 |
-
بين ما هو مرئي وما هو مروي......................
بين ما هو مرئي وما هو مروي
كتابات - عبد الكريم كاظم
مجرد تقديم ..
علمتنا التجارب والخسائر أن نكتب بحرية وأن لا نصاب بلوثة الجبن ونمضي مع الذين يمثلون قيماً جديدة تتوسطها قيمة الحرية، لم أكن أكتب ما كتبت من اجل أن تتبنى كتاباتي جهة ما، أنا اكتب من أجل البلاد والمعنى والجمال لأن التبني هنا أو الإعجاب الصادق بما نكتب أحياناً هو أفتك أشكال الاحتيال على الكاتب أو إنها مؤامرة خبيثة لفرط براءتها، هدفها الأساسي تجريدنا من كلماتنا الأخيرة . كل شيء ممكن في بلاد النهرين حتى أولئك الذين يعتبرون أنفسهم كتاب حديثين محايدين معتدلين يمكن أن ينقادوا، في غياب وعي نقدي، نحو حنين إلى الماضي .. حنين سلطوي له السيادة، تلك مفارقة أولى ضاعفت من انجذابي إلى الكتابة بحرية تامة ثم شيئاً فشيئاً أخذت الكتابة تتحول إلى حيرة وعبء وخسارة .
إشكالية الديني المؤدلج ودوره في إعادة إنتاج الجريمة ..
لا أحد يروم الكتابة عن الحكيم من دون أن يتعاطى مع المكون الإيراني في تجربته (السياسية) لأن هذه التجربة حملت كثيراً من السمات الدموية التي ساهمت في إنضاجها وفي تشكيل خطوطها ومنظورات بنائها الإجرامي عوامل تمثلت روح المكان وقوة الفكر الطائفي ولذة الاشتغال عليه وهي ثيمة أعتمدها الكثير من المعممين في مقاربة ما هو عنصري وما هو مذهبي، فقد حفلت الأساليب العدائية في سلوكه بسمات متعددة واضطرابات نفسية حادة عكست إشكالات حسه العدائي إزاء كل ما هو عراقي خاصة وهو المؤدلج الذي يجد في الخطاب العقائدي سقوفاً إيرانية ـ بالدرجة الأولى ـ أو أميركية تقيه من سطوة المساءلة القانونية .
إن تاريخ العراق الدموي يعجُّ بشخصيات دموية معروفة ومع هذا لا يعدم المرء من رؤية المعاصرين من الدمويين وهم يعيدون إنتاج الجرائم كما لو أنها الجزء المقدس من ذلك التاريخ . إننا نتساءل، مثلاً: من هو الحكيم؟ ما حقيقة كونه ابناً لمرجع ديني وأبا لطاغية صغير في طور التكوين؟ ما صلته بإيران؟ وما هي مهمات منظمته الإيرانية النهج والتسليح؟ يتعين علينا قبل الخوض في الحقل الشائك للإجابة التي لشدّ ما تبدو وكأنها لا نهائية ـ إجابة مفتوحة هي ثمرة التفسيرات المتعددة حيث المعنى النهائي للأسئلة ليست معطى أو انعكاساً مباشراً للجرم أو استحواذاً متعمداً لحقيقة هذا المعمم ـ أن نلجأ بداية إلى توضيح نواياه المبيتة التي لا حدود لها للتخريب .
