الغيبوبة، تعبير له معنى واسع، والاطباء الان يعلمون انها حالة تنقسم الى العديد من الحالات، بغض النظر عن مستوى الغيبوبة. يجري الان تقسيم حالات الغيبوبة الى الحالة الاولى: فقدان الوعي التام، الحالة الثانية: وعي ظاهري، الحالة الثالثة: الحد الادنى من الوعي او الوعي المتتداخل، واخيرا الحالة الرابعة: الوعي المشلول. الحالة الاولى، فقدان الوعي التام، تتميز بعدم القدرة على ايقاظ المصاب بأي شكل من الاشكال، وكونها مؤقتة.. فقدان الوعي يمكن ان يستمر من يوم الى بضعة اسابيع. بعد ذلك يدخل المصاب في حالة فقدان الوعي الثانية: الوعي الظاهري.
من سمات الحالة الثانية ان اعين المصاب مفتوحة مابين اليقظة والنوم، ولكن ردود فعله إنعكاسية فقط. هذه الحالة دائمية، ولكن يمكن للمصاب، على المدى الطويل، ان يشعر بالتحسن. يطلق على الحالة تعبير " دائمة" عندما يكون قد مر على فقدان الوعي عاما.
في حالة الحد الادنى من الوعي، يكون المصاب واعيا اكثر بقليل من الحالة السابقة. بعض المصابين يمكنهم ، مثلا ، الابتسام او الضغط على يد مصافحهم، ولكنهم ليسوا واعين بما يكفي للتعبير عن حاجاتهم.
مرحلة الوعي المتتداخل هي من خصائص المصاب الذي يستيقظ من فقدان وعي ويمكنه ان يسمع ويفهم، ولكن ولكون الدماغ قد تضررت خلاياه العصبية، نجد ان المصاب يبقى مشلول تماما ولايمكنه التكلم او تحريك تعابير وجهه، بالرغم من ان البعض قد يستطيع تحريك عيونه. هذه الحالة نادرة للغاية.
Kate Bainbridge احدى المصابات النادرات التي تمكنت من الشفاء بالرغم من انها كانت مصابة بالحالة الثانية. لقد استيقظت من غيبوبتها، عام 1997، بعد ان فقد الاطباء الامل، وكان التشخيص على انها غيبوبة دائمة. ولكن كان الوضع مرعبا لها عندما استيقظت ولم تستطع ان تحرك اي عضلة لتخبر من حولها ان الوعي قد عاد اليها. هذه الحالة اجبرت الاطباء على التساؤل فيما إذا كان دماغ المصابين فعلا في غيبوبة وفاقدين للوعي كما يخبرنا مظهرهم الخارجي، او ان الدماغ يملك نشاطاً غير ملحوظ. في نهاية عام 2006 نشر العلماء الانكليز نتائج دراسة قامت على التصوير الشعاعي لدماغ احد المرضى بالحالة الثانية، التي تضمن غيبوبة تامة، اظهرت انه " موجود فكريا" والى حد كبير يستطيع التفكير بشكل طبيعي. هذه النتائج كانت مفاجأة للغاية، وطرحت التساؤل التالي: إذا كان دماغ هذا المصاب يمكنه من التفاعل بمستوى غير منظور، فهل للدماغ قدرات اخرى ناشطة مخفية عن ملاحظتنا؟
الابحاث تشير الى اننا نستخدم كلمة " الغيبوبة" على مساحة واسعة من الاحداث، في حين علينا وضع تعريفات افضل للغيبوبة للتفريق بين الغيبوبة التي لا يمكن الشفاء منها وبين البقية ، حسب مقدار احتمال الشفاء ومقدار الموارد المطلوبة للشفاء.
عالم الدماغ المتخصص Adrian Owen من جامعة كامبريدج الانكليزية قام وخلال عشرة سنوات بتصوير النشاط الدماغي بمساعدة جهاز التصوير المغناطيسي، ليضع خارطة إستهلاك الدماغ للاوكسجين، وبالتالي تحديد نقاط حدوث النشاط الدماغي.
