زين الدين محمد الياسري :
صدر في النجف الأشرف كتاب (حكومة الوحدة الوطنية .. تحديات وإنجازات) إصدار قسم المتابعات السياسية في المؤسسة الإسلامية للدعوة والتبليغ والإرشاد .. تناول فيه نخبة من الباحثين التحديات الكبيرة التي واجهة (حكومة المالكي خلال الفترة التي تولى فيها رئاسة مجلس الوزراء والإنجازات التي تحققت خلالها رغم ضخامة التحدي .
يأتي الكتاب في إطار دعم الحكومة والتجربة العراقية السياسية الجديدة مع نقد بناء لبعض نقاط الظلمة التي رافقت مسيرتها .. ويأتي ضمن سلسلة (متابعات سياسية ) للمساهمة في تشكيل الوعي السياسي والثقافي في العراق الجديد وإزالة مخلفات النظام السابق وحطام العقول المتراكم .
جاء في مقدمة الكتاب (بعد معاناه طويلة ألمت بشعب العراق الصابر إستطاع الشعب العراقي ان يثبت إرادته ويقول كلمته مقابل إرادات خارجية حاولت أن تملي عليه سياسته ونظامه وفق مقاساتها .. لكنها إنكسرت امام عنفوان الشعب الذي قام من كبوته نافضا غبار الماضي متطلعا الى مستقبل مشرق تكون السيادة فيه بيد الشعب .. وتكون الدولة فيه وفق مقاسات وطنية .. يتوافق محتواها القيمي والمفهومي مع ضمير الشعب المسلم .. فلا تتناقض مع عقيدته وسلوكه وبناءه النفسي .. لتتحرك عجلة النهضة وتنجح مشاريع التنمية ..
والدولة في عقيدة الشعب العراقي ليست مجرد جهاز حاكم بل هي ظاهرة روحية بالأساس وحضارية في النتيجة .. فدور الدولة هو أن تدفع بالشعب في صيرورة لا نهاية لها عن طريق وضع الله تعالى كهدف لمسيرتها الإنسانية .
لذا فشلت كل النظم التي قفزت فوق البناء الثقافي للشعب العراقي وتجاوزته .. وآخرها النظام البعثي الذي تقابل مع ثقافة العراق وصادر ماضيه وفرض عليه قيما وأهدافا متناقضة مع تأريخ وذهنيته وعقيدته . لذا لم يستطع هذا النظام أن يتوائم مع الشعب ووجد نفسه بمواجهة شعب لا يقهر .. ومن هنا مارس الضغط والقهر ليكسر إرادة الشعب ويرضخه لسياساته الهمجية .. لكن سنة الله تقضي بقاء الشعب وفناء الظلم والظالمين .
إستطاع الشعب العراقي بمثالية جهادية بعيدة عن التطرف والتبرير .. مثالية جهادية نابعة من مدرسة أهل البيت (ع) أن يقهر طغيان نظام البعث .
ليبدأ مسيرة جديدة في بناء الدولة والإنسان فوضع أسس (لدولة الإنسان) وإستوعب المفاهيم السياسية المعاصرة كما إستوعب المؤسسات السياسية العصرية من منظور إيماني إسلامي ( الدستور ، البرلمان ، الإنتخاب ... ) .
وفي مقابل حركة هذا الشعب المتطلع كانت هناك تحركات كبيرة وخطيرة لقوى عالمية وإقليمية وظلامية .. للقفز مرة أخرى فوق ثقافته ولقتل حلمه ووأد آماله ..
وأكبر قوة سياسية وعسكريةتؤثر في المعادلة العراقية بعد سقوط نظام البعث هي القوة الأميركية .. وقد إستطاعت الإرادة السياسية العراقية ان تصوغ نظامها وأسسها من منطلق الوطنية .. بعيدة عن الإرتهان للأجنبي وذلك واقع بالأرقام .. حيث لم تجري الإنتخابات بإرادة أميركية فقد عارضتها وذلك واضح في مذكرات بول برايمر (عامي في العراق) ولم يكتب الدستور بإملاء أميركي ولم تشكل الكومتان المنتخبتان (الجعفري ـ المالكي) بإرادة أو فرض اميركي .. فلم يكن من خيار أمام القوة الأميركية إلا التعامل بشيء من الواقعية مع الوضع العراقي .. مع محاولاتها المستمرة لتمرير سياسات هنا وهناك ..
