من هو السيد فحص؟؟
السيد هاني فحص لايلاف:
مشروع الإسلام السياسي انكشف عند صانعيه
المقاومة الحالية في العراق فوضى مسلحة
وأخشى ان يقاتل كل حجر عراقي الحجر الاخر
الأربعاء 20 أغسطس 2003 11:23
الحوار مع سماحة السيد هاني فحص يتعدد بتعدد صور السيد نفسها.. كأنه الحاوي الذي لا تعرف ماذا يهديك من أكياسه وجيوبه ولا تعرف بأي خفة يصنع دهشة الكلام... من فانوس عباءته يخرج السياسي مصحوباً بالمفكر والفقيه.. يخرج الناقد والعارف والمثقف .. يخرج الملتزم والمشاكس والحر حتى الامتلاء.
لا يستقيم حوار مع السيد هاني فحص الا على ركني الإنفتاح والتعدد كأطروحتين حداثيتين ولا يفهم المعرفة الا تحدياً للساكن في المفاهيم وكسراً لحواجز المجهول في المستقبل... ماهر وهو يضرب بعصا كلماته ليشق بحر الاسئلة وحاذق وهو يقلب صوره على نارها.. هنا حوار معه يعبر من الفكر الى السياسة ومن السياسة الى الحياة.
السيد حسين الخميني حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية الايرانية يتبنى في الوقت الراهن إجراء استفتاء في إيران بشأن وضع حد للسلطات الدينية والسياسية المطلقة التي انتزعتها المرجعية الدينية في إيران وهو يلتقي بذلك مع افكار مماثلة يحملها رجال دين شيعة من الجيل الجديد في العراق من امثال السيد اياد جمال الدين وقبله الخوءئي الذي ربما اودت به مواقفه الليبرالية الى الموت... وبدأنا نسمع كثيرا بفصل المسجد عن الدولة وتحرير الدين الذي خطف منذ 14 قرنا على أيدي نظام الدولة... كيف تراقب هذه المتغيرات سماحة السيد؟
ليس هناك ضرورة للمرور بالأسماء التي ذكرتها، لأن القضية مطروحة لأكثر من كونها ردة فعل محلية على ضد سلطة حاكمة في ايران، لا سيما أن صديقنا حسين الخميني تلابس مواقفه بعض ما يسمى بصراع "البيوتات الدينية"، فخؤلته مؤثرة به اذ ان جده السيد عبد الكريم الحائري خريج النجف ومؤسس حوزة قم في فترة الثورة الدستورية كان آنذاك بعيداً عن فكرة الدولة، ودخل السيد حسين الخميني من الاساس في نطاق الجو المعارض، هذا ليس ادانة لكلام السيد الخميني ولكن بتقديري هذا ادخال لعنصر شديد الخصوصية في مجريات الصراع في ايران، والطرح بهذا الشكل من الممكن ان يؤذي الاصلاح والاصلاحيين....
.. سماحة السيد دعنا نتجاوز الاسماء وندخل في عمق الفكرة المطروحة القائلة بفصل المسجد عن الدولة.
هذه المسألة مطروحة الان والتجربة الايرانية شجعتنا على طرحها أكثر، بل إن المسألة مطروحة منذ الثورة الدستورية ويوجد تأسيس في هذا السياق لاحد كبار المراجع وهو السيد النائيني في كتابه "تنزيه الملة" الذي اسس وأصًل رؤية دولة مدنية حديثة تحترم الدين وتقوم على اساس الديمقراطية والمؤسسات وفصل السلطات. المسألة ليست جديدة اذا ويمكن ان تكون قد نضجت اكثر بفعل وتأثير الظروف الحالية. نعم هذا اتجاه عام حتى في العراق واعني بذلك اتجاه المرجعية الشيعية... المرجعية لا تقولها بهذا التبسيط فهي تقول نريد دولة ديمقراطية منتخبة وتقوم بفتح الديمقراطية على آخر غاياتها المنطقية، حتى السيد محمد باقر الحكيم المحسوب على ايران، وصل الى النجف في العراق وقال بوضوح " مشروعنا ليس مشروع دولة دينية ولكن نشترط عليها ان تحترم الاسلام كثقافة وعلائق وقيم ... الخ بقية المراجع كانت في هذا الجانب وهذا هو عموما اتجاه حوزة النجف، حتى حزب الدعوة الذي نشأ على معادلة مختلفة غيرخطابه منذ فترة طويلة نسبياً وسحب شعار الدولة الاسلامية. على المستوى الشخصي وصلت الى قناعة راسخة بعد قراءة التجربة الايرانية تفيد بضرورة فصل الدين عن السياسة والتمييز بين الدين والسياسة لانهما حقلان معرفيان وعمليان متمايزان بآليتهما ومنهجيتهما دون ان يكون هناك مانع من تكاملهما عند نهاية ما. وهناك ملاحظة في غاية الاهمية تتصل بدور الفقيه، فليس على الفقيه ان يصف شكل الدولة بل إن دوره هو الحث على العدل و والاحتجاج والاعتراض والتحريض ضد الجور.
الاعلام الغربي يركز كثيرا على الاسماء الليبرالية الصاعدة بين رجال الدين الشيعة تحديدأ، على قاعدة تفيد أنه إذا ما أراد الغرب تجنب خوض حروب الجيوش مع الإسلام، فلا بد من وجود حرب أفكار في إطار الإسلام ... هل تعتقد بأن الامر يشكل بوجه من الوجوه بداية نهاية الاوتوقراطية الدينية الشيعية التي نجحت في تاسيس اول نظام سياسي في العالم الحديث يحكمه رجال الدين مباشرة؟
هناك قناعة راسخة اليوم بأن الاسلام وصف مجتمع ولم يصف دولة وتعامل مع الدولة كضرورة اجتماع تقدر بظروفها ... اذا يمكن تكييف الدولة الحديثة على اساس انها ضرورة مرحلية ويمكن لها أن تكون مصداقاً للدولة الاسلامية ويكون الاسلام حينها مضمونها الثقافي والقانوني العام ولكن آلية تشكيلها، كدولة ومؤسسات، ومصدر شرعيتها هي الشورى في مرحلة ديمقراطية عبر الية الانتخاب وحكم الاكثرية ومن ثم مؤسسات وفصل سلطات ومرجعلات محاسبة .. ومن هنا تنبع اشكالية ولاية الفقيه في الدولة الايرانية ... لا يجب لشيء ان يلغي الديمقراطية واردد مع صوت الامام الخميني قوله نريد انتخابات حتى تحت قصف المدافع... ولو راى الامام الخميني ما يحصل الان لاصابه العجب واخذته الدهشة، دون ام يعني كلامي ادانة لاحد لا سيما التيار المحافظ الذي قدم عملياً الكثير من الانجازات، رغم اخطائه المميتة..
عذرا سماحة السيد على المقاطعة ولكن الواقع الايراني اليوم والواقع العالمي المؤثر في ايران يشير الى ان المسألة تجاوزت هذه القسمة المعهودة بين محافظين واصلاحيين وما قاله السيد حسين الخميني عن أنه لن يعارض تدخل اميركي لتغير النظام اذا اصر النظام على عدم اجراء استفتاء حول المشروعية والاصلاح يفرغ هذا التقسيم من راهنيته ويشير الى ان الواقع تجاوز الخاتمية نفسها....
أولا دعني اقول لك ان كلام السيد حسين الخميني يتوافق مع مزاج ايراني كاسح، وليس لهذا ان يعني بالضرورة ان للسيد الخميني تمثيل كاسح في ايران، فهو صوت يحاول ان يتناغم مع هذه الحالة الايرانية العامة لكن علينا ان نلاحظ ان كلام السيد الخميني مسبوق بصيغة مركبة وحضارية للاشكالية نفسها عبر المذكرة التي رفعها المثقفون الايرانيون الى السيد علي خامنئي .. هذه المذكرة اسست لمعادلة بالغة الاهمية والدقة وعنوانها "حريات واصلاح أو تهاون اضطراري بالاستقلال" .. هذا كلام منهجي لا يصب مياها في الطواحين الاميركية لكنه ببساطة "اعطونا حريات والا لن نستطيع فعل شيء اذا جاء الاميركيون"... وبهذا المعنى يبدو لي تصعيد السيد الخميني مختلف ... الوثيقة وصفت الحالة وحددت المخاطر اما السيد الخميني فيذهب الى مكان آخر .. يذهب الى فرضية الديمقراطية الاميركية وهذا كلام غير صحيح ... فالحاصل اليوم في العراق، رغم انني من المرحبين بمجلس الحكم الانتقالي، يمكن اي ديكتاتور عربي من الوقوف بوجه الاميركيين والقول لهم انا ديمقراطي اكثر منكم من تونس الى ليبيا مروراً بمصر وصولا الى كل الديكتاتوريات الاخرى ... اذاً السيد حسين الخميني يصل الى حد التبشير بالنموذج الاميركي الحالي وهذا خطير...
