مجتمعنا مجتمع يرتعب من النقد والمراجعة ومعاكسة ما هو مألوف وموروث ومرضوع
لذلك يستعمل صواريخ ارض جو لكل من يتجرأ على نقد موروث ولو كان شكليا صوريا ومن عادات الناس00
فكيف به إذا وصل الحال إلى العقائد فتلك ثالثة الأثاثي 0
فمن ابرز سمات المجتمعات المغلقة وضع المحرمات " التابو" على ثلاثة أمور: الدين_ والجنس_ والسياسة0

لذلك مجتمعنا يضع " تابو" على كل ما من شأنه أن يهدد ما يعتقد به ولو كان خرافيا أسطوريا لا عقل يدعمه ولا دين يسنده 0

فأول ما يوجه للناقد هي الحجج التالية : من أنت حتى تنقد العقيدة الكذائية00 والمرجع هو الذي يعلمنا واجبنا الشرعي وليس نحن الذين نعلمه واجبه الشرعي00 لقد قال تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون00 ورابع يقول لكل تخصص أهله فمن أنت حتى تجري عملية جراحية في الأديان وأنت تجهل الأبجديات 0

ويناقش هؤلاء بأمور :

أولا : هذا منطق الآبائيين الذين قالوا إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مهتدون 00 فعندما عاب القران عليهم لم يعب على علمائها وكبرائها وسادتها إنما عاب رجل الشارع –إن صح التعبير-عوام الناس ودهمائها0

ثانيا : بهذا التفكير إن كل فرد سيبقى ابد الآبدين حتما على ما انتهوا إليه آباؤه00 والنتيجة سيكون الشيعي شيعي والسني سني والأباضي أباضي والصوفي صوفي والوهابي وهابي والبوذي بوذي والهندوسي هندوكي والشيوعي شيوعي والكاثوليكي كاثوليكي00 وكل حزب بما لديهم فرحون0

ثالثا : أن هؤلاء يقولون بان العقائد لا يقبل فيه الظن والتقليد إنما يجتهد فيها وهي فرض عين 0
ولكن واقعا وعمليا لا يلتزمون بهذا بل يمارسون عكس ذلك تماما يمارسون ضغوطا ووصايا وسيادة بماذا تعتقد وكيف تعتقد00
وإذا خرج بك نظرك بما لا يتفق مع سائدهم نبذوك وحقروك وانتقصوك واظهروا لك التهم بالسذاجة والعمالة والجهل والمصلحة والذم والتبديع والهجر والضلال والتشهير والتجهيل والتسقيط والافتراءات والتحريضات والدس والحملات الظالمة المسعورة وسقطوا شخصيتك ومكانتك وامتهنوا كرامتك ونفوا اعتباريتك وإنسانيتك ولا كرامة0

رابعا : أن هؤلاء لا يلتزمون بما يقولون00 هم يقولون احترام التخصص وكل يتكلم بفنه ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب ويضربون المثال بالطبيب والمهندس والتخصص00 ولكن تجدهم لا يقفون عن تخصصهم فيتكلمون عن المذاهب الإلحادية والنظريات الرأسمالية والاشتراكية والأديان الأخرى وينقدون نظريات فرويد وهم لم يقروا له كتابا واحدا ولم يعرفوا إلا أمرا واحدا هو "الجنس" 0

خامسا : الله تعال أمر المسلمين بالتدبر في آيات قرانه ولم يقصر ذلك على رجال الدين 00فلا رهبانية في الدين ولا كهنوتية ولا دروشة ولا قديسين ولا رهبان ولا بابوية ولا سلطة بابوية 00فكلنا رجال دين!!

