إلى ماذا يسعون.. وعلى ماذا يراهنون..؟
صالح القلاب

يرفض العرب ارسال قوات الى العراق خوفا من اضفاء الشرعية على الاحتلال الاميركي ويرفض معظم العرب، والآخرون صامتون، التعاطي مع مجلس الحكم الانتقالي، ويهتف الجميع ليلا ونهارا بالحفاظ على الوحدة العراقية، الجغرافية والسياسية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد العربي.
وفي هذه الاثناء وبينما يصر العرب على مراقبة المشهد عن بعد خوفا من اضفاء الشرعية على الاحتلال فإننا نسأل: من هو يا ترى الذي بإمكانه ان يجنب العراق خطر التجزئة والحرب الاهلية ويحافظ على وحدته السياسية والجغرافية...؟!
بالطبع انه الاحتلال الاميركي وبالطبع ان المقصود من خلال المناشدة العربية بالحفاظ على وحدة العراق هو الولايات المتحدة الاميركية. إذ مَنْ غير الولايات المتحدة الاميركية قادر على المحافظة على وحدة هذا البلد والحؤول دون اشتعال حرب اهلية فيه في هذه الفترة وفي هذه المرحلة؟!
إن العرب مع انهم كانوا يعرفون تمام المعرفة ان الاميركيين قادمون وان نظام صدام حسين كان ظاهرة صوتية وساقطاً لا محالة الا انهم بقوا واجمين مترددين، ولم يواجهوا الولايات المتحدة بالحقائق المفترضة ويطالبوها او يتفقوا معها على «سيناريو» ما بعد اسقاط نظام الرئيس المخلوع الذي كانت كل الدول العربية، كلها وبدون استثناء حتى ولو دولة واحدة، تنتظر خلعه والتخلص منه.
كان المتوقع، لولا خوف الاميركيين من حسابات واستحقاقات المستقبل، ان يجتاح الايرانيون العراق من الشرق ويحولوا الجنوب كله، مباشرة او من خلال محمد باقر الحكيم وقوات بدر، الى محمية ايرانية وان يتدخل الاتراك عسكريا من الشمال ويصلوا الى الموصل وكركوك في حين يسيطر الاكراد من خلال قوات الـ «بيش مركَه» على كل المناطق التي يطالبون بها تاريخيا والتي تمتد لتصل الى بعقوبة.
لكن ومع ذلك فقد بقي العرب، ولكل دولة عربية اسبابها وحساباتها وربما اطماعها ايضا، يراقبون المشهد عن بعد ويتابعون الفضائيات العربية والدولية وكأن ما يجري لا يتعلق بدولة عربية رئيسية غدت مهددة بوحدة ترابها الوطني ومهددة ايضا بأطماع اقليمية لم تعد خافية وبحرب اهلية اصبحت تقف على الابواب.
كان المفترض والمطلوب والواجب ان لا يبقى العرب يتابعون المشهد عن بعد ومصير دولة عربية رئيسية واساسية تقرره جنازير الدبابات، وكان عليهم اما ان يتصدوا للغزو وبقوة السلاح، اذا كانوا قادرين على هذا التصدي، او ان يذهبوا الى الولايات المتحدة قبل البلاغ «رقم واحد» ويتفاهموا معها على «سيناريو» ما بعد اسقاط نظام صدام حسين الذي كان واضحا لكل ذي بصر وبصيرة انه ساقط لا محالة.
الآن بل ومنذ الايام الاولى للاحتلال وبعد سقوط صدام حسين وانهيار الدولة العراقية بجيشها واجهزتها وكل مؤسساتها نسمع كل هذا السيل الجارف من النصائح العربية.. ولمن..؟! للمحتلين الذين كان يجب ان يسمعوا هذه النصائح واكثر منها قبل ان تبدأ الحرب: «كان عليكم المحافظة على الجيش العراقي.. كان عليكم عدم حل حزب البعث دفعة واحدة.. كان عليكم ان لا يكون احتلالكم مباشرا وان لا تدخل جيوشكم المدن العراقية..!!».
إن كل هذه النصائح والتمنيات غير مفيدة ولن يسمعها احد ولقد سبق السيف العذل ولقد انهار الجيش العراقي وتهاوت الدولة العراقية ولقد استشرت الفوضى وباتت الحرب الاهلية تحصيل حاصل اذا لم تنته هذه «المقاومة» التي تتخذ لونا واحدا واخذت ترتد في اتجاه العراقيين انفسهم بحجة ضرورة منع التعامل مع الاحتلال وبالقوة.
عندما يرفض العرب، وفي مقدمتهم جامعتهم العربية، التعامل مع مجلس الحكم الانتقالي المعترف به من قبل مجلس الامن الدولي وعندما يستنكرون كل هذا الاستنكار ارسال قوات الى العراق خوفا من اضفاء الشرعية على الاحتلال فإنهم في حقيقة الأمر يريدون ان يبقى هذا البلد العربي معرضا للتجزئة ومهددا بالحرب الاهلية.
والغريب والمستغرب ان اكثر العرب رفضا لارسال قوات عربية واشدهم مقاومة لمجلس الحكم الانتقالي اكثرهم حرصا على الالتصاق بالولايات المتحدة وعلى ان يكونوا وكلاءها في المنطقة وان تكون حصتهم في الاسواق العراقية وفي اعادة بناء العراق وإعماره مجزية.
غير مفهوم ان تتدفق الاغذية والمشروبات الغازية وغير الغازية العربية على العراق وتأخذ طريقها وبصورة مباشرة الى قوات الغزو والاحتلال وفي الوقت ذاته يقف العرب هذا الموقف «التطهري» والاستنكافي ويرفضون التعاطي مع مجلس الحكم الانتقالي ويرفضون ايضا ارسال قوات الى هذه الدولة الشقيقة المعرضة الى المزيد من الويلات والتشظي بحجة تحاشي اضفاء الشرعية على الاحتلال.
إن ما هو غير معلن، ولا يقال، ان هناك مساومات بين بعض الدول العربية والولايات المتحدة حول حصص هذه الدول في اسواق العراق وحول مساهمة شركاتها الحكومية والخاصة وشركات الابناء والانسباء في مشاريع اعادة اعمار العراق، وبهذا فإن كل هذه المواقف القومية العرمرمية و«التطهرية» هي للضغط ولتحسين المواقع في لعبة المساومات الجارية الآن.
لو ان المسألة مسألة الحرص على العراق وتحاشي اضفاء الشرعية على الاحتلال، على الاقل بالنسبة لاصحاب الاصوات المرتفعة الذين يساومون سرا ويرفضون علانية، لكان على الدول العربية احتضان مجلس الحكم الانتقالي وشد ازره وتعزيز مقدرته على الوقوف في وجه الاخطاء والسلبيات الاميركية ولكان عليها الاسراع في تشكيل فيلق عربي ليحل محل القوات الغازية والمحتلة وليتصدى لكل الاطماع الاقليمية التي تطل برؤوسها من الشرق والشمال وليحافظ على وحدة هذا البلد العربي ويجنبه الحرب الاهلية المدمرة.
الاميركيون ليسوا بحاجة الى «الشرعية» التي يجري التلطي بها لتحاشي مواجهة الواقع المرعب القائم في العراق، ولقد كانوا قد احتلوا هذا البلد العربي بدون لا شرعية عربية ولا شرعية دولية، والواضح ان هذا هو آخر ما يؤرقهم وانهم اذ يتحدثون في موضوع القوات العربية فلأن لديهم صورة لمستقبل المنطقة كلها ولأنهم يحاولون صياغة وضع هذه المنطقة وفقا لهذه الصورة.
لا توجد هناك ادنى امكانية لعودة النظام السابق لا في العراق كله ولا حتى في المنطقة التي تدعى المثلث السني، ولا توجد هناك امكانية لحكومة وطنية ولا لإجراء انتخابات بدون التوقف في محطة مجلس الحكم الانتقالي وبعيدا عن الاحتلال والحاكم المدني الاميركي ولذلك فإنه ليس امام العرب الا إما ان يتعاملوا مع هذا الواقع بكل ما فيه وبكل ما عليه وإما ان ينفضوا ايديهم من العراق حتى سنوات طويلة مقبلة وبما في ذلك الاسواق العراقية واعادة البناء والاعمار.