اذا هذه وثيقة ترفد الرأي القائل ببداية نهاية الدولة الاوتوقراطية الدينية في ايران؟
بل أكثر من ذلك، انا ارى انه ان لم تنجح التجربة الاصلاحية في ايران، واخشى ذلك بالفعل، فالمستقبل سيكون اسود بمعنى مزيد من مركزية الدولة في ايران ومزيد من بعد الناس عن الدين واذا نجح الاصلاحيون من دون ان يكون لديهم مشروع ، وحتى الان لم يظهر هذا المشروع، فسنصل الى نتيجة مماثلة لان الحالة الشبابية التي اعتذر منها الرئيس محمد خاتمي بدأت تتجاوز التجربة الاصلاحية الخاتمية نفسها وغياب المشروع الواضح قد يضعها في تعارض مع اصل المسألة وهذا خطير...
سماحة السيد اسمح لي بتقديم مدخل آخر لنقاش هذه اللحظة الاسلامية. هناك اكتمال مهم حصل بين لحظتين زمنيتين لفت اليه بعض المراقبين وهو أن حفيدي المؤسسين الاهم في القرن العشرين للاسلام الاصولي السني والشيعي يتخليان فكرياً عن هذا التيار ويدعوان - كمسلمين - الى تبني الديموقراطية الغربية وهما السيد حسين الخميني وطارق رمضان حفيد حسن البنا (كلامه يعود الى منتصف التسعينات) مؤسس حركة الاخوان المسلمين... كأن هذه الرمزية تشير الى بدء "النهاية الفكرية" لموجة الاسلام الاصولي بشقيه...
أولا دعني اتحدث اليك بعفوية ... نحن لسنا ملزمين بقبول الوراثة .. لا وراثة حفيد البنا للبنا ولا حفيد الخميني للخميني أما بخصوص اصل السؤال عن الالتقاء بين خطابي الرجلين فالامر يعني وبوضوح ان مشروع الاسلام السياسي وصل الى نهايته ومعن ذلك ان انكشف عند صانعيه الذين احترمهم واحبهم كبير الاحترام والحب... وهذا معناه ان الحل هو الدولة الحديثة المدنية التي لا دين لها بالمعنى الايجابي للكلمة وبعبارة شـعبية
"دولة تحل عن الدين"... اذا دولة ديمقراطية تقوم على شرط الحرية وشرط التعدد كأطروحة حضارية... وتقوم على اساس ان الخلاص الاخروي فردي والدولة مجموعة افراد وليس جماعات ... فالخلاص في الدنيا والاخرة فردي لان الحرية شرط الخلاص ولا خلاص بالجماعة... حتى دينياً لا توجد فرقة ناجية فهذه الفرقة تتجمع في نهاية الامر من مجموعة فرق اذ ان كل فرقة اسلامية تحوي ناجين، ومجموع هؤلاء الناجين واعني بهم الاتقياء المعاصرين الذين لا يسقطون الايديولوجيا على الواقع بل يصححون الايديولوجيا بالواقع ، مجموعهم يشكل الفرقة الناجية.... اذا الحل بدولة حداثية ليبرالية تحترم الخصوصيات ولا تمنع الاندماج بالعام، فثنائية الشرق والغرب ستنتهي .. هناك مساحة من المشتركات آخذة في التوسع ولا يعني القبول بابقاء هذا التعارض حادا الا قبولا بتعطيل مشاركتنا بما يحدث في العالم ، فالعولمة ستفككنا ان لم ننجح في إبتداع أطروحة مشتركة تمكننا من الاستفادة من محاسن العولمة.. واعتقد بأن المستقبل بانتظارنا كمعتدلين ونحن من سيصل الى التاريخ .. يستطيع اي انسان ان يكون في اي لحظة متطرفاً وان يستدعي الماضي ليلغي الحاضر والمستقبل.. هذا سهل لأن الماضي جاهز ومنجز اما المستقبل فصعب ومحاط بالاسئلة والاشكاليات ومن يتعاطى الصعوبة هو يؤسس ... الشمولية الاسلامية بلغت منتهاها وهي الان تحاول التعبير عن نفسها هنا او هناك في لحظة سقوط التعميمات والاطلاقات وفي لحظة سقوط الراديكاليات والشموليات ... الحل بالتعدد وقبول الاخر.
