أميركا تحقق في مَن هو وراء فتح الاسلام
Gmt 300 2007 الإثنين 4 يونيو
النهار اللبنانية
--------------------------------------------------------------------------------
سركيس نعوم
أثار اعتداء منظمة "فتح الاسلام" الفلسطينية ظاهراً والأممية الأصولية الاسلامية فعلاً على الجيش اللبناني فجر العشرين من أيار الماضي في طرابلس والكورة ومحيط مخيم نهر البارد الفلسطيني في عكار، قلق الادارة الاميركية وغالبية المجتمعين العربي والدولي. ودفع المختصين والمعنيين في الادارة المذكورة الى البحث والتقصي للوقوف على حقيقة ما جرى في ذلك اليوم وكذلك لمعرفة منشأ هذه المنظمة والنبع الذي تشرب منه والجهات الاقليمية والدولية التي توفر لها المؤن والدعم سياسياً ومالياً وتسليحاً. وتضاعف القلق المذكور عندما اظهر قادة "فتح الاسلام" وافرادها تشدداً كبيراً تمثّل في رفض تسليم المسؤولين فيها عن قتل العسكريين اللبنانيين الى السلطات اللبنانية وعلى ابقاء مخيم نهر البارد بأهله وسكانه رهينة في أيديهم والتمسك بأجندتها التي تتضمن على ما بدا من بعض التحقيقات مع اعضاء فيها اوقفوا، ضرب الاستقرار في البلاد وجرها الى نوع من الفوضى الأمنية والسياسية وربما الى حرب أهلية وتحديداً مذهبية. وتضاعف القلق ايضاً عندما امتنعت في البداية المنظمات الفلسطينية الموجودة في لبنان سواء التابعة لمنظمة التحرير او الموجودة خارجها عن اعطاء الجيش اللبناني تغطية فعلية تمكنه من استئصال الظاهرة الارهابية التي تمثلها "فتح الاسلام" رغم ادانتها اياها ودعوتها الى اجتثاثها. وعندما تحدث بعضها ولا يزال عن حل سلمي للمشكلة يبدأ بحوار لا ينتهي الأمر الذي يكرّس بقاء هذه الظاهرة الارهابية ويستنزف الجيش مبدأ وسمعة وعسكراً ويضع البلاد أمام تطورات لا يمكن ان تكون الا على حساب وحدتها وأمنها واستقرارها.
ماذا كانت نتائج البحث والتقصي التي قامت بها "إدارات" مختصة داخل الادارة الاميركية الحاكمة؟ وهل توصلت الى استنتاجات وخلاصات نهائية حول الجهات الداعمة لـ"فتح الاسلام" وحول دور ما لسوريا في صنعها او في تحريضها أو استعمالها كما تقول جهات لبنانية كثيرة؟
ما توصلت اليه هذه "الادارات" استناداً الى مصادر ديبلوماسية غربية مطلعة بعضها اميركي يشير الى الآتي:
1 - لا يزال من السابق لأوانه التوصل الى خلاصات نهائية او استنتاجات ثابتة وقوية حيال كل ما يتعلق بنشأة "فتح الاسلام" وهويتها الفعلية وهوية مموليها وداعميها ومستعمليها والأهداف التي رمت الى تحقيقها من خلال تسللها الى لبنان وامساكها بمخيم نهر البارد وتوزيعها عناصرها على مناطق سكنية معينة في مناطق لبنانية عدة وفي مخيمات فلسطينية أخرى.
2 – هل تكون سوريا بشار الأسد وراء "فتح الاسلام"؟ وهل تكون هذه السوريا من خلال دعمها هذه المنظمة وارسالها الى لبنان "ترد الرجل" الى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بسبب اقدامه على الطلب من مجلس الأمن اصدار المحكمة ذات الطابع الدولي بقرار ملزم؟ ان هذين الاحتمالين لا يبدوان منطقيين. أولاً لأن النظام السوري سواء في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد او في عهد ابنه بشار اراد دائماً السيطرة على مخيم نهر البارد الواقع شمال لبنان لأنه قريب جداً من أكبر مدينتين سنيتين في سوريا هما حمص وحماه. وثانياً لأنه لم ينسَ بعد ان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات استعمل هذا المخيم ومعه مدينة طرابلس لدعم الاسلاميين الاصوليين السنة في المدينتين المذكورتين الأمر الذي مكنهم من الانتفاض على النظام في بلادهم وتشكيل خطر كبير عليه ما كان التخلّص منه ممكناً من دون استعمال مفرط للقوة العسكرية.
