنها لن تستهدف "حزب الله" لأنه لم يعد يشكل أي خطر جدي على شمال إسرائيل. الحرب الجديدة يجب أن تؤدي إلى تحقيق مكسب عسكري ساطع ضد إيران أو ضد الجيش السوري أو الإثنين معًا.