بقدر ما يدعو كلامك للتفاؤل يدعوني شخصيا للتشاؤم .. كأننا نبتدء القرن الواحد والعشرين بتجارب بدأت مطلع القرن المنصرم لا سيما مع عودة الحديث عن فصل الدين عن الدولة والفريدة والتعدد ... كأن الامر يمثل رجع صدى لاصوات محمد عبده والافغاني والازهري وطه حسين... اذا كان الامر كذلك وهو الارجح ، هل بددنا قرناً من اللا شيء؟
نعم نعم نعم .. هذه هي مشكلتنا ... نحن لم نجب على اسئلة عصر النهضة .. الان يجب علينا ان نعد انفسنا للاجابة عن اسئلة عصر النهضة واضافة اسئلة اخرى لها حول فلسفة الدين وعلم الكلام الجديد، حول الفقه والفقيه والفرق الاسلامية وحول المنجز العقيدي ... وعلينا ان نسأل هل هذا الاطار الفكري الذي نؤمن به منجز تاسيسي ام منجز تاريخي ... ثم كيف نصالح النص الديني مع المستجد المعرفي الحياتي؟ وكيف نصالح العلم الديني مع العلم المدني ونبتدع قنوات وآليات تفاعلهما لان فصل العلم الديني عن العلم المدني هو فصل للعلم الديني عن الحياة وتحويل الفقه الى ايديولوجيا واسطورة من خلال تثبيت المتغير في المفاهيم الساكنة...
بعيداً عن المقاربة الفكرية كنت من رجال الدين الشيعة البارزين الذين اعتبروا اقفال باب النجف بوجه بول بريمر اقفالا للباب بوجه الفاعلية الشيعية في الشأن العراقي وتعطيلاً للدور الشيعي في تشكيل مستقبل العراق أرجو منك اعادة تلخيص هذا الموقف؟
المرجعية تفهمت هذا الكلام وهي تصغي بحكمة... أعتقد بأن على المرجعية الشيعية في العراق أن تزيد جرعة اقدامها وعليها ان تنجز اسرع تفكير سياسي مركب لأن التفكير السياسي المبسط يتحول بدوره الى ايديولوجيا ايضاً.. هناك مستعمر الان في العراق والعلاقة مع المستعمر تقوم برأي على الوصل والقطع في الان نفسه، لا على القطع الكامل او الوصل الكامل... اعتقد بأن النجف كمرجعية تقوم بواجبها ولكنها تواجه مشكلة رئيسية تتصل بالطاقات وعليك ان تأخذ بعين الاعتبار ان المرجعية ليست المرجع بشخصه وانما دورة مرجعية كاملة ... الحاصل اليوم أن النجف بهذا المعنى انتهت.. فعلماء الدرجة الثانية الذين هم حركة المرجعية اليومية باتوا يعدون على الاصابع .. أما البقية الباقية فطلبة في بدايات تحصيلهم ولا يشكلون بديلاً عملياً يرفد حكية النجف بالطاقة المطلوبة.
