المذهب السني ليس عربيا والشيعي ليس فارسيا ..
فلماذا يكرر المثقفون العرب >خطايا صدام حسين؟
>( بقلم: ممدوح الشيخ كاتب وشاعر مصري) >
عندما تجد مشاعر فرح أو شماتة أو حتى عدم اكتراث بسقوط مواطنين عراقيين ضحايا >إرهاب أعمى يرفع لافتة "الحرب على الشيعة" أو "الدفاع عن هوية العراق" فلا >تبحث عن الأسباب في الاختلاف المذهبي الشيعي السني فهو حقيقة تاريخية عمرها >أكثر من ألف عام ولم يجد جديد حتى يصبح فجأة مبررا لكل هذا العنف الأعمى >وبالتالي يتم استخدامه لأغراض سياسية. ولتتذكر أن القنابل والسيارات المفخخة >لا تفرق بين شيعي وسني، صحيح أنها كثيرا ما استهدفت أماكن يتجمع فيها على >الأرجح أو على وجه القطع شيعة إلا أنها في أحيان أخرى كثيرة أيضا تسفك دماء >العراقيين دون تمييز. وعندما يتحول إرهابيو العراق لذبح السنة الذين ينخرطون >في الحرس الوطني أو السنة الذين يعترفون بالحكومة العراقية الحالية أو السنة >الذين يتفاوضون مع الأكراد أو السنة الذين يسعون للمشاركة في الانتخابات، فإن >هذا يؤكد أن أجندة سياسية تختفي وراء الشعارات المذهبية أو حتى القومية يراد >فرضها بالإرهاب على الشيعة والسنة معا.وفي صراعات السياسة تستخدم كل الأسلحة >وكل الأكاذيب بلا رحمة وتصنع الهويات حسب الأهواء ويتحول التدافع المحكوم >بقواعد أخلاقية وإجرائية إلى صراع يغذيه "الحقد المدنس"، وفي التاريخ المعاصر >مثال مشهور حيث كان الرئيس السوفيتي جوزيف ستالين يقول لجنود الجيش السوفيتي >في الحرب العالمية الثانية إن عليهم أن يحقدوا على الألمان حتى ينتصروا عليهم، >وانتهت الحرب العالمية الثانية وزال النظام النازي وبقي الحقد في نفوس الروس. >وفي عام 1972 وقع المستشار الألماني السابق فيلي برانت اتفاقية مع الاتحاد >السوفيتي تنص على تسوية أية خلافات بين البلدين دون اللجوء للقوة، وهي >الاتفاقية التي كان لها دور كبير في بناء جسور من الثقة بين الطرفين ظهرت >نتائجها في عهد المستشار الألماني هيلموت كول الذي تمت وحدة ألمانيا على يديه. >وكانت النخبة السياسية في البلدين من الوعي بحيث أقدما على عقد الاتفاقية >متجاوزين الميراث القديم، أما الجماهير على الجانبين فكانت أسيرة "الحقد >المقدس" ولذا جاء رد فعلها متشابها، فالقوميون الألمان اتهموا فيلي برانت >بالخيانة والقوميون الروس عبروا عن مشاعرهم بالبكاء – الحقيقي لا المجازي – >فالحقد إذا انتشر وتجذر في وعي جماعة ما تجاه جماعة أخرى فمن الصعب بمكان >إزالته، وهو وسيلة للصراع أكثر خطورة من الأسلحة التقليدية غير >التقليدية.ولعبة صناعة الهوية لها تاريخ ملطخ بالدم والعار تبدأ بالتلاعب >بالعقول وتنتهي بـ "القتل المقدس" كثمرة مرة من المحتم أن تنتجها بذرة الحقد >الخبيثة، ففي البلقان كان هناك ثلاث مجموعات سكانية تتقاتل: الصرب، الكروات، >البوسنويين، وجميعهم من الجنس السلافي لكن الصرب قرروا تلفيق هوية مزورة >تمكنهم من حشد الجماهير لقتال الكروات أولا ثم البوسنويين، وكانت البداية >ترويج أكذوبة أنهم هم وحدهم "السلافيون" وأن السلافية والانتماء للمذهب >الأرثوذكسي متلازمان، ومن ثم فإن المسلمين (البوسنويين) والكاثوليك (الكروات) >ليسوا سلاف بل دخلاء يجب "تطهير" الهوية القومية منهم.