النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2006
    المشاركات
    429

    افتراضي دور المرجعية في الحياة السياسية في العراق

    قبل الحديث عن العنوان لابد أن نتحدث عن موقع المرجعية في قلوب وعقول الأمة، إذ يعتقد المسلمون الذين تلقوا تعاليم الإسلام عن طريق أهل بيته المعصومين (صلوات الله عليهم) أجمعين إن الذي يمثل قمة الهرم في قيادة الدولة الإسلامية هو رسول الله (صلى الله عليه واله) ومن بعده الأئمة المعصومون الإثنا عشر الذين عينهم رسول الله (صلى الله عليه واله) بأسمائهم جيلا واحداً بعد الآخر.

    وقد سنحت الفرصة لممارسة هذا الدور لرسول الله (صلى الله عليه واله) في المدينة المنورة ولأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) مدة خمس سنين بعد مقتل الخليفة الثالث ولولده الحسن بن علي سنة واحدة بعده، أما الباقون فلم تتوفر لهم هذه الفرصة وهم –بحسب ما تتمتع به قيادتهم من خصائص- لا يكرهون الناس على اتباعهم بالقوة بل يقنعون الأمة بمشروعهم فإذا اقتنعت الأمة بقيادتهم مارسوها، وإلا مارسوا دورهم الإيجابي المبني على الحوار و الإقناع ولما اقتضت المشيئة الإلهية خفاء الإمام الثاني عشر بعنوانه لا بشخصه وإلا فانه موجود بين الناس ويعيش كما يعيشون لكن الناس لا تعرفه بشخصه خصوصاً بعد مرور هذه المدة الطويلة على وجوده، وقد ادخره الله سبحانه ليؤسس دولة الحق والعدل حينما تفشل كل النظم التي يبتدعها البشر ويقتنعون بها وسيتطلّعون تلقائياً الى المنقذ العظيم.

    ولأن حاله غياب القائد عن الاتصال المباشر باتباعه غريبة عن الناس فلذا مهّد لها الأئمة الذي سبقوا الإمام الثاني عشر بالتثقيف والتوعية وبيان المبررات وبالممارسات العملية أحياناً كانقطاع الإمام عن جماهيره مدة ونصب وكلاء له حتى أصبحت الأمة قادرة على التعايش مع هذه الحالة فوقعت غيبة الإمام الثاني عشر ووضّح لاتباعه معالم طريقهم فلم يعيّن له خلفاء محدّدين بالاسم وإنما وضع شروطاً فمن انطبقت فيه هذه الشروط كان هو النائب عن الإمام وعلى الأمة أن تتبعه كما تتبع الإمام المعصوم حيث قرنت الأحاديث الشريفة طاعة المرجعية الدينية الجامعة للشروط الآتية بطاعة الإمام (عجل الله فرجه الشريف).

    ومن هذه الشروط بلوغ أعلى الدرجات العلمية المعروفة بـ (الاجتهاد) وحصول القدرة على التوصل إلى الحكم الشرعي من مصادر التشريع الأصلية ولا يتلقاه تقليداً من الفقهاء السابقين مهما بلغوا من الرقي العلمي وهذا الشرط يتطلب اتقاناً وعمقاً في علوم عديدة.

    والشرط الآخر هي الدرجة العالية من ضبط جماح النفس وكبح شهواتها والعمل الجاد على تحليتها بفضائل الأخلاق وتهذيبها من الرذائل الخلقية التي تنافي إنسانية الإنسان ونهت عنها الشرائع الإلهية المقدسة .

    والشرط الآخر: الخبرة بشؤون الحياة وتفاصيلها وما يكتنف الأمة من أحداث وتحديات. ويستعين بالخبراء في مختلف الاختصاصات إذا لم يكن محيطاً بها بالمقدار المطلوب.

    وتقوم هيئة من العلماء القادرين على التحقق من توفر هذه الشروط في المجتهد لتعترف له بالمرجعية وتدعو الناس الى تقليده والرجوع إليه في الأحكام الشرعية.

    فالدور الذي تؤديه المرجعية الدينية في حياة الأمة هو امتداد لدور الأئمة المعصومين سلام الله عليهم الذي هو امتداد لدور النبي (صلى الله عليه واله)، وقد عرضنا العشرات من محاور هذا الدور ووقائع تفصيلية كتطبيقات لها في كتاب (دور الأئمة في الحياة الاسلامية).