3 – قام وزير الداخلية السوري السابق "المنتحر" اللواء غازي كنعان بدور مهم في اخماد انتفاضة حماه وفي ضرب اصوليي طرابلس اللبنانية فضلاً عن انه مارس دوراً مهماً في "اقناع" حكومة لبنان بالتصدي لاصوليي الضنية قبل سنوات.
4 – ليس منطقياً ان يقيم النظام السوري قوة اسلامية اصولية على حدوده مع لبنان وقريبة من حماه وحمص. الا اذا كان هدفه من ارسال افرادها او تسهيل ارسالهم الى لبنان اخراجهم من بلاده والتخلص من خطرهم. وهذا ما فعله النظام نفسه عندما ارسل اسلاميين اصوليين الى العراق من ابناء بلاده كما من دول اخرى أي تخلص منهم ومن خطرهم. الا ان ذلك وحده لا يكفي اذ ربما يكون حصل اتفاق بين النظام وهؤلاء ممثلين بـ"فتح الاسلام" يقضي بدعمه اياهم في لبنان وربما خارجه شرط ان لا ينشطوا داخل سوريا سواء بدعم الاصوليين الموجودين او بتجنيدهم في منظمتهم أو بتسليحهم.
5 – كانت سياسة النظام السوري وخصوصاً أيام الرئيس الراحل حافظ الاسد تقضي بتنظيف المنطقة الواقعة بين منطقة الفئة اللبنانية التي تنتمي الى النظام السوري والمنطقة المسيحية ومن ثم السيطرة عليها ولو توصلت اميركا الى تفاهم معه لكان ذلك حصل.
6 – يعتقد القادة والزعماء العرب انهم قادرون على استخدام الاصوليين الاسلاميين من أجل تحقيق اهدافهم ومصالحهم. لكنهم يكتشفون لاحقاً واحياناً في سرعة انهم عاجزون عن ضبطهم وخصوصاً عندما ينمو عددهم ويتوسع انتشارهم وتالياً عندما يبدأون العمل لمصلحتهم اي للوصول الى السلطة أو ممارستها في أماكن وجودهم (اماراتهم).
7 – تعرف واشنطن منذ مدة ان الاجهزة الامنية اللبنانية لم تعد بالكفاية التي كانت عليها. ولو لم تكن كذلك لكانت علمت بما خططته منظمة "فتح الاسلام". وتعرف ايضاً ان مخابرات "حزب الله" اقوى من المخابرات اللبنانية.
8 – يبدو الجيش اللبناني جاهزاً. اذ بخلاف عام 1975 فان السنة اللبنانيين يدعمون الجيش اليوم وكذلك يفعل معظم الطوائف الأخرى. أما توسع الاشتباك الشمالي وانتقاله الى مناطق اخرى واستهدافه القوات الدولية مباشرة فانه لا يمكن ان يحصل اذا لم يقرر "حزب الله" الاقوى عسكرياً ومخابراتياً ذلك.
9 – ان ما يزعج البعض في اشنطن حالياً هو ان ما يجري في شمال لبنان يشبه الى حد ما يجري في قطاع غزة. فهل ذلك مصادفة أم أكثر من ذلك؟
ماذا يعني كل ذلك؟
يعني انه لا يزال من المبكر في نظر واشنطن استخلاص نتائج نهائية من الذي يجري في لبنان الشمالي، وانه لا بد من الانتظار قليلاً لمعرفة ماذا يجري ولماذا جرى. ولكنه يعني ايضاً ان ادارة الرئيس جورج بوش قلقة وتتابع الموضوع بكل تطوراته اللبنانية عن كثب ولن تدع الارهابيين ينتصرون أو على الأقل يسجلون نقاطاً في مرمى دولة لبنان.