النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2005
    المشاركات
    732

    افتراضي حديث الشيطان .. احمد مطر

    حديقة الإنسان ..حديث الشيّطان

    بقلم : أحمد مطر :
    ظلّ الصحافي الإيطالي (ريكاردو أوريزيو) لأعوام عديدة، يحمل في محفظته قصاصتين عتيقتين مصفرّتين، لم يملك الشجاعة علي التخلّص منهما، علي الرغم من تصميمه التام علي ذلك. وحين كانت محفظته تتهرأ كان ينقلهما إلي محفظة جديدة.

    وكان أوريزيو قد عثر علي هاتين القصاصتين بينما كان يقلّب بعض الصحف الأجنبية، في غرفة الأخبار في الصحيفة التي عمل مراسلاً لها في مدينة ميلانو.

    القاسم المشترك بين القصاصتين المأخوذتين من صحيفة الغارديان اللندنية، هو أنّهما تشيران إلي طاغيتين أفريقيين متّهمين بأكل لحوم البشر، الأول عاد إلي وطنه، بعد فراره منه بزمن طويل، وأعلن أنّه قدّيس، والثاني فرّ من بلاده ولم يعد إليها حتي وفاته، لكنّه اشتهر بأنّه كان في (رحلة حجّ مديدة)!.

    كانت القصاصة الأولي تشير إلي (بيدل بوكاسا) إمبراطور أفريقيا الوسطي، فيما كانت الثانية تشير إلي (عيدي أمين) رئيس أوغندا، الذي زهد في رتبة الإمبراطور واكتفي بأن يكون (آخر ملوك اسكوتلندا)!.

    وقد قُدّر لهاتين القصاصتين أن تكونا خميرة لمشروع غير مسبوق، إذ دفعتا أوريزيو إلي إجراء مقابلات مع عدد من الطغاة السابقين أو مع شركائهم والمقرّبين منهم، فكانت الثمرة كتاباً فريداً عنوانه (حديث الشيّطان) صدرت طبعته العربية عن دار بترا، بترجمة عهد علي ديب.

    تضمّن الكتاب لقاءات مع أو حول: عيدي أمين - أوغندا، بوكاسا - أفريقيا الوسطي، ياروزلسكي - بولندا، أنور خوجا - ألبانيا، دوفالييه - هايتي، منغيستو هيلاميريام - أثيوبيا، ميلوسوفيتش - يوغسلافيا.

    أمّا الجنرال (مانويل أنطونيو نورييغا) دكتاتور بنما الشهير، المقيم في سجنه الأمريكي، فقد رفض أن يقابل المؤلف.

    وكان أوريزيو، في رسالته للجنرال، قد أبلغه أنّه بصدد تأليف كتاب عن (أشخاص منسيين) ممّن كانوا ذات يوم في موقع السّلطة، وتسبّبوا بمشاكل عانت منها بلدانهم.

    وفي ردّه الذي تضمّن رفضه إجراء مقابلة معه قال نورييغا: (إنني لا أعتبر نفسي شخصاً منسيّاً، لأنّ الله، الخالق العظيم الذّي خلق الكون، الله الذي يقرّر مصائر النّاس - وإن يكن بصورة غير عادلة أحياناً - لم يقُل كلمته الأخيرة بشأن مانويل نورييغا).

    ها هو ذا طاغية كان يتاجر بالمخدّرات، تحت نظر وسمع المخابرات المركزية التي صنعته، وكان والغاً في دماء أبناء شعبه دون رحمة، لكنّه ما أن هوي من عليائه بأيدي صانعيه، حتي تحوّل إلي قدّيس يستحضر ربّه في كلّ جملة! ولنا أن نلاحظ كيف أنّه تذكرّ بعد السّقوط أن الله هو خالق الكون العظيم، وأنّ الله هو الذي يُقرر المصائر (وليس الطغاة أمثاله).. لكن من حسن حظّ الحقيقة أنّ الطبع يغلب التطبّع دائماً، فها هو برغم تقواه، ينزلق إلي اتّهام الله بأنّ تقريره للمصائر ليس عادلاً أحياناً!.

    وعن سبب اقتصار كتابه علي هؤلاء السبعة دون غيرهم، يشير أوريزيو إلي أنّه اختار، عن عمد، أولئك الطغاة الّذين سقطوا من السّلطة إلي الخزي، إذ لا ينزع أولئك الذين يسقطون واقفين لأن يتفحّصوا ضمائرهم. فقد بقي (أوغستو بينوشيه) رجلاً ذا سلطة يحترمه العديد من الناس في شيلي، كذلك خُلعَ (سوهارتو) من الحكم في أندونيسيا، غير أنّ ثروته (المسروقة من دم الشّعب طبعاً) قد ظلّت تحميه، وعلي الرّغم من اتّهام (أميلدا ماركوس) بالفساد، فإنّها عادت إلي مانيلا لتجمع كمية ضخمة أخري من الأحذية الثّمينة، أمّا (ألفريدو ستروسنر) الطاغية المثالي الّذي طُرد من باراغواي عام ،1989 فقد ضمنت له البرازيل جنّة آمنة في ربوعها دائماً.

    ويضيف أنّ طغاة كتابه يفتقدون عزاء الثّروة، وإذا عاشوا في بحبوحة، فإنّهم يفتقدون عزاء الحصانة. فمن بين أكلة لحوم البشر، نري أنّ بوكاسا مات فقيراً، فيما كان أكثر الأشياء قرباً من حياة الرّخاء بالنسبة لعيدي أمين، هو اشتراك في صالة رياضيّة في أحد فنادق جدّة!.

    وكذلك الحال بالنسبة لأكلة أرواح البشر: فقد ظلّ جان كلود دوفالييه، مثلاً، يعاني الفقر لفترة من الزمن، بحيث لم يستطع دفع فواتيره المنزليّة، كما قضت (نيكسمي) زوجة أنور خوجا مدّة في السجن، ثمّ عاشت بعد الإفراج عنها حياة متواضعة جداً.

    يقول أوريزيو: إنّ هؤلاء الطغاة السّاقطين إلي الخزي يبدون وكأنّهم ليسوا السبب في جميع المصائب التي حلّت ببلدانهم، وإنّما في بعضها فقط، وفي أحيان أخري يرون أنّهم غير مسؤولين حتي عن هذا البعض من المصائب، بل يمضون إلي حدّ القول بأنّهم كانوا منقذين لأوطانهم وشعوبهم!.

    ويخلص إلي أنّ هذه الفكرة تلازم جميع الطغاة السّابقين، مختتماً بأنّه ليس في وارد الحكم علي كون هذه الفكرة صحيحة أم لا، ولا في موضع التّساؤل عمّا إذا كان بمقدورنا أن نسامحهم. بل إنّ كلّ ما يسعنا القيام به هو أن (ندرسهم) عسي أن يساعدنا ذلك علي الوصول إلي فهم أكبر لأنفسنا!.

    إنّ هذه النقطة المهمّة التي ختم بها أوريزيو مقدمة كتابه هي نفسها التي انتهت إليها الروائيّة الشيليّة الفذّة (إيزابيل أللندي) في مقابلة تلفزيونيّة أجريت معها مؤخّراً.

    فعند عودتها إلي بلادها، عقب وفاة الطاغية (بينوشيه)، قالت إنّها، بعد ثلاثين عاماً من الغياب، كانت تتأمّل وجوه النّاس في شوارع بلادها، فتراهم أشخاصاً عاديين وطبيعيين، فتدهش حين تستذكرهم في أيّام الطاغية وقد تحوّلوا إلي وحوش مفترسة!

    ثمّ تتوقّف عن وصف تلك الأيّام لتقول: يبدو أنّ الطغيان موجود في داخل كلّ واحد منّا!.

    والنقطة المهمة الأخري التي استخلصها أوريزيو أثناء عمله علي مشروعه، تتعلّق بإحدي النتائج المريعة التي يخلّفها الطغيان بعد زواله، والتي يحدّدها بقوله: أحياناً يكون عزاء هؤلاء الطّغاة معرفتهم بأنّ البلدان التي أرغموا علي الهروب منها، قد أمست أسوأ ممّا كانت عليه عندما كانوا في الحكم!.

    وتلك النتيجة المؤسفة (التي نراها تتكرّر أمامنا) هي وحدها كبري جرائم الدكتاتوريّة، وهي وحدها كافية لأن تفرض علي العدالة واجب أن يكون أدني قراراتها: قتل الطاغية آلاف المرّات!.

    إنّ العجائب التي تضمّنها كتاب (حديث الشيّطان) تبدو فريدة ومثيرة ومؤلمة، لكنّ أكثرها تفرّداً وإثارة وإيلاماً، هي عجيبة شيطاننا الأوغندي (عيدي أمين)، لأنّها كانت، في الوقت نفسه، مثيرة للضحك إلي أبعد حدّ، ممّا يقضي بأن تفرد لها وحدها مساحة خاصّة تليق بعمق وضخامة المصيبة.

    http://www.raya.com/site/topics/arti...&parent_id=139
    و مراد النفوس أصغر من أن تتعـــــادى فيه و أن تتفــــانى

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    3,861

    افتراضي

    لقد كان من المفروض ان يقتنص الكاتب سقوط اكبر طاغية عرفته البشرية (صدام الجرذ) ويجري لقاء معه مباشرة او عن طريق احد محاميه الفلته لكي يتعرف العالم على هذا الطاغية الذي لم يكتف بانه دمر البلد بل انه اهلك الحرقث والنسل

    وكان من المناسب ان يسمي لقائه مع صدام الجرذ بحديث اكبر شيطان او رئيس الشياطين

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2005
    المشاركات
    732

    افتراضي حديقة الإنسان ..شيطاننا الأوغندي!

    بقلم : أحمد مطر :
    من بين أبرز الطغاة الذّين التقاهم الصحفي الإيطالي ريكاردو أوريزيو، ونشر وقائع لقاءاته معهم في كتابه المميّز (حديث الشّيطان) يبدو شيطاننا الأوغندي (عيدي أمين) نسيج وحده شكلاً ومضموناً، ذلك أنّ هذا المخلوق العجيب الذي اشتركت ليبيا والسّعودية في تخليصه من مصيره المحتوم، قد كان مرعباً ومضحكاً في الوقت ذاته، ممّا جعله تجسيداً حياً للقول المأثور عن (شرّ البليّة)، ولعلّ أكبر ما في هذا البلاء من شرّ هو أنّه أبي، كغيره من شياطين هذا الزّمان، إلاّ أن يتلفّع بعباءة إسلامنا العظيم، ليدنّسها بأفعال يكاد يبرأ منها الشّيطان الرّجيم نفسه.

    كان هذا الرّجل ملاكماً، خاض النّزالات في الحلبة قبل وبعد تولّيه الرئاسة. فعقب إطاحته (ميلتون أوبوتي) بانقلاب عسكري، اختار نفسه بنفسه للمنتخب الأولمبي الأوغندي، وخاض عدّة نزالات مع عدد من المتبارين الذين هُزموا جميعاً شرّ هزيمة!.

    وبالرّغم من أنّه كان مجرّد عريف طبّاخ، فقد رقّي نفسه بعد الانقلاب لرتبة (جنرال) وأعلن أنّه (الرّئيس الوحيد الذي علي اتصال مباشر مع الله)!.

    ومن مظاهر عبقريته أنّه كان يطرد وزراءه، ويُطلّق زوجاته أيضاً، عبر خطابات مُتلفزة!.

    وعندما شكا أحد وزراء المالية من أنّ خزائن الحكومة فارغة، انفجر أمين غاضباً: إذا لم يكن لدينا مال فالحلّ سهل جداً: يتعيّن عليكم أن تطبعوا نقوداً جديدة!.

    فانحني الوزير وغادر الغرفة، ثمّ فرّ إلي لندن، وبذلك أنقذ جلده.

    وعندما اتُهم بالفساد لم يُنكر ذلك، بل أجاب: إنّ إدارة دولة تشبه إدارة عمل تجاري ضخم، إذ يتعيّن عليك أن تمنح نفسك راتباً لائقاً!.

    أمّا شغفه بالدبلوماسية الدّولية فقد عبّر عنه بحديث إلي راديو كمبالا، حيث قال: ليس هنري كيسنجر، علي ما يبدو، رجلاً بالغ الذّكاء. إذ أنّه لا يأتي أبداً إلي كمبالا لكي يستشيرني فيما يخصّ القضايا الدّولية!.

    أمّا أطرف وصلاته الفكاهيّة فقد كانت عندما زار لندن فجأة في عام ،1971 دون إبلاغ السّلطات البريطانيّة. وعندما دُعيا إلي مائدة الغداء مع الملكة في اليوم التالي، كما ينصّ البروتوكول، سألته الملكة بتهذيب عن سبب زيارته المُفاجئة، فقال دون تردّد إنّه جاء للتسوّق.. ففي أوغندا، يا صاحبة الجلالة، يصعب العثور علي زوج من الأحذية من مقاس أربعين !.

    ويبدو أنّ هناك مَن أفهمه بأنّ زيارات الدّولة تتطلّب أخذ العلم مسبقاً. لذلك فقد أذاع راديو كمبالا في عام 1975 أنّ قصر باكنغهام تلقّي الرسالة التالية من عيدي أمين:

    (عزيزتي الملكة.. أنوي الوصول إلي لندن في زيارة رسميّة في الرّابع من أغسطس هذا العام، وإنني أكتب في هذا الوقت لتقومي بجميع التحضيرات اللاّزمة لإقامتي، بحيث لا يُلغي أيّ شيء مهم. أنا مهتم بالطعام بوجه خاص، لأنّني أعلم أنّكم تعانون أزمة اقتصادية. كما أودّ أن ترتّبي لي زيارة إلي اسكوتلندا وإيرلندا وويلز، كي ألتقي بزعماء الحركات الثّورية الذّين يُناضلون ضدّ قمعكِ الإمبريالي)!.

    وحين لم يكن في زيارات رسمية، كان أمين يتسلّي بكتابة البرقيات، وقد دخل كثير من برقياته حوليات التاريخ الدبلوماسي.

    كتب إلي ريتشارد نيكسون أثناء أزمة ووترغيت: (إن كانت بلادك لا تفهمك، تعال إلي بابا أمين الذي يحبّك. أُقبّلك علي خدّيك.) وقد ذيّل البرقية بالنصيحة التالية: (عندما يكون استقرار الأمّة في خطر فإنّ الحلّ الوحيد هو أن تسجن قادة المعارضة)!.

    وإلي الحكومة الإسرائيليّة خلال حرب رمضان: (آمركم بالاستسلام)!.

    وإلي الأمين العام لرابطة دول الكومنولث البريطانية: (نظراً لنجاح الثورة الاقتصادية في أوغندا، أؤكّد لكم أنني المرشّح المثالي لقيادة الكومنولث بدل بريطانيا التي تعاني أزمة اقتصادية خطيرة)!.

    وإلي الحكومة التركية عقب غزو قبرص مباشرةً: (أطلب رؤية خططكم العسكرية وفيلم عن عملية الإنزال، لأنّها ستكون ذات فائدة يوم يهاجم جيشي جنوب أفريقيا)!

    وإلي كورت فالدهايم أمين عام الأمم المتّحدة.. وضابط الحرب السابق: (أعبّر عن دعمي لشخصيّة أدولف هتلر التاريخية، الذي شنّ الحرب بغية توحيد أوروبا، وكانت غلطته الوحيدة أنّه خسرها)!.

    وقبل أن ترسل تلك البرقيّة ببضع ساعات، أذاع راديو كمبالا بياناً للرئيس عيدي أمين يُعلن فيه أنّه علي وشك بناء تمثال لهتلر!.

    ألا تذكّرنا تلك العبقريات بأمور ما لعباقرة ما، لا يزالون يصعدون فوق جماجمنا، لبناء التماثيل لأمثاله؟!.

    بعد سقوط هذا العبقري مباشرةً اكتُشفت رؤوس خصومه المقطوعة محفوظةً في ثلاّجات مقر الرئاسة!.

    كما اكتشف مقتل ما لا يقل عن ثلاثين ألف إنسان خلال فترة حكمه التي استغرقت تسعة أعوام تقريباً.

    وماذا كانت عقوبة ذلك الجزّار المجنون؟

    لقد كانت: لقبَ (حاج) وراتباً متّصلاً لرحلة حجّ مديدة، بدأت بسقوطه من قيد الحكم، وانتهت بسقوطه من قيد الأحياء.

    كان أوريزيو قد سأل عيدي أمين علي الهاتف:

    - هل تشعر بالنَّدم؟

    فأجاب: كلاّ.. أشعر بالحنين فقط.

    - إلامَ؟

    - إلي الوقت الذي كنت فيه ضابط صفّ أقاتل ضدّ الماو ماو في كينيا.. كنت قويّاً مثل ثور.. كنت جندياً جيداً في الجيش البريطاني. ولدت في عائلة شديدة الفقر، ولذلك تطوّعت هرباً مِن الجوع.

    إنّ هذا الحنين المفرط الذي يبدو غريباً انبعاثه من نفس مقفرة من المشاعر الإنسانية، يعيد إلي أذهاننا المثل الشعبي المشهور (تموت الدّجاجة.. وعينها علي المزبلة)، إذ يبدو أنّ شعوره بالجوع، بعد السقوط المخزي، قد أنساه كلّ ما يتعلّق بكرسي الرئاسة ورتبة الجنرال، ولم يُبقِ في ذهنه سوي شيء واحد: هو مطمح العودة إلي رتبة العريف الطبّاخ!.
    و مراد النفوس أصغر من أن تتعـــــادى فيه و أن تتفــــانى

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني