ماذا يمتلك الشيعة من بدائل؟

أعطى الشيعة من دمائهم الكثير ومازالوا يعطون بعد إنهيار التجربة الدكتاتورية البعثية التي كانت تجربة طائفية موجهة ضدهم إلى حد بعيد. وعلى الرغم من التفاؤل الذي اشرق في نفوس الشيعة من إمكانية استعادة حقوقهم في المواطنة والتمثيل السياسي وصناعة القرار والمشاركة في الثروات إلا أن الهجمة الإرهابية السنية أخذت أبعاداً دموية إستئصالية بشكل غير مسبوق.

وبعد دخول الشيعة في العملية السياسية رغم ما رافق هذه العملية من تضحيات وخسائر مادية وبشرية وسياسية. ورغم موافقتهم على إيجاد تمثيل لا يليق بحجم الجالية السنية في العراق. وقد مضى الشيعة إلى أبعد حدود رغم الإستهداف المروع ضدهم في تقديم تنازلات مصيرية وكبرى للجالية السنية، والبعثيين. ورغم هذه التنازلات الكبرى التي شملت الإعتراف بأنهم ثلث من ثلثين (الأكراد والسنة) رغم أن الجالية السنية لا تمثل سوى 15% . كما قدم الشيعة تنازلاً بشأن ثروتهم النفطية الهائلة على أن توزع بالتساوي، كما قدموا تنازلات بشأن التمثيل الحقيقي في الحق السياسي وصناعة القرار، وأقروا بمبدأ التوافق بدلاً من رأي الأغلبية، كما قدمت تنازلات بشأن التعامل مع البعث والبعثيين الذين تقع على أعناقهم ما حدث وما يحدث في العراق، ورغم هذا كله، ورغم الإستهداف الطائفي الدموي ضدهم والذي تمارسه نفس الواجهات السياسية السنية المتواجدة في الحكومة أو البرلمان. فإن الإستهداف الدموي استمر، واستمر معه عزف الجالية السنية على وتر التهميش والتوازن والتمثيل والطائفية. ومع كل عمل إرهابي نلاحظ زيادة مستوى المطالب والمساومة، وقبل كل عمل إرهابي تتعالى صيحات التهميش والتوازن.

سيناريو التعامل السني
مع ملاحظة أن التعامل السني موجه ضد الشيعة فقط، وبشكل أساس، فقد تحرك السفير الأمريكي السابق في العراق خليلزاد على جذب السنة وإدخالهم في العملية السنية، وقد حصل خليلزاد على وعود من قادة الجالية السنية أنهم إذا أعطوا مجالاً في العملية السياسية فإنهم سيوقفون العنف، أو يقنعون الأطراف التي يؤثرون عليها أن توقف العنف وأن تمارس الحوار بدلاً من الإرهاب. وقد فشلت هذه الإستراتيجية فشلاً ذريعاً إذ تصاعد الإرهاب السني وأخذ وتيرة أكثر دموية بعد أن تمركز قادة الجالية السنية في مواقعهم الجديدة في مناطق صناعة القرار، التنفيذ على مستوى الحكومة، وأصبحوا يديرون قطعات كبيرة من الإرهابيين والقتلة بإسم الدولة والنظام. يبدو أن السنة ماضون في مشروعهم الذي لا يرون بديلاً عنه، السيطرة على الحكم بشكل كامل وبنفس الطريقة السابقة، السيطرة على الجيش، والإعلام، والمال، والفتوى، والحركة بشكل يمارس إضطهاده ابتداءً بالشيعة إبتداءً (أنهم عملاء أمريكا وإيران) ومن ثم التحرك على الأكراد (إنفصاليون وعملاء أمريكا). إذن التنازلات والتفاهم السياسي لن يجدي نفعاً مع قادة الجالية السنية الذي لن يقنعوا بأية مشاركة، بل الإستحواذ الكامل.

من هذه المقدمة يتضح أن السنة لن يوقفوا إرهابهم الدموي، ماداموا يرون تنازلات يقدمها الجانب الشيعي لهم، ومع وجود دعم تقدمه لهم الدول السنية. وقد ذكر مثنى حارث الضاري يوم 30/5/2007 في لقاء مع قناة بغداد السنية أن أهداف استراتيجيتهم وإرهابهم هي:
انهاء العملية السياسية بشكل كامل، وإنهاء الدستور
انسحاب القوات الأمريكية من المدن إلى الأطراف
دخول قوات اسلامية محل القوات الامريكية
تشكيل حكومة جديدة تتكون من اشخاص لم يشاركوا في العملية السياسية الحالية، تتكون في أغلبها من السنة الذين يمارسون المقاومة اليوم
بعد سنتين تقام انتخابات بإشراف الأمم المتحدة، تكون نتائجها أغلبية مطلقة للسنة على مستوى البرلمان والحكومة.
انسحاب القوات الأمريكية بشكل كامل
ويتضح أن الحزب الإسلامي والحوار والتوافق يتبنون هذه الأهداف.

البدائل الشيعية
يمتلك الشيعة بدائل كثيرة يمكنهم من خلالها السيطرة على الوضع، ولجم الإرهاب السني، و إن لم يستخدموها اليوم، إلا أنه من الممكن أن تدخل حيز التطبيق إذا ما تطورت الأمور، وبقيت الجالية السنية تتحرك بشكل دموي ضدهم:

الحل السياسي
لابد للسنة والشيعة أن يفهموا أن توقف العملية السياسية وانتهائها يعني أن الجانب السني سيخسر أكثر بكثير مما سيخسره الشيعة، وسترقى خسارة الجانب السني إلى حجم الكارثة. لأسباب جيوسياسية متعددة. ويعاني السنة في مناطقهم من انعدام الموارد الإقتصادية، وتدويل الإرهاب السني في العراق وتحوله إلى أجندات سياسية تتبع نهج هذه الدولة السنية أو تلك، بالإضافة إلى تموضع القاعدة وانتشارها بالإضافة إلى البعث في النسيج الإجتماعي للجالية السنية. وهذه الأمور إضافة إلى أمور أخرى ستمنع الجالية السنية من تحقيق أية مكاسب سياسية في حال انهيار العملية السياسية، ودخول البلد في حرب أهلية معلنة بين الجالية السنية وحزب البعث من جهة والعراقيين الشيعة بمؤسساتهم وتاريخهم الثوري من جانب آخر.

إنهيار العملية السياسية سيعني أيضاً أن الجالية السنية ستحاصر من جهة الشمال بحرب أخرى قد تكون معلنة أو غير معلنة، ألا وهي حرب تركية-إيرانية-كردية.

من الممكن أن يعول السنة على دعم إرهابي ولوجستي سني عربي من مصر والسعودية وسورا والأردن ودول أخرى، لكن السؤال سيبقى كم ستتحمل هذه الدول بإمداد إرهابيين لحرب طائفية في العراق يتعلمون خلالها حروب المدن والأصولية الدينية المتطرفة؟ وهل ستتحمل هذه الدول في عودة إرهابيين سيقومون بنفس الممارسات في بلدانهم. السيناريو الأرجح سيكون تحول الجالية السنية كحطب في حرب تؤججها الدول السنية.

الحل العسكري
يمتلك الشيعة في العراق تراثاً ثورياً طويلاً وعميقاً يضرب بجذوره في التاريخ. ومن المحتمل جداً إذا ما وصلت الأمور إلى نقطة حرجة، وشعر العراقيون الشيعة أنهم سيعودون إلى عصور الإضطهاد والدكتاتورية والتهميش مرة أخرى أن يتحرك الجذر الثوري لديهم وبشكل خطير جداً قد يفاجئ الجميع، ويمتد إلى مناطق خارج العراق. هذا الإنفجار الثوري قد يخلق حالة طويلة من عدم الإستقرار في المنطقة والعالم مما يشكل تهديداً مباشراً على الإستقرار الدولي وإمدادات الطاقة.

إعلان إستقلال الوسط والجنوب
يمر العراق حالياً بحالة إنعدام وزن سياسي، ومع ضعف الحكومة المركزية وتكون كينونات مناطقية في أطراف متعددة من العراق، فإنه من السهل، بل المحتمل جداً أن يعلن العراقيون الشيعة انفصال أجزاء واسعة جداً من العراق، وتحولها إلى مناطق شيعية، وعندها لن تستطيع لا الولايات المتحدة ولا السعودية ولا باكستان إعادة هذه الكينونات إلى الإعتراف ببغداد كعاصمة لها. ستفقد بغداد أهميتها كعاصمة، وستتحول إلى ساحة اقتتال سني شيعي للسيطرة عليها. ومن المحتمل جداً أن يتم اجتياحها من الشيعة والسيطرة عليها بشكل كامل، ولن تتمكن القوات الأمريكية ولا غيرها من السيطرة على الوضع.

سلاح المرجعية والنفط
يبقى سلاح المرجعية والنفط سلاحان استراتيجيان يمكنهما أن يعيدا التوازن إلى الوضع السياسي إذا ما تم التلويح بهما.


أخيراً لن يخسر الشيعة كثيراً أكثر مما خسروه ويخسرونه إذا ما تم توجيه إنذار أخير ونهائي للجالية السنية والأمريكيين والبريطانيين والدول العربية السنية بأنهم سيوقفون العملية السياسية، وأنهم لن يقبلوا أي مساومات أو ضغط، أو المزيد من الأعمال الإرهابية. وأن أي تحرك من هذا النوع سيعني إنتهاء المسألة، والتركيز على مبدأ الأغلبية بدلاً من التوافق. ولتكن حرب أهلية معلنة بدلاً من حرب أهلية تقتل الشيعة، تتبناها الجالية السنية بصمت. كما لن يخسروا إذا أبلغوا الأطراف كلها أن السيل بلغ الزبى، وأن أية مكاسب سياسية لن تجنيها الجالية السنية مقابل أي عمل إرهابي أو تآمري يقومون به، وأن كل عمل إرهابي سيواجه بتصلب أشد من قبل العراقيين الشيعة.