ما إن إنتهت محاكمة جلاد العراق الا وإنفتحت " سبتتنغات " العقل العربي .. تمجد الطاغية وتجعل منه رمزا .. بل وتقرنه بعمر المختار .. ولا أدري ان كان المختار بدرجة صدام في السفالة والانحطاط .. حتى يقرن الأخير به .. ومع اني شخصيا معني بمجريات محاكمة صدام من زاوية وطنية عامة لما لاقاه العراق على يديه وما انتهى اليه .. ومن جانب شخصي محض لما لاقاه الأهل والاحبة في بلد والدجيل من مآس لم يعرفها بشر على إمتداد التأريخ .. ولا أبالغ إن قلت حتى كربلاء لم تعرف أوغادا كأوغاد آل المجيد وما فعلوه في بلد والدجيل في ذلك اليوم المشؤوم من تموز 1982 .. ومن هاتين الزاويتين فإن المحاكمة لم ترضني .. فقد كنت أتمنى ان يحاكم صدام على جرائمه دفعة واحدة ليعرف العالم كله حقيقة هذا المجرم .. وأن تقترن السياسة بالإجرام الجنائي .. ثم لم أستطع ان اجد أي تفسير لفصل ما جرى في بلد عما جرى في الدجيل .. رغم أن أهالي بلد لقوا نفس ما لاقاه أهل الدجيل .. وقضى الضحايا في نفس السجون .. وإنتهت عوائل الى ما إنتهت اليه عوائل الدجيل .. فضلا عن ذلك فإن ضحايا بلد كانوا ضعف ضحايا الدجيل .. وليس في هذا تهوين من مأساة الدجيل فقد قلت مرارا .. لو أعدم عشرات الآلاف من مجرمي التكارتة لما عادلوا شسع نعل الشهيد الحاج محمود المجيد ..
العرب وأيتام صدام ومخبروه من العراقيين صاروا فجأة يحترمون القانون ويستظلون به .. لبسوا رداء الانسانية الذي لن يستر عوراتهم .. وأخزى عوراتهم على مدى الدهر تمجيدهم لهذا المجرم وعصابته وجرائمه .. ومن أصغر الكتبة والمتكسبين والطامعين بما لدى بقية آل المجيد رغد من مال .. الى القذافي وحسني مبارك وغيرهما .. وقد سمعنا مبارك يبدي تقززه من عملية الاعدام وبشاعتها .. وهذا الكلام المنافق سيكون مقبولا لو أنه صدر عن مسؤول أوربي يحرم الاعدام في بلده .. ويدعو الى إلغائه في العالم .. أو لو أن مصر تشنق المحكومين بالاعدام بحبل من ورد وزعفران .. وما عدا هذا فصدام عومل بإحترام لا يستحقه أبدا .. وبطريقة لا يعرفها اي بلد عربي على الاطلاق .. لو ان الحكومة أعطت الناس فرصة الانتقام من صدام لما بقيت منه قطعة من لحم أو عظم .. مع اني كنت أتمنى لو أن صداما أعدم فور القاء القبض .. فما أعطي فرصة ان يتحول الى نجم يشبع حاجة الاحباط العربي .. مع ان الخير في ما وقع فقد كشفت محاكمته وإعدامه عن سفاهة العقل العربي وتماهيه مع الجريمة .. عقل مثقوب ومصاب بداء في صميمه .. والا مهما كان الاعتراض على الاحتلال الامريكي للعراق .. او أداء الحكومة العراقية .. ما كان يصل الى تمجيد طاغية .. السفالة تجري في دمه وبهذة الطريقة متناسين تأريخه وكيفية صعوده الى السلطة .. ثم خدمته غير الجليلة لكل مشروع أمريكي صهيوني بالمنطقة .. أذاق شعبه ما لم يعرفه أي شعب في الكرة الارضية .. وليت أن شعبا عربيا قد تبرع بأن يجعل من صدام حاكما له لنرى بعدها ماذا يقول العرب عنه ..
محاكمة صدام أظهرت الازدواجية العربية .. فأنظمة حكم لا تتبع أبسط الاصول في بلدانها جعلت من نفسها معلما للعراقيين .. عن المحاكمات وأصولها .. وشعوب تعرف في بلدانها حتى تلك التي تتمتع بهامش شكلي من الديمقراطية .. تعرف أن الحاكم هو سيد القانون والقضاء .. وأن أقل خطر من أي مواطن سينتهي به الى أن يقف امام محكمة شكلية تزج به في السجن او قد ترسله الى الموت .. أو تبرر إرساله الى الآخرة في السجن وتحت التعذيب .. وتريد هذه الشعوب ان ترى في العراق سويسرا في قضائها وقانونها .. بينما لا تتمتع هي بأبسط قواعد إحترام القانون وحرية وإستقلال القضاء ..
وللحديث بقية ..