الغيبوبة هي حالة لم يجري عليها دراسات ولذلك فأن العلماء لايعرفون الكثير عنها مما يجعلها مصدر للمشاكل بما فيها الاخلاقية. يوصف المريض انه في حالة غيبوبة عندما يتوقف عن التعاطي مع العالم الخارجي إلا بردود فعل انعكاسية. لذلك كان الاطباء يعتبروه غير واعي بمايحدث حوله. عندما بدأ ادريان اوين ابحاثه كان يفترض عدم وجود نشاطات دماغية عل الاطلاق عند المصابين. ولكن التصوير اظهر ان 40% من المصابين يملكون نشاطات في منطقة الكلام مما يعني ان ادمغتهم تفهم مايقال.
بالتعاون مع الاختصاصيين اللغويين تم تعيين مجموعة كلمات لها معاني مزدوجة ولايمكن فهمها إلا في سياق جملة مفيدة. إذا نظرنا مثلا الى هذه الجملة الانكليزية: The creak came from beam in the ceiling حيث الكلمات الحمر يمكن ان تلفظ بنفس الطريقة ويكون لها معنى اخر، مثلا Creak/creek, beam/beam, ceiling/sealing. عند معالجة تعبير من هذا النوع عند الاشخاص الاصحاء تنشط منطقة اضافية في الدماغ. لذلك فمن اجل ان نفهم كلمة من هذا النوع يجب ان تكون مناطق الدماغ قادرة على التواصل مع بعضها، وهذا بحد ذاته يشير الى ان الشخص المعني واعي.
استطاع اوين اكتشاف العديد من النقاط الدماغية النشطة تماما كما عند الاصحاء، ولفترة طويلة اعتقد ان ذلك يكفي للبرهنة على ان اجزاء الدماغ تستطيع التفكير بشكل واعي، ولكن بعد فترة تسلل الشك الى نفسه. التجارب اظهرت ان الانسان يمكنه ان يتعلم وهو نائم نوما عميقا او تحت التخدير الكامل، تماما كما يمكن توجيه سؤال لشخص قد بدأ بالانتقال الى حالة النوم والحصول منه على جواب غير واعي. لهذا السبب قرر توسيع نطاق الاختبارات.
بالتعاون مع Melanie Boly and Steven Laureys, وهم عالمين بلجيكيين قدم Adrian Owen الى المتطوعين المشاركين بالتجربة بضعة مهمات. هنا بعض الامثلة على هذه المهمات، " فكر بوجه امك"، " غني اغنية بدون اصدار صوت"، "تصور انك تتنقل بين غرف المنزل واستعرض ذلك في مخيلتك"، " تصور انك تلعب بالتنس". جميع هذه النشاات الفكرية كانت سببا لنشوء نشاط في الدماغ وخصوصا المهمتين الاخيريتين ظهر انهم ينشطون المنطقة المسؤولة عن إعادة التعرف على الاشياء.
في اليوم التالي جرت التجارب على مريضة بالغيبوبة من الحالة الثانية،Vegetative ، بعد اصابتها بحادث سيارة عام 2005. كانت النتائج مفاجأة، إذ لم يكن احد يعتقد في السابق ان دماغ في هذه الحالة من الغيبوبة لايجري به اي نشاط، ولكن هنا يظهر بوضوح ان مناطق الدماغ " الصحيحة" تبعث اشعاعات تشير الى انها نشيطة بنفس ماهو الامر عند الاصحاء. من الواضح ان المصاب كان يستطيع السمع وفهم الاوامر والقيام بردود فعل تتناسب معهم، ويظهر وجود إرادة قوية. لقد كان من الواضح للغاية وبدون اي مجال للشك ان المصابة " واعية" بما حولها.
بعض الناقدين ادعوا ان ردود الافعال هذه يمكن ان تكون غير مسيطر عليها، ولكن اوين اشار الى الاوامر اعطيت لمرة واحدة قام المصاب على اثرها بالتنفيذ واستمر في ذلك الى ان جاء اليه الامر ان يتوقف، في حين لو كان الامر غير مسيطر عليه لجرى لبضعة ثوان فقط.
