 |
-
السعــــــــــــودية صنم من تمر إن جاعوا أكلــــــــــــوه
[align=center] [/align]
مقال نشر في القدس العربي بتاريخ 21-05-2007
[align=justify]تتعدد مفاهيم السلطة بتعدد المعطيات والقوي التي تأتي بالسلطة الي مركز الريادة والقرار. نجد ان مفهوم السلطة في الديمقراطيات المعروفة تحدده التطورات التي تقف خلف قدوم شريحة معينة الي كرسي الحكم فتتحول السلطة الي مؤسسة سياسية تنبثق من المجتمع. اذ انها منتخبة من قبله فتدير شؤونه الداخلية وتضمن سيادته واستقلاله وتعتمد في ذلك علي ثروة اقتصادية منها الضرائب التي تفرضها علي الناخب وتعيد توزيعها بشكل يتوافق مع الاتجاه السياسي والايديولوجي للسلطة المنتخبة فتوفر الخدمات اللازمة لاستمرارية المجتمع وتنميته البشرية وكذلك تحفظ امنه وسلامته من خلال مؤسسات القضاء والامن.
وبين الحين والحين تخضع هذه السلطة للمحاسبة اما قانونيا او من خلال انتخابات تجري خلال فترات زمنية محددة فتضع السلطة نفسها علي المحك فاما ان تنتصر او تسقط تحت ضغط الناخب ومدي اقتناعه بفعالية برامجها المطروحة خلال فترة الانتخابات وحملاتها او من خلال عملية تقييم لرصيدها السابق خلال فترة حكم سابقة. وعملية تقييم السلطة ومحاسبتها من اهم المبادئ التي تقوم عليها العملية الانتخابية. اذ تبرز السلطة كعنصر خاضع للمحاسبة مكلف من المجتمع بتدبير شؤونه وليس حكرا علي اقلية تحكم بشرعية الهية ازلية او وراثية او انجاز وهمي تخلقه الشعارات الرنانة.
في دولة ريعية كالدولة السعودية يغيب مفهوم السلطة كعنصر يخضع للمحاسبة والتقييم بغياب المؤسسات المحاسبة والمستقلة. اذ تعتبر السلطة نفسها غير خاضعة للمحاسبة كونها لا تفرض علي المجتمع اي نوع من الضرائب بل تستمد ثروتها من حقول نفط وجدت علي ارضها لذلك تنفي السلطة اي محاولة جادة تدعو الي الرقابة والمسؤولية فان انفقت علي المجتمع من خلال برامج تنموية كالتعليم والخدمات والصحة والمرافق العامة. يعتبر هذا الانفاق هبة لا تخضع الا لمعايير الكرم وهي ليست ملزمة من قبل المجتمع بالانفاق الا اذا هي ارادت ذلك. علي هذه الخلفية تطور مفهوم السلطة حتي اصبح كصنم منتصب في المجتمع مصنوع من نفط اشبه ما يكون باصنام الجاهلية المصنوعة من تمر تؤله وتعبد من خلال مراسيم وطقوس اعلامية يبتهل اليها المجتمع طالبا الفتات من علية القوم الذين يحتكرون التوزيع والهبات. وقد يتجاوب الصنم مع بعض الابتهالات ويعلن عن مشاريع تنموية قادمة واستثمارات مستقبلية وفرص عمل قيد الدرس ومكارم مختلفة توهب للمتعبد الاكثر ولاء وسمعا وطاعة. وهناك علاقة حميمة بين الهبة والطاعة اذ لا هبة لمن قصر في طاعته ناهيك عمن حبسها ورفض تقديمها. يرتفع الصنم الوهاب عن المجتمع ولا ينصهر فيه الا حسب معادلات دقيقة منها مثلا عقود زواج قد تربط فئات اجتماعية معينة بالسلطة الصنمية فيدخل عندها الصنم بالمجتمع من خلال زيجات آنية او يرتبط ببعضها من خلال ارث تاريخي ولحمة