وبالطريقة نفسها تروج >الآن أكذوبة أن السنة هم المدافعون عن عروبة العراق – وأحيانا تصل الوقاحة حد >ادعاء أنهم وحدهم عرب العراق – أما الشيعة فإن لم يكونوا من الفرس فإنهم على >الأقل حصان طروادة الإيراني، العملاء المعادون لعروبة العراق، وهم – مع >الأكراد – مغتصبون لا يجب أن يسمح لهم بأن يهددوا هوية "أرض الميعاد" العروبية >الممتدة بـ "وعد" أبدي مجهول المصدر "من المحيط إلى الخليج" في تشابه مثير مع >الوعد الذي تأسست عليه الصهيونية "من النيل إلى الفرات"، فكلاهما لا يكترث >بحقوق أي جماعات سكانية غير تلك التي يمنحها الوعد هذه الأرض، وكلاهما يرسم >خريطة تمتد من الماء إلى الماء!ورغم أن البربر في المغرب العربي ليسوا شيعة >ولا عملاء للفرس وكذلك الأفارقة في السودان وموريتانيا والأكراد والسنة في >سوريا فإنهم جميعا جرى اضطهادهم وتغييبهم كل بمبرر مختلف لأنهم غير قابلين >للاستيعاب في المفهوم القومي العربي المتطرف (المزور) للهوية، وجميعهم كانوا >الوجه الآخر لصورة "الفلسطيني الغائب" المغيب من خلال إرهابه وترحيله وإنكار >وجوده فضلا عن إنكار حقوقه، لكن الشعارات التي تم تغليف الحقيقة بها جعلت هذه >الظواهر تبدو غير مترابطة. >خطر العروبيين يحيط بالعروبة . . . والإسلام >والخطر العروبي الذي تكشف عنه الأزمة العراقية يحيط على نحو جاد بالعروبة >كهوية جامعة ثقافية وسياسية لا كأيديولوجيا مغلقة ولعل من المفيد في هذا >السياق استعادة بعض مما كتبه قبل قليل المفكر الإسلامي التونسي المعروف >الدكتور أبو يعرب المرزوقي (الأستاذ بالجامعة الإسلامية بماليزيا) محذرا من أن >أكبر خطيئة اكتسبتها نخبنا أنها ربت شعوبنا علي السلوك الانفعالي فأصبحت عاجزة >عن التمييز والروية وبات من الصعب تحديد الصواب على نحو يمنع كل خطة للعمل >العقلاني. وأول ما يجب تأكيده حسب المرزوقي أن الإسلام وضع مبدأ الاعتراف >بالتعدد الديني والتعدد الإثني فالقرآن يعترف بدينين منزلين هما اليهودية >والمسيحية وبدينين غير منزلين هما الصابئية والمجوسية ويقر أهل هذه الأديان >علي معتقداتهم وممارستهم الدينية مؤجلا الفصل بينهم إلى يوم القيامة، والقرآن >يعتبر تعدد السلالات الإثنية والثقافات من آيات الخلق والتاريخ، فهل يرى ذلك >القوميون العرب المتطرفون الذين أصابهم بالهوس رئاسة طالباني أو منصب هوشيار >زيباري؟ وهل يتصور أن نقبل استخدام هذا الدين ستارا لسفك دم مسلمين لمجرد أنهم >يدينون بمذهب آخر؟من ناحية أخرى يرى المرزوقي أن الصدام غير المفهوم بين >التاريخ العربي الإسلامي والتاريخ اليهودي المسيحي أحد أكبر العوائق الخارجية >التي جعلت المسلمين مجبرين علي عداوات لا يقتضيها فكرهم الديني ولا الفلسفي >فضلا عن كونهم ليسوا قادرين عليها إلا إذا أرادوا أن يخرجوا من التاريخ >فيكونوا مجرد وقود لصعود القوي المقبلة علي حساب القوي التي يصارعونها الآن >دون أن يكسبوا شيئا، وإنما العداء بيننا وبينهم هو ـ من منظورنا نحن لأن ديننا >ينهانا عن محاربة أهل الكتاب لأسباب دينية – صراع سياسي يقبل كل الخطط >المرحلية ولا ينبغي أن يتحول إلى عقيدة دينية لا تصح فيها معاملات