نشرت جريدة الشرق الاوسط مقالا بقلم الصحفية ديانا مقلد :
في اليوم الرابع على اندلاع المعارك في محيط مخيم نهر البارد في شمال لبنان استهلت قناة «الجزيرة» نشرتها المسائية بمقدمة قال فيها المذيع إن التقرير الذي سيُعرض يحوي صوراً خاصة بالقناة من داخل المخيم الفلسطيني تظهر حجم القتال ومدى «المعاناة الإنسانية» التي يعيشها سكانه.. الشريط الذي تم عرضه بعد تلك المقدمة المؤثرة حوى مشاهد لمقاتلي «فتح الإسلام» وهم يتمركزون في مواقعهم ويطلقون النيران باتجاه أهداف من الواضح أنها للجيش اللبناني.
لم تمر في الشريط أية مشاهد تعكس معاناة المدنيين الفلسطينيين بل ترك العنان للمقاتلين المتمنطقين بالأسلحة وهم يرددون بأصوات بدت متداخلة عبارات من نوع «طواغيت» و«كفرة» فيما كانوا يتبادلون المعلومات عن مواقع «إخوانهم» من المقاتلين.. مرة جديدة لا تتردد «الجزيرة» عن لعب نفس الدور الذي امتهنته في أفغانستان والعراق وفلسطين بصفتها ناطقا رسميا وفاعلا باسم الجماعات الأصولية.
بدا واضحاً أن مقاتلي «فتح الإسلام» كانوا يتعاملون مع كاميرا «صديقة» وليس مع كاميرا صحافية. سريعاً ما استحدث ذلك الخط الملتبس في العلاقة ما بين مجموعة تكفيرية تمتهن الذبح والقتل العشوائي وتفجير النفس وبين قناة تمكنت ومنذ انطلاقتها من تأجيج شعبوية إسلامية متعاظمة النفوذ. منذ اليوم الأول للمعارك في شمال لبنان انقسم الإعلام اللبناني والعربي حيال كيفية التعامل مع الحدث.
من الضحية: الجيش أم «فتح الإسلام»!
شكّلَ ذلك الانقسام حاجزاً فعلياً أمام تغطية موضوعية للأحداث. لقد حال ارتباك بعض الإعلام دون عرض فعلي وحقيقي لمأساة اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات فجرى التغاضي عن معاناة آلاف السكان المرتهنين لزمرة من المقاتلين ولقصف عنيف. بدا وكأن الحديث عن أزمة سكان المخيمات بمثابة تعاطف مع «فتح الإسلام» وتثبيط لعزيمة الجيش اللبناني.
أدركت قناة «الجزيرة» هذه المعادلة فركزت على معاناة الفلسطينيين، وهو أمر ضروري حتماً، لكن التعامل مع مأساة هؤلاء كان يقترن دوماً بميل إلى تحويلهم إلى ستار يحجب حقيقة الخطر الذي تمثله تلك الجماعة المسلحة، فجرى التغاضي عن أسباب اندلاع القتال ولم تشر القناة إلى إقدام الجماعة على ذبح عناصر الجيش وهم نيام.. الأهم أن الأخبار العاجلة ومقدمات النشرات التي تحدثت عن استمرار قصف الجيش لم تشر أبداً إلى استمرار تحصن مقاتلي «فتح الإسلام» بين المدنيين وقصفهم لقافلات الإغاثة.. تغييب معاناة الفلسطينيين المدنيين أو تجاهلها علامة سوداء في حق أي طرف أو وسيلة إعلامية لبنانية كانت أم عربية، لكن حمل لواء قتلة «فتح الإسلام» وربطهم قسراً بالمدنيين جريمة بحق المدنيين الفلسطينيين أولا قبل أن يكون جريمة في حق لبنان. دقة الموقع الذي يفترض للإعلام أن يحدده لنفسه بين ضرورة حماية المدنيين وبين عدم الانجرار وراء وهمِ «فتح الإسلام» أمر ما زال في إعلامنا العربي غير واضح، وسهولة زج الإعلام بأتون السياسة والدين والأمن ما زالت قائمة.