قديمة تفعل علي اساس كون هذه الفئات مشرعنة للسلطة. تماما كما حصل للنظام السعودي عندما دخل في حلف ازلي مع منظري طاعة الصنم. فهو يحتاجهم خاصة وانهم يصدرون الخطاب المشرعن لمركزيته التي لا تقبل النقاش والجدل. وبالاضافة الي الزيجات المعقودة بين السلطة الصنمية وشرائح اجتماعية وعلاقة القرب بين السلطة والمشرعين لازليتها نجد ان السلطة السعودية نمّت خلال حقبات تاريخية طويلة علاقة اخري مع شرائح اقتصادية استطاعت ان تدخل حلقة الزبونية المحدودة والمرسومة حول السلطة. الحلقة الزبونية تمكن شرائح معينة من الاقتراب من السلطة بغاية الاستئثار بحصص خاصة بها تحتكرها وبذلك تقطع الطريق علي توسيع الحلقة المنتفعة من السلطة. وهم الحلقات الزبونية هو قطع الطريق علي توسيع الحلقة مما يعني دخول شرائح جديدة الي مركزها ومنافستها. وبما ان السلطة هي الاقوي والاكثر قدرة علي شراء المجموعات نجد ان الشرائح الملتفة حولها قد تتمتع بشيء كثير من الصلاحيات ولكنها غير قادرة علي ان تتحول الي كتلة مستقبلية فعالة في المجتمع قادرة علي لعب دور ريادي او سياسي. هذه الشرائح الاقتصادية القديمة والجديدة هي ايضا تنظر للسلطة بمفهوم الصنم التمري الذي يهب العقود والفرص من اجل عملية اثراء سريعة قد تنتفع منها هذه الشرائح ولو لفترة زمنية محدودة. ولكنها تبقي مكبلة غير قادرة علي ان تضغط علي السلطة لان ليس لها اي بعد اجتماعي او قاعدة شعبية. فنموها وثروتها تعتمد بالدرجة الاولي علي دخولها الي حلقة الزبونية وليس علي ارث اجتماعي معروف تستطيع ان تستعمله في عملية الضغط. فهي لا تطمح ان تكون كتلة كبيرة بل تعمل ما في وسعها من اجل تقليص عدد المنتمين اليها من اجل قطع الطريق علي طامحين آخرين.
مفهوم السلطة كصنم من تمر مرتبط ليس فقط بالظروف التي نشأت فيها الدولة الريعية بل ايضا بالموروث الثقافي للمجتمع هذا الموروث هو وليد بيئة اتسمت سابقا بالجوع والفقر وشحة الموارد والتنافس الحاد بين الفئات البشرية علي السيطرة علي جزء ولو بسيط من الثروة القليلة. فالسيادة ارتبطت بقدرة القوي علي احتكار هذه الثروة ومن ثم توزيعها علي الشرائح التي ساعدت علي تمكينه اما عسكريا او فكريا او دينيا. ورغم ان هذه الشرائح مهمة جدا في ايصال القوي الي السلطة الا انها عادة تجد نفسها مهمشة بعد اتمام المهمة وخاضعة لارادة القوي. ورغم انها قد تطمح الي المشاركة في الحكم الا ان المشاركة تأتي عن طريق تبعيتها لكرسي الحكم وليس مساواتها به خاصة في الحالات التي يتمكن فيها الحكم من الاستعاضة عنها بقوة اخري مع مرور الزمن. ورغم ان الشرائح المنتفعة تكون مهمشة سياسيا الا انها تحتفظ بمفهوم السلطة كصنم تناجيه وتتقرب اليه رغم علمها انه مجرد اداة تابعة له ولارادته. وتعلم ان الصنم لا يلغيها تماما وانما يقنن اتاواته والتزاماته وهو وحده القادر علي فتح الباب امام شرائح جديدة ان تململت الشرائح القديمة واظهرت نقصا في تقديسها له وعبادته.