الأخذ >والعطاء. وهذا العائق شديد الخطورة فضلا عن أن خصومنا يوظفونه لإضعافنا في >معارك غير ضرورية، ومن يتأمل الربط التهييجي في الكثير من وسائل الإعلام >العربية بين الشيعة والأمريكان يدرك كيف استخدم وهم الصراع الحتمي مع الغرب أو >أمريكا لتسويغ وصم الشيعة بكل النقائص بوصفهم حلفاء – أو عملاء للأمريكان – >ومن ثم التواطؤ على دمائهم. ويقول المرزوقي حرفيا: "ورغم أن مثل هذه القضايا >من سخافات بعض القوميين العرب الذين أدخلونا في صراعات ما أتي الله بها من >سلطان بدعوى الغيرة علي القضية الفلسطينية فإنها تمثل الآن أكبر عوائق النهوض >العربي الإسلامي. فقد آل إليه الأمر إلى أن قيست الوطنية والإخلاص بمثل هذه >السخافات وقيس الالتزام والصمود بمثل هذه المعارك الجانبية"!.ويتعجب المرزوقي >من أن تنقلب الأمور بسبب جهل النخب الدينية الإسلامية فيصبح اليهود الذين هم >أصحاب "الدين القومي" يدافعون عن الكونية ويصبح المسلمون الذين هم أصحاب الدين >الكوني يدافعون عن الخصوصية، وأنا أزيد على قول المرزوقي أن القوميين العرب >المتطرفين سعوا لاحتكار الإسلام وإعادة صياغته ليخدم أيديولوجيتهم العنصرية >فتلاعبوا بمعنى الإسلام والعروبة معا، وممن يدفع الآن ثمن هذا التلاعب شيعة >العراق.إنما العرب كما يرى المرزوقي محاولا تخليص المفهوم من العنصرية هم من >تكلم العربية من شعوب دار الإسلام التي أحبت العقيدة الإسلامية واللغة العربية >فلم تميز بين العروبة الثقافية والحضارة الإسلامية ومعظم المفكرين المسلمين >الذين أحبوا العربية وكتبوا بها أكثر عروبة من كل المتشدقين بالقومية العربية: >ولا أحد يمكن أن يزايد على الغزالي أو ابن سينا اقتصارا على أعظم مفكري الأمة >فضلا عن سيبويه أعظم تلميذ لأعظم أستاذ وضع علم اللساني العربي. أما لو ادعينا >العرقية فإن العرب لن يبقى منهم إلا بعض القبائل الخليجية التي لا أظن العروبة >أحب إليها مما عند شعوب المغرب العربي الذي دفع الملايين للحفاظ على عروبته >وإسلامه قبل أن يصيب العروبة داء القومية فيدب الفيروس في جسد الأمة ليفسد >النسيج العربي الإسلامي. فلقد فضل الإيديولوجيون بعض المئات من العرب الذين لن >يخلصوا للعروبة مهما فعلنا لأن العروبة لم تكن عندهم إلا المدخل الوحيد لضرب >الصحوة فضلوهم على ملايين المسلمين الذين لم يكن عندهم أدنى فرق بين عربي >وبربري وكردي وتركي قبل هذا المرض العضال.أما الجماعات الإرهابية التي تختبئ >وراء ديباجات وشعارات إسلامية فهي بنظر المرزوقي حولت الدين إلى "أفيون" تحرك >به الجماهير بدل أن يبقى كما هو أساس التحرير من الطاغوت أيا كانت طبيعته >حزبية أو كنسية. ومع سيادة الأيديولوجيا القومية على الرابطة الثقافية >والسياسية العربية سارع المتشدقون بالشعارات فنسبوا الوطنية والإخلاص >للملتزمين بالحزبيات التي قضت على الأمة فكرا وعملا حتى أصبحت تهمة الخيانة >صفة ملصقة بكل من يريد أن يعالج الأمور بحسب ما تخضع له من قوانين. ويتساءل >المرزوقي بمرارة نشاركه إياها: فإلى متى يريد المتحزبون من شعبنا أن تحكمه >الشطحات الحماسية التي تغوص بالأمة إلى سحيق الغمة؟خصوصية الحالة >العراقيةتنفرد الحالة العراقية (والبحرينية) بخصوصية ينبغي الانتباه لها هي أن >الشيعة فيه يمثلون أغلبية مطلقة تبلغ 63 % (وكانت قبل التجنيس المشار إليه >تتجاوز الـ 70 % في البحرين) ما يعني أنهم ليسوا مجرد أقلية كبيرة شأن الشيعة >في الخليج أو اليمن أو لبنان، وبالتالي فإنهم مؤهلون بصناديق الانتخابات لأن >يحكموا العراق، وسيكون النموذج العراقي نهاية أكذوبة عروبة المذهب السني، >وسيولد تشيع عربي يكشف قدر التلفيق الذي تنطوي عليه الأيديولوجيا القومية >العربية، فالتأثير الإيراني في العراق الجديد أمر لا مفر بسبب الاشتراك في >الانتماء المذهبي لكن المهم طبيعته وحدوده، أما السعي لتحويل البعد المذهبي >لشيعة العراق إلى بعد "صامت" كما فعل النظام البعثي البائد بالحديد والنار >فمحاولة لإعادة التاريخ إلى الوراء وعرض من أعراض التفكير بالتمني، فالمرجعيات >الدينية في العالم كله يمتد تأثيرها حيث يوجد أتباعها، وإلا فلماذا يكون >مقبولا وجود نفوذ للفاتيكان في لبنان مثلا، ولا يكون مقبولا وجود نفوذ إيراني >في العراق؟في الوقت نفسه فإن النجف الأشرف هي تاريخيا عاصمة التشيع الأولى ولم >تنافسها "قم" الإيرانية إلا بعد الثورة الإسلامية في إيران، وبالتالي فإن شيعة >العراق لن يكونوا في العراق الجديد مجرد مجموعة سكانية كبيرة عدديا بل طائفة >تقودها مرجعية دينية مؤثرة عالميا ما سيشكل حتما خصما كبيرا من رصيد الأزهر >ومنافسه السعودي، وإذا كان الصعود الكبير للحوزة الدينية للمرجع الديني >السيستاني هو البداية فإن ما يمكن أن يأتي بعده من الطبيعي أن يرعب النظام >الرسمي العربي الذي يفضل تأميم الإسلام وتحويله إلى مجرد تابع لنظم لا تقبل >أبدا عودة الصلة بين الدين والسياسة، وتعتبر ذلك خطا أحمر آخر للأمن القومي >العربي من عسكر سوريا إلى عسكر موريتانيا الجدد.القادسيات التي لا تنتهيوفي ظل >حقيقة أن الإسلام أول من قنن وشرع التعدد القومي والديني والمذهبي معترفا >بدينين سماويين سابقين عليه ودينين غير سماويين لم يكن مفهوما أبدا – لولا >التضليل الإعلامي – أن يصدق الناس أن يخوض النظام البعثي حربا مقدسة لإنقاذ >الأمة من المجوس أو الفرس تحت شعار "قادسية صدام" بينما هو في حقيقة الأمر >نظام ملحد يرفع شعار: ( نـحن البعث والدنيا بنيـناهـا لو امتدت يـد الله إلى >البـعث قـطعناها ) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وحاشا لله. والتلاعب بمشاعر >العامة لا يستمد تأثيره من الإلحاح منذ الثورة الإسلامية في إيران على >الاختلاف بيننا وبين الإيرانيين وحسب، فهذا بعد واحد بل يستمد تأثيره بالقدر >نفسه من إحساس عميق بالهزيمة والضعف والهوان يجعل الناس تريد الشعور بالانتصار >في أي معركة على أي عدو في أي ميدان، المهم أن يكون لنا معركة ننتصر فيها، وفي >تاريخ الجماعات اليهودية في أوروبا درس مشابه فعندما حرموا لفترات طويلة من >المشاركة في السلطة ظهرت بينهم تيارات قومية متشددة تمجد القتل وسفك الدماء >وترفع شعار: "التوراة والسيف أنزل علينا من السماء"!. >والتسامح مع الملحدين الذين انتشروا في العالم العربي كالوباء وفي الوقت نفسه >العداء للشيعة من منظور طائفي وجهان لعملة واحدة، كلاهما نموذج للخلط الذي أدى >إليه الاستخدام السياسي للولاءات الدينية والطائفية واعتماد منطق التهييج >واستثارة مشاعر العامة، وجعل العروبة مفهوما مطاطا (استرتش) لا يستجيب لما حدث >وحدث للسنة في سوريا ولبنان من اضطهاد بينما يفتعل مأساة موهومة عن سنة العراق >"المضطهدين" لتتخذ مبررا لسفك دماء شيعته، وللإمعان في الخداع انهالت كتائب >الإرهاب تحمل أسماء الصحابة وصولا إلى "الكتيبة الخضراء"، التي نسبت نفسها >زورا للرسول صلى الله عليه وسلم، في طبعة جديدة أكثر رداءة من "قادسية >صدام".فماذا عن "معاناة" سنة العراق؟أحيانا يبدو لي أن من الضروري توصيف >الواقع وكأنه غير قابل للإدراك، وهو بالفعل في ظل الإلحاح على الأكاذيب يبدو >مستعصيا على الإدراك ومن ثم الفهم، فمن المؤكد أن هناك من يعتبر أن السنة في >العراق ضحايا مؤامرة متعددة الأطراف يشارك فيها الشيعة مع آخرين وأنها تبرر >استهداف الشيعة وتبرر التشفي فيهم، وإلا فإن الجماعات الإرهابية في العراق >تتمركز فعلا في المناطق ذات الغالبة السنية وتتمتع فيها بنوع من الحماية >والحرية والتعاطف، وهو ما يحتاج تفسيرا. فمشكلة السنة في العراق ليست مذهبية >مع السنة بل مشكلة ثقافة ترفض مبدأ المساواة أمام القانون فهم كما قال الشاعر >الجاهلي: وإنا أناس لا توسط بيننا لنا الصدر بين العالمين أو القبرفهم يريدون >أن يفرضوا على مكونات الشعب العراقي الأخرى الإذعان لسيادتهم بغض النظر عن >وزنهم النسبي فقناعاتهم واجبة التقديس لأنهم حراس عروبة العراق وهم بالتالي >يملكون "حقيقة مطلقة" يجب الانصياع لها دون مناقشة، ولا اعتبار في نظرهم لقبول >الأغلبية بقاء القوات متعددة الجنسيات وإتمام العملية السياسية في وجودها وكأن >الوطنية نصوص دينية مقدسة لا يعرف تفسيرها إلا هم فمن فعل فقد استحق الطرد من >جنة الوطنية وصار مستباحا. وهم لا يقبلون إخضاع قناعتاهم لصناديق الانتخابات، >فمثلا في نظرهم الفيدرالية يجب أن تكون ثمرة محرمة حتى لو كانت مطلب أكثر من >80 % من الشعب العراقي وهوية العراق يجب أن تبقى عربية كما تريدها >الأيديولوجيا القومية العربية دون اعتبار حق غير العرب في المشاركة في صياغة >هوية العراق.والصراع على البنية السياسية للدولة بين دولة فيدرالية ودولة >مركزية لا يمكن اعتباره حربا مقدسة دفاعا عن الإسلام أو العروبة فالدولة >المركزية التي نقلها الاستعمار الأوروبي "بضاعة أوروبية" والدولة الفيدرالية >التي ينحاز إليها الأكراد والشيعة "بضاعة أمريكية" والفيصل الحقيقي إرادة >الأغلبية وصندوق الانتخاب لا السيارات المفخخة، ناهيك عن أن الدولة المركزية >شكل من أشكال التنظيم السياسي يساعد على ظهور الاستبداد السياسي وعلى انتشار >الإلحاد، وهو أمر تؤكده الأرقام والإحصاءات عن معدلات انتشا الإلحاد والإيمان >بالأديان السماوية في أوروبا وأمريكا، فالدولة المركزية تنازع الأديان >السماوية جانبا من سلطتها على الضمير الأخلاقي للإنسان.وإذا أردنا أن ندرك >الفرق بين منهج السنة وغيرهم من الطوائف العراقية في الأداء السياسي في عهد ما >بعد البعث فلنتخيل ماذا كان يحدث لو أن الشيعة والأكراد قرروا التفكير بمنطق >طائفي وتحميل العرب السنة المسئولية عن جرائم النظام البعثي – وبالفعل كانوا >يشكلون النسبة الأكبر من جيش صدام وأجهزته الأمنية – وماذا لو ترتب على ذلك >انطلاق موجة عنف انتقامي من عقالها ضد العرب السنة ولدى الأكراد والشيعة >التنظيمات المسلحة القادرة على ذلك، ورغم أن ذلك لم يحدث فإن السنة تحولوا إلى >عقبة في طريق العملية السياسية رافضين إلا أن تنصاع الأغلبية لإرادتهم أو >تصطلي بنار الإرهاب.وجاء الرافد الوهابيحتى قيام الثورة الإسلامية في إيران في >نهاية السبعينات كان الفكر الوهابي منحصرا في منطقة الخليج العربي بالأساس >ولعب التعاطف الجماهيري في العالم العربي مع الثورة دورا كبيرا في ظهور تركيبة >جديدة تماما لعلاقة النظام الرسمي العربي بالتركيبة المذهبية تمثل في البداية >في سيل من الكتب والكتيبات طبعت في السعودية ووزع بعضها مجانا وبيع كثير منها >بسعر رمزي في معظم الأقطار العربية تحيي ثارات تاريخية قومية دفنها الإسلام >وتشعل مشاعر الاحتقان الطائفي وتشيع خطاب تكفير الشيعة. وقد عزز هذا الاصطفاف >الطائفي دخول السوفييت أفغانستان في نهاية السبعينات أيضا وتحولها إلى ساحة >لصراع سياسي استخدم الانقسام الطائفي في المجتمع الأفغاني وهو انقسام بقي >مكتوما حتى خرج السوفييت فتعرض الشيعة لمذبحة بشعة في معقلهم باميان كادت أن >تتسبب في تدخل عسكري إيراني عقب إعدام نظام طالبان سفراء إيرانيين في خروج >سافر على كل القيم والمبادئ.والرافد الوهابي صاحبه تغير آخر هو تنافس مصري >سعودي جديد نسبيا على احتلال موقع "حامي السنة" فتم بالتدريج تقليص المد >الوهابي الذي كان مرحبا به لفترة خارج مهده الطبيعي في الخليج، وحل محله تنافس >بين المؤسسة الدينية في الدولتين تحت سقف اتفاق مشترك بين الطرفين المتنافسين >على اعتبار حصول الشيعة على حقوقهم السياسية في أي بلد عربي خطا أحمر يمس >الأمن القومي العربي كما سمعت بنفسي من مسئول عربي بارز أكد أن إشعال حرب >أهلية طائفية في العراق بقرار عربي سيكون أقل خطرا على الأمن القومي العربي من >حصول الشيعة على حقوق سياسية تكافئ وزنهم السكاني، وفي الإطار نفسه أشار هذا >المسئول إلى عملية التجنيس التي تمت في البحرين قبل سنوات بتنسيق عربي لتغيير >التركيبة السكانية على نحو يضمن حرمان شيعة البحرين من حقوقهم السياسية، وهي >جريمة استيطانية من طراز صهيوني رفيع ارتكبت لحماية "المجال الحيوي" القومي >العربي الممتد "من المحيط إلى الخليج"!وهكذا اتخذت قرارات ورسمت خرائط للأمن >القومي العربي دون اعتبار لحقوق الشعوب وصارت المعركة الحقيقية أن تفرض هذه >الخطوط الحمراء على أرض الواقع، ولتسويقها تم استحضار الديباجات المذهبية، >فالخطيئة بدأت بالمطابقة – على الطريقة الصربية – بين العروبة والمذهب السني >وانتهت على الطريقة الصهيونية برسم حدود "أرض الوعد" العروبية من المحيط إلى >الخليج دون اعتبار لهويات سكانها من غير العرب أو من الشيعة، وللجمع بين هذه >المتناقضات والخرافات والأكاذيب لم يكن هناك من مفر من إسناد "المقاولة" كلها >إلى "شركة ماكيافيللي للمقاولات السياسية"!لكن الشعوب أكثر بصيرةوعندما يهلل >إعلام عربي رسمي أو إعلام عربي رسمي (بشرطة) لعصابات الذبح في العراق فإنما >يعيد إنتاج خديعة يقترب عمرها من مائة عام، فحسب المؤرخ الدكتور ألما ويتلن: >"كان الجنود الذين زحفوا تحت إمرة (شوكت باشا) يظنون أنهم يؤدون رسالة عليا. >كانوا يعتقدون أنهم زاحفون لحماية الكائن المقدس المقيم في يلدز (السلطان عبد >الحميد). . .وحتى يوم 21 من إبريل وجنوده على أقل من ثلاثين ميلا من العاصمة >كان شوكت لا يزال يهتف بحياة السلطان". (نقلا عن: المستشار طارق البشري: في >المسألة الإسلامية المعاصرة: ماهية المعاصرة صفحة 18). فالشعار المرفوع كان >مناقضا تماما للحقيقة والقوميون الأتراك الذين كان هدفهم عزل السلطان عبد >الحميد كمقدمة لهدم الخلافة نفسها كانوا يوهمون جنودهم بأنهم في زحف مقدس >لإنقاذ السلطان عبد الحميد! والسؤال الذي يفرض نفسه في مواجهة الخطاب الإعلامي >العربي عن المشهد العراقي هو: هل صحيح أن الشعوب تفرح عندما ترى الشيعة ضحية >عمليات إرهابية؟ومقارنة بما كان قبل ما يقرب من قرن فإن الشعوب أكثر بصيرة >وأكثر صدقا مع نفسها من النخب صحيح أنها تأثرت بدرجات متفاوتة بالإلحاح >الإعلامي والدجل المتسربل بالموضوعية واللافتات الموحية بالاستقلالية إلا أنها >تظل أكثر بصيرة من النخب، وقبل سنوات فوجئ محمد حسنين هيكل في محاضرته التي >كان يلقيها سنويا في معرض القاهرة الدولي للكتاب بتصفيق عدد كبير من جمهور >ندوته تعقيبا على تقييمه للسياسة الخارجية الإيرانية وأبدى دهشته من وجود هذا >العدد من المتعاطفين مع إيران، وهؤلاء الذين يفاجأ بهم المثقفون موجودون >دائما، ولنأخذ مثلا الحجم الكبير للتعاطف في العالم الإسلامي كله مع مسلمي >البوسنة مقارنة بالتعاطف المشبوه الذي بدأ وانتهى شغبا إعلاميا لا يتعاطف معه >الناس، هذا التعاطف الذي أبداه المثقفون القوميون والماركسيون مع صرب البوسنة >عندما تدخلت أمريكا عسكريا ضدهم لوقف إبادة مسلمي كوسوفا معتبرين أن القوميين >المتشددين الصرب ضحايا إمبريالية أمريكية تنتهك "سيادة الدولة" وبالتالي تنتهك >"قدس الأقداس" القومي!فالشعوب تتأثر بالدعايات الإعلامية العربية، أو قل >الدعايات النازية الجديدة، بدرجات متفاوتة وأحيانا تبدع ميكانيزمات دفاع >لحماية نفسها من التضليل مفضلة أن تلوذ بالصمت، وهذا الفصل بين إيران "الدولة" >وبين التشيع "المذهب الديني" حقيقة يعكسها على سبيل المثال أن مواسم الحج >المتعاقبة لم تشهد احتكاكا مذهبيا شيعيا سنيا، قد يحدث احتكاك بين الشيعة >والأمن السعودي، أما الناس فيملكون بصيرة شكلت حاجز صد ضد مثل هذه >الحالة.وبطبيعة الحال لا يعني هذا أن المشاعر العدوانية تجاه الشيعة في العراق >والتشفي فيهم أو على الأقل عدم الاكتراث لاستهدافهم بالقتل العمد مقصور على >النخب لكنه أقل انتشارا بين فئات المجتمع الأخرى إما لأنها غير معنية عموما >بالسياسة وصراعاتها وتلك حالة شرائح واسعة، وإما لأنها مشغولة بكراهية >الأمريكان كأصل وموقف مبدئي – موهوم طبعا – عن غيره من الفروع والمعارك >الجانبية – وهي أيضا موهومة – وهكذا يظل الموقف من الشيعة أقل حدة وأكثر >ارتباطا بوتيرة التحريض الإعلامي من أكثر من ارتباطه بثأر تاريخي مفترض أو >جدار فاصل يحاول البعض الإشارة إليه والإحالة عليه
.