يقول نيتشه: (لا أهاجم الأشخاص على الإطلاق، أستعين بهم لأجعل الآفات المتخفية أو البالغة الدقة بادية للعيان) ولكي نكون بالفعل شهود عصرنا علينا أن نتتبع الحرائق والخرائب والقتلة في كل مكان، بسبب ذلك نكتب ونستعيد الماضي القريب لا بحثاً في الحاضر بل اختراقاً للمستقبل في بلد يعيش مأساته اليومية ولا يدري من أين سيأتي الخلاص ومتى؟ فمع هذه العمامة يتضاعف الجرم وتتعدد الجرائم . من خصائص الوعي النقدي أن يقرب إلينا الشكوك أضف إلى ذلك أننا لا نمارس النقد من حيث هو نقد بل نرفض أن ندع اليقين يتسرب إلينا بطريقة الأسلاف ومع كل ذلك نقول: هناك شبه إجماع قسري على تجاهل خرائب الحكيم، ثمة من يحاول أن يتجاهلها طلباً للسلامة . إن قراءتنا لما يمارسه الحكيم من جرائم تضعنا أمام حقيقة النية التخريبية التي يؤسس لها كغيره من الوجوه والأصوات الداعية للتجزئة والممارسة للخراب والعمل على هذا الأخير خيّم على معظم السلوكيات القائمة، منذ الاحتلال وحتى هذه اللحظة، التي طالت جميع الأمكنة من مدن، قرى، نواحي، أقضية وبلدات صغيرة باللفظ والمعنى ولما تنطوي عليه أيضاً من تعريف مزوق ومزور لهذه المسميات الملتبسة في ظل الفوضى وغياب سلطة القانون وصعود كاريزما الحكم الفردي المستبد الذي يفتقر إلى المصداقية قبل الشرعية، إذاً سوف لا تقدم لنا عمامة الحكيم في غضون الأيام القادمة سوى المزيد من الموت والخراب والمجرمين، لكي لا يبدو الأمر مبالغاً فيه، ضمن مناخ التشويه والتعرية الشخصية المتعمدة أو تصفية الحسابات المبيتة، نعتمد التاريخ الشخصي المعروف لهذا الرجل مسرحاً لكي نبدأ التعرف بشكل ملموس لما قام وسيقوم به هو وأتباعه الذين ينوسون بين حدين: الأول بعثرة البلاد وإغراقها بحروبهم الطائفية وجرائمهم والثاني نهب ثرواتها أو تشويه حضارتها بحجة الحفاظ عليها .
ليس من قبيل الصدفة أو الافتراض الساذج أن يكون الاعتراف بما يحصل في العراق اليوم على إنها حرباً إيرانية ثانية وحسب، فقبل كل شيء علينا الاعتراف بتوغل ووجود الكثير من الطوائف المتمتعة بحق الحماية الكاملة داخل أحزابها الإسلامية التي تقوم في ذات الوقت على حماية أسباب وجودها الذي تستمده من تعريفاتها الحزبية الإسلامية لا لشيء بل من أجل إعادة تكوين المعالم الطائفية التي تجعل من الحرب الإيرانية الجديدة مشروعاً دينياً (خالصاً) قبل كل شيء تتشابه فيه أوجه الصراع المذهبي مع أوضاع أخرى في البلاد تجاوزت كل الخطوط أو ما يطلق عليه اليوم بمفهوم التبلور لذلك نرى أن نشاط الأحزاب الإسلامية الطائفية قد أدى إلى تغيرات عميقة في بنية المجتمع زادت من حدتها مطالب البعض، التي تشكل (الأكثرية) بصياغة جديدة لموضوعيي التقسيم والفدرلة بمعنى الاعتراف سلفاً بهذا الأمر الواقع وسعياً لتحقيق جميع الطموحات التي تُبشر بها أدبيات هذه الأحزاب وأيديولوجياتها القميئة وبهذا ستتم عملية تجاوز العلة الأساسية في صعوبة الاعتراف وإدخالها في نطاق التجزئة الفعلية بصورة تامة ومن الملاحظ أن تعبير (الإقليم) بشكل مباشر مطابقاً لتعبير (الدولة) كما يود أن يفسره البعض وهو استعمال غامض وهذه ليست قراءة نظرية فحسب بل معضلة سياسية قديمة لها جذور تاريخية عميقة ترتبط بتجربة هذه الأحزاب وبالجهات الداعمة لها في السر والعلن . بالطبع أن مجمل وضع الحروب التي حدثت عبر التاريخ لا يشبه واقع الحرب القائمة الآن في عموم العراق ولا يمكن مقارنتها بما يحصل لدينا ليس على مستوى القتل بل على مستوى الدوافع التي تؤدي إلى القتل، لكن وضع هذه الدوافع برمتها في خانة الأسباب قد لا ينطبق أحياناً على مجمل النتائج أو طبيعتها وقد ينطبق وتلك هي المفارقة فثمة جماعات لم تزل ترى نفسها في مكان لا يصون الحقوق ثقافية كانت أم سياسية وعادة ما تكون الحقوق ذاتها سبباً للقتل وهناك أمثلة كثيرة تحتمل نقاطاً مشتركة تتعلق بموضوعة القتل منها: التطهير العرقي، الولاءات القبلية والمذهبية، تزايد ثقافة الكراهية والإقصاء من هنا يجب الأخذ بعين الاعتبار ذلك النوع الخاص من سياسة التقتيل ونزع الهوية الحقيقية للبلاد الذي فرضته هذه الأحزاب أو المنظمات للرد على خصومها وهذا الأمر يتوافق مع نقص كبير في الوعي الذي يظهر جلياً في عدم اعتراف هذا بذاك أو القبول بفكرة التعايش السلمي تحت مظلة المواطنة الواحدة وعليه سيبقى الإشكال قائماً وسوف نرى ذلك أيضاً في معرض وصفنا لما يدور الآن في البلاد من حرب إيرانية طاحنة معلنة تجاوزت كل الحدود مثلما ثبتت وستثبت لاحقاً بالدليل الملموس أن الحلول التي ستنبع لاحقاً من هذه الحروب مدمرة وهذه مسألة معروفة سلفاً ولا تحتاج لنقاش .
كيف نقرأ الدم الذي يسيل في العراق؟
على الرغم من نهاية حكم القبضة الحديدية إلا أن ثقل الميراث الدموي ما زال مؤثراً على مختلف الأوضاع وهذا التأثير تبرره أمور متعددة أهمها غياب الحرية الفكرية التي كانت ولا تزال السبب الرئيسي لكل التجارب المأساوية والحروب والعسكريتاريا المتوجة بالانقلابات، إن هذا الأمر يعني استمرار وجود أسباب غير صالحة تدفع للمزيد من الخراب كما تعني أيضاً وجود أسباب أكبر من تلك تدفع إلى زيادة المآسي التي يعاني منها الفرد العراقي خصوصاً تلك التي وضعته بصورة جبرية داخل أطر الأحزاب الإسلامية في نطاق سياساتها الموروثة، وعلى هذا المنوال ما يزال الفرد قابعاً تحت سطوة هذه العمامة أو تلك الفتوى التي لا تشكل إلا نوعاً من الطقوس الغيبية القادمة من أقصى عصور الظلام وبهذا تكون الدعوة من أجل كشف هذه الجرائم وتعريتها ضرباً من الخيال، فحالة التمزق التي تعيشها البلاد ووضع الفرد في الإطار الحزبي الطائفي يزود هذه الأحزاب بالمجرمين أو بديمومتها الإجرامية التي تزيد في ذات الوقت من خطورتها في مختلف حقول الحياة، بهذا نصل إلى ذات النتيجة المخطط لها سلفاً من قبل هذه الأحزاب المنضوية تحت شعارات دينية مزورة زائفة مدعومة من الجوار الإيراني الذي يرفع شعار التشيع، هنا يجب توضيح عنصرين، يتعلق الأول بنشأة هذه الأحزاب وانبعاثها المبرمج الذي بات معروفاً للقاصي والداني، والثاني يتعلق بتلك التراكمات المشبوهة التي تحققت بفعل إدخال عنصر الدين في تحليل بعض المظاهر السياسية والاجتماعية لما يؤدي بمن سيطالب برؤية معاصرة أو حوار معرفي إلى الموت ذاك لأن الموت في عرف هذه الأحزاب ليس إلا لغة الإقصاء .
تكمن دموية الحرب بشكلها الجديد في الواقع الراهن وبإظهار جوهر الخلافات المقيمة في العقل القاصر الذي يُستخدم كقربان تفعل به الغيبيات ما تشاء من باب الضرورات الدينية المستحكمة التي تغرق الحياة بالثوابت العقائدية المميتة بطريقة مدروسة تنطلي على العقول القاصرة، إن ما تمارسه هذه الأحزاب يدل على مؤشرات حقبة معتمة قد تمتد طويلاً وتتولد خلالها حساسيات جديدة هي من نفس المنبت القديم الذي أسطر الحياة وجمدّها بين اللغة التعبوية ومنهجية الأحزاب المنظمة وبهذا سوف لا يحق للعراقي أن يؤسس سلاماً مقاوماً وديمقراطياً يبني من خلاله الوعي أو يحرره من الأوثان، حتى اللحظة يبدو لنا أن أدبيات هذه الأحزاب قد نجحت إلى حد كبير ليس فقط في حجب الضوء والمعرفة والجمال عن الناس بل في حجب الهواء أيضاً، لقد طفح الانحطاط الحزبي بالدم ولم يعد أمام العراقي المندثر سوى أن يكسر هذه الموانع ليشرع بنهضته الثقافية من جديد . ينبغي علينا تحريض الناس للتخلي عن وهم الطائفة أو القبيلة أو الحزب فقد شهدت بلادنا وتشهد أكبر تراجيديا دموية في التاريخ عندما تمّ تدمير إنسانية الإنسان وثقافته وحضارته وأساطيره على أيدي المعممين الذين حولوا العراق باسم (التحرير) (التظلم) (المنقذ) إلى ساحة مفتوحة لحروبهم وأحقادهم وإلى آخر ما لا آخر له من مآسي بداية القرن .
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
|
 |