    كما إننا شرحنا الخصائص النفسية والملكات الفاضلة التي ينبغي توفرها في شخصية القيادة الإسلامية من خلال دراسة سيرة رسول الله (ص) في كتاب (الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين).

    ثم لخّصنا الخطوط العامة لدور المرجعية الدينية في حياة الأمة في مقدمة كتابنا (سبل السلام) الذي يتكفل ببيان الأحكام الشرعية وحلول المشاكل التي يمكن أن يواجهها المسلم في حياته إبتداءاً من الطقوس العبادية التي يؤديها لربّه كالطهارة والصلاة والصوم ومروراً بعلاقاته الاجتماعية كالزواج والمعاملات الاقتصادية وانتهاءاً بالأحكام العامة كالقضاء وفضّ النزاعات.

    وهذا كله مستند إلى نصوص وقواعد مأخوذة من مصادر التشريع الاسلامي التي ثبتت بطريق صحيح.

    وهو يؤكد مصداقية الشريعة المقدسة في ادعائها القدرة على استيعاب كل تفاصيل الحياة وشؤون الناس ولذا قلنا في تلك المقدمة أن وظيفة الفقيه لا تنحصر بالفتوى وبيان الأحكام الشرعية وإنما له وظيفتان أخريان وهما:

    1- القضاء بين الناس وفض الخصومات.

    2- تدبير شؤون الأمة وولاية أمرها.

    ثم ذكرنا ضمن النقطة الثانية الخطوط العريضة لهذه الوظيفة.

    ومن خصائص رسالة المرجعية الدينية.

    1- اعتماد سياسة الحوار لإقناع الآخرين (راجع المسألة 30 والمسألة 31 ص28 من الجزء الأول من سبل السلام) وهذا هو مبدأ قرآني أصيل (لا إكراه في الدين)(ادعُ إلى سَبيلِ رَبِّكَ بالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وجَادِلْهُم بالَّتي هِيَ أحْسَن) النحل 125 (ادفع بالتي هي أحسنُ فإذا الذي بينَكَ وبينَهُ عَدَاوَةٌ كأنَّهُ وليٌّ حمِيمٌ) فصلت 34.

    2- العالمية: فهي تحس بآلام وهموم البشر جميعاً لأن قلبها مملوء بالرحمة وحب الخير لكل الناس تأسياً بالنبي (ص) الذي خاطبه الله تبارك وتعالى(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ومن كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى مالك الأشتر لما ولاّه مصرا (واستشعر قلبك الرحمة للرعية فانهم صنفان، أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) فتجد مرجعية النجف حاضرة بتعليقاتها ومواقفها في إعصار تسونامي في جنوب شرق آسيا (الملامح: 2/275) وإعصار كاترينا في الولايات المتحدة (الملامح2/348) والاضطرابات في فرنسا(الملامح: 2/360) ويَهنئ الحبر الأعظم بابا الفاتيكان بأعياد ميلاد السيد المسيح (ع) ويذكر القيمة المشتركة بين الديانتين الإسلامية والمسيحية(الملامح ج1/222) .

    أما حضورها في قضايا المسلمين خاصة فمشهود ومن أمثلة ذلك رسالة المرجعية إلى الرئيس الفرنسي جاك شيراك حينما كان بصدد تشريع منع ارتداء الحجاب في المدارس الرسمية(الملامحج1/193)

    ورسالة أخرى إلى الشعب الفلسطيني المظلوم (الملامح ج1/175) ويناقش بشفافية العلمانية (1/147) ويتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. (الملامح ج2/254 ج1/247) وغيرها.

    3- الشمولية: أي شعورها بالمسؤولية إزاء كل القضايا التي تمر بها الإنسانية لأنها تمثل الشريعة والقانون ونحن نعتقد أن الشريعة الإسلامية غطّت كل شؤون الحياة بالنصوص المباشرة أو وضعت القواعد التي يُستنبط منها الحكم والحل والموقف إزاء مختلف القضايا، ولذا فان الشريعة حينما أعطت هذا الدور الواسع للفقيه فإنها لم تعط له كشخص حتى يستكثر عليه وإنما أعطته للقانون الذي يمثله كالقاضي في النظم المتحضرة المعاصرة حيث لا سلطة للحكومة ولا لغيرها عليه وينفذ قراره على الجميع وهذه الهيمنة ليست له كشخص وإنما للقانون الذي يحكم به.

    وانطلاقاً من هذه المسؤولية تجد المرجعية تشخص بدقة أسباب العجز عن مكافحة مرض الإيدز ونتائجه الوخيمة ثم تدل على العلاج في بيان بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الإيدز (الملامح ج1/414) وكذا في اليوم العالمي لمكافحة التدخين(ج2/68)

    4- المبدأية ونظافة الأساليب: والأهداف، فهي لا تؤمن بأن (الغاية تبرر الوسيلة) ولا تجعل القيمة العليا في أعمالها ومشاريعها وسياستها للمصالح بل للمبادئ وكل مصلحة تتعارض مع المبادئ فهي مفسدة وللمرجعية خطاب تفصيلي ردّت فيه على عقيدة السياسيين بأنه لا توجد صداقات ثابتة ولا عداوات ثابتة وإنما توجد مصالح ثابتة فكان الرد بأنه توجد مبادئ ثابتة (الملامح ج1/61)

    5- الشفافية في التعاطي مع الجماهير وعدم اتباع سياسة الخداع والتجهيل والتضليل لأنها قوية بحقها فلا تخشى أحداً ولأنها لا تريد مكسباً لنفسها وإنما تريد الخير للآخرين (راجع خطاب: مبادئ الشفافية ومظاهرها)

    6- الحرص على إعمار الحياة وإقامة النظام المتحضر للمجتمع والمحافظة على الدولة والمؤسسات التي تحفظ النظام الاجتماعي العام،والمرجعية تضحي بكل حقوقها وامتيازاتها من أجل هذا الهدف حتى لو لم يكن النظام السياسي مبنياً على الإسلام (المسألة 29 من سبل السلام).

    وتأسيساً على هذه النقاط فقد كان للمرجعية الدينية في العراق الدور الإيجابي والبناء في منع انهيار المجتمع وانزلاقه إلى دوامة العنف والاقتتال رغم شراسة المؤامرات التي استهدفته وحافظت المرجعية على ممتلكات الدولة ومؤسساتها ومنعت من الأخذ بالثأر الانفعالي في بيان وتوجيهات إلى الأمة صدرت يوم 6/4/2003 أي قبل سقوط النظام لما تعلمه وتتوقعه من حصول هذه التداعيات (الملامح ج1/40)

    وفي ضوء ما تقدم يُظهر ان البحث يتجدث عن مفردة جزئية من حركة المرجعية الدينية ومسؤوليتها فأن وظيفتها اوسع من العمل السياسي وهمومها تتجاوز حدود العراق .

    برز الدور السياسي للمرجعية الدينية بعد سقوط النظام السابق عام 2003 وهذا لا يعني عدم وجود دور لها في التاريخ السابق ولكن الفرصة اتسعت بعد السقوط وحظيت حركة المرجعية بتسليط وسائل الاعلام.

    وقد بادرت المرجعية الى ممارسة دورها قبل 9/4 حينما بدأت ارهاصات الغزو والاحتلال وقبيل السقوط عندما بدأ النظام يترنح اصدرت توجيهاتها للشعب ركّزت فيها على وحدة الصف والحفاظ على الممتلكات العامة وحمايتها وتشكيل اللجان المحلية لمليء الفراغ بعد غياب الدولة وتحريم تصفية الحسابات بسبب ممارسات النظام السابق الاجرامية بحق الشعب وكان ذلك يوم 6/4/2003 ( الملامح مج /40)وقد نجحت المرجعية بما سمّاه الدكتور محسن عبد الحميد الامين العام للحزب الاسلامي بالمعجزة في زيارته للمرجعية في النجف عندما كان رئيساَ لمجلس الحكم المؤقت .