العلاقة المختلة بين السلطة الصنم والرعية المنتظرة لثمره الذي يأتي بأشكال واحجام متعددة ومذاقات مختلفة لا تكون خلفية ثابتة تقوم علي اساسها دول وانظمة ذات مصداقية وديمومة ثابتة. بل هي مجرد علاقات آنية قابلة للانفراط والاندثار تحت ضغط التقلبات الاقتصادية. فكما ان عرب الجاهلية دخلوا في عقود مع اصنامهم التمرية وحصروا قدسية الصنم بما يقدمه لهم من خدمات ان تأخرت كسروها او اكلوها نجد ان مفهوم الصنم اندثر من العبادة ولكن مضمونه استطاع ان يبقي بل يتكرس في علاقة الحاكم بالمحكوم. ان لم نخرج من منظومة الحاكم كصنم وهاب تتوقف عبادته وتأليهه عندما نجوع او ربما نفترسه في زمن الشح والضائقة لن نستطيع ان نتجاوز النطاق الضيق للسلطة السياسية ونبلور نظرة ومفهوما جديدا للحكم والسلطة.
استبدال هذا المفهوم بمفهوم آخر صعب المنال في زمن تقوم به السلطة نفسها بتشجيع نظرة المجتمع لها وكأنها الوهاب المعطاء. وما علينا الا ان نرصد الخطاب السياسي الجديد المرتبط بزيارة المناطق السعودية من قبل المسؤولين والذين يأتونها لتجديد الولاء ملوحين بالتمور المخزونة والتي يتم الاعلان عنها والتباهي بها امام الحشود المبتهلة لكرسي الحكم. تمور اليوم هي عبارة عن لائحة طويلة من الوعود باعمار الارض وتنمية الطاقات تأتي كلها من باب التلويح بالانجاز العظيم والذي يصور كنعمة من الصنم وليس حقا للمواطن. ارتباط الصنم الحاكم بالتمر وتكريس هذا الارتباط من خلال الحملات الاعلامية يصب في مصلحة السلطة خاصة في فترات الطفرة ولكن المعضلة ستطرح نفسها بشكل واضح وصريح زمن الشح والجوع.
عندها فقط ستسقط المعادلة التي تعتمد عليها الدولة في تثبيت الولاء والطاعة لرموزها. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما سيفعله المجتمع في حالة الجوع. هل يا تري سينقض علي الصنم ويأكل التمر مباشرة من مصدره دون وساطة السلطة ذاتها؟
هذا ليس من المستبعد خاصة وان السلطة ذاتها هي من روج لمفهوم الصنم التمري وربطت ديمومتها بقدرتها علي العطاء وشرعيتها بشرعية الانجاز بعد ان سقطت الشرعيات الاخري والتي كانت في السابق تعتمد عليها.
وقد ساعدها علي ذلك عدة عوامل اهمها مفهوم المجتمع الاستهلاكي الذي تأصل في النفوس مما جعلها تقلص طموحاتها وتبعثر مبادئها في سبيل رغبات آنية وطموحات قصيرة المدي.
وهي اليوم مستعدة لان تنفي ذاتها وكرامتها في سبيل هذه الرغبات واشباعها. رغم ان هذا الاشباع يتطلب الزحف الي الصنم وتبجيله عند كل زيارة وفي كل مهرجان. وتبقي معضلة حقيقية وهي كون التمور لا توزع بطريقة عادلة او علي اساس الحاجة وانما هي دوما توزع من خلال حلقات الزبونية والانتقائية لذلك سيظل الكثير من الفئات الاجتماعية خارج نطاق حلقة التوزيع هذه وسيظل هؤلاء ينتظرون الوعود التي قد تأتي او لا تأتي ولكن نستبعد هؤلاء من حلقة الحراك الشعبي لانهم يعيشون في حلم دائم ووعد قد لا يكون صادقا.
وتعلم السلطة ان تقديم التمور يجب ان يقنن دوما حتي تولد شريحة منتظرة او في حالة انتظار دائمة مستعدة لتقديم الولاء علي امل مستقبلي في ان تدخل الي الحلقة يوما ما. ولكن لا نهضة حقيقية الا بتغيير مفهوم السلطة واسقاط منظومة الصنم التمري من الفكر السياسي والذي علي اساسه تنهض الامم من جاهلية السياسة وما يترتب عليها من متاجرة بحقوق الشعوب ومسؤولياتهم. عندها فقط تصبح السلطة خادما لاحتياجات البشر وليست صنما يعبد.
[/align]
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |