لهــذه الأســبـاب لا تـريــد أميــركا تفجيــر حــرب أهـلـيــة فــي لبــنان
فضل الله لـ«السفير»: دخلنا «هدنة الجدار المسدود».. وستكون طويلة!



واصف عواضة
أجرى الحوار:
واصف عواضة ودنيز عطا الله حداد
الحديث مع المرجع السيد محمد حسين فضل الله له نكهة خاصة، فأنت أمام إمام عالم وفقيه يفهم الإسلام بعقل منفتح، وظيفته خدمة الإنسانية... وأمام محلل سياسي وقارئ للأحداث، يتعاطى معها بواقعية اللحظة وبمنطق استراتيجي يرسم آفاقا للمستقبل القريب والبعيد.
ينادي السيد فضل الله بالوطن والمواطنة، على حساب النظام الطائفي الذي يعتبر أنه علة العلل في لبنان. هو يرى أن الطوائف مصدر غنى، لكن الطائفية هي المرض الذي يفتش عن غذاء خارجي ينمو على ضفافه، «وهو ما يجعل لبنان الوطن غائباً عن أكثر اللبنانيين، حتى أن الأزمة اللبنانية، ليس فيها شيء لبناني في العمق».
لا يحرج السيد القول بأن الأزمة اللبنانية في تفاصيلها الداخلية، «هي أزمة سخيفة كان يمكن معالجتها بنصف ساعة، لولا الارتباط الخارجي لهذه الأزمة». لذلك فهو يرى أن الهدنة التي يجري الحديث عنها هي «هدنة الجدار المسدود الذي يقف أمامه الجميع، بحيث أنهم لا يملكون الكثير من حرية الحركة، ولا حتى حرية الحرب والفتنة». كما يرى أن هذه الهدنة ستكون طويلة، «فلبنان ساحة لا سقف لها ولا حيطان».
يعتقد السيد فضل الله أن الحرب الأهلية في لبنان ليست واردة، لأن أميركا والقوى الدولية لا تريدها، باعتبار أنها تربك الوضع في المنطقة. ويخشى ألا يكون هناك رئيس للبنان في الموعد الدستوري، لأنه قد تكون هناك مصلحة للولايات المتحدة في فراغ رئاسي مؤقت.
نعم هناك «قاعدة» في لبنان. يقول السيد. لكن أفق هذا التنظيم لا يشبه الأفق الموجود في العراق أو أفغانستان، لأن النسيج اللبناني لا يسمح بحالة فوضوية أمنية بالصورة الموجودة في العراق. ومع ذلك يمكن لهذه «القاعدة» أن تقوم ببعض الإرباكات على طراز معركة البارد وبعض الاغتيالات والتفجيرات.
بالنسبة له «الكلام عن أسلمة لبنان هو تضخيم للواقع أكثر مما هو الواقع. لا يمكن أسلمة لبنان ولا نصرنته. والصيغة اللبنانية التقليدية في رأيه تبدو محافظة على وجودها، لأن الأوضاع المحيطة بلبنان لا تسمح بالانتقال الى نظام مواطني».
عندما يتحدث السيد عن الشيعة، يدافع بقوة عن واقعهم... «إنهم لم يقوموا بدور سلبي في العالم العربي والإسلامي رغم الاضطهاد والتهميش الذي تعرضوا له. إنهم من أكثر الطوائف اللبنانية التي تتحمل مسؤولية الأمن. إنهم منفتحون لصنع لبنان السيد الحر المستقل، ولا يقبلون أن تحكم سوريا أو إيران. إنهم يريدون أن يكونوا مواطنين متساوين مع الآخرين، وكل كلام غير ذلك ليس واقعيا».
أما سلاحهم الذي يخيف الآخرين، فلا يرى السيد أن هناك مبررا لذلك. «هم لم يستخدموا السلاح ضد أحد، فقط ضد إسرائيل. نعم استخدموه ضد بعضهم البعض، ولن يكونوا البادئين بحرب مع إسرائيل. وعندما تصبح الدولة قوية وقادرة على الدفاع عن الوطن، تنتفي الحاجة لسلاح المقاومة».
في العلاقات اللبنانية ـ السورية، يستبعد السيد فضل الله قيام علاقات طبيعية قبل أن تتوازن سياسة الإدارة الأميركية تجاه لبنان وسوريا.
الحديث مع السيد فضل الله شيّق ومشوّق، لكن صحته لا تسمح بالإطالة. هناك أسئلة كثيرة كانت في البال، لم يسمح الوقت بالغوص فيها.
و. ع.
هدنة الجدار المسدود
÷ سماحة السيد، سنبدأ مما انتهى إليه الحوار في فرنسا. هل تعتقد أننا على أبواب هدنة تسبق المهلة الدستورية للاستحقاق الرئاسي؟
{ عندما ندرس الأزمة اللبنانية في كل خلفياتها وتداعياتها وحركتها، نلاحظ أن من الصعب جدا أن نجد فيها في المطلق شيئا لبنانيا، بحيث أن الذين يديرون المسألة، (ولا نريد أن نتحدث بشكل مطلق حتى لا نظلم أحدا) فإنهم يتحركون على أساس أن لبنان كان ولا يزال ساحة للتراكمات السياسية الدولية التي تنطلق من خلالها في كل موقع من مواقع الطوائف، ثغرة تمنح الآخرين أن ينفذوا منها.
وقد كنت أقول سابقا إن مشكلة لبنان هي النظام الطائفي وليس تنوع الطوائف. فالنظام الطائفي الذي كان عرفا وأصبح قانونا، أعطى كل طائفة شيئا من الاستقلالية الذاتية. وهذه الخلفية أوحت لكل طائفة بأن تبحث عن مواقع القوة في مواجهة الطائفة الأخرى. فهناك بعض الطوائف تشعر أنها تستقوي ببعض الدول الغربية، وأخرى بالدول العربية أو الإسلامية، ما جعل لبنان غائبا عن أكثر اللبنانيين، بحيث أنه عندما تسأل أي لبناني «من أنت؟»، يحدثك عن طائفته وليس عن وطنه.
إن الحرية في لبنان تحولت الى لعنة لبنانية، بحيث أن كل الاتجاهات الدولية والإقليمية، استغلت هذه الحرية لإرباك الكثير من القضايا وإيجاد الكثير من الحساسيات والفتن. ومن خلال هذا العرض، نجد أن الأزمة اللبنانية ليس فيها شيء لبناني في العمق، بل هناك بعض الجزئيات اللبنانية التي تمتد الى كليات دولية أو إقليمية. هناك سياسات دولية تحاول أن تحرك مشاريعها الدولية في المنطقة من خلال الخصوصيات اللبنانية، سواء من خلال الحرية اللبنانية، أو من خلال النظام الطائفي. وهناك خلفيات إقليمية تحاول أن تحمي نفسها أو توسع مواقعها من خلال ذلك. ولهذا فإنني أتصور أن تعقيد الأزمة اللبنانية انطلق من خلال التدخلات الإقليمية والدولية التي لا تريد لأي فريق لبناني معين أن يحصل على الاستقرار السياسي أو الأمني. في هذا المجال. وهذا ما لاحظناه من خلال الأزمة اللبنانية التي لو فكّر الإنسان فيها لوجدها أزمة سخيفة، بحيث يشعر بسخافة الذهنية اللبنانية، كأن تكون المشكلة في حكومة الوحدة الوطنية وعدد الوزراء. هذه المشكلة كان يمكن أن تعالج بنصف ساعة، لكن المسألة ان بعض المواقع الدولية والإقليمية ترى أن إعطاء فريق لبناني معين رقما هنا أو رقما هناك، يمكن أن يحقق له انتصارا، إضافة الى الانتصارات التي تحققت في تاريخه. ومن جهة أخرى فإن مسألة المحكمة الدولية التي اختصرت كل تاريخ لبنان وأوضاعه، كانت تتحرك في إطار يريد السرعة من دون إعطاء أي فرصة عاقلة هادئة وقانونية لدراسته.
لذلك كله أعتقد أن الهدنة التي حصلت الآن، لم تكن هدنة المؤتمر الذي انعقد في باريس، بل هي هدنة الجميع الذين وقفوا أمام الجدار المسدود، فشعروا أنهم لا يملكون الكثير من حرية الحركة، حتى حرية الحرب والفتنة، لأن كل عناصرها كانت غائبة في الواقع اللبناني، حيث شعروا أن كل أتباعهم لا يوافقون على إثارة الفتنة بالشكل الذي يحرق البلد، أو إثارة الحرب بالشكل الذي يدمر البلد. إنها هدنة الجدار المسدود وفقدان أي خيار في أي حركة خارج نطاق التصريحات الاستهلاكية.
إمكانات التسوية
÷ هذا الجدار المسدود الذي تحدثتم عنه، ألا يمكن أن يفتح الطريق أمام تسوية مؤقتة على الأقل، تتيح انتخاب رئيس للجمهورية في الخريف المقبل؟
{ المسألة تحتاج الى ملاحقة المفردات الإقليمية والدولية في مسألة انتخاب رئيس، لأن من المعروف في لبنان، قبل ما سمي بالوصاية الإقليمية أو بعدها أو معها، كان الحديث يدور على أن البرلمان ينتظر الوحي أو كلمة السر، لأن أي رئيس لبناني لا بد أن يأتي فرنسياً في مرحلة، وبريطانياً أو أميركياً في مرحلة أخرى، وربما يعطى لهذه الدولة العربية أو تلك في أن يكون لها رأي هنا أو رأي هناك.
ربما يتحدث الآن الوسط السياسي اللبناني أننا أصبحنا نعيش في مرحلة لا يملك أحد فيها أن يفرض أحد على اللبنانيين رئيسا للجمهورية أو للمجلس أو الحكومة، ولكننا نعرف أن المسألة أصبحت أكثر فاعلية من الماضي، لأننا عندما ندرس المداخلات الأميركية من جهة أو العنصر الفرنسي من جهة أخرى، نلمس ذلك بوضوح. أما العرب فنشعر أن بعض المواقع العربية يمكن أن تربك الوضع بدل أن تحقق نتائج إيجابية على هذا المستوى. لذلك أنا أتخوف من أن تكون المرحلة المقبلة، بفعل التعقيدات والعناد الذي يتحرك من خلاله اللبنانيون، وهذا ما شهدناه في الحوار الذي دار في فرنسا، أتخوّف أن تكون المسألة في أن يكون للبنان رئيس أو لا يكون، وليس إيجاد تسوية أو عدم إيجادها. فمسألة التسوية لا تزال تعيش في قبضة الخطر وليس في قبضة الحركة السياسية الطبيعية.
الخوف على الكيان
÷ تخشون ألا يكون للبنان رئيس، أليس من خوف ساعتئذ على لبنان، أن تكون هناك دولة وكيان أو لا يكون؟
{ السؤال هنا من الذي يهتم بأن يبقى لبنان دولة كما هي الدول التي يعيش مواطنوها في حركية المواطنة، بحيث يشعر المواطن أن علاقته بوطنه هي علاقة بوطن، في ما يحصل عليه من حقوق وواجبات. إن لبنان يعيش الآن واقع اللادولة. هناك قرارات تصدر، لكن الواقع هو أقل من واقع حكومة تصريف أعمال من حيث التطبيق.
÷ لكن في الشكل هناك دولة...
{ الخطورة هي أن تكون هناك دولة في الشكل وليس في المضمون. لو لم يُنتخب رئيس جمهورية أو تأخر انتخابه أو حصلت هناك تعقيدات في أجواء الانتخاب، فإن الشكل يمكن أن يحافظ عليه من خلال حكومة جديدة على أنقاض هذه الحكومة، أو في بعض ما يجري الحديث عنه من أن الرئيس سيقوم ببعض الحلول. إننا نستذكر في هذا المجال كلام الرئيس الأميركي بوش عن الفوضى الخلاقة أو البناءة، لأنه قد يجد في هذه الفوضى مجالا لتحريك بعض المشاريع في المنطقة، وهو ما عبّرت عنه وزيرة الخارجية الأميركية عندما تحدثت عن الحرب اللبنانية واعتبرت أن اللبنانيين كسبوا من هذه الحرب من خلال تحريك الوضع الدولي وإصدار أكثر من قرار وجعل لبنان ساحة تدار منها قضايا المنطقة.
أميركا والرئاسة
÷ هل تحمّل الأميركيين مسألة الفراغ الرئاسي في لبنان؟ وهل ترى أن لهم مصلحة في هذا الفراغ؟
{ نحن نتحدث عن تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية من أن لبنان يمثل الساحة المفضلة للسياسة الأميركية في المنطقة. نحن لا نتحدث عن سر. ولكن أنا عندما أتحدث عن الموقف الدولي والإقليمي، أحمّل اللبنانيين مسؤولية المشاكل التي يعيشونها، لأنهم قبلوا بأن يكونوا صدى للآخرين ولا يكونوا صوتاً.
÷ ولكن هل ترى مصلحة للأميركيين في الفراغ الرئاسي؟
{ أنا لا أتحدث عن فراغ طويل في هذا المجال، بل يمكن أن يكون هناك فراغ مرحلي قد يخلق بعض التعقيدات التي يمكن أن يستفيد منها الأميركيون في بعض الأوضاع التي يريدون تحريكها في لبنان.
الحرب الأهلية
÷ قلت إن قرار الحرب الأهلية حتى ليس في أيدينا. هل تخشى من ظروف ومصالح دولية وإقليمية تفرض حربا أهلية على ساحتنا؟
{ أنا لا أتصور ذلك، لأن أي حرب أهلية كالتي مررنا بها، ربما تربك الوضع الدولي في علاقته بالواقع اللبناني. هناك صراع إسرائيلي ـ لبناني يتمثل في المقاومة، وهناك القوات الدولية، وهناك خطوط سياسية يرسمها مجلس الأمن هنا وهناك في ما يتصل بمفردات الواقع اللبناني، سواء من خلال الداخل اللبناني أم من خلال تأثيره على الواقع الإقليمية، ولا سيما في ما يتصل بسوريا وإسرائيل.
إن أي حرب أهلية في لبنان سوف تؤدي الى حرب إسرائيلية ـ لبنانية، لأن الحرب الأهلية ستخلق فوضى تتيح للسلاح الفلسطيني أن يتحرك من جهة، وبعض السلاح الإقليمي من جهة أخرى. وربما يترك ذلك تأثيرا على الداخل الفلسطيني. وعندها لا تبقى هناك حدود مرسومة في هذا المجال، وهذا ما لا ينسجم مع السياسة الأميركية والفرنسية أو العربية في هذا المقام، لأن ذلك يحرج الكثير من الواقع العربي، وربما يترك تأثيره السلبي على الأمن العربي بطريقة أو بأخرى في هذا المجال.
عندما تحدث حرب أهلية، سوف توجه كل الفئات التي تسمى متطرفة، أصولية أو غير أصولية، لمحاربة القوات الدولية، وهي تتحدث عن ذلك. إن ذلك يجعل مسألة القوات الدولية في واقع الاهتزاز الذي قد يدفع بدولها الى سحبها من لبنان، وهذا ما يزيد الفوضى في المسألة اللبنانية ـ الإسرائيلية. وهكذا نجد أن هذه الحرب الأهلية التي قد تنفتح على حرب إسرائيلية ـ لبنانية، قد تجذب حرباً سورية ـ إسرائيلية، وأعتقد أن الولايات المتحدة لا تجد مصلحة في هذه الفوضى الدامية والخطيرة. هي تريد نوعا من الفوضى التي تتحرك في دائرة استقرار داخلي في مواقع الاهتزاز السيـاسي من دون اهـتزاز أمني، إلا على مستوى ما يحصل في نهر البارد، أو على مستوى اغتيال هذا الشـخص في هـذه الجـهة أو تـلك.
هدنة طويلة
÷ من هنا هل تتوقعون أن تكون «هدنة الجدار المسدود» طويلة؟
{ إنني أعتقد ذلك... فلبنان عندما يبقى ساحة للمشاريع الدولية أو الإقليمية، فإن من الصعب جدا أن نجد حلاً لمشاكل اللبنانيين. سيبقى اللبنانيون على هذا الواقع الذي يحاول كل فريق منهم أن يقف عند مواقعه، ولا يتقدم خطوة نحو الآخر.
÷ ما الذي يمكن أن يغيّر هذا الواقع؟ هل تعتقدون أن تغييرات ما في الولايات المتحدة يمكن أن تبدل هذه المعادلة التي تتحدثون عنها؟
{ من الطبيعي أن مشكلة لبنان ليست مشكلة محلية، بل هي مشكلة مربوطة بأزمة المنطقة. هناك تأثيرات للاحتلال الأميركي للعراق، وتأثيرات لتعقيدات الواقع العراقي من خلال دول الجوار التي تجد أن من مسؤولياتها عن أمنها أن تحارب أميركا في العراق بطريقة أو بأخرى، لأن أميركا أصبحت على حدود إيران وسوريا وتركيا التي بدأت تهتز بفعل قضية حزب العمال الكردي، وتتحفظ على إدارة السياسة الأميركية لوضع كردستان العراق. وحتى بالنسبة الى الخليج، للذين يفدون من بعض دوله لينضموا الى تنظيم «القاعدة» وغيره. إن هذا الواقع سوف يؤدي الى نتائج سلبية على الواقع اللبناني، ولا سيما ما يراد إدارته من الفتنة السنية ـ الشيعية على مستوى العالم الإسلامي كله. لذلك من الصعب جدا أن تنصب للبنان أسوار تمنع الآخرين من دخوله، لأن لبنان ساحة لا سقف لها ولا حيطان.
في لبنان «قاعدة»
÷ يعني هل تدعمون فكرة أن في لبنان «قاعدة»؟
{ من الطبيعي. أنا أعتقد أنه عندما ندرس تجربة نهر البارد، أو بعض المخيمات أو الاعتقالات في منطقة البقاع وغيرها، نعرف أن هناك وجودا كبيرا للقاعدة في لبنان.
÷ وماذا عن تأثيرات ذلك؟
{ أنا أعتقد أن أفق «القاعدة» في لبنان، لا يشبه أفق «القاعدة» في العراق أو أفغانستان، لأن النسيج اللبناني لا يسمح بوجود حالة فوضوية أمنية بالطريقة الموجودة في العراق. لكن «القاعدة» يمكن أن تقوم ببعض الإرباكات، كالإرباك الذي حصل في البارد، وما قد يطل عليه بعض الأحداث في عين الحلوة ومخيمات أخرى، ونرجو ألا يحصل ذلك، وعلينا أن ننظر الى ما يمكن أن يثار بطريقة مخابراتية هنا أو هناك، بالنسبة الى واقع المخيمات في لبنان.
أسلمة لبنان
÷ في هذا المجال، هناك تخوّف مسيحي في لبنان. كيف تنظرون الى ما قاله المطران بشارة الراعي من أن هناك اتجاه لأسلمة البلد؟
{ أنا أتصور أن هذا الكلام يمثل تضخيما للواقع أكثر مما هو الواقع. ليس هناك أي فريق في لبنان يملك أن يؤسلم أو ينصرن لبنان. لبنان سوف يبقى بلدا تعيش فيه الطوائف، ولا أعتقد أن مسألة حقوق الطفل في الإسلام أو الوظائف في قوى الأمن الداخلي وغيرها يمكن أن تؤسلم لبنان. قبل اتفاق الطائف كان المسيحيون يملكون القوة على مستوى الوظائف وغيرها، لكنهم لم يتمكنوا من «نصرنة لبنان»، لذلك فإن الحكومة الحالية التي تشمل المسيحيين بشكل كبير، وكذلك السنة والدروز، لا أعتقد أن أحدا منهم يخطط لأسلمة لبنان. لذلك نحن نتمنى ألا ينطلق أي تصريح بهذه الصراحة، ما يمكن أن يثير المشاعر والأحاسيس التي نحن بغنى عنها.
÷ هل تعتقدون أن الصيغة اللبنانية التقليدية لا يزال المجال مفتوحا للملمتها وإعادة ترميمها، أم أننا أصبحنا بحاجة لعقد جديد في لبنان؟
{ إن التعقيدات الطائفية التي تزداد عنفا وعصبية بفعل التطورات الداخلية والأوضاع المحيطة بلبنان، لا تسمح بأن يتغير لبنان ليسقط النظام الطائفي، ليكون نظاما مواطنيا، لأن بعض المواقع الكبرى في بعض الطوائف تتدخل حتى في قضية الانتخابات. عندما تصل المسألة الى حد أنه ليس من حق الناخب المسلم أن ينتخب المسيحي، والعكس أيضا، فإن المسألة الطائفية في عصبيتها السوداء، تكون قد وصلت الى المستوى الذي يتحدث عنه كبار القوم، ويُراد لقوانين الانتخاب والتوظيف أن تخضع له في هذا المجال، لأنه ممنوع أن ينطلق اللبناني بصفة كونه مواطنا ينفتح على اللبناني الآخر بروح المواطنة، مع التنوع الطائفي والمذهبي. كنا نسمع عن خصوصية بيروت وأن لها خصوصية، مع أنها عاصمة البلد ويعيش فيها الجميع، فأن يصل الاستغراق في المسألة الى خصوصية العاصمة، فهذا أمر يدلل على مدى الاستغراق في المسألة الطائفية والمذهبية.
÷ ولكن هناك من يتحدث عن خصوصيات أخرى في الجبل والجنوب وغير ذلك.. تكاد كل طائفة أن يكون لها جمهورية خاصة..
{ هذا الواقع ينطلق من خلال النظام الطائفي. كل طائفة تريد أن تحصل على حصة ترضي مصالحها بمعزل عن المسألة اللبنانية. المشكلة أن النظام الطائفي جعل كل طائفة تريد أن تجعل لبنان على صورتها. سابقا أريد للبنان أن يكون دولة الموارنة. وربما فكّر البعض أن يكون لبنان دولة السنة، ويتحدث البعض عن دولة الشيعة وإن كان الشيعة لا يملكون أي فرصة لذلك.
القوة الشيعية
÷ ولكن هناك من يتحدث عن القوة الشيعية الصاعدة بفعل السلاح وغير ذلك...
{ لا أدري لماذا تثار المسألة الشيعية في لبنان أو في العالم العربي والإسلامي. عندماندرس المسألة على الأرض ميدانيا، صحيح أن الشيعة في لبنان تمثلوا بالمقاومة، لكن السؤال هل تحرك الشيعة من خلال هذه القوة، عددية أو سلاحية، للدخول في حركة عدوانية على الكيان اللبناني؟ هل فكروا بكانتون طائفي يستقلون فيه؟ هل حرّكوا هذا السلاح في مواجهة الطوائف الأخرى؟.. نعم لقد حرّك الشيعة هذا السلاح ضد بعضهم البعض، وكانت حرب «أمل» و«حزب الله»... وفي العراق عندما تثار المسألة السنية الشيعية، لقد عاش الشيعة في كل تاريخ العراق وهم على الهامش، وليس لهم أي دور في الحكم والإدارة، ولم يقوموا مع ذلك بأي عمل سلبي ضد الحكم الذي كانت عناوينه الكبرى سنية، حتى أن الهاشميين عندما جيء بهم من الحجاز، وقد جاء بهم علماء الشيعة، كانوا يعلنون أنهم على مذهب السنة، وقد تعاون الشيعة معهم ولم يقوموا بأي عمل أو فتنة ضدهم، بل كانوا يتعاونون معهم سياسيا وثقافيا وغير ذلك. وهكذا نجد الشيعة في الخليج الذين كانوا من الدرجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، وإن تحسن الوضع في بعض المواقع أو الدول، لم يقوموا بأي عمل. ربما كانت بعض المواقع الشيعية تقف في موقع المعارضة، ولكن لم يقوموا بأي فتنة. حتى أنه خلال حرب العراق على الكويت والخليج، وقف الشيعة في الكويت ضد الجيش العراقي، وكانت المناطق الشرقية الشيعية في السعودية تستقبل النازحين من الكويت.
نحن نعتقد أن الشيعة لم يقوموا بأي دور سلبي في أي موقع من المواقع في العالم العربي والإسلامي. وكانت بعض المواقع تفرض عليهم الاضطهاد.
خائفة ومخيفة؟
÷ هذا الأمر لا يغني عن القول إن الآخرين ينظرون بخوف الى الطائفة الشيعية في لبنان، وهي في الوقت نفسه خائفة وقلقة بعد حرب تموز، وباتت متمسكة بسلاحها، والآخرون خائفون منها. كيف السبيل الى إزالة هذا الخوف المشترك؟
{ نحن نريد أن نناقش خلفية هذا الخوف. هناك حالة عداء مع إسرائيل، ولم تحدث في أي بلد عربي حالة عدوانية متكررة كما يحدث في لبنان. لذلك فإن المسألة الشيعية في لبنان أخذت بالسلاح في مواجهة العدوان الإسرائيلي، لأن لبنان الذي كان يقول بعض سياسييه بأن قوة لبنان في ضعفه، ولم تعمل الحكومات المتعاقبة على تزويد الجيش بالسلاح الذي يمكن أن يواجه به العدوان الإسرائيلي. وكانت إسرائيل تقصف الثكنات العسكرية والجنود نيام من دون أن تتحرك الدولة لمواجهة هذا العدوان.
ونحن نعرف أن الشيعة اللبنانيين من خلال حركتهم الجهادية تمكنوا عام 2000 من تحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي. وعندما انطلقت حرب تموز كان الحديث أن المقاومة هي التي تفرض على لبنان مسألة الحرب والسلم، وأن «حزب الله» هو الذي أدخل لبنان في مسألة العدوان الإسرائيلي من خلال أسر الجنديين. ولكن عندما ندرس هذه القضية بعقل موضوعي بارد، نجد أن أسر الجنديين لم يكن حركة لإيجاد حالة حرب مع إسرائيل. ولم تكن إسرائيل في تاريخ أسر جنودها تخطط لحرب على لبنان. ولذلك كانت المسألة من أجل التبادل لإنقاذ الأسرى اللبنانيين. ولم تكن هناك أي فكرة لدى المقاومة الإسلامية أن يدخل لبنان في الحرب. لكننا فوجئنا بأن هناك خطة أميركية إسرائيلية لاستغلال هذا الحدث من أجل ضرب «حزب الله» والمقاومة، وعرفنا النتائج كيف استطاعت المقاومة أن تعطي لبنان عنفوانا تحريريا جديدا، بحيث سقط الجيش الإسرائيلي تحت تأثير هذا النصر الذي قامت به المقاومة الإسلامية، وهزمت إسرائيل باعتراف السياسيين الإسرائيليين، وأعطت تاريخا جديدا للعالم العربي والإسلامي... وهذا واقع وليس عنتريات.
لذلك عندما جرى الحوار سابقا، كان الحديث عن طريقة للدفاع عن لبنان، لنتحرك في هذا الاتجاه. لذلك لماذا يخافون الآن من «حزب الله» وسلاحه، ما دام هذا الأخير مستعدا للتحدث مع كل الفرقاء اللبنانيين، على أساس وضع استراتيجية للدفاع عن لبنان. فإذا استطاع الجيش الحصول على القوة التي يستطيع من خلالها الدفاع عن لبنان ضد العدوان الإسرائيلي، فعندها تنتفي الحاجة الى المقاومة.
النظرة إلى إسرائيل
÷ هناك من يقول بكل صراحة: أنا لا أريد أن أتعاطى مع إسرائيل إلا كما تتعاطى الدول العربية الأخرى، فلماذا يريد «حزب الله» أن يزجني في حرب مع إسرائيل كل سنة أو سنتين. ماذا يمكن الرد على هذا القول؟
{ نحن لا نزج أحدا. إسرائيل هي التي تزج اللبنانيين من خلال عدوانها. لم تحدث أي حالة ينطلق فيها المجاهدون لصياغة حرب مع إسرائيل. لذلك نقول إن هذا الكلام لا ينطلق من واقع. عندما ندرس تاريخ العدوان الإسرائيلي على لبنان، نجد أن إسرائيل كانت تتحرك من دون أساس. في حادثة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، ما هي المناسبة لكي تهجم إسرائيل على لبنان وتحتل بيروت؟... إن المسألة ان هناك سياسة إسرائيلية أميركية تحاول الاستفادة من هشاشة الوضع في لبنان قبل أن تنشأ المقاومة الإسلامية. عام 1982 لم تكن هناك مقاومة إسلامية. كانت المقاومة فلسطينية. لم يكن الشيعة من يدير الحرب مع إسرائيل آنذاك. لذلك أعتقد أن الذين يتحدثون بهذه اللغة، ليسوا مقتنعين بما يتحدثون به، وإنما يحاولون إثارة الأمور من أجل تسجيل النقاط.
أقول بكل مسؤولية، إن الشيعة في لبنان هم أكثر الطوائف الذين يتحملون مسؤولية الأمن في لبنان والانفتاح على المواقع الأخرى لصنع لبنان السيد الحر المستقل. والشيعة في لبنان لا يقبلون أن تحكمهم سوريا ولا إيران. هم يريدون أن يكونوا مواطنين متساوين مع المواطنين والآخرين، تحكمهم الحقوق والواجبات، وكل كلام غير ذلك هو كلام غير واقعي.
الشيعة والسلاح
÷ لكن الشيعة هم الطرف الوحيد الذي يملك سلاحا في لبنان، وإسرائيل دولة عدوة كانت وستبقى. فهل هذا يعني أن السلاح سيبقى حتى إيجاد حل مع إسرائيل أو زوالها؟
{ إن مشكلة الشيعة في سلاحهم أنهم الفئة الوحيدة التي تتحمل مسؤولية حماية لبنان. وعندما يرتفع الخطر عن لبنان تزول ضرورة هذا السلاح. لن تبدأ إسرائيل بالحرب ولن نقوم بأي حركة تجعل الوضع الأمني في لبنان مختلا. وعندما تكون دولة قوية قادرة تستطيع حماية لبنان من أي عدوان، سوف ننزع سلاحنا.
نعم الشيعة لديهم سلاح، وقد قالوا للآخرين تعالوا لنقاوم معاً. المسألة أن الشيعة لديهم سلاح، فأين ولماذا يستعملون هذا السلاح؟ وهل أنهم يبادرون الى الحرب مع إسرائيل بمناسبة وبدون مناسبة؟ هذا غير واقعي. ولكن إذا اعتدت إسرائيل فنحن لها.
÷ ولكن هل سيبقى هذا السلاح طالما إسرائيل موجودة؟
{ عندما تحصل علاقات طبيعية بين لبنان وإسرائيل لا تعود هنالك ضرورة للحرب والسلاح.
÷ العلاقات بين لبنان وسوريا، لا تبدو الأبواب مفتوحة لتطبيعها. كيف السبيل الى ذلك؟
{ لا بد أن يأتي وقت تعود فيها العلاقات طبيعية. إن لبنان لا يستغني عن سوريا، ولا تستغني سوريا عن لبنان. وهناك نقطة كان يرددها السوريون، وهي أن لبنان يمثل خاصرة سوريا، وان كل الانقلابات في سوريا كانت تحدث من لبنان. لذلك نعتقد أن البلدين بحاجة الى تطمينات متبادلة.
ولكن دخل على العلاقات اللبنانية ـ السورية، موضوع العلاقات الأميركية ـ السورية، والعلاقات الإسرائيلية ـ السورية. لذلك من الصعب جدا حصول علاقات طبيعية جدا في الوقت الحاضر بين لبنان وسوريا، إلا بعد أن تتوازن سياسة الإدارة الأميركية بين لبنان وسوريا.
÷ هناك من يتحدث عن تمايز في النظرة الإيرانية والسورية الى لبنان.. كيف تنظرون الى ذلك؟
{ من الطبيعي جدا ان إيران ليست على حدود لبنان، بينما سوريا هي دولة مجاورة للبنان. لذلك لست في مقام تبرير أي وضع سلبي، لكن طبيعة الجوار المباشر، قد تترك تأثيرها على الوضع السياسي، وهذا ما نلاحظه في كل الدول المتجاورة. من الطبيعي في كل دولة كبيرة مجاورة لدولة صغيرة أن تكون هناك علاقات غير طبيعية إذا لم توضع ضوابط معينة للعلاقات.