    ودعت في وقت مبكر الى ضرورة اجراء انتخابات حرة نزيهة لاختيارممثلين حقيقيين للشعب ولأنهاء ذرائع وجود الاحتلال بأقامة حكومة وطنية تقوم على اساس ارادة الشعب وقدّمت مشروعاَ متكاكلاَ لأدارة المرحلة الانتقالية في العراق الى حين تهيئة الظروف لأجراء الانتخابات ( نص المشروع : ج1 /111)

    وشجعت الكفاءات الوطنية النزيهة القادرة على ممارسة العمل السياسي الى الى تأسيس الاحزاب للنهوض بمشروع وطني خالص لا يخضع للأجندات الاجنبية وقنّنت عمل الاحزاب وفق الشريعة الاسلامية وخوض العملية الديمقراطية بأعتبارها النظام الافضل الذي توصلت اليه المجتمعات البشرية ( راجع الاسس النظرية لمشروع حزب الفضيلة الاسلامي في الملامح ج1 /265)

    وبقيت مواكبة للعملية السياسية تؤدي الوضائف التالية

    1- تقديم الافكار والمشاريع والرؤى التي فيها صلاح للعملية السياسية ونجاحها واعطائها دفعة للأمام كمشروع ادارة العراق للمرحلة الانتفالية المتقدم ومشروع الاصلاح الوطني وانقاذ العراق ( ج3/ )ومشروع تفعيل دور المعارضة الايجابية كجزء مقوّم للعملية الديمقراطية ( الملامح : ج3/

    2-بيان الموقف الشرعي والوطني للجماهير ازاء مختلف الاحداث والقضايا التي تواجهه كالانتخابات وتفجير سامراء ( الملامح : ج2 /200 ) وفي قمة تأجيج العواطف واشتعال الفتنة بعد هذا التفجير المروّع تتحدث المرجعية عن ان الامة بحاجة الى مشاريع اعمار الان اكثر من حاجتها الى مشاريع استشهاد ( الملامح : ج2/243)

    3- تقويم العملية السياسية والتنبيه الى الاخطاء لتصحيحها وتشخيص الخلل والاشادة بالمحسنين وتوبيخ المقصّرين ومساعدتهم في علاج التقصير وتجاوزه .

    4- المساعدة في اختيار العناصر الكفوءة النزيهة القادرة على خدمة الشعب وترشيحها الى مواقع المسؤولية مستندة في ذلك الى معرفتها التفصيلية بكثير من هؤلاء بسبب الاحتكاك المباشر والعمل المشترك .

    5- حشد الرأي العام وتثقيفه لدعم الخطوات الايجابية في العملية السياسية التي تصب في مصلحته وغيرها كثير

    وفي موازاة ذلك فان المرجعية لا تغفل عن تربية الامة على الاخلاق الفاضلة والتمسك بالتعاليم السامية وكل خصال الخير لأنها تعتقد ان ( كل اناء ينضح بالذي فيه ) فأذا كانت النفوس صالحة افرزت مجتمعاَ صالحاَ وحكومة صالحة والعكس بالعكس .



    محمد اليعقوبي ـ النجف الاشرف

    21 / شوال / 1428

    2 / 11 / 2007
    خلاصة كتبها سماحة الشيخ اليعقوبي بناءاً على طلب أحد الفضلاء المدعو لحضور مؤتمر في عمان يعقد خلال الأيام المقبلة ، موضوعه هذا العنوان

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2004
    الدولة
    أرض الله الواسعة
    المشاركات
    6,631

    افتراضي

    أحسنت أخي إبن الحضارة , وهذا موضوع مشابه ونشر هنا في شبكتنا المباركة وتحت عنوان وبتأريخ كما مدون أدناه :


    24-08-2003
    سيد مرحوم

    http://www.iraqcenter.net/vb/showthread.php?t=3550


    المرجعية والحركة الإسلامية والشأن السياسي





    كتابات - ضياء الشكرجي

    d-alsh@web.de

    هناك كثير من التساؤلات .. الشبهات .. التشكيكات .. التحفظات .. الاستبيانات فيما يطرح أو يثار هنا أو هناك بشأن ثلاثية «المرجعية» - «الشأن السياسي بشكل عام» - «العمل الحزبي الإسلامي بشكل خاص». ومن هذه المسائل الحساسة المثارة على سبيل المثال لا الحصر الأسئلة التالية:

    - هل دور المرجعية دور علمي إفتائي فيما يمثل استنباط الحكم الشرعي من مصادره، أم هو دور اجتماعي وبالتالي سياسي فيما هو التصدي للموضوعات لا سيما الاجتماعية والسياسية في الواقع، وعدم الاقتصار على الجانب الأول؟