وفي طرف آخر كانت الدول العربية ودول الجوار تقف بالسلب من تجربة السياسية الجديدة إما لتصفية حسابات مع أميركا أو خوفا من شبح الديمقراطية الذي يولد في العراق ويصنع بإمتياز عراقي أو للروح الطائفية المتشبعة في نفوس بعض الدول والحكومات والشعوب العربية ضد شيعة العراق الذين يشكلون أكثر من (70%) من سكان العراق ومعنى ذلك إنهم سيشكلون القوة الأكبر في المعادلة العراقية وما يستتبع ذلك من تأثيرات جوهرية على المنطقة وعلى شيعة المنطقة بالخصوص .
فعمدت الى دعم قوى ظلامية هي نتاج النظرة الحرفية السطحية الوهابية السلفية التي عرفت بغياب الوعي التأريخي والتي إتخذت مواقف ظالمة إتجاه المدرسة الشيعية التي تميزت بالصرامة المبدأية والوعي التأريخي وإستيعاب مستجدات العصر .
فترجمت مواقفها من شيعة العراق وتجربته السياسية الى ممارسات إرهابية إجرامية لم يشهد لها تأريخ البشرية مثيلا .. وكان ذلك التحدي الأكبر الذي واجهته الدولة العراقية الجديدة وحكوماتها وخصوصا (حكومة الرئيس المالكي) بإعتبارها أول حكومة وحدة وطنية شرعية منتخبة دائمة .. والحق يقال إن قوة و شجاعة وصدق الرئيس المالكي في مواجهة قوى الإرهاب إستطاعت ان تقضي على (80%) من العمليات الإرهابية في غضون عام ونصف .. وكان الفأل الحسن بهذه الحكومة حيث في بداية تشكيلها تم القضاء على الإرهابي الأول (أبومصعب الزرقاوي ) ثم إعدام (الطاغية صدام) وتفكيك الكثير من التنظيمات والشبكات الإرهابية .. بالرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها حكومته والضغوطات الداخلية والخارجية .. فقد قاد المالكي حكومة وحدة وطنية عمل بعضها على تفتيت الوحدة الوطنية وإفشال مهمة الحكومة .. مستغلين الأوضاع الأمنية التي وفرها لهم الإرهاب فباتوا يتطفلون على الحكومة ويطالبون بحصص أكبر من وزنهم السياسي والديمغرافي .. فكان التجييش الإعلامي واسعا لإضعاف حكومة المالكي عبر الفضائيات والصحافة العربية .
لكن المالكي الذي يتمتع بتأييد اكثر من (80%) من مختلف شرائح الشعب العراقي .. كان ومازال أقوى من كل المؤآمرات التي تحاك ضده ولم تضعفه محاولاتهم وضرباتهم لأن الضربة التي لا تقصم الضهر تقويه .
فواصل المالكي ضرب الإرهاب وبناء الدولة .. مع ما لهذه التحركات الطائشة من تاثيرات على التوجهات السياسية للحكومة الأميركية ورئيسها بوش الذي اخذ يتخبط في تصريحاته بين الفينة والأخرى فأدلى بتصريحات متناقضة إزاء الحكومة والمالكي .
إستطاع المالكي بحنكة سياسية أن يعمل على إعادة خارطة سياسية جديدة لعراق ما بعد صدام .. فوضع خطته الجديدة التي إختصرت الأزمة الأمنية كونها إنعكاسا للأزمة السياسية فاحرج السياسيين ووضعهم أمام مسؤولياتهم .. ومضى في إكمال فصول خطته (توسيع المشاركة السياسية ، المضي في مشروع المصالحة الوطنية ، تطبيق أطر وآليات لخلق توازن في مؤسسات الدولة ، إبعاد الوزارات عن التجاذبات السياسية او الطائفية عبر تعديلات وزارية جديدة ... الخ) .
هذا وغيره ستجدونه في هذا الكتاب الموسوم (حكومة الوحدة الوطنية تحديات وإنجازات) وهو باكورة سلسلة (متابعات سياسية) تقدمها (المؤسسة الإسلامية للدعوة والتبليغ والإرشاد) للمساهمة في تشكيل الوعي السياسي والثقافي في العراق .. من خلال ملاحقة الحدث السياسي بالتحليل والدراسة وتتبع الدراسات والتقارير والمقالات في مختلف الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت العالمية والإقليمة والمحلية .. ولا تلتزم المؤسسة في سياستها الحياد بين الحق والباطل وإنما تقف بقوة مع الحق مع وحدة العراق وإسلاميته وسيادته وامنه ونموه ونجاح تجربته السياسية الجديدة .
النجف الأشرف
صفر الخير 1429