تسائل الملك عبد الله بن عبد العزيز متعجبا عن السبب في أن جهود بلاده لحل المشاكل في فلسطين و لبنان جاءت بنتائج عكسية ، و المدقق في المشهد العربي الآن لا يحتاج سوى أن يعمل عقله قليلا ليدرك أن الوهابية السعودية نفسها لم تكن بعيدة كثيرا عن المنبع المسموم ،هناك أيضا ما سيلاحظه .. التردي الغير مسبوق الذي يميز المشهد السياسي ،و أن العرب يمرون بالفعل كما سبق أن طرحنا بواحدة من أخطر نقاط الانقلاب Tipping Points في التاريخ العربي المعاصر إن لم يكن أخطرها جميعا .
في المشهد العراقي سنجد أن أي تقدم يمكن احرازه سرعان ما تلتهمه مأساة جديدة تعيد الموقف إلى نقطة الصفر ، فلم تمض سوى أسابيع قليلة على مؤتمري شرم الشيخ حتى أعاد التكفيريون تدمير مرقدي الإمامين الهادي و العسكري - رغم أن أي منهما لم يدخل سامراء على دبابة أمريكية -لتستعر الفتن الطائفية من جديد ، و يستمر الشعب العراقي أسير المرجعيات الدينية الشيعية و السنية والتي لا يربطها شيء بالواقع ، أما في لبنان فالمشهد غاية في الغرابة و المأساة ، رئيس مفتقد الشرعية مستمر في الحكم بصفاقة غير مفهومة بل و يهدد بالإستمرار في الحكم لفترات جديدة ، و حكومة الأغلبية قليلة الحيلة تستمد كل قوتها من الدعم الخارجي و ليس من أغلبيتها الكيسحة ، وهناك معارضة شيعية في معظمها و موالية لإيران كلية تنتظر حتى تقوم سوريا باستكمال إغتيال العدد المناسب من الوزراء و أعضاء المجلس النيابي حتى تفقد قوى 14 آذار أغلبيتها ، و أخيرا ظهرت جماعات مشبوهة في مخيمات الفلسطينيين من نوعية «فتح الإسلام» و« جند الشام» واقتتالها مع الجيش اللبناني ، الذي لم يفلح رغم طول الفترة في فرض القانون و الشرعية على الأرض ،و أخيرا استمرار مسلسل الإغتيالات السوري باغتيال النائب وليد عيدو ، بينما يقف العالم فاقد الحيلة أمام العبث السوري بمصير شعب صغير مجاور . أما قمة المهزلة فهو ما يفعله الفلسطينيون أو بعضهم بأنفسهم و بالعرب ، فلم يمض وقت طويل بعد اتفاق مكة بين فتح وحماس وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية ، حتى قام إخوان فلسطين ( حماس) و بفتوى من أصولي مصري ( محمد سليم العوا ) بتحرير غزة ليس من الإسرائيلين بل من الفلسطينيين الموالين لفتح بعد تصفية قيادات شهداء الاقصى، وكم هو هزلي و رقيع ذلك المشهد الذي يسجد فيه المنتصر لله شاكرا أن أهداهم فتحا جديدا لا يقل عن نصر بدر و فتح مكة ، بينما جثث إخوانهم من فتح في خلفية المشهد لا تجد من يدفنها ، يبقى أن نعرف أن المتحدث الرسمي باسم حماس سامي أبو زهري ، قد عاد منذ أسابيع قليلة من السودان حيث كان على رأس مجموعة كبيرة من ضباط حماس تم تدريبها في السودان بواسطة الحرس الثوري الإيراني ! ،في هذا الموقف لم يجد المثقفون الفلسطينيون ما يفعلونه سوى أن يذوبوا ألما و يتباكون أن صار في غزة لكل عصابة نبي و لكل صحابي ميليشيا .
لم يكن ما جرى في العراق ولبنان وفلسطين استثناء ، فكانت هناك مشاهد مماثلة في الصومال والسودان، وأما في مصر فقد تواترت الإحتقانات و التصدمات الطائفية بشكل يدعو للريبة على الأقل ، هل هناك إذا ما يجمع كل عناصر المشهد العربي اليوم أم تلك جميعا حوادث منعزلة بلا رابط .؟..
يستطيع المدقق أن يكتشف رابط واضح بين كل تلك الحوادث ،و ان هناك أيادي و مشاريع ليست خفية بحال تسوق المنطقة سوقا لنهايتها الفاجعة ، نعم أصبحت المنطقة كلها تقع في منخفض أصولي إسلامي بالغ العنف و البدائية و التردي ، و أن نموذج الدولة الحديثة يخلي موقعه للنموذج الميليشياوي حيث الملثم حامل الكلاشينكوف و المنقبة حاملة المصحف ، مصاحبا ذلك كله أموال كثيفة تنهمر على رؤوس الفتنة و دعايات مستمرة مكلفة تدعمهم كنموذج إسلامي وحيد .
هناك من يرى و نحن معه أننا لم نبلغ النهاية بعد بل نحن حتى لسنا في نهاية البداية بل في بداية البداية ، إن التعبئة و التمويل و التحضير و التخطيط الذي نشاهده الآن يؤكد أنه لا يستهدف شيئا محدودا في المدى المنظور و لكنه يكفي لعشرات المعارك العبثية المدمرة و لعقود طويلة ، لم يعد هناك فريق يرى الآخر أقل من خائن و عميل و كافر ، ولم تعد هناك خلافات بين فرقاء أو غرماء سياسين ، بل هناك عداوات و أحقاد و إحن تكفي البشرية كلها ، و لا يستهدف احد أقل من تصفية الآخرين و سحلهم في الشوارع أو إلقائهم من الأدوار العليا كما فعل صحابة حماس الأبرار .