    - هل يكون شرط شرعية العمل السياسي وشرعية عمل الحزب الإسلامي مرهونا بإمضاء المرجعية على مصاديق تلك النشاطات والهياكل التنظيمية، أم يكتفي المرجع بالإفتاء على القضايا المطرحة من حيث المبدأ وبعناوينها الأولية أو قل بمفاهيمها، ويترك تشخيص تطبيق الفتوى (المفهوم – العنوان الأولي) على الموضوع الخارجي في الواقع (المصداق – العنوان الثانوي)، وتشخيص ملاكات الحكم لأصحاب الخبرة والاختصاص في تلك الميادين؟

    - هل علاقة الحركة الإسلامية بالمرجعية علاقة طولية، أي علاقة تبعية وامتداد في الأمة، أم علاقة عرضية، أي علاقة تنافس وتقاطع واستبدال، أم هي علاقة تكامل، كل من موقع اختصاصه؟

    - هل تحاول الأحزاب الإسلامية أن تكون البديل للمرجعية فتزحزحها عن موقعها الريادي في الأمة وتحل محلها؟

    - هل تحاول المرجعية أن تصادر القرار السياسي وتحتكره لنفسها من خلال إضفاء الشرعية على ممارستها للدور السياسي ونزع هذه الشرعية عن غيرها ما لم يكن هذا الغير تابعا لها ومنفذا لقراراتها أو على أقل تقدير مرآة تعكس التوجهات والمواقف السياسية للمرجعية؟

    - أم هل يجب التمييز بين مرجعية وأخرى، فتكون صلاحيات الوصاية والولاية والإشراف والتوجيه (دور الشهادة حسب المصطلح القرآني الذي استخدمه الشهيد الصدر) في الشأن السياسي للمرجعية السياسية أي المتصدية والجامعة لشروط التصدي للشأن السياسي، دون المرجعية غير المتصدية أو غير الجامعة للشرط ولو تصدت؟

    هذه المقالة تحاول تسليط الضوء على هذه الأسئلة أو التساؤلات أو لنسمها ما نشاء وعلى مواضيع أخرى ذات علاقة ومناقشتها.

    حول دور المرجعية ما إذا كان إفتائيا فقط أم هو إلى جانب ذلك دور اجتماعي وسياسي، أقول من حيث المبدأ، فالأساس النظري يؤكد الدور الاجتماعي. أما مع لحاظ الواقع، فيجب القول أن من أجل تبوؤ الفقيه للدور السياسي لا بد من التوفر على شروط هي:

    1. ثقافة سياسية واسعة أي إحاطة نظرية بالعلوم والنظريات السياسية وبكل معطيات المسألة الاجتماعية والسياسية.

    2. إحاطة بالمسائل أو الموضوعات السياسية، فيما هو الاطلاع والملاحقة للحدث السياسي. وهذا ما نسميه بالمعاصرة السياسية، وهو ما عبرت عنه الرواية الشريفة بشرط معرفة الفقيه بأمور زمانه.

    3. هم سياسي واجتماعي، فيما هو التفاعل الوجداني، أي أن يكون مصداقا بل من أعلى مصاديق (من يصبح ويمسي وهو مهتم بأمور المسلمين)، لاسيما بأمور شعبه لا بل بأمور عموم الإنسانية.

    4. اهتمام سياسي واجتماعي، فيما هي المتابعة للحدث وتحليله وتحديد الموقف منه وإعلانه على ضوء بقية الشروط المذكورة آنفا ولاحقا.

    5. وعي سياسي، فيما هو الفهم لخلفيات الواقع الاجتماعي والسياسي، وفيما هو التحليل المعمق والشمولي لحوادث التأريخ والقضايا الاجتماعية والسياسية المعاصرة.

    6.حكمة اجتماعية وسياسية في الممارسة والتطبيق والرعاية والولاية.

    7. أخلاقية وتقوى اجتماعية وسياسية، فيما يحقق شرط العدالة الشرعي في بعدها الاجتماعي، وذلك بالمستوى المتناسب مع الدور الريادي والولائي.

    8. مران وممارسة وخبرة اجتماعية وسياسية، فيما هي المباشرة بالأداء الاجتماعي والسياسي.

    كلما توفرت هذه الشروط أو جُلـّها بدرجة أعلى، كلما كان الفقيه مؤهلا للتصدي للأداء السياسي والفتوى السياسية المتوجهة إلى الموضوعات الخارجية للشأن السياسي، وكلما كان دوره الولائي ملزما، وإن اختلف الفقهاء أنفسهم في إلزامية ولاية الفقيه وسعتها.

    إمضاء الفقيه على شرعية العمل الحزبي
    حرصت الدعوة الإسلامية منذ بداياتها وعبر مراحل سيرها على أن تكون شرعية العمل وشرعية القرار محرزة. بالنسبة لمشروعية العمل الحزبي فقد بينت الدعوة ذلك في أدبياتها واستشهدت بالنصوص الشريفة من القرآن والسنة ومن السيرة المطهرة للمعصومين، ثم تكفل الشهيد الصدر كأبرز مؤسسي الدعوة وكمجتهد جامع للشرائط التأصيل لشرعية العمل الحزبي على نحو الإباحة ابتداءً وبالعنوان الأولي، وعلى نحو الندب بل وقد يصل ذلك إلى درجة الوجوب إذا توقفت على ذلك مصالح إسلامية كبرى بالعنوان الثانوي. وبقي السيد الشهيد (رض) يشرف على سير الدعوة من داخل الدعوة في مراحلها الأولى ومن ثم من خارج الدعوة عندما تطلبت أمور منها تصديه للمرجعية أن يكون خارج الإطار التنظيمي.

    وبعد استشهاد الشهيد المؤسس وبعد هجرة الدعوة الإسلامية بأغلب كوادرها حرصت دائما وبآليات مختلفة على إحراز شرعية العمل، من وجود فقيه للدعوة من داخلها، إلى الرجوع إلى فقيه الأمة، إلى الرجوع إلى أي فقيه جامع للشرائط، كلما تطلب الأمر الرجوع إلى رأي فقهي لا تجده الدعوة لدى فقيه من الفقهاء الجامعين للشرائط، ومن خلال اعتماد جواز التبعيض في التقليد، القائل به كل الفقهاء فيما يتعلق بالتبعيض بالأبواب، والقائل به على نحو التبعيض حتى بالمسائل بعضهم، تجد الحركة الإسلامية سعة في تحديد الموقف الشرعي على ضوء خبرتها السياسية.

    وبشكل عام يمكن القول أن إحراز شرعية العمل الحزبي يمكن أن يجري بآليات متعددة ولا ينحصر في آلية واحدة. ولذا ليس هناك لزوم بارتباط التنظيم الإسلامي بفقيه محدد، وإن كانت الدعوة قد استخدمت هذه الآلية في أشواط طويلة من مسيرتها.

    طبيعة علاقة التنظيم بالمرجعية

    حزب الدعوة الإسلامية لم يعتبر نفسه في يوم من الأيام منافسا للمرجعية أو حالا محلها، بل كانت علاقته دائما علاقة طولية، فكان يمثل ذراع المرجعية في الأمة. وتجسدت هذه العلاقة مع كل من السيد محسن الحكيم (رض) والسيد الشهيد الصدر (رض) بشكل خاص. ومن حيث المبدأ ليس التنظيم الإسلامي بوكيل أو نائب عن المرجعية، ولا هو منافس لها، بل يمكن أن نعتبر العلاقة بين التنظيمات الإسلامية والمرجعية علاقة تكامل، ليؤدي كل منهما دوره المرسوم له، دون أن يمس التنظيم موقع المرجعية، ولا أن يكون بالضرورة صدى لمرجع محدد. والدعوة أصابت إذ لم تتدخل يوما في تقليد أفرادها، فكان فيها المقلدون للسيد الحكيم والسيد الشهيد والسيد الخوئي والسيد الإمام الخميني والسيد السيستاني والسيد فضل الله، لأن الداعية يبقى أساسا كأي مكلف ملزما بأن يحرز مشروعية عمله بأن يكون إما مجتهدا أو مقلدا لفقيه واحد محدد من الفقهاء أو مبعضا في التقليد أو محتاطا. وقد اعتبرت الدعوة في إحدى نشراتها الداخلية الموسومة بـ «صوت الدعوة» لو اتفق أن يكون التعليم أو الأمر أو الموقف الحزبي معارضا لاجتهاد الداعية إذا كان نفسه مجتهدا أو معارضا لاجتهاد مقلــَّده، فهل التعليم الحزبي بحكم العهد الشرعي الذي قطعه على نفسه مع الدعوة هو الذي يحدد موقفه الشرعي أم رأي المجتهد الملزم له، فكان الجواب هو الثاني، باعتبار أن ذلك هو الذي يبرئ ذمته وليس العكس.

    ولذا من غير الصحيح القول أن الأحزاب الإسلامية من شأنها أن تقصي المرجعية عن موقعها لتحل الأحزاب محلها، وذلك للفارق الواضح بين دور كل من المرجعية والتنظيمات الإسلامية. وكما إنه ليس من الصحيح القول أن المرجعية تسعى لمصادرة الفعل والقرار السياسيين لتحتكرهما لنفسها بحجة الشرعية.

    التمايز بين مرجعية وأخرى

    من غير شك أن المرجعية ليست مفهوما مجردا، بل عندما يجري التحدث عن المرجعية، فإنما يجري الكلام عن (المرجعيات)، أي المصاديق المتواجدة في الواقع. والمصاديق يمثلون شخصيات في المجتمع، وبالتالي فإن هذه الشخصيات كأفراد من النوع الإنساني تتمايز فيما بينها في القناعات فيما هي التفاصيل، وفي المزاج والذوق فيما تميل إليه من آليات وأساليب للأداء، وفيما تشخصه من أولويات. من هنا قد نجد تفاوتا في حمل الهم الاجتماعي بين مرجع وآخر، وكما نرى تفاوتا في مدى ملاحقة الحدث الاجتماعي أو السياسي ومدى ما تساهم المباشرة للأدء الاجتماعي والمران السياسي من تنضيج درجة الوعي الاجتماعي والسياسي لدى هذا المرجع أو ذاك. وبقطع النظر عن المطلوب للمرجعية من دور يتفاوت المراجع في درجة تصديهم للفعل السياسي والأداء الاجتماعي. ولعله لهذا السبب بلور الشهيد الصدر نظريته في كل من دور الخلافة (المباشرة للأداء السياسي) ودور الشهادة (الرقابة الشرعية للأداء السياسي) ففي الوقت الذي رأى فيه وحدة الدورين في شخص المعصوم (ع)، اعتبر الدورين يفترقان في خطين في غياب المعصوم، فتكون الخلافة (الممارسة السياسية) للأمة، بينما تكون الشهادة (الرقابة الشرعية) للفقيه. ثم لم يعزل الفقيه تماما عن الفعل السياسي، بل جعل للفقيه كفرد من أفراد الأمة حق المشاركة في الحياة السياسية، ولكن لا بصفته الفقاهية بل بصفته المواطنية، فهو يتبوأ موقعه من الأداء السياسي بمقدار ما يملك من هَمّ سياسي ومتابعة سياسية ووعي سياسي وثقافة سياسية. نعم لو تساوى الفقيه المتصدي للشأن السياسي في كفاءته السياسية مع غيره وتميز عليه بالفقاهة، فمما لا شك فيه أن يكون تصدي الفقيه للشأن السياسي الريادي أولى من تصدي غيره، لا سيما إذا توفر على شرط تقوى السياسة، التي هي شرط لغيره أيضا، لكنه يمثل للفقيه ضرورة لا بد منها، لأن السياسي الذي لا يملك تقوى السياسة سيضر بالمسألة السياسية فقط، بينما الفقيه أو الحوزوي عندما لا يستوفي شرط تقوى السياسة سيضر إضافة إلى المسألة السياسية بقضية الدعوة إلى الإسلام.

    لاشك أن دراسة الموضوع تحتاج إلى قسط أكبر من السعة والتعمق والتفصيل، ولكن هذه كانت محاولة للكاتب لتسليط الضوء على أهم ما يتعلق بثلاثية (المرجعية) و(الحركة الإسلامية) و(الشأن السياسي).

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
 
شبكة المحسن عليه السلام لخدمات التصميم   شبكة حنة الحسين عليه السلام للانتاج الفني