هذه المرة كانت الاولى التي يتمكن فيها الاطباء من التواصل مع انسان في حالة غيبوبة، وبفضلها امكن الاستنتاج ان طرق التشخيص السابقة كانت خاطئة. التجربة اظهرت ان الطرق الكلاسيكية التي يستخدمها الاطباء لرسم بيانات الغيبوبة، الى حد كبير مشكوك فيها. احدى الامثلة على ذلك امرأة كانت في وضع الغيبوبة وتروي فيما بعد كيف انها تذكر طلب الطبيب لها بأن تضغط على يده ولكنها لم تفعل لانها لم ترى مغزى في ذلك. هذا النوع من المعوقات يمكن تجاوزه بمساعدة التصوير المغناطيسي لنشاطات الدماغ.
إضافة الى ذلك وبواسطة التصوير المغناطيسي يمكن ان نعلم مبكرا بمن سيكون قادر على التشافي. هذا الامر تم الوصول اليه من خلال تجربة جرت في بكين، حيث جرى تصوير سبعة مصابين وهم يلفظون اسمائهم. بعد بضعة اشهر ظهر انه فقط المصابين الذي ظهر لدى دماغهم، عند لفظ الاسم، ردود فعل كالتي لدى الاصحاء وحدهم الذي تعافوا. حتى بالنسبة للمصابين الذي لايستطيعون التكلم يمكن للتصوير المغناطيسي ان يعلمنا فيما إذا كانوا يتواصلون مع العالم المحيط ام لا.
هذه الامكانيات الجديدة تساعد على خرق العزلة بيننا وبين المصابين بالغيبوبة، ولكن حتى الان لااحد يعلم لماذا بعض المصابين يتعافون والبعض الاخر يبقى في غيبوبته الى الابد. غير ان الاطباء يعلمون ان هناك ثلاثة عوامل حاسمة في تقرير مصير المصاب: عمر المصاب، سرعة معالجة الاصابات الدماغية الاضافية، والمدة التي انقضت على المصاب في حالة الغيبوبة. يطلق على المصاب بالغيبوبة لمدة سنة بأنه " دائم" ولكن من الممكن تماما ان يتعافى بالرغم من ان حظه قليل للغاية.
الامريكي Terry Wallis والذي استيقظ بعد 19 سنة من الغيبوبة، يشير الى انه لايجوز على الاطلاق فقدان الامل. التصوير المغناطيسي اظهر ان بعض اضرار الدماغ قد عالجت نفسها بنفسها. غير ان العالم ستيفين لاوريس يحذر من ان هذا الامر نادر للغاية، إذ ان اغلب المرضى لايتعافون ابدا او قليل للغاية. خبير الدماغ يشير الى ان حالة تيري واليس خاصة للغاية، بسبب ان اهله والمساعدين الصحيين قاموا بمساعدة دماغه على البقاء في حالة نشاط بإستمرار ، على مدى هذه الاعوام، من خلال برنامج خاص للتكلم معه.
المعضلة الاخلاقية التي تواجهنا في مثل هذه الحالات هي ماذا ينتظر المصاب عندما يصحى من غيبوبته؟ بالتأكيد ليست هناك مشكلة إذا نهض المريض من غيبوبته بعد بضعة اسابيع ولكن الموضوع يمس الذين يصون بعد بضعة سنوات. إضافة الى ذلك فأن صحوتهم لن تعني على الاطلاق انهم اصبحوا في نفس قدراتهم العقلية السابقة للاصابة. ومهما كان الامر، فأن الطب يتعلم وسيحقق بالتأكيد نجاحات اكبر في المستقبل تسمح له بإيقاظ حتى اهل الكهف.
المصادر:
:person in a vegetative state can communicate
Adrian Owen
neuropsychological studies in brain-injured patients
Vegetative patient
Catching up on two lost decades]person in a vegetative state can communicate
Adrian Owen
neuropsychological studies in brain-injured patients
Vegetative patient
Catching up on two lost decades