سادسا : الله تعالى أمر الناس بالتأمل والتفكير والتساؤل في الآفاق والأنفس ولم يأمر فقط العلماء والرسول أمر كل احد أن يعمل مراجعة ونقد ذاتي " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا "

سابع : آراء العلماء ليست حجة حتى أؤمر بالرجوع إليها إنما آراء يحكم عليها لا أن يحتكم إليها00 وتحتاج إلى دليل وليست هي دليل بذاتها00 وهم ليسو حجة على الإسلام إنما الإسلام حجة عليهم 00وأقوالهم ليست مصدر تشريع ونحن مطالبون بإتباع " الكتاب" و"العترة"00 فالإسلام حجة بالغة على الكل وليس أحدا حجة على احد وليس أحدا اكبر من أن ينصح ولا احد ا قل من أن ينصح00 فالمنهج فوق الأشخاص " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" " كونوا أحرارا في دنياكم " " لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله سبحانه حرا " ففتاواهم ليست شرعا منزلا من لدن حكيم عليم 0

ثامنا: الإمام علي وهو المعصوم يطلب من أصحابه النقد والنصيحة والمشورة والرأي الآخر ففي نهج البلاغة " فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فاني لست في نفسي بفوق ا ن أخطئ " ويقول " ولا تخالطوني بالمصانعة " أي لا تقولوا لكل ما أقوله " نعم " ويقول " فانه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه " ا ي يكره من يقولون " الرأي ما رأيت "!!

تاسعا: لم يعد العلماء آلهة لا يسأل احدهم عم يفعل وهم يسألون فلا توجد شخصية خارج النقد ودون الخطأ وفوق التصحيح فهم ليسوا أوثانا تعبد من دو ن الله ونحن لسنا أتباعا نسبح بحمد القادة بالعشي والأبكار ولسنا
" زبانية " يقودنا " عتل زنيم "

عاشرا / لا يوجد مذهب من المذاهب صافي العقيدة نقي متعالي فكل مذهب فيه وفيه00 ففيه الخرافات والترهات والبدع والمخاريق والأخطاء والنواقص 00 فيبقى المذهب صورة ذهنية تصورية عن الإسلام إلا انه ليس هو الإسلام ذاته0

الحادي عشر : الله تعالى امرنا أن نسأل أهل الذكر كمصدر من مصادر المعرفة ولكن لا يعني أن نسلم عقولنا ليفكروا عنا ونمتص ما يقولون دون فلترة وتصفية وترشيح " الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه "
فأهل الذكر "مصدر معرفة" لا " مصدر تشريع" فهم ليسو مصدر معصوم حتى لا يؤخذ منهم ولا يرد
00ثم أن الله تعالى امرنا أن نرجع إلى أهل الذكر ليس دائما إنما إن كنا لا نعلم " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " ومفاد هذا إن العلم يتحصل دون سؤال أهل الذكر ..
ثم إنكم قلتم أن أهل الذكر هم " الأئمة " فلم الآن حولتموها إلى " العلماء " رغم أن البعض قال أن أهل الذكر هم " اليهود "0
وعلى كل حال فان السؤال يشير إلى " الاستعانة " بكلامهم لا " تقليدهم " والخطاب القرآني لا يكف عن الحث على التعقل والتفكر والنظر في الآفاق فإذا سألنا " أهل الذكر " وكفى فكيف إذن يحثنا على التعقل والتأمل !!؟!

الثاني عشر : أن ربنا لم يقرر لأنبيائه مصادرة حرية الناس في تحديد المصير فهو القائل " وما أنت عليهم بجبار " والقائل " إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر " والقائل " لا إكراه في الدين " والقائل " وما أنت عليهم بوكيل" والقائل " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " والقائل " وما على الرسول إلا البلاغ المبين " فهل يجوز لغيرهم ذلك ؟!! فـ " الحرية ليست حقا إنما واجب " كما يقول المدرسي هادي 0 ولكل إنسان الحق في أن يؤمن بما يعتقد به " كما يقول الشيرازي"


الثالث عشر : أن القاعدة الأساسية _ كما يقول ديكارت – للبحث عن حقائق الأشياء أن يتجرد الباحث عن كل شيء كان يعلمه من قبل وان يستقبل موضوع بحثه خالي الذهن 0 فالفكر لا يتطور إلا بالصدمات الحادة كما يقول جابر عصفور0