من سيدفع ثمن الاتفاق الثلاثي ؟



كتابات - عبد الكعبي



يبدو ان التصريحات المتناقضة التي اعقبت توقيع الاتفاق الثلاثي في سد دوكان خلال عيد الاضحى المبارك لم تدرك الاهداف الحقيقية لهذا الاتفاق ، لذا يمكن يمكن تفسير بعضها بالساذج اوهي من نتاج المراهقة السياسية التي تعصف بالمشهد العراقي ، ونستثني من ذلك تلك التصريحات التي دنت شيئا ما من النوايا الحقيقية للاطراف التي وقعت الاتفاق ونعني هنا بالضبط الناطق الرسمي للتوافق عندما فال بان الاتفاق هو رسالة الى المالكي وعند ربط هذا التصريح بتصريح الهاشمي الذي قاله عقب توقيع الاتفاق وهو متجهم الوجه بأن لهذا الاتفاق استحقاقات ويعني بذلك تحقيق ما يسعى الى تحقيقه هو

في حين ان الدلائل التي سبقت هذا التاريخ كلها تدلل على احتمالية حدوث مثل هذا او ربما اكثر تبعا للمكاسب القومية او الفئوية التي يلهث خلفها بعض الفرقاء ، رغم الشعارات البراقة والتشدق بالوطنية الزائفة ، لان طرفي الاتفاق ان صح التعبير اذا ما اعتبرنا القطبين الكرديين تجمعهما ذات المصلحة ، لديهم نوازع ورغبات لا علاقة لهما ببناء وطن او اسعاد شعب ، فالهاشمي الذي يحمل لواء الدفاع عن السنة لتغطية جريه خلف السلطة والمال ، لا يمتلك الوسائل القانونية او المنطقية التي تستقطب العدد الكافي من البرلمانيين في الاجهاز على حكومة المالكي وتحقيق امنية تراوده منذ تشكيل هذه الحكومة لكون رغباته تلك تقف على ارضية طائفية مقيتة والتي يمكن ان يتلمسها المرء بسهولة وهي ليست بخافية على عراقي الداخل حيث ان الكثير من اعضاء الحزب الذي يتزعمه الهاشمي وخصوصا المتشددين ذوي الميول الطائفية منهم والمقربين من امينه العام يردون على استفسارات البعض من الاخوة السنة الذين يؤمنون بضرورة تعايش كل العراقيين على حد سواء بخصوص ما يطرحه اعلام الحزب المذكور عن الهاب مشاعر الجماهير ضد الاحتلال في حين ان علاقة امين الحزب بقوات الاحتلال هي الاقوى من علاقته بالاطراف السنية الاخرى او حتى داخل جبهة التوافق ذاتها بقولهم ان الاحتلال الحقيقي هو الايراني وهو تعبير دأب على اسخدامه من لا يؤمن بالوضع الجديد او احقية الاخرين بالمشاركة ، كما انهم يمنون النفس بقرب زوال انتهاء العملية السياسية من خلال جهود حثيثة تجري بهذا الاتجاه ويذكرون جهود كثيرة يبذلها الهاشمي بهذا الاتجاه منها الزيارة الأخيرة إلى السعودية مشيرا بذلك الى وعد قطعه الاخير للملك عبدالله ( لاعادة صيغة المعادلة السابقة لحكم العراق او اية صيغة تبعد الشيعة من ان يكونوا مشاركين في ادارة الدولة بشكل فعال من خلال ايقاف كل قرار يقفون خلفه مهما تكن اهميته ) ردا على طلب للملك باعاقة وتعطيل العملية السياسة اضافة الى طلبات اخرى لا مجال لذكرها هنا ، ونحن لا نستغرب مثل هذه الاقاويل من هذا الرجل ، فقد عودنا على مثل هذه السلوكيات والتعابير خصوصا عندما تعتريه العصبية الهستيرية وما اكثرها او تكاد ان تكون هي السمة الحقيقية لشخصيته ، لذا كان متوثبا وينتظر (شجاعا ما ) يطعن (غريمه) المالكي كما يوحي دائما بذلك ويطرحه ارضا لكي ينقض هو للإجهاز ويقترب من مآربه ، وسرعان ما ادرك الفرصة الذهبية السانحة التي وفرها له حلفاء المالكي بالأمس في خضم الصراع الذي يجري في العراق ومحاولة استحواذ البعض منهم على المكاسب في عراق الفوضى لادراكهم بأنها ستكون صعبة التحقيق في حال استقرار البلد ، وذلك عندما زعل ( قادة ) الاكراد واعتقدوا ان الائتلاف العراقي يقف حجر عثرة امام تحقيق حلمهم في اقامة امبراطورية كردستان التي تمتد وفق وجهة نظرهم لتشمل كل مناطق العراق الجبلية بدءا من محافظة ميسان حيث تبدأ سلسلة جبال حمرين المتاخمة للحدود الايرانية حتى اقصى حدود كردستان مرورا بثلثي محافظة ديالى ونصف محافظة نينوى واجزاء من محافظة صلاح الدين بالإضافة إلى محافظة كركوك بأجمعها، علما بأن محافظات ديالى ونينوى وصلاح الدين يسكنها خليط من الاكراد والتركمان في ذات الاماكن التي يريدون استقطاعها والحاقها بكردستان ، ولانعرف ما هي المعايير الجغرافية او التأريخية التي ينطلقون منها ، في حين ان اغلب بلدان العالم تحتوي بعض مدنها الحدودية على اقليات سكنية ينحدرون من اصول لقوميات او فئات سكانية من دول مجاورة نتيجة الهجرة او النزوح بسبب الاوضاع الاقتصادية اولاسباب اخرى ولم نسمع ان دولا قد طالبت بتلك المناطق ، فكيف الامر لمساحة من الارض ضمت اقاليم متعددة الاعراق شهدت اقامة العديد من المملكات والامبراطوريات طيلة قرون تمتد الى ما قبل الاسلام ولغاية يومنا هذا وكانت مفتوحة لجميع ابناء الولايات الذين يشنركون بهذه الارض او المناطق المجاورة في التنقل وفقا لمتطلبات العيش او لغيرها ، وليس من الغريب ان نقول بأن بعض مناطق كردستان كانت في فترة من الفترات ذات اغلبية غير كردية وفقا لطبيعة الدولة السائدة انذاك بدءا من الدولة الاشورية او الكلدانية او الدولة الحمدانية وما يعنيه هذا الأمر من طبيعة سكانية ، ونحن لاننكر ان الاخوة الاكراد قد تعرضوا لاذى بالغ وخصوصا في القرن الاخير من الالفية الثانية ولهم الحق القانوني والانساني لتكوين دولتهم ولكن وفق حقوق تاريخية ، و ليس من الصحيح حل مشكلة بخلق مشكلة اخرى هذا اولا ، ثم ان الاخوة الاكراد هم مساهمون رئيسيون اليوم في الدولة وكتابة الدستور ان لم نقل لهم اليد الطولى التي تتعدى نسبتهم السكانية وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها ، وقد وضعوا الكثير من فقرات الدستور التي جعلتهم دولة داخل دولة اي ان الفدرالية التي يتمتعون بها لامثيل لها فهم يتمتعون بسلطات مطلقة لايمكن للمركز ان يتدخل في صغائر الامور ان لم نقل لا يمكنه فرض تعيين حارس بعقد الذي هو من صلاحية اصغر موظف في الدولة العراقية على مدى قيامها ، وفي الوقت الذي تتوفر فيه امكانية للاكراد في التنقل والامتلاك في اية محافظة عراقية لايمكن للعراقي من بقية المحافظات الأخرى من التمتع بهذا الحق ناهيك عن تعرضه الى مصاعب جمة وأحيانا فيتو عندما يروم الدخول الى محافظات كردستان الثلاث الحاليه لا يجاد فرصة عمل بشكل سهل ومرن فيها ، تماما على عكس ما يردده الاخوة الاكراد من شعارات مثل ان العراق الفدرالي الجديد عليه ان يستوعب الكل كما يقولون ، فعلام التخوف المبالغ فيه مع كل هذه التحوطات التي استطاعوا الحصول عليها سواءا في الدستور او المشاركة في السلطة

لقد خلق الحزبان الكرديان سابقة خطيرة في تطبيق مفهوم الدولة الفدرالية من خلال استنباط قيام اقليم اشبه ما يكون دولة داخل دولة فهم احرار في اتخاذ القرار الإداري والسياسي بغض النظر عن تناغمها او من عدمه مع الدستور او سياسة الحكومة المركزية الذين هم جزءا فاعلا منها ، أي بمختصر مفيد لهم حقوق تفوق حقوق المكونات الاخرى ولكنهم غير ملزمين بالواجبات فعلى سبيل المثال لا الحصر ، لهم حصة من الميزانية الفدرالية وهو حق يقره الدستور لكنهم لايمنحون المركز في اقل تقدير ولو نسبة من الضرائب التي تجبى في الاقليم ، وكذا في مواضيع أخرى ، إضافة إلى الانغلاق الكامل والغموض وعدم وجود شيئا من الشفافية في علاقة الحكومة المحلية هناك بالحكومة المركزية .

كل هذه السلوكيات والاجراءات المتخذة من قبل الفرقاء الاكراد بعيدة كل البعد في الاشتراك مع بقية المكونات لتأسيس كيان عراقي مشترك ، ويبدو أنهم يسابقون الزمن في التحضير لإقامة البنى التحتية لدولة كردستان ، ( ومرة أخرى نحن لانستنكر مثل هذا الاجراء ولكن كما قلنا ليس على حساب ثوابت او حقوق الاخرين ) ولاجل هذا الهدف فأنهم يطرحون خلافاتهم الكثيرة والمعقدة جانبا ويتظافرون باستعجال واضح من اجل حسم موضوع كركوك والمناطق الاخرى المرشحة لان تكون نفطية ايضا لغرض الحاقها بأقليم كردستان من اجل ضمان الموارد المالية لدولة المستقبل ، والغريب ان هذه المحافظة لا توجد فيها اغلبية مطلقة لمكون من المكونات الرئيسية فيها ، فأحصائيات عام 1957 و1977 لم تتجاوز نسبة اية فئة فيها 40% ، أي انها مرشحة لان تكون اقليما نموذجيا للتآلف والاخاء يكون قدوة لبقية مناطق العراق ، ويدرك القادة الاكراد هذه الحقيقة جيدا ولهذا فأنهم اليوم يمارسون ما استنكروه على النظام المقبور من سياسة التعريب لمدينة كركوك من خلال عملية تكريد اشد ارهابا وفتكا وهذا يلغي نزاهة اجراء الاستفتاء الذي بلح عليه الاخوة الاكراد في الوقت الراهن ، ونتيجة لهذا الإجراء فقد الكثير من العرب والتركمان وحتى الاكراد الذين هم ليسوا من انصار الحزبين الرئيسيين وظائفهم ووصل الامر الى الصراع بين الحزبين ايضا للاستحواذ على النفوذ والسلطة والوظائف وبنفس الاساليب الصدامية السابقة من خلال الاغراءات المادية والمنح وعلى شكل هبات او دور سكنية ، ولا يمكننا التكهن لما سيؤول اليه مصير هذه المدينة وساكنيها من مختلف المكونات ان انتقلت إلى الإدارة المتناحرة تاريخيا في الإقليم ، فالحزبان لايزالان يكنان العداء لبعضهما ولا يغرنكم مشاهد الوفاق التي يحاول الطالباني اشاعتها لما عرف عنه من دبلوماسية شديدة لكنه لايستطيع اخفاء قسمات وجهه التي تدلل في احايين كثيرة على احباط رغم احاديثه المتفائلة ، فهم لم يتفقوا على حكومة واحدة للاقليم وظلت بعض الوزارات مستقلة وادمجت الوزارات غير السيادية كما اصطلح ا البعض على تسميتها ، صحيح ان المعادلة العراقية الجديدة كانت بالأساس حلا مؤقتا لمشكلة الزعامة الكردية ، لكن بانتهاء ولاية الطالباني الرئاسية ستعود هذه المشكلة من جديد ، وليس من السهولة ان يقر البرزاني بشرعية زعامة الطالباني والعكس صحيح بالرغم من ان الاخير معروف بكثرة تحالفاته التي سرعان ما ان تنهار تبعا لتغير المصالح ولكن والحق يقال بأنه أي السيد الطالباني اكثر مرونة وموثوقية كما انه اكثر شعبية في كردستان ويتميز بالواقعية في تصرفاته مما رجح كفته لدى الاميركان وهو حليف استراتيجي لهم في العراق والمنطقة على عكس البرزاني الذي يعتبره البعض النسخة الكردية من صدام لوجود اوجه تشابه كثيرة بين سياسة وسلوكيات صدام وبين سياسة وسلوكيات البر زاني في أمور كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر الاستحواذ على الوظائف القيادية العليا او تغلغل ابناءه وابناء اخيه واقاربه تماما كما كانت تفعل عائلة واقارب صدام في كثير من الانشطة الاقتصادية والتجارية وخاصة الضرورية منها لحياة الشعب هناك ويكفينا ان السيد نيجرفان يسارع الزمن لضمان توقيع العقود النفطية للحقول التي تقع ضمن ( إمارة اربيل ) وما يتبعها قبل انتهاء تبادل المواقع الادارية لحكومة كردستان مع حزب الاتحاد الوطني بزعامة الطالباني

اما الهاشمي المتناقض في كل طروحاته فهو يؤمن بدولة جديدة ولكنه يريدها بثوبها السابق ، يؤمن بالديمقراطية وما تأتي به صناديق الاقتراع كما اتى في بنود الاتفاق الثلاثي لكنه يريد التوافق في مواضيع لا يرغب في التوافق فيها أصلا ولنا في قانون التقاعد والقرض الياباني خير مثالين على تغليب المصالح الشخصية والفئوية على الصالح العام الذي يتطلب التوافق الحقيقي ، كما انه المقاوم العنيد كما يقول لقوات الاحتلال ، لكنه يميل لاقامة افضل العلااقات معهم ، كما انه صاحب المشروع الطائفي والحامل لراية التوازن المناقض للديمقراطية والتطور الاجتماعي ، قد وجد في تودد الطالباني له والمبالغ فيه لغرض الحصول على تأييده للعديد من القرارات المقدمة من اجل ارضاء الائتلاف العراقي ليس لسواد عيونهم طبعا وانما على امل استثمارها في الحصول على موافقات ايجابية للطرف الكردي او تحييدهم على اقل تقدير في هذا الوقت ويبدو ان الجميع يعملون تحت شعار لا تؤجل مكاسب اليوم إلى غد بالذات والهاشمي يعرف جيدا بأن الائتلاف العراقي يقف خلفها ، مما دعاه الى استغلال هذه الفرصة الذهبية لتمرير ما يعزز مكانته في الدولة وهو جل طموحه ، خصوصا وان الدستور قد نص لهذه المرحلة على ان القرارات تصبح غير نافذة في حالة رفض احد اطراف مجلس الرئاسة توقيعها مع ما يتمتع به هذا المجلس من موقع تشريفي فقط ، وقد استغل الهاشمي هذه الارضية المنافية للديمقراطية والتي تعني ان صوتا في مجلس الرئاسة بأمكانه الغاء اصوات 275 نائبا يمثلون كل اطياف المجتمع السياسية والاجتماعية كما هو مفترض وهنا يمكن اضاغة الديمقراطية في العراق الى عجائب الدنيا لتكون ثمانية بدلا من سبعة

هذه الفوضى شجعت السيد النائب في ان يرى نفسه اكبر مما هو مسموح له وفق الدستور ، وصار يفتى في كل صغيرة وكبيرة بل يطالب بألاطلاع كل واردة وشاردة حتى وان كانت من اختصاص دوائر الدولة الاخرى وهذا ما يجعل الاخرين في ارتياب وتحفز دائمين لتفسير كل التصرفات على انها تصب في خانة محاولة العودة الى الوراء ، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار طموحات الهاشمي الذي يعتقد بأنه ممثل السنة العرب وانه سيكون المتربع القادم على عرش الرئاسة القادم ضامنا التأييد الأميركي ومباركة الطالباني وعززت هذه المطامح تسريبات عن عزوف الأخير من الترشح لدورة اخرى ولأجل هذا يمكن إن يتخلى عن مواقف معارضة سابقة بخصوص انضمام كركوك إلى إقليم كردستان ليضيف تناقضا آخرا في سلسلة تناقضاته ما دام الأمر يقربه من غاياته ، وما اسعد العراقيين ان تحقق حلم هذا الرجل واصبح آلامر الناهي ، وهو اليوم على محدودية مسؤوليته دستوريا اوقف الكثير من القرارات ، وقد سجلت صرفيات مكتبه الاكثر بين المسؤولين العراقيين وفي خدمته اعداد هائلة من الاشخاص ذوي الميول الواحدة بين حماية وموظفين بعضهم لايجد عملا حقيقيا يمارسه تخدمهم في ذلك اساطيل من السيارات اغلبها مصفح مع صرفياتها الكبيرة (وان اشترك معه في هذا الامر اخرين من الدولة)

وهذه دعوة لمجلس ( النوام ) لان ياخذ دوره في تدقيق مصروفات السادة المسئولين بدءا من مجلس الرئاسة الى اصغر وحدة ادارية خاصة ، واعادة جميع الابنية التي استولوا عليها والتي فاقوا صدام في استخداماتهم لها بجعلها مضايف ودور استراحة وغير ذلك من استعمالات وعليهم الاكتفاء بالمنازل الفارهة والمبالغ قي عمرانها التي اقتنوها مؤخرا ، واعادة الاموال الى هذا الشعب المسكين الذي استغفلتوه تحت شتى الذرائع والحجج ، على ان يبدأ هذا المجلس بأعضائه وان يقارنوا بين ما كانوا يملكونه قبل عامين وما يملكونه ألان وما هو عطائهم وما أنجزوه وما هو مطلوب منهم ولنا وقفة هذا المجلس في مقال آخر



Ahwar10@yahoo.com