الشيخ الكبيسي يلتقي مع فكرة عدم الدعوة الى المقاومة وهو يمثل صوتا سنيا راجحاً ، اذا هناك التقاء بين مرجعيات السنة والشيعة على التريث وضبط النفس مع ذلك تنمو الاعمال العسكرية ضد الاميركيين كأن التربة العراقية تصلح في الوقت الراهن للعنف أكثر من صلاحها للعقل والسياسة؟
العراق مزروع بالعنف .. العنف مزروع في خلايا الفرد والاجتماع العراقيين كما ان هناك ارادة ثأرية متمكنة... ما يريحني في موقف الشيخ الكبيسي انهه يوضح التباس مرافق للنظرة الى اللوحة السياسية العراقية وهو التباس مفاده ان الشيعة ظلموا وقهروا من قبل نظام سني... هذا التباس تجدر ازالته، فالسنة ذاقوا ما ذاقه الشيعة لكن القسوة تظهر اكثر في حالة الشيعة لأنها أوسع ومتراكمة تاريخياً .. في الوسط السني استطاع النظام ان يلابس نفسه بالسنة لكن هذه صورة خادعة وتعميم غير جائز .. هذا لا يعني بالطبع انتفاء الثنائية السنية الشيعية.. ومهنا ربما يجب الاضاءة على ان جزء من الموقف الرسمي العربي يرتكز في خلفيته العميقة على حسابات من هذا النوع (سني وشيعي) ... لكن السعودية تعرف أن الواقع غير ذلك ومصر صرحت بكلام قبل سقوط النظام يختلف مع سلوكها الحالي.... لا يجوز التعامل مع العراق على اساس ان هناك استئثار شيعي، ولافترض جدلا بأن هناك استئثار، فالمسؤولية العربية هي الذهاب الى العراق وحل هذه المشكلة كي لا تتحول الوطنية العراقية الى عصبية عراقية شوفينية ... يجب ان نضمن بعضنا بعضاً للاقلاع باتجاه تصحيح هذه المسارات.... وبالعودة للحديث عن المقاومة فأنا ارى انه لا يجوز الدخول في هذه الفوضى العسكرية المسماة مقاومة، اذا اردنا ان نقاوم فيجب ان نختار اللحظة المناسبة لذلك على ان تكون المقاومة مشروع مركب ومشروع تعددي مدروس لا يلقينا في الفوضى.... اما اللحظة المناسبة فتقترب وتبتعد بقدر ما يبدي الاميركيون من حكمة أو يرتكبون من حماقات... وحتى اللحظة فان نسبة الحماقات الاميركية زادت واعطت لبعض الاصوات هذا الزخم الذي تراه....
.. ولكن السيد السيستاني قال مؤخرا بأن صبر المرجعية بدأ بالنفاد وربما يضطر الى اصدار فتوى تدعم المقاومة تحت ضغط مطالب لاجمهور الشيعي ؟
صوت السيد السيستاني ليس منفرداً عن الحالة العامة ... في بعض الاحيان تسبق الحالية الشعبية عمليا الموقف القيادي رغم ان هذا الاخير يكون سابق عليها نظرياً .... ما يحدث ان الموقف القيادي لا يتركب الا عندما تتبلور الحالة الاجماعية ليكون له حجة وذريعة.... السيد السيستاني يعلاف تماماً ما يحدث والتقط حساسية الشارع وربما يشتم من موقفه وعد بالمقاومة ولكنه وعد كما قلت مرهون بظروفه وبتوقيته ومشروع المقاومة السياسي ... على المستوى الشخصي انا لست متحمس لفكرة المقاومة لأنها قد تؤدي الى انفجار الوضع بشكل لا يمكن الامساك به واخشى حينها ان يقاتل كل حجر عراقي الحجر الاخر..
في ظل هذا الواقع الا يمكن ان تكون الانتخابات وبالاً على العراقيين؟ اعني ان الديمقراطية سياق طويل وتجربة معقدة تتصل بالافكار والمؤسسات والتعليم وحقوق المرأة و حزمة طويلة من القيم، والانتخابات لا تشكل في هذا المسار الا الية تقنية لا يجوز الاقتصار عليها للقول بأن الديمقراطية تحققت أو ان تكون الانتخابات هي شرط الانجاز في العراق هذا ربما تعميم لن يؤدِ الا الى ايذاء التجربة العراقية الجنينية ؟
هذا كلام جميل جداً .. نحن نريد الان دستور عراقي وانت تعرف ان الية وضع الدستور تختلف عن الية استمراره وهي غير الية تعديله ايضاً فمعيارية الدستور ليست بواضعه. طبعا علينا انتقاء الاصلح للمشاركة بوضعه ثم تعود المؤسسات العراقية لاحقاً باعادة تشكيله تبعاً لسيلقات وحاجات معينة وتبعا لاحتكاكها بمتطلبات الاجتماع العراقي.... اما الانتخابات الان فتخيفني جداً.. انا ادعو لأن تكون الانتخابات إحدى المحطات الرئيسية في اعادة تكوين العراق ولكن لاحقاً ... من يطالب بالانتخابات اليوم جدياً لا يرى فعلا الواقع العراقي .... كلامي هذا لايصطدم مع المرجعية فالمرجعية ترفع شروطها احيانا لتحقيق المبدأ في النهاية.
بعد الحادي عشر من سبتمبر بدا واضحا بالنسبة للإدارة الاميركية ان الخطر الرئيسي الذي يهدد مصالح الولايات المتحدة يأتي من جانب الاسلام السني وتحديداً من نسخته الوهابية، وعليه ثمة من يرى في كل من البنتاغون ووزارة الخارجية ان تتحول الولايات المتحدة الى التحالف مع الشيعة، وهي تجربة اذا ما نجحت يرى هؤلاء بأنها ستسهل حصار ايران وضمنا الجبهة اللبنانية السورية. كيف تتناول هذه القراءة؟
لا يجوز الوقوع في هذ الفخ الاميركي لان الواقع ضده... أنا لست خياليا لاقبل مثل هذه الفرضية.. الكتلة البشرية الغالبة والساحقة عربياً واسلامياً هي كتلة سنية.. النظام العربي والاسلامي سني ... الثروة العربية والاسلامية سنية، فكيف سيبني الاميركي تحالفه مع الشيعة وعلى اي اساس. هذه نظرية دافها الخوف من الاسلام السياسي السني كونه أكثر انفصالا عن سويته الاجتماعية وعن كتلته البشرية وسبب ذلك غياب المرجعية
وطغيان المزاج بينما في الوسط الشيعي يعتقد الاميركي ان الاجتهاد والمرجعية يشكلان ضمانة ما... لكن اصحاب هذه النظرية لا يفطنون الى ان الاجتهاد والمرجعية ربما تكون اخطر لان المرجعية قد تكون معك في لحظة ما لأن المعايير والادلة تؤدي الى هذه النتيجة لكنه سرعان ما يختلف معك عندما تتغير هذه الادلة والمعايير... اعتقد ان هذه المقاربة الاميركية تهدف الى النيل من الاسلام نفسه ... فبعد الحادي عشر من سبتمبر وضع الشعار القائل بأن المسؤول عن ما يحصل هو الثقافة الاسلامية...
ولكن هذا صحيح الى حد ما ولا اقول بأن الاسلام هو المسؤول وانما جزء كبير من مسؤولية ما يحدث يقع على عاتق الفهم المعاصر للاسلام كمعطى سياسي وايديولوجي.
ربما يكون جزء من هذا الكلام صحيح ولكن هذا نقد من واجبي انا ان امارسه لا ان يصاغ على شكل اتهامات ينطلق منها نحو تنفيذ أجندة اخرى بعناوبن واستهدافات أخرى. ... وأنا اقول اكثر من ذلك إن التقريب بين المسلمين لتجاوز العصاب المذهبي لا يجب ان يترك في ايدي الحركة الاسلامية السياسية وحدها شيعية كانت او سنية لان هذه الحركات مستقطبة بالعنف وبرفض الاخر، فعندما يتحول الاسلامي الى حزب تصبح حركة طالبان نموذجه ومثاله.. خذ "حزب الله" مثلا .. عندما يتخلى هذا الحزب عن اسلاميته بالمعنى السياسي سيتحول الى حزب ليبرالي وسيصبح حينها اسلامي بشكل افضل. هذه اشكاليات مطروحة علينا وواجبنا البحث داخل معرفتنا الاسلامية عن المسارات الواجب تغييرها واعادة بناء ثقافتنا واقول لك بأ، هناك عمل عمل حقيقي في هذا المجال وان كان عملا لا يظهر الى العلن وهذا تيار يقوى ولن يستطيع احد ايقافه، وبرأي ان سفينة تجديد المعرفة بالاسلام اقلعت وتحديث المشروع الاسلامي اقلع واساسه الاعتراف بالاخر والخروج من الايديولوجيا الى المعرفة.
تكاثرت في الاونة الاخيرة اعمال التخريب ضد المصالح النفطية العراقية، هل ثمة حرمة دينية في هذا السلوك؟
بالطبع هناك حرمة، الشرع لا يجيز القيام بتفجير انابيب النفط لأن هذا النفط ملكية عامة وهو كما الملكية الخاصة أمر محاط بقداسة خاصة ويسري عليه فقهيا ما يسري على العرض والدم ... اعمال التفجير التي تحصل ضد انابيب النفط محرمة شرعاً ... هذا امر يقع ضمن نطاق عمل الفقه ولولا هذه المساحات الثلاث (المال والعرض والدم) لا يوجد عمل للفقه ... فإذهب واعبد الله كما شئت لكن هذه العبادة يجب ان تصب هنا... في الحياة.. ما حصل اعتداء والشرع لا يجيز ذلك"